الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة - الحميمة - بين الخيانة والدولار - الجزء الاول

نجم الدليمي

2007 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


خطة البحث:
أولاً: محاضرة رخيصة الثمن.
ثانياً: شهادة حية على التخريب.
ثالثاً: بعض «منجزات» الرئيس الروسي بوتين.
رابعاً: إلى أين يتجه العالم في ظل ما يسمى بالعولمة؟
خامساً: القوات العسكرية الأمريكية في الاتحاد السوفييتي!!
سادساً: أمريكا ومشروع الحكومة العالمية.
سابعاً: «القياصرة الحمر» بين الماضي والحاضر.
ثامناً: ما هو مصير خونة الفكر؟
تاسعاً: إجراءات ملحة.
عاشراً: مصادر البحث.



أولاً: محاضرة رخيصة الثمن:
الخيانة: نقص الإخلاص للقضية المشتركة، لعرى الحب والرفاقية والتضامن، للمصالح الطبقية والقومية، والخلقية الشيوعية تؤكد على ضرورة المدخل التاريخي العياني في تقييم الإخلاص والخيانة، وترى الماركسية، أن الخيانة في الميدان الاجتماعي ـ السياسي تعني خيانة المثل التقدمية والانتقال إلى طرق الرجعية والتراجع عن القضية العادلة وليس العكس، والخيانة الطبقية ـ السياسية تقترن، عادة باللامبدئية والجبن السياسي والمصالح النفعية الأنانية. وقد كان ماركس وأنجلز ولينين وستالين يدينون بحزم، ارتداد ومروق الأشخاص الذين خانوا قضية تحرير الكادحين ويبينون رجعية تصرفاتهم وأفعالهم.
حديثاً التقى ميخائيل غورباتشوف بأساتذة وطلبة جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، وبدأ يكشف المزيد ثم المزيد من معدنه الأصفر المتأكسد حتى النخاع إذ بدأ محاضرته بالأتي:
لقد تحدث غورباتشوف عن «الشيوعية» التي خدمها! ولفترة طويلة من العمل الحزبي «الجاد»! والذي بدأ منذ عام 1950 وحتى عام 1991، ناهيك عن «نشاطه الكبير» في منظمة الكمسمول اللينيني، إذ وصف «نشاطه الشيوعي» الذي تجاوز الـ 40 عاماً ما هو إلا عبارة عن «دعاية لا أكثر ولا أقل»! ثم يؤكد على أن «الشيوعية كانت مجرد فكر للدعاية فقط»!! وكما تحدث عن سنوات ما يسمى بالبيروسترويكا سيئة الصيت والتي من خلالها تم تقويض الاتحاد السوفييتي، إذ أكد على أن «النظام السوفييتي كان نظام مصطنع وهمي»! وأن البيروسترويكا هي التي وضعت حداً لنهاية الشيوعية؟!
ويستطرد غورباتشوف في محاضرته ـ المدفوعة الثمن وبالدولار الأمريكي ـ إذ قال: «كلنا ـ أي أنا وفريقي (المقصود هو و الفريق الماسوني ـ الصهيوني والطابور الخامس الذي ظهر في قيادة الحزب والسلطة في ظل البيروسترويكا ـ صنيعة قوى الثالوث العالمي) وابتداء مني، كنا قد تحدثنا وشرحنا وكتبنا الكثير عن حركة تطور النظام الرأسمالي وحتمية انهياره وحلول الكارثة به». وبنفس الوقت يؤكد غورباتشوف (غوربي): «كنا أنا وفريقي نوضح ونكتب بأننا (المقصود الاتحاد السوفييتي) نسير على الطريق والاتجاه السليم والصحيح، في حين أن حقيقة الأمر كان كل عملنا هو عمل دعائي وإعلامي في حين واقع الحال أن بلادنا كانت متخلفة بالمقارنة مع الغرب»!
لقد خدع غورباتشوف وفريقه الغالبية المطلقة من أعضاء الحزب الشيوعي والشعب السوفييتي وحتى غالبية الأحزاب الشيوعية العالمية بسلوكه ونهجه البيروسترويكي الخياني، إذ أنه قاد حزبه وشعبه إلى الطريق المجهول ـ المعلوم، وعلى ما يبدو، يريد غورباتوشف وعن قصد مسبق ومعرفة كاملة أن يتناسى الدور التأمري لقوى الثالوث العالمي التي ناصبت كل العداء لثورة أكتوبر الاشتراكية وللنظام الاشتراكي ومنجزاته الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والعسكرية منذ عام 1917 ولغاية اليوم، إذ وضعت هذه القوى كل ما لديها من أموال وخبرات وشراء الذمم وزرع العملاء في قيادة الحزب الحاكم والسلطة بهدف تقويض الاتحاد السوفييتي، وإن قوى الثالوث العالمي، هي التي كانت وراء تكوين قوى الثورة المضادة التي أشعلت الحرب الأهلية خلال الفترة (1918 ـ 1922). وإن هذه القوى هي التي كانت وراء إشعال الحرب العالمية الثانية سواء كان دورها بشكل مباشر أو غير مباشر وكان هدفها وهدف هتلر النازي واحد، إذ أعد هتلر خطته المعروفة بـ «خطة بارباروس» التي تهدف إلى القضاء على الاتحاد السوفييتي، إلا أن هتلر فشل في تحقيق هدفه،وإن هذه القوى ـ أي قوى الثالوث العالمي ـ هي التي كانت وراء إشعال الحرب العالمية الثالثة أو ما سميت بـ «الحرب الباردة» التي امتدت ما يقارب من نصف قرن وكان هدفها الرئيسي هو تقويض دولة الاتحاد السوفييتي، ومما يؤسف له وجدت هذه القوى الظالمة أنصاراً لها ومؤيدين عملاء في قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي في منتصف الثمانينات من القرن الماضي ومن أهم هذه الرموز هم غورباتشوف، وياكوفيلف، وشفرنادره، ويلتسين، وأرياتوف،وبريماكوف،ومدفيدوف، وأليغ كالوكيين، وأركادي فولسكي، وكرافجكوك....، إذ قدم هؤلاء «القادة» دولتهم العظمى قرباناً و... مجاني او بثمن بخس للإمبريالية العالمية بقيادة أمريكا، وكما يحاول خونة الفكر أن يتناسوا ثمن الانتصار الكبير على الفاشية الألمانية ودحرها، إذ كلف هذا النصر 30 مليون شهيد وان الحزب الشيوعي السوفييتي بقيادة ستالين قدم أكثر من 3 مليون شهدي من خيرة قيادته وكوادره وأعضاءه، هذه التضحية الكبيرة هي التي أنقذت المجتمع البشري من طاعون وخطر الفاشية الألمانية وعاش العالم خلال نصف قرناً نوعاً من الاستقرار السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي النسبي ويعود سبب ذلك إلى قوة النظام الاشتراكي الاقتصادية والعسكرية بالدرجة الأولى، وليس من باب المصادفة أن تتطابق أهداف قوى الشر العالمية المتمثلة بالفاشية الألمانية وقوى الثالوث العالمي مع أهداف «قادة البيروسترويكا» من أجل تقويض الاتحاد السوفييتي والسلطة السوفيتية والنظام الاشتراكي في الجزء الهام منه الذي يمثله الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية.
يؤكد ميخائيل غورباتشوف أن: «التغيرات التي حدثت (المقصود اغتيال الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية ومنجزات الاشتراكية)، لم تكن عملية سهلة»!! ثم يتابع غورباتشوف محاضرته أمام الأساتذة والطلبة الأمريكان إذ أكد على أن البيروسترويكا قد خرجت من سيطرته ورقابته!! يحاول غورباتشوف أن يتناسى أن قوى الثالوث العالمي قد وضعت له ولفريقه سيناريو محدد وخاص ألا وهو العمل من أجل إسقاط الاتحاد السوفييتي، وبنفس الوقت فإن هذه القوى قد وضعت سيناريو آخر احتياطي إلى بوريس يلتسين وفريقه مواز ومكمل لسيناريو غورباتشوف لنفس الهدف في حال فشل غورباتشوف في تحقيق السيناريو الموضوع له. يقول غورباتشوف في عام 1991 استلم بوريس يلتسين السلطة في روسيا وأصبحت كل السلطة في يده!! وفي 25/12/1991 أعلن غورباتشوف استقالته من رئاسة الحزب الشيوعي السوفييتي ودعا إلى حل الحزب الشيوعي السوفييتي؟!.
من هو بوريس يلتسين؟: بوريس نيوكولايفييج يلتسين، من مواليد عام 1931، عضو الحزب الشيوعي من عام 1961 ولغاية عام 1991، سكرتير أول اللجنة الإقليمية لمقاطعة سفيردلوفسكي، ثم سكرتير أول اللجنة المنطقية لمدينة موسكو، ثم مرشح المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي، وفي عام 1991 أصبح رئيس دولة روسيا الاتحادية ولغاية عام 1999، وفي عام 1991 حصل على وسام مالطا الماسوني ويعمل مستشاراً في المحافل الماسونية العالمية ومنها اللجنة الثلاثية ومجلس العلاقات الدولية، ونادي يبلدبربيغ منذ عام 1990.
يؤكد غورباتشوف للحضور: «عملنا نحن سوية»( المقصود غورباتشوف وفريقه ويلتسين وفريقه) وبشكل تدريجي من أجل الانتقال إلى الديمقراطية وتعهد يلتسين أمام الشعب الروسي سوف يبدأ بتحريك وتطوير الاقتصاد وبناء «الجنة» وبشكل سريع، وكما أكد غورباتشوف للحضور أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد ورث تركة ثقيلة (المقصود ما يسمى سياسة الإصلاح الاقتصادي وحسب وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين التي طبقها يلتسين وفريقه منذ عام 1992 ولغاية 1999 وإن الرئيس بوتين لازال مستمر في تطبيق هذه الوصفة) وبالنتيجة فاليوم يتطلب من الرئيس بوتين عمل مبادرة اقتصادية جديدة من أجل معالجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وكل أملنا هو معلق على الرئيس بوتين لأنه يمثل الأمل الأخير للبلاد؟!
نعتقد، أن ميخائيل غورباتشوف لا يملك أي مبدأ في حياته، وهدفه الأول والأخير أن يكون في المقدمة ودائم التواجد في المسرح السياسي على الصعيدين المحلي والدولي، فهو الشخص الأول في الحزب وهو الشخص الذي قاد التخريب وهو الشخص الأول في عملية النهج التخريبي والانتهازي والخياني. إن غورباتشوف شخص استفزازي ويجيد حياكة السيناريوهات والتآمر ضد رفاقه في قيادة الحزب وأن أحداث أب عام 1991 خير دليل على صحة ذلك، وأن غورباتشوف وافق على مقترح رفاقه في قيادة الحزب فيما يخص إعلان حالة الطوارئ في آذار عام 1991، وهو الذي قوض نتائج الاستفتاء الشعبي في أيار عام 1991، إذ صوت الشعب السوفييتي بنسبة 76% لصالح بقاء الاتحاد السوفييتي، وهو الذي هيئ كل الظروف السياسية والاقتصاديةـ الاجتماعية بالتنسيق مع ما يسمى بالقوى الديمقراطية الروسية المدعومة من قبل الغرب الإمبريالي بقيادة أمريكا ونصب الكمين (الفخ) لرفاقه أعضاء لجنة الطوارئ في أب 1991.
وكما نعتقد،إن غورباتشوف قوض دولته العظمى وبالمجان ومن دون حرب عالمية لصالح الغرب الإمبريالي بشكل عام ولصالح الإمبريالية الأمريكية بشكل خاص، فهو اليوم يعمل وبشكل علني في أكثر من محفل ماسوني ويتجول في العواصم الغربية من أجل التخريب الأيديولوجي للفكر الشيوعي وبالمقابل يحصل على الدولارات الأمريكية فهو لن يتأثر بما حدث للاتحاد السوفييتي والشعب السوفييتي والحزب الشيوعي السوفييتي من مأس وكوارث اجتماعية واقتصادية وسياسية وعسكرية...
ونعتقد، أن أيديولوجية غورباتشوف الرئيسية هي جمع المال ثم المال ثم المال وبغض النظر عن الأسلوب أو الطريقة التي يتم بها جمع الدولار الأمريكي، فهو شخص متناقض في سلوكه إذ يقول شيء وينفذ شيء آخر وبنفس الوقت يتصف بالدكتاتورية في عمله الحزبي وخاصة عندما أصبح رئيس الحزب والدولة وكل طروحاته وأفكاره تحمل طابع الازدواجية في المعنى، وهذا هو سلوك الانتهازيين والتحريفيين. إن غورباتشوف كان في داخله شخص موال للغرب الإمبريالي ومتأثر بالقيم الغربية، ولكن هذه الموالاة لم يعلنها عندما كان عضو وكادر متقدم في الحزب، إلا أنه أعلن عن معدنه الأصفر عندما تولى رئاسة الحزب والدولة ونفذ هدفه وهدف أسياده الغربيين تحت السيناريو السيء الصيت ألا وهو البيروسترويكا.
وليس من باب الصدفة أن يحصل غورباتشوف على جائزة نوبل للسلام لأن «الجهد الكبير» الذي قدمه للغرب الإمبريالي وخاصة المصالح الإمبريالية الأمريكية كان كبيراً ولا يمكن أن يقدر بثمن أصلاًَ، فهو قام بتفكيك دولته العظمى على دويلات «مستقلة» وبنفس الوقت تم تقويض بلدان أوروبا الشرقية، وأضعف وأربك الحركة الشيوعية العالمية. وإنه لو لم ينجز ذلك، فما هي أسباب منحه جائزة نوبل للسلام؟ وكما حصل غورباتشوف على لقب «الشرف الألماني» أو «أحسن ألماني» ويعد هذا أعلى وسام في المانيا الغربية، وسبب حصوله على هذا اللقب، لأنه باع ألمانيا الديمقراطية لصالح ألمانيا الغربية وبثمن بخس وحتى هذا الثمن البخس لم يحصل عليه؟! وأخيراً حصل غورباتشوف على 70 ألف دولار كثمن رخيص لمحاضراته البائسة والجوفاء.

ثانياً: شهادة حية على التخريب:
نورد شهادة حية على الدور التخريبي والتحريفي الذي قام به غورباتشوف ـ ياكوفليف ـ شفرنادزه ـ يلتسين خلال الفترة من 1985 ولغاية 1991 وهذا النهج لايزال مستمر لغاية اليوم، إذ نشرت جريدة روسيا السوفيتية بتاريخ 11/4/2002 مقابلة مع كمر عثمان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي السابق نورد أهم الأفكار والشهادات الحية التي طرحها كمر عثمان وهي الآتي:
لقد قدمت مقترحاً في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي المنعقد في ايلول عام 1988، من الضروري أن يعطي لجمهورية تتاريا وضع خاص وأهمية معينة لأنها بلد غني في النفط والزراعة..، ووزن هذه الجمهورية المحلية من الناحية الاقتصادية يعادل كل جمهوريات البلطيق..، وبعد الانتهاء من إلقاء كلمتي، فجأة قدم غورباتشوف مقترحاًَ مباشراً يؤكد على تقديمي (المقصود كمر عثمان) إلى عضوية سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، (كان غورباتشوف دائماً يبحث عن القيادين والكوادر في الحزب من ذوي الاتجاهات القومية والانفصالية وكذلك العناصر الانتهازية والتحريفية من اجل تقديمهم لقيادة الحزب والسلطة (التنفيذية والتشريعية) من أجل تمرير مخططه التخريبي للحزب والسلطة والنظام الاشتراكي وعندما نظرت إلى غورباتشوف على مقترحه المفاجئ أجابني غورباتشوف، لماذا يا رفيق كمر عثمان تنظر إلي هكذا؟ أنظر حتى بوريس يلتسين صوت لصالحك، أخرج للجماهير وحدثهم بمقترحك!!
يؤكد كمر عثمان: إن هدف غورباتشوف من اقتراحي، كان يريد استخدامي كورقة لإثارة القضايا القومية، وفي تلك الفترة بدأت ملامح تفكك الاتحاد السوفييتي إلى الوجود وكانت بداية ذلك كانت جمهوريات البلطيق وخاصة في جمهورية لاتفيا، وعندما سافر الأكسندر ياكوفليييف عضو المكتب السياسي للحزب إلى جمهورية لاتفيا لتهدئة الأوضاع، إلا أنه لم يفعل شيء إيجابي، بل العكس وعند رجوعه قال: «كل شيء طبيعي في الجمهورية والشعب اللاتفي يحتفل بالديمقراطية»؟! في حين كان واقع الحال هو أن الجبهة القومية في لاتفيا وبعض «الأحزاب» صنيعة الإمبريالية الأمريكية «تناضل» ضد الحزب الشيوعي السوفييتي وتهدف إلى الانفصال عن الاتحاد السوفييتي، وكانت المظاهرات مستمرة وعمت الفوضى السياسية والاقتصادية في هذه الجمهورية وعملوا دمية لرئيس الحزب الشيوعي اللاتفي بوكا (عضو لجنة الدولة للطوارئ وزير الداخلية حتى عام 1991) وحرقوها، بعد ذلك قام غورباتشوف بسحب سكرتير الحزب الشيوعي اللاتفي إلى موسكو وتم تقديمه إلى عضوية المكتب السياسي ووزيراً للداخلية؟!
يشير كمر عثمان، لقد بدأت أفكر وبجدية عن سلوك غورباتشوف وما كان يصبو إليه من أجل تفكيك دولة الاتحاد السوفييتي، إذ تم إصدار مجموعة من القوانين التي تقوض الأساس السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي للنظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي ومنها «قانون التعاون، قانون الاستثمارات، قانون (جاف) يمنع تعاطي المشروبات الكحولية بهدف الحفاظ على تماسك الأسرة السوفيتية؟!، إذ تم قلع أشجار الكروم وخاصة في جمهورية ملدافيا السوفيتية وبدأت الطوابير على (الفودكا) وبعد ذلك لجأ غالبية المواطنين وخاصة في الريف إلى تصنيع الكحول وخاصة من السكر الرخيص وبالنتيجة ظهرت أزمة السكر من جهة وظهور حالات الوفيات بسبب تسمم الكحول..، وفي جمهورية تتاريا تم تكسيرأكثر من 3000000 قنينة فودكا! (بالنتيجة تقلصت عوائد الدولة إذ كانت تشكل نسبة مساهمة المشروبات الكحولية في الميزانية الحكومية ما بين 25 ـ 30 %) وبدأ غورباتشوف بحجة «الديمقراطية» العمل على إجراء «انتخابات» في المنظمات الحزبية ومؤسسات الدولة المختلفة، كان الهدف الرئيسي هو تقديم العناصر المؤيدة لغورباتشوف، وإن قائمة الحزب هي التي تحظى بالفوز. (إلا أن الدراويش في الحزب اعتقدوا أنه إجراء سليم من أجل تجديد دم الحزب وبالتالي ضمن غورباتشوف وفريقه غالبية القيادات والكوادر في الحزب وكذلك مؤسسات الدولة وغالبية هؤلاء عناصر لاتحظى بالكفاءة العلمية أو الإدارية، بل هدفها الرئيسي التخريب ونهب ثروة الشعب السوفييتي، وبسبب ذلك حلت الفوضى والإرباك السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي واختفت السلع الغذائية والدوائية الضرورية وظهرت السوق السوداء والمافيا التي تاجرت بقوت الشعب وعملت قوى الظل كل شيء من أجل إثارة نقمة الشعب على الحزب الشيوعي السوفييتي بدليل اختفت تقريباً كل السلع ومنها الملح، الكبريت، الصابون وحتى الخبز، وأصبحت مخازن الحكومة فارغة وحتى في ظروف الحرب العالمية الثانية لم يحصل ذلك، إذ كان المواطنون السوفييت يحصلون على حصصهم من السلع التموينية المخصصة لهم».
ويقول كمر عثمان: عندما رجعت إلى موسكو للتباحث حول تدهور الأوضاع في بلادنا وجدت أن غورباتشوف لديه مجموعة وياكوفليف لديه مجموعة، وليخشوف لديه مجموعة، وكل هؤلاء هم أعضاء في المكتب السياسي، وهذه القيادة، وهذه المجموعات لم تفعل شيء من أجل إنقاذ الوضع الذي يسير نحو الهاوية. بعد اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في شباط 1990 والذي تم فيه إلغاء المادة السادسة من الدستور السوفييتي التي تنص على قيادة الحزب للمجتمع والدولة، كتبت رسالة الاستقالة إلى قيادة الحزب، وعلى أثر ذلك تم استدعائي من قبل غورباتشوف وقال لي وبهدوء جداً: أنا قدمتك و قربتك مني لأي شيء؟ وعلى ما يبدو إنك لحد الآن لم تعرف لماذا قدمتك لقيادة الحزب، من أجل أن تساعدني ونعمل سوية من أجل تقويض هذا النظام! (التأكيد والخط من قبل الكاتب) هذا ما أبلغني غورباتشوف.
يوضح كمر عثمان، لا يمكنني أن اصدق ما قاله لي غورباتشوف وحتى أذني لم تستوعب ذلك واعتبرته في حينها نوع من المزاح (دراويش سياسيون) معي، وفي اليوم الثاني قال لي غورباتشوف: يجب أن تسافر إلى جمهورية فيتنام ولاؤس وكمبوديا لأن قيادة الحزب منذ عشر سنوات لم يقوموا بزيارة رسمية لهذه البلدان ويجب عليك أن تشرح لهم نتائج اجتماع اللجنة المركزية الذي عقد في شباط 1990، ويوضح كمر عثمان، من خلال لقائي بقيادة هذه الدول تبين لي أنهم ليسوا بحاجة إلى نصائحنا، بل هم أخذوا توجهات سياسية قريبة لنهج جمهورية الصين الشعبية. وبعد عودتي من هذه الزيارة التقيت بغورباتشوف وشرحت له لقائي مع قادة هذه الجمهوريات وأبلغته بأن هؤلاء القادة يسيرون وفق نهج التحولات في الصين وأن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية جيدة، انزعج غورباتشوف من ذلك وأجابني بعصبية، هل تعرف لماذا أرسلتك؟ اعتقدت بأنك سوف تشرح لهم تجربتنا (حقاً إنها تجربة «فريدة» من نوعها ولا يمكن أن تتكرر مرة ثانية، ألا وهي أن غالبية قيادة الحزب تصبح خائنة لفكرها وشعبها وتقوض حزبها ودولتها بالمجان لصالح الإمبريالية العالمية وخاصة الأمريكية ألا وهي تجربة البيرورسترويكا) فأي تجربة صينية تتحدث عنها وأي سوق اشتراكي صيني تقول، يجب أن تقوض هذه الأنظمة... بعد ذلك وصلت إلى قناعة كاملة بأن غورباتشوف لم يمزح معي (صح النوم) إذ قلت له: أنا لا أفهمك يا غورباتشوف، أجابه غورباتشوف: أنت لا تفهم ولاتريد أن تفهم، أجبته: أنا لا أفهم ذلك وأرفض ذلك أيضاً، رد عليه غورباتشوف: اذهب إلى الشيطان... فلنذهب سوية لتناول قدح من القهوة عسى أن تستطيع أن تفهم ما أريده منك.
ثم يتابع كمر عثمان حديثه ويقول: بعد ذلك حدثني غورباتشوف وبهدوء جداً إذ قال: «نريد أن نقوض هذه الأنظمة ( المقصود جمهورية الصين الشعبية وجمهورية فيتنام ولاؤس وكمبوديا) وليس الأخذ بتجربة الصين. وبعد هذا اللقاء رجعت إلى جمهورية تتاريا وأنا محبط ولم أصدق ما قاله غورباتشوف، بعد ذلك قدمت مرة ثانية استقالتي من الحزب، ورفض غورباتشوف مرة ثانية استقالتي، بل والأكثر من ذلك مزق رسالة الاستقالة وطردني من مكتبه وتحدث معي بكلمات بذيئة ، بعد ذلك قدم غورباتشوف مقترحاً لي، يمكن تعيينك سفيراً في إحدى البلدان الأوروبية، رفضت المقترح، بعد ذلك قدمت رسالتي الثالثة للمؤتمر 28 للحزب الشيوعي السوفييتي الذي عقد في تموز 1990 (مؤتمر الخيانة العلنية وكل قراراته كانت ضد الشعب السوفييتي والنظام الاشتراكي السوفييتي وضد السلطة السوفيتية، وأصبح بعد هذا المؤتمر الحزب الشيوعي السوفييتي، حزب اشتراكي ـ ديمقراطي) وأعلن غورباتشوف بأن الرفيق كمر عثمان قدم استقالته من قيادة الحزب وأن قيادة الحزب وافقت على قبول استقالته وقمت بعد ذلك بتسليم البيت ومحتوياته للحزب ورجعت مع عائلتي على كازان عاصمة جمهورية تتاريا.
يؤكد كمر عثمان على سلوك ودكتاتورية غورباتشوف، ففي لحظة واحدة تم إبعاد 20 من قيادة الحزب بدرجة وزير ونائب وزير ومدير مصنع.....، وحلت محلهم عناصر لا تتصف لا بالمبدئية ولا بالنزاهة والإخلاص وهذه العناصر لا تختلف من حيث سلوكها عن سلوك غورباتشوف وياكوفليف وشفرناده ويلتسين، وبدأ غورباتشوف من خلال زياراته المكثفة واللقاء بالجماهير (إنه سلوك خبيث يحاول كسب ثقة الجماهير ودغدغة مشاعرها في ظل ضعف الوعي السياسي لهذه الجماهير) إذ يخاطبهم ويقول عليكم أن تعملوا من تحت (المقصود «تنظيف» الحزب ومؤسسات الدولة من العناصر الرافضة للبيروسترويكا) ونحن (المقصود غورباتشوف وفريقه يعملون على إزاحة العناصر القيادية الرافضة للنهج الخياني، نهج البيروسترويكا) نعمل من فوق.
نعتقد، أن أحداث أب عام 1991، أي «الانقلاب الديمقراطي» تم التخطيط والإعداد والتنفيذ له من قبل واشنطن ولندن وباريس وبالتنسيق مع غورباتشوف وياكوفيلف، وشفرنادزه ويلتسين، من أجل تقويض الحزب والنظام الاشتراكي السوفييتي، وإن سيناريو اعتقال غوبارتشوف في القرم ما هي إلا لعبة قذرة من أجل إظهار عدوانية أعضاء لجنة الدولة للطوارئ أمام عيون البسطاء من الشعب السوفييتي، لو كان هناك قراراً بالاعتقال لأمكن لأعضاء لجنة الدولة للطوارئ من تنفيذ ذلك، علماً أن ا لمشاركين في هذه اللجنة رئيس جهاز المخابرات السوفييتية ووزير الدفاع السوفييتي ووزير الداخلية...، وإن غورباتشوف وفريقه كانوا مصرين على تنفيذ المخطط الإمبريالي الهادف إلى تقويض السلطة السوفيتية ومنجزاتها، بدليل عندما عقد كل من يلتسين وكرافجكوك وشوشكيفيج اجتماعهم في العاصمة مينسك وقرروا حل الاتحاد السوفييتي، ولم يتم اعتقالهم لا من قبل جهاز المخابرات السوفييتي ولا من قبل وزارة الدفاع السوفييتية، ولا من قبل وزارة الداخلية السوفيتية، لان غورباتشوف كان هو رئيس الحزب والدولة وهذه المؤسسات تابعة مباشرة لقيادة غورباتشوف على اعتباره القائد العام للقوات المسلحة وبنفس الوقت فإنه لم يصدر أمراً باعتقال خونة الفكر وهم بوريس يلتسين رئيس جمهورية روسيا وكرافجكوك رئيس جمهورية أوكرانيا وشوشكيفيج رئيس البرلمان البيلاروسي، وإن هؤلاء الخونة لم يحصلوا على تخويل أو تأييد لا من الشعب السوفييتي ولا من قبل أعضاء وكادر الحزب الشيوعي السوفييتي وبنفس الوقت فإن هؤلاء ا لثلاثة خرقوا الدستور السوفييتي بشكل علني وضربوا عرض الحائط نتائج الاستفتاء الشعبي الذي تم في عام 1991،و كان على الجهات الثلاث أن تتخذ قرارات حاسمة وجريئة من اجل الحفاظ على دولتهم العظمى، وإن كل ذلك كان يجب ان يتم وفق الدستور الاشتراكي السوفييتي الذي أقره مجلس الشعب ومجلس النواب السوفييت ولكن «الله غالب».!
يطرح سؤال مشروع وهو: إن الحزب الشيوعي السوفييتي بلغ عدد أعضاءه 18 مليون عضو، ويملك إحدى أكبر مؤسسة مالية في العالم وهي الـ«كي. جي. بي» وأحد أقوى جيوش العالم عدة وعدداً ووزارة داخلية تملك كل شيء لمنع وقوع أي كارثة.. ولكن كل هؤلاء لم يستطيعوا الحفاظ لا على الحزب ولا على السلطة السوفييتية، نعتقد ذلك يعود لأسباب عدة منها :
1. غياب الديمقراطية ـ الاشتراكية داخل الحزب والمجتمع السوفييتي والابتعاد التدريجي عن النظرية الماركسية ـ اللينينية وخاصة منذ أواسط الثمانينات.
2. ضعف الوعي السياسي والطبقي لدى الغالبية العظمى من أعضاء وكوادر الحزب الشيوعي السوفييتي.
3. تركز السلطة في يد شخص واحد فقط ألا وهو رئيس الحزب والدولة. والغريب بالأمر، أن الشعب السوفييتي يتصف بميزة خاصة به فقط ـ كما نعتقد ـ ألا وهي منح الثقة المطلقة للرئيس سواء كان رئيس الحزب أوالدولة، هذه الصفة (الإيمان المطلق) يعني في علم السياسة والاجتماع دروشة سياسية تتعارض مع الفكر والمنهج العلمي الاشتراكي.
4. غياب المبادرة الثورية الحاسمة من قبل قيادات الحزب وقيادات جهاز المخابرات والدفاع والداخلية ومجلس نواب الشعب السوفييتي. ويمكن أن نبين بعض التجارب بالرغم من الاختلاف في الهدف والوظيفة والجانب الأيديولوجي ألا وهي مؤسسات النظام الرأسمالي ومؤسسات النظام الاشتراكي، فمثلاً معروف تجربة ودور (C.I.A) من حيث دورها في المجتمع والنظام الأمريكي، فمن كان وراء اغتيال الرئيس الأمريكي كيندي؟ دور الجنرالات الأتراك من أجل الحفاظ على النظام التركي معروف للجميع. فأين دور الـ«كي.جي.بي» وأين دور الدفاع السوفييتي،وأين دور الطبقة العاملة وأعضاء الحزب الشيوعي السوفييتي؟ فلو كان موجود ستالين على رأس الحزب الشيوعي ودرجينسكي على رأس جهاز المخابرات السوفييتية، والمارشال جوكوف على راس القوات المسلحة السوفييتية لما حدث ما حدث للاتحاد السوفييتي منذ عام 1985 ولغاية اليوم، وفي النهاية فالحزب هو المسؤول عن كل ماحدث.

ثالثاً: بعض «منجزات» الرئيس الروسي بوتين:
نعتقد، إن التدرج السريع للرئيس فلاديمير بوتين في هرم السلطة التنفيذية كان يقف خلفه الأوليغارشية البيروقراطية الروسية وقوى اقتصاد الظل.. بزعامة الملياردير بوريس بيرزوفسكي وأنصاره، وإن هذه الفئة الطفيلية هي أيضاً التي أوصلت بوريس يلتسين للسلطة منذ عام 1991 ولغاية عام 1999،ووظفت كل ما لديها من أموال وخبرة بالتنسيق مع أمريكا ومؤسسات صندوق النقد والبنك الدوليين من اجل فوز يلتسين بالانتخابات الرئاسية للمرة الثانية التي حدثت في عام 1996، بالرغم من أن شعبية يلتسين وصلت إلى 6% ولكن «بالانتخابات الديمقراطية» على النموذج الأمريكي يمكن تحقيق الفوز لرئيس يحضى بشعبية متدنية جداً جداً.
إن الأولغارشية الروسية وحلفائها في الداخل هي التي أوصلت بوتين للسلطة على أمل أن يحقق كامل طموحاتها وأهدافها، ولكن الملاحظ اليوم أن الأوليغارشية الروسية منقسمة على نفسها ـ ولا يستبعد من أن هذا الانقسام ذو طبيعة ظاهرية مؤقتة ـ فقسم منها تؤيد وتساند الرئيس بوتين بهدف الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية، وثروتها غير المشروعة، والقسم الآخر بزعامة بيرزوفسكي..، يسعون من أجل تقويض نظام بوتين، وحسب رأي قادة حركة «روسيا الليبرالية» فإن تحقيق هذا الهدف يمكن أن يتم وفق الأسلوب البرلماني (نعتقد أن هذا احتمال غير قابل للتحقيق بالنسبة لهم على المدى القريب) وعبر الأسلوب غير البرلماني، وإن هذه الفئة من الأوليغارشية ليس لديها تناقض أيديولوجي مع النظام الحاكم في روسيا، إذ أن طابع الخلافات هو طابع يتسم بالشخصية بالدرجة الأولى إضافة إلى رغبتهم الكبيرة في الاستحواذ على كامل السلطة وثروة الشعب.
وكما نعتقد، إن بقاء الرئيس فلاديمير بوتين في دفة الحكم أو احتمال انتخابه للمرة الثالثة ـ والتي يشك فيها ـ هو رهين بموقفه من سياسة أمريكا وشروطها السياسية والاقتصادية والعسكرية بالنسبة لروسيا، فأي معارضة للنهج أمريكا التوسعي من قبل الرئيس بوتين سواء فيما يخص مصالحها في روسيا وبلدان الرابطة المستقلة أو على الصعيد العالمي، يعني ذلك نهاية حكمه، فمن الصعب أن يتصور المرء لو اتخذ بوتين موقفاً آخر غير الموقف الذي اتخذه من حادث 11/9/2001، فما هو مصير الرئيس بوتين؟ ويمكن لأمريكا في حالة شعورها أن الرئيس بوتين بدأ يعارض سياستها سواء فيما يخص روسيا أو على الصعيد العالمي، فهي لديها الإمكانية في تجميع كل الأوليغارشية وقوى اليمين الروسية وقوى اقتصاد الظل في «جبهة» واحدة من اجل إبعاد بوتين عن الحكم وعبر كل الطرق سواء كانت برلمانية أو غير برلمانية، إذ لدى أمريكا عشرات «القنابل» الموقوتة ضد النظام الحاكم في روسيا تستطيع تفجيرها وبالوقت المناسب، لأن الأوليغارشية البيروقراطية الروسية وقوى اليمين الروسية وقوى اقتصاد الظل لديهم أهداف مشتركة من أهمها الاستحواذ على السلطة وثروة الشعب وبأي وسيلة كانت، والعمل على عدم عودة الشيوعيين للسلطة وبأي وسيلة كانت، والموافقة الكاملة والتامة مع نهج أمريكا وعلى مختلف الأصعدة سواء داخل روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق أو على الصعيد العالمي، وبناء الرأسمالية.
وكما هو معروف، وخلال سنتين تدرج فلاديمير بوتين بشكل سريع، فمن عقيد متقاعد إلى رئيس جهاز المخابرات الروسية، ثم إلى رئيس الوزراء ثم إلى رئيس روسيا بالوكالة، ثم فوزه بالانتخابات «الديمقراطية» وبالجولة الأولى؟! وكان وراء كل ذلك الأوليغارشية الروسية بزعامة بوريس بيرزوفسكي، علماً أن بوتين لم يكن أصلاً سياسياً معروفاً لدى الشعب الروسي ولم يطرح أي برنامج سياسي واقتصادي ـ اجتماعي خلال فترة الانتخابات ولا حتى اليوم وإن سياسة بوتين وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي تصب لصالح الأقلية في المجتمع الروسي أي لصالح «الأغنياء الروس الجدد»، وإن هؤلاء هم كانوا وراء وصول بوتين إلى السلطة وبالتالي فهو ملزم أن يعمل لصالحهم، وبالنتيجة أصبح رهينة وجزء لايتجزأ من رأس المال الروسي سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر وبالنتيجة فإن مشاريعه السياسية والاقتصادية والأيديولوجية هي لصالح قوى اليمين الروسية وحلفاءها من ممثلي قوى اقتصاد الظل.
إن سياسة الرئيس بوتين في الميدان السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي منذ عام 2000 ولغاية اليوم ما هي إلا امتداد طبيعي لنهج وسياسة غورباتشوف ـ يلتسين «الإصلاحية»، بل يمكن القول أن بوتين أكثر إصراراً بالالتزام وتطبيق وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين، فهو مستمر في تنفيذ برنامج ما يسمى بالخصخصة وتشريع عدة قوانين اقتصادية عبر البرلمان الروسي الذي يخدم مصالح الأوليغارشية البيروقراطية الروسية وقوى اليمين والنخبة المافوية الحاكمة وليس مصالح الشعب الروسي، فأصبح البرلمان الروسي أداة تشريعية منفذة للرئيس بوتين وديوان الرئاسة والسلطة التنفيذية.
ويلاحظ أن سياسة النظام الحاكم هي سياسة طبقية في الميدان السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي تمثل مصالح الأوليغارشية الروسية بالدرجة الأولى، فالارتفاع المستمر لأسعار السلع الغذائية والدوائية و.... إذ زادت أسعار هذه السلع وغيرها خلال عامي 2000 و2001 بنسبة تتراوح ما بين 40 ـ 60 % بالمقارنة مع فترة حكم الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين ولازالت أسعار هذه السلع في تزايد مستمر وإن الزيادة في الأسعار تتم بالساعات وليس بالأيام والشهور وبالنتيجة أدت السياسة إلى انحطاط المستوى المعيشي للغالبية العظمى من المواطنين الروس، بدليل أن 86 % من سكان روسيا يعيشون في حالة فقر مطلق، وأن 55 % من هؤلاء المواطنين لا يستطيعون إنفاق دولار في اليوم، بل ينفقون 37 سنت في اليوم وإن 31% من هؤلاء المواطنين يعيشون ما بين دولار على دولارين في اليوم.
إن الزيادة المستمرة في الأسعار تعني التضخم النقدي ومن خلال هذا الأسلوب اللا شرعي واللا إنساني يتم إعادة توزيع الدخل الوطني لصالح الأوليغارشية والمافيا وبالتالي يتم نقل ثروة الشعب وتركزها في يد الأقلية الطفيلية التي ليس لها علاقة بالإنتاج المادي ويتعمق التفاوت الاقتصادي ـ الاجتماعي لصالح النخبة المافوية الحاكمة.
وكما يلاحظ أن متوسط الأجر في روسيا يتراوح ما بين 50 ـ 60 دولار في الشهر وهو أقل من 6 مرات من الحد الأدنى الضروري للمعيشة في حين مرتب اناتولي تشوبايس بلغ 20 ألف دولار وبعض المصادر أشارت إلى 50 ألف دولار، هذا هو مدير عام شركة الكهرباء في روسيا ومن «دعاة حقوق الإنسان والديمقراطية»!، وكما يلاحظ أيضاً انخفض الدخل الحقيقي لسكان روسيا لعام 2000 بـ 2.5 % بالمقارنة مع عام 1999، وانخفض الدخل الحقيقي للشغيلة بنسبة 17.2%، وإن دورة الدولار الأمريكي لعام 2000 هي 6 مرات أكثر من دورة الروبل في الاقتصاد الروسي. لقد بلغت مديونية روسيا الخارجية مع خدمة الدين 240 مليار دولار، وإن إجمالي المديونية الداخلية والخارجية لروسيا تتراوح ما بين 9 إلى 11 تريليون روبل، وبلغت مساهمة روسيا في الإنتاج الإجمالي العالمي 0.54 % ناهيك عن تدهور الإنتاج في القطاعات الإنتاجية الرئيسية ومنها الزراعة والصناعة، إذ بلغت نسبة انخفاض ا لإنتاج أكثر من 60%، وحسب خطة «الإصلاحيين ـ الديمقراطيين» الروس، فإن روسيا تحتاج إلى 100 سنة من اجل أن تصل إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي الياباني و200 سنة إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي وبشرط أن «تتوقف» عملية التطور الاقتصادي لهذه البلدان، وبعد عشر سنوات أي حتى عام 2011 يتوقع أن يصل متوسط الأجر والمرتبات في روسيا إلى 117 دولار في الشهر؟!
أما في الميدان الاجتماعي فيلاحظ تنامي الجريمة سواء كانت منظمة أو غير منظمة، إذ تشير التقديرات إلى حدوث 14 مليون جريمة في السنة، وهيمنة المافيا على أهم المفاصل الاقتصادية للاقتصاد الروسي، إذ تهمين اليوم على أكثر من 85 % من المؤسسات سواء كانت حكومية أو قطاع خاص، وتشكل نسبة مساهمة اقتصاد الظل في الناتج المحلي الإجمالي ما بين 60 إلى 90 %، تفشي الرشوة والفساد المالي وخاصة في قمة السلطة، وفي عام 2000 وحسب الإحصاءات الرسمية حدثت 376000 جريمة اقتصادية ويبلغ معدل نمو الجريمة الاقتصادية بـ 24% بالمقارنة مع عام 1999 والغريب في الأمر أن الجهات الرسمية ذات العلاقة غير ملزمة بالتحقيق بهذه الجرائم، بل تم تسجيل والتحقيق لـ 228 ألف جريمة؟!





الجزء الثاني

وكما يوجد في روسيا اليوم أكثر من مليون طفل يتيم يجوب الشوارع وأنفاق المترو ومحطات القطارات، وأكثر من 6 مليون طفل مشرد، وأن 6 مليون طفل لم يدخلوا المدرسة أو تركوها لعد أسباب وفي مقدمتها الأسباب الاقتصادية ووجود 20 مليون عاطل عن العمل ومن هنا تنشأ الجريمة، ففي حالة استمرار هذه الظاهرة الخطيرة فخلال السنوات العشر القادمة سوف تحصل على أكثر من 10 مليون شخص يحترف الإجرام والجريمة وهذا يعود إلى سياسة ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي، وكما يوجد أكثر من 30 مليون شخص مدمن على تعاطي الكحول، وفي عام 1997 توفي 100 ألف شخص بسبب الكحول المسممة وهذه الخسارة لوحدها تفوق بأكثر من 7 مرات مما خسره الاتحاد السوفييتي خلال عشر سنوات في أفغانستان، ويوجد في روسيا 20 مليون مواطن مصابين بأمراض القلب و40 مليون مواطن مصابين بارتفاع ضغط الدم وأكثر من 3 مليون شاب يتعاطى المخدرات، وزيادة معدل الوفيات عن الولادات بنسبة 15.6 % وتفقد روسيا يومياً وباعتراف كل المسؤولين الرسميين 2740 شخصاً أي ما يعادل مليون شخص في السنة، في حين تشير تقديرات أخرى أن روسيا بسبب سياسة «الإصلاح الاقتصادي» وخلال عشر سنوات أي خلال الفترة من 1992 إلى عام 2002، بـ 13 مليون شخص،وهناك تقدير آخر يشير إلى خسارة روسيا إلى 15 مليون شخص، وكما تؤكد رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تاتشر يجب ان يصل عدد سكان روسيا إلى 20 مليون نسمة.
وبسبب تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فإن روسيا تحتل المرتبة الأولى في العالم في أمراض القلب ويعود سبب ذلك إلى القلق الدائم حول العمل والمعيشة وتدهور مستوى الحياة، والمرتبة الثانية في العالم في ظاهرة الانتحار، إذ بلغت حالات الانتحار في عام 1996 ، 41 حالة من كل مائة ألف شخص والمرتبة الثانية في العالم بمرض الأورام وحوادث القتل، إذ يبلغ عدد حالات القتل لكل مائة ألف شخص 25.8 وأخطر ما تواجهه روسيا اليوم هو ظاهرة الانتحار وخاصة وسط رجال بأعمار تتراوح ما بين 20 إلى 59 سنة. وكما أصبح اليوم التعليم «مجاني» ولكن بالدولار الأمريكي ناهيك عن هيمنة المافيا الروسية وغير الروسية على الجامعات والمعاهد والمدارس المهنية.. ويلعب اليوم جورج سوروس المضارب المالي والماسوني ووثيق الصلة بالمخابرات المركزية الأمريكية والموساد دوراً تخريبياً لقطاع التعليم في رابطة الدول المستقلة وخاصة في روسيا، إذ جاء إلى الاتحاد السوفييتي عام 1987 (بعد أن تم طرده من جمهورية جيكوسلوفاكيا ورومانيا وهنغاريا) وأقام أوثق الصلات الحميمية مع غورباتشوف ويلتسين، وأعلن صراحة أنه يعمل من أجل تقويض دولة الاتحاد السوفييتي وخلال فترة حكم يلتسين للفترة ما بين 1992 ولغاية 1999 أقام أوثق الصلات مع قوى اليمين الروسية ومن أهم هؤلاء هم غايدار، بوربوليس، تشوبايس، وفي عام 1998 فتح فوند «صندوق» باسم «صندوق المجتمع المفتوح» والذي يمكن اعتباره محفل ماسوني وبشكل علني في روسيا وبقية جمهوريات الاتحاد السوفييتي ويعمل اليوم لصالح سوروس أكثر من 40 ألف عالم وخبير وبمرتب شهري 500 دولار (علماً أن البرفسور في الجامعة لا يتعدى مرتبه 100 دولار في الشهر) وأن النتاج العلمي لهؤلاء العلماء يتم نقله لصالح سوروس في أمريكا وغيرها من البلدان كما يعمل على ترويج «هجرة العقول» الروسية وغير الروسية إلى إسرائيل وأمريكا وألمانيا الغربية، إذ تشير التقديرات سنوياً إلى 100 ألف عالم وخبير، يهاجر من روسيا للغرب الإمبريالي وغيرها من الدول الأخرى.
إن نهج سياسة «الإصلاح الاقتصادي» ساعد وبشكل مرعب على تعمق التفاوت الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع الروسي وهذا التفاوت يفوق كل التصورات وهو مخالف أيضاً للمنطق، إذ يلاحظ ما بين 15 إلى 20 عائلة روسية تملك أكثر من 70 % من ثروة الشعب الروسي وأن أحد أهم أسباب هذا التفاوت هو تخلي الدولة عن دورها المنظم والموجه للموارد البشرية والمادية وتخليها أيضاً عن دورها الاقتصادي والاجتماعي وغياب الرقابة والتفتيش والمحاسبة لأن البرجوازية ترفض الرقابة والحساب على نشاطها، ويشير الباحث أندريه بتروفييج، تبلغ مبيعات الحكومة من مواد الخام الأولية (نفط، غاز، ألماس، الغابات...) سنوياً ما بين 40 إلى 50 مليار دولار، يدخل من ذلك في ميزانية الحكومة 2 مليار دولار فقط، أما بقية العائد فمصيره مجهول بالنسبة للشعب الروسي ومعروف طبعاً بالنسبة للنظام الحاكم لأن الأوليغارشية والمافيا تهيمن على أكثر من 85 % من موارد الشعب الروسي وتشكل نسبة ملكية الدولة اليوم في روسيا ما بين 10 إلى 15 % حسب نوع القطاع.
لقد عمل النظام الحاكم في روسيا وخاصة منذ منتصف عام 2001 ولغاية اليوم على تحويل السلطة التشريعية، أي مجلس الدوما (البرلمان) إلى أدوات طيعة ومنفذة تدار وتوجه من قبل ديوان هيئة الرئاسة (الكرملين) وبإشراف مباشر من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلال الفترة المذكورة أجريت تعديلات «جذرية» على البنية التركيبية والاصطفافات السياسية للسلطة التشريعية لصالح الرئيس بوتين والسلطة التنفيذية، وأصبحت السلطة التشريعية تنفذ سياسة وتوجهات السلطة التنفيذية، في حين من المفروض أن يحدث العكس تماماً في البلدان التي تدعي لنفسها أنها بلدان «ديمقراطية»! وإن السلطة التشريعية ضمن تركيبتها السياسية الحالية تخدم مصالح الأولغارشية الروسية والنخبة الحاكمة وليس مصالح الشغيلة، بدليل أن تركيبة المجلس الفيدرالي وحتى البرلمان فإن أغلبية الأعضاء هم إما المحافظين أو مساعديهم أو ممثليهم من «الديمقراطيين» الأغنياء والبرلمان لا يختلف من حيث المبدأ فأغلبهم من قوى اليمين الروسي وحلفاؤهم من «قوى الوسط» فهم رجال أعمال يملكون المؤسسات الإنتاجية والخدمية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وبالتالي فهم يشرعون القوانين التي تخدم وتحمي وتضمن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،و إن هدفهم الأول والأخير هو الاستحواذ على ثروة الشعب الروسي، فجمع المال وبأي طريقة كان هو الهدف رقم 1 بالنسبة لأعضاء البرلمان «الديمقراطيين»، فالمال والسلطة والإعلام في يدهم وبنفس الوقت يتمتعون بالحصانة القانونية التي تجنبهم المساءلة والمحاكمة، فأغلبية هؤلاء وصلوا للبرلمان عبر المال ثم المال، فضخ الأموال وشراء الذمم والتزوير.. هي صفات رئيسية للانتخابات «الديمقراطية» في ظل نظام الحكم البرجوازي، وأصبح البرلمان والسلطة التنفيذية ووسائل الإعلام المختلفة أدوات رئيسية لمعاداة الفكر الاشتراكي والشيوعي في روسيا وبقية جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.
وكما يلاحظ في ظل السلطة البرجوازية فالمال يكاد أن يعمل كل شيء في ظروف تدني مستوى الوعي السياسي الطبقي وانحطاط المستوى المعاشي للغالبية العظمى وفي ظروف انتهاج سياسة إرهابية غير معلنة ضد اليسار وبنفس الوقت فالرأسمال البرجوازي يسعى وبكل الوسائل والطرق لاختراق الأحزاب الشيوعية وشراء وإغراء البعض منهم وخاصة في القيادة أو العمل على شق الحزب الشيوعي، أي أن الرأسمال البرجوازي إحدى وظائفه هي التخريب ومعاداة الفكر الشيوعي وتزوير الحقائق الموضوعية والعمل ضمن مقولة «اكذب ثم اكذب ثم ا كذب حتى يصدقك المواطنين».
إن معاداة الشيوعية هي الجوهر الرئيسي لما يسمى بالعولمة الأمريكية ويحاول بعض الحكام «الديمقراطيين» سواء في رابطة الدول المستقلة أو غيرها من البلدان بما فيها بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبشكل علني معاداتهم للشيوعية من اجل كسب ود وعطف الإمبريالية الأمريكية من أجل البقاء في الحكم وحتى على حساب تجويع وإذلال وإرهاق شعوبهم وبهذا الخصوص يشير ألكسندر بيزوبيتسوف، عندما كان بوتين يعمل مساعد محافظ لينينغراد أناتولي سوبجاك فإن «بوتين لم يخف في بعض الأحيان أنه معادي حقيقي للشيوعية»، إن هذه السياسة سيكون مصيرها الفشل الحتمي وأنها لن تؤدي إلا إلى تحويل البلد إلى بلد تابع للغرب الإمبريالي ونهب ثروته وفقدان استقلاله السياسي والاقتصادي وخلق الكوارث الاجتماعية والاقتصادية للبلد.

جدول رقم 1: مقارنة بين الدخل النقدي لأسرة خلال فترتين زمنيتين مختلفتين (%):
التفاصيل نسبة إنفاق الدخل النقدي على الغذاء نسبة أنفاق الدخل النقدي على السكن نسبة إنفاق الدخل النقدي على بقية السلع والخدمات الأخرى نسبة الإدخار النقدي
الفترة الزمنية
في ظل الاشتراكية حتى نهاية عام 1991 40 ـ 45 10 30 ـ 35 20
في ظل الرأسمالية المتوحشة حتى نهاية عام 2001 35 60 5 لا يوجد إدخار

يبين الجدول رقم 1 حجم الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي حلت بالغالبية العظمى من المواطنين الروس بسبب الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الرأسمالي عبر تطبيق وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين، فالجدول لا يحتاج إلى تعليق وواقع الحياة المعاشية لا يعكسها الجدول من حيث المبدأ فالواقع الملموس هو أكثر قساوة مما يعكسه الجدول بالرغم من حقيقته المرة، هذا ما حل بروسيا الدولة الغنية بمواردها البشرية والمادية، فماذا يمكن القول عن وضع جمهوريات آسيا الوسطى وجورجيا وأوكرانيا وأذربيجان..؟! فمستوى حياة هذه الشعوب ـ طبعاً ـ باستثناء «القطط السمان» في «عصر الإصلاح الاقتصادي» فيمكن وصفه باللا معقول فقط ونقول ذلك من خلال التجربة والمعايشة وليس من جانب النظرية أو...! فهذه الصور المأساوية لغالبية شعوب الاتحاد السوفييتي هي نتيجة لنهج معاداة الشيوعية.

رابعاً: إلى أين يتجه العالم في ظل ما يسمى بالعولمة؟
لقد اتسمت سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخاصة بعد الأحداث التي وقعت في أمريكا في 11/9/2001 بالانحياز الكامل والعلني مع أمريكا، وكأنما الحدث هو القشة التي قصمت ظهر الجمل ـ كما يقال ـ من أجل الاندماج بالحضارة الغربية والمجتمع الحضاري!!
إن حادث «الثلاثاء الأسود» بالرغم من أنه يشكل كارثة إنسانية حقيقية ومروعة للغالبية لعظمى من فقراء المجتمع الرأسمالي الأمريكي، إذ تشير كثير من المعطيات إلى أن هذا الحادث قد خطط له من قبل قوى من داخل أمريكا ولا يستبعد من وجود دول أو جهات أجنبية لها ضلع في ذلك سواء كان دورها بشكل مباشر أو غير مباشر، وبنفس الوقت، من غير المعقول أن يصدق المرء سواء كان أمياً أو متعلماً من أن أسامة بن لادن (صنيعة C.I.A) كان وراء هذه الكارثة المأسوية، إن هذا الادعاء ما هو الا ضرباً من الخيال وطمساً للحقيقة من أجل تنفيذ مشروع عالمي يهدف إلى هيمنة وقيادة أمريكا للعالم، بدليل مضى على الحادث أكثر م 6 سنوات ولحد الآن لم يتم العثور لا على بن لادن ولا على ملا عمر رئيس حركة طالبان، بالمقابل تم اعتقال ما بين 300 إلى 450 شخص من تنظيم بن لادن وحركة طالبان، في حين أن تنظيم القاعدة التي يرأسها بن لادن يتجاوز الـ 10 آلاف شخص، ناهيك عن عدد أعضاء حركة طالبان، فيطرح السؤال الآتي: أين اختفى البقية؟!
نعتقد أن الإدارة الأمريكية غير جادة في إلقاء القبض على أسامة بن لادن، لأنه مهم لأمريكا، ولأنه كما يقال «قميص عثمان» بالنسبة لها، وفي حالة إلقاء القبض عليه سوف تسقط من يدها كثيراً من الحجج وخاصة حجة ما يسمى بمكافحة الإرهاب الدولي!! فمن مصلحتها أن يبقى بن لادن وملا عمر...، طليقين وليس في المعتقل.
نعتقد، أن المخططين لأحداث أيلول عام 2001، لديهم مشروع عالمي بدأ التفكير به جدياً بعد عملية اغتيال الاتحاد السوفييتي عام 1991، إذ يهدف هذا المشروع اللاشرعي الهيمنة والاستحواذ على ثروات الشعوب وخاصة النفط والغاز،ومن أجل تنفيذ هذا المخطط العالمي لابد من إيجاد ذريعة أو مبرر حتى لو تم تقديم الآلاف من الأبرياء قرباناً لذلك المشروع، وكانت بداية تنفيذ هذا المشروع هو إعلان «مكافحة الإرهاب الدولي» ومن خلال ما يسمى بالإرهابي رقم 1 ألا وهو أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وحركة طالبان صنيعة الـ C.I.A، وفعلاً تم إعلان الحرب العالمية الرابعة تحت غطاء ما يسمى بمكافحة الإرهاب الدولي.
تعد أفغانستان الدولة الأولى والمحطة الأولى وفق المخطط المرسوم من أجل «مكافحة الإرهاب الدولي» ووفق المخطط هناك أكثر من 50 دولة ستكون مشمولة «بالإرهاب» والعدوان والقصف بالصواريخ عابرة القارات.. بهدف إسقاط هذه الأنظمة والتي اطلق عليها «محور الشر» أما البقية من الدول فيتم ترويضها بالكامل لصالح الإمبريالية الأمريكية وفي حال عدم تحقيق ذلك، فسوف تدخل هذه الدول في قائمة «محور الشر» وسوف يتم إسقاطها وبالتالي فإن هذه الدول تتحول إلى محميات أمريكية بالكامل واستسلام كامل بدون شرط أو قيد وهذا هو جوهر ما يسمى بالعولمة الأمريكية المتمثل بقانون الغاب.
ولهذا أعطت أمريكا لنفسها «الحق» في إسقاط الأنظمة الوطنية والتقدمية واليسارية الرافضة لسياسة هيمنة القطب الواحد، و«يحق» لها فرض الحصار الاقتصادي وإبادة الشعوب تحت ذرائع واهية وهذا ما حدث للشعب الفلسطيني خلال أكثر من نصف قرن، وما يحدث اليوم للشعب العراقي واليوغسلافي وبقية شعوب أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية..، وأعطت لنفسها «الحق» في اختطاف رؤساء دول شرعيين وهذا ما حدث للرئيس اليوغسلافي سلوبودان ولايستبعد من تكرار هذا «الحق»! لعدد من رؤساء البلدان النامية أو حتى بلدان أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق،وكما أعطت لنفسها الحق في إعلان حربها غير العادلة بحجة «مكافحة الإرهاب الدولي» وبداية ذلك هو التدخل في أفغانستان..، وأعطت لنفسها «الحق» في التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة تحت ذريعة «غياب حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية..» ومن أهم أساليب التدخل هذه هي الانتخابات «الديمقراطية» على النموذج الأمريكي سواء كانت انتخابات رئاسية أو برلمانية فيتم ضخ مئات الملايين من الدولارات من أجل شراء الذمم وفوز الممثل الأمريكي،أي عبر الدولار يتم تنصيب «أصدقاء» أمريكا في السلطة التنفيذية والتشريعية فعلى سبيل المثال، كان ثمن وصول «الديمقراطيين» اليوغسلاف للسلطة هو نصف مليار دولار، وما يحدث في جمهوريات الاتحاد السوفييتي من سيناريوهات «الانتخابات الديمقراطية» حسب النموذج الأمريكي ما هو إلا مهزلة ما بعدها مهزلة وبشكل مكشوف وما الانتخابات البرلمانية في أوكرانيا في آذار عام 2002 إلا دليل على ذلك، وكما أعطت أمريكا لنفسها الحق في استخدام سياسة الكيل بمكيالين وهذا ما يحدث في كثير من مناطق العالم ومنها المنطقة العربية التي تشكل المثال السييء والصارخ لهذه السياسة ا للامبدئية، فأمريكا تساند وتدعم الكيان الإسرائيلي بشكل علني ويحق لها تسليح المعتدين الإسرائيليين من أجل إبادة الشعب العربي الفلسطيني وما يحدث اليوم في ظل حكومة اولمرت هو دليل وبرهان على ذلك، فالكيان الإسرائيلي يملك كل أنواع أسلحة الإبادة الشاملة، النووية والكيماوية والجرثومية..، في حين فرضت أمريكا فيتو على الحكام العرب في عدم امتلاك أي نوع من السلاح الذي يملكه الكيان الإسرائيلي، وإن ما يتعرض له اليوم الشعب الفلسطيني من إبادة وحشية يتم تحت نفس ذريعة مخطط الثالوث العالمي ألا وهو «مكافحة الإرهاب الدولي» بقيادة الإمبريالية الأمريكية، وإن تمادي الكيان الإسرائيلي في علاقته مع الشعب الفلسطيني وبهذه الوحشية والبربرية لا يمكن أن يتم ذلك لولا حصول الكيان الإسرائيلي على الضوء الأخضر من قبل أمريكا التي تدعي أنها تدافع عن «الديمقراطية وحقوق الإنسان..»! ومما يؤسف له أن موقف غالبية الحكام العرب هو موقف لا يحسد عليه ولا يتناسب مع ما يحدث للشعب الفلسطيني من إبادة شاملة وواعية ومنظمة، فأين دور الشعوب العربية والإسلامية، وأين دور قوى اليسار العربي،وأين دور القوى القومية العربية، وأين دور الحكومات الإسلامية من ما يدور من قتل وحرق وتعذيب للشعب العربي الفلسطيني البطل؟!
نعتقد، أن غالبية الحكام العرب هم «أصدقاء» لأمريكا ولا يمكنهم اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة ضد المعتدين الإسرائيليين لاعتبارات عدة لا يتسع هنا المجال للخوض في ذلك ولكن يمكن للحكام العرب والشعوب العربية وقواها السياسية أن تقوم بالحد الأدنى من العمل بهدف ممارسة الضغوطات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية على أمريكا وحليفتها في آن واحد من اجل أن يلتزم وينفذ الكيان الإسرائيلي قرارات الشرعية الدولية، إلا أن الإسرائيليين يرفضون ذلك، فلن يبق أمام الشعوب العربية وقواها السياسية إلا الضغط على الحكام العرب والعمل على اتخاذ الخطوات الآتية لكي تلتزم أمريكا والكيان الإسرائيلي بالقرارات الدولية وأهم هذه الخطوات هي:
1. ضرورة مطالبة الشعوب العربية وقواها السياسية للحكام العرب بسحب الأموال العربية المودعة في البنوك الأمريكية وبقية البنوك في البلدان الرأسمالية وهذه الأموال تتجاوز الترليون دولار، وهي تعمل اليوم لصالح أمريكا والكيان الإسرائيلي بالدرجة الأولى والعمل على تحويل هذه الودائع من الدولار إلى أي عملة عالمية،اليورو,...
2. قطع النفط العربي عن أمريكا ومن يساندها في سياستها تجاه الشعوب العربية وخاصة فيما يتعلق بالشعب العربي الفلسطيني.
3. مقاطعة كاملة للسلع الأمريكية وكذلك البلدان التي تساند أمريكا في نهجها العدواني ضد الشعوب العربية وكذلك مقاطعة كاملة للسلع التي يصدرها الكيان الإسرائيلي، فالشعوب العربية يمكن لها أن تعيش بدون السلع الأمريكية والدولار الأمريكي بعزة وكرامة، إلا أن الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها لا يمكنهم الاستغناء لا عن السوق العربي ولا عن النفط العربي، وعلى الشعوب العربية وقواها السياسية أن تدرك حقيقة موضوعية وهي أن مصير أمريكا وحليفتها هو في يدها.. ولكن كما يقال«الله غالب» على الوضع الذي نعيشه اليوم!!
4. مقاطعة عربية وإسلامية للكيان الإسرائيلي سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً..
إن هذه المطالب وغيرها يجب أن تكون سياسة استراتيجية للشعوب العربية وقواها اليسارية والوطنية والقومية، فهذه المطالب ليست مرتبطة بما يحدث من جرائم بشعة يرتكبها المعتدين الإسرائيليين، فيمكن أن ينسحب الكيان الإسرائيلي من الأرض الفلسطينية المحتلة، ويمكن أن يكرر جرائمه وعدوانيته مرة أخرى وبوحشية وهمجية أكثر. إن تطبيق هذه الشروط هي التي ستساعد على إيقاف نهج الغطرسة والعدوان الإمبريالي الصهيوني ضد الشعوب العربية. هذه هي شروط إحقاق الحق للشعب الفلسطيني،
إن الغالبية العظمى من شعوب العالم،هي مع السلام العادل ومع تطبيق مبدأ التعايش السلمي بين الشعوب، وهي مع إقرار وتطبيق الشرعية الدولية في ظل توازن دولي حقيقي وعقلاني، وهي ضد سياسة أمركة العالم ومن حقها أن تختار نظامها السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي اللاحق من دون ممارسة الضغوطات والتدخلات والانقلابات العسكرية اللا مشروعة، ويتم ذلك عبر ضخ المليارت من الدولارات التي يتم إصدارها خلافاً لقواعد الإصدار النقدي المتعارف عليها،إذ تشير الدراسات إلى أن 96%من عملة الدولار غيرمغطاة!!، وفي حالة عدم استجابة أمريكا وحلفاءها لمطالب الشعوب وقواها السياسية، فمن حق الشعوب وأحزابها السياسية اختياركل الأساليب الممكنة من أجل إقرار حقوقهم ونظامهم السياسي المشروع في المستقبل.
يعيش عالمنا اليوم حالة من الفوضى والإرباك وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والعسكري وسيادة قانون القوة وعدم الاحترام للشرعية الدولية وفاقداً لتوازنه الدولي وخاصة بعد غياب الاتحاد السوفيتي في عام 1991،كل ذلك وغيره يحدث في ظل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، إن خطر الكارثة قائم على العالم وبشكل جدي، وإن العالم يتجه نحو سياسة اللامعقول في ظل ما يسمى بالعولمة المتوحشة.وإن ما حدث ويحدث للشعب العراقي واليوغسلافي…. وما يحدث اليوم للشعب الفلسطيني من إبادة جماعية ووحشية من قبل الكيان الإسرائيلي تحت حجة مكافحة «الإرهاب الدولي» فهو يشبه ما فعله هتلر ضد الشعب السوفييتي وشعوب اوربا خلال الحرب العالمية الثانية. وكما يلاحظ إن خطر الكارثة على العالم يتميز أيضاً باستمرار تعمق الهوة الاقتصادية ـ الاجتماعية بين الشمال ـ الجنوب لصالح «المليار الذهبي» واستمرار تأزم العلاقات بين الهند ـ باكستان والصين ـ تايوان، ومنطقة الشرق الأوسط والتحالف التركي مع الكيان الإسرائيلي، واستمرار التناقضات الحادة بين جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ومنها: روسيا ـ جورجيا، روسيا ـ أوكرانيا، وأرمينيا ـ أذربيجان، وجورجيا ـ أبخازيا، وأذربيجان ـ إيران، وفي جمهوريات أسيا الوسطى وتحمل هذه التناقضات طابعاً اقتصادياً وسياسياً وقومياً.
وخروج أمريكا من معاهدة «سالت ـ 1» ومن طرف واحد وتهديدها باستخدام السلاح النووي ضد 8 دول منها روسيا والصين وكوريا الشمالية…، وكما يلاحظ أيضاً في ظل «النظام العالمي الجديد» صعود التيارات القومية المتطرفة ذات النزعة الفاشية،في أوروبا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وتفشي الجريمة والمخدرات والبطالة والفساد المالي والمجاعة والأمراض وخاصة مرض نقص المناعة «الأيدز» على الصعيد العالمي، وبروز المافيا الدولية كقوة اقتصادية على الصعيد العالمي، هذه المؤشرات وغيرها تتعمق باستمرار في ظل عالم «العولمة» المتوحش ومن هنا ينبع الخطر على العالم وهذا هو هدف قوى الثالوث العالمي.
يجب على الشعوب وقواها السياسية الحية أن تدرك وبشكل جدي هذا الخطر المرعب والذي تحقق خلال عقد ونصف فقط، فماذا سيحل بالعالم في حال استمرار هذا النظام اللامشروع بعد عقدين أو أكثر، إن الحل الوحيد هو إقامة الجبهة الشعبية العالمية لمقاومة ما يسمى بعالم العولمة المتوحش.

خامساً: القوات العسكرية الأمريكية في الاتحاد السوفييتي!!
لقد أعلن الرئيس الروسي بوتين تأييده الكامل للمشروع الأمريكي من أجل «مكافحة الإرهاب الدولي» علماً أن مفهوم الإرهاب يحمل طابعاً ومفهوماً سياسياً وأيديولوجياً، ولكل مدرسة فكرية مفهومها الخاص، فالمدرسة البرجوازية تفهم الإرهاب من وجهة نظرها الأيديولوجية والاقتصادية فقط، إذ تعتبر نضال الشعوب من أجل التحرر السياسي والاقتصادي عملاً «إرهابياً»! في حين تقر المدرسة الاشتراكية، أن نضال الشعوب من أجل حصولها على استقلالها السياسي وتحررها الاقتصادي هو نضالاً مشروعاً وليس عملاً إرهابياً، فلا نعرف كيف يفهم «الديمقراطيون ـ الإصلاحيون» و «القياصرة الحمر» مفهوم الإرهاب ويتفقون مع أمريكا؟
لقد أقدم النظام الحاكم في روسيا على إعطاء تنازلات كبيرة وكثيرة لصالح أمريكا من أجل تنفيذ مشروعها اللاشرعي، وبالمقابل فإن روسيا لن تحصل على أي شيء لا على الصعيد السياسي ولا على الصعيد الاقتصادي ولا على الصعيد العسكري شيئاً ملموساً، بل حصلت على الوعود فقط، وحتى إن نفذت هذه الوعود الأمريكية فهي تصب في النهاية لصالح أمريكا وحلفائها ومن أهم هذه الوعود: الاعتراف بروسيا على أنها من بلدان اقتصاد السوق، وقبولها في عضوية منظمة التجارة العالمية، والاعتراف بها على أنها دولة فيها «ديمقراطية وحقوق إنسان..»وتقديم «المساعدات والقروض..،» هذا الكلام فقط يمكن أن ينسى بلحظة واحدة من قبل أمريكا تحت المئات والحجج و«القنابل» الموقوتة ضد روسيا في حين حصلت أمريكا بعد حادث 11/9/2001 من روسيا على الآتي:
1. تأييد روسيا الكامل لأمريكا في «مكافحة الإرهاب الدولي» وكانت بدايته الأولى في جمهورية أفغانستان..
2. الموافقة المبدئية سواء كانت معلنة أو غير معلنة من قبل روسيا حول توسع حلف الناتو شرقاً، وقبول غالبية إن لم نقل كل دول أوروبا الشرقية سابقاً كأعضاء في حلف الناتو.
3. موافقة روسيا المبدئية على قبول جمهوريات البلطيق الثلاثة في دخولها كأعضاء في حلف الناتو.
4. الموافقة على خروج أمريكا ومن طرف واحد من معاهدة «سالت ـ 1» وبناء النظام الدفاعي الصاروخي تحت حجة واهية وهي خوف أمريكا من «دول محور الشر» لأنها تملك سلاحاً قد يلحق الضرر بالأمن والاستقرار الأمريكي!
5. الموافقة المبدئية من قبل روسيا بتواجد القوات العسكرية الأمريكية وبقية قوات الناتو في جمهوريات أسيا الوسطى (قرغيزيا، طاجيكستان، أوزبكستان..) وجمهورية جورجيا، وهذا التواجد قبل عام 1991 كان ضرباً من الخيال وحتى لا يمكن التفكير به أو قبوله أصلاً!!
6. ولايستبعد من التواجد العسكري الأمريكي وقوات حلف الناتو في جمهورية أذربيجان وأرمينيا وأوكرانيا تحت هذه الحجة أو تلك، وكما لا يستبعد أيضاً دخول جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق باستثناء جمهورية بيلاروسيا، لأن الرئيس لوكوشينكا يرفض سياسة أمركة العالم وتوسع الناتو شرقاً وعلى هذا الأساس تعمل أمريكا وحلفائها ومؤسساتها المالية والاقتصادية والمخابراتية من أجل تقويض النظام في جمهورية بيلاروسيا، وحتى روسيا سوف تدخل حلف الناتو تحت صيغة معينة من حيث الشكل فقط، أما من حيث الجوهر فهي لن تختلف عن بقية دول الرابطة المستقلة.
نعتقد أن سياسة أمريكا هذه لا يمكن لها أن تنفذ وتحقق لولا قبول النظام الحاكم في روسيا منذ عام 1992 ولغاية اليوم، وأن توسع الناتو شرقاً يسير وفق ما خطط له من قبل الإدارة الأمريكية.
جدول رقم ـ2 ـ
التواجد العسكري لقوات حلف الناتو في جمهوريات أسيا الوسطى وأفغانستان لغاية أذار عام 2002*


عدد قوات حلف الناتو
اسم البلد عدد القوات الأمريكية عدد القوات البريطانية عدد القوات الألمانية عدد القوات الفرنسية عدد القوات الهولندية عدد القوات الدانماركية عدد القوات النرويجية عدد القوات الإيطالية عدد القوات التركية
أوزبكستان 3000 - 10 - - - - - -
تركمانستان 300 300 - 450 - - - -
قرقيزيا 300 - - 50 - 100 100 - -
طاجيكستان 50 - - 350 - - - - -
المجموع الكلي 3650 300 10 400 450 100 100 - -
أفغانستان 8000 2000 900 500 500 200 100 100 200
*رتب الجدول من قبل الباحث على ضوء الجريدة المستقلة في 22/3/2002 باللغة الروسية
جدول رقم ـ 3ـ
عدد القواعد العسكرية التي تملكها بعض دول الرابطة المستقلة (جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وأفغانستان*
اسم الدولة جمهورية كازاخستان جمهورية أوزبكستان جمهورية طاجيكستان جمهورية قرقيزيا جمهورية جورجيا جمهورية أذربيجان أفغانستان
عدد القواعد العسكرية المتواجدة فيها 5 3 2 1 4 2 1
*نفس المصدر السابق.
يلاحظ من الجدولين رقما 2 و 3 الآتي:

أولاً: يبلغ عدد القوات العسكرية الأمريكية في جمهورية أفغانستان وجمهوريات أسيا الوسطى وكمرحلة أولى بـ11650 ضابط وجندي مزودين بأحدث الأسلحة والأجهزة الدقيقة جداً، ثم تحتل بريطانيا المرتبة الثانية من حيث عدد قواتها العسكرية البالغ عددهم 2300 ضابط وجندي، وتحتل ألمانيا الغربية المرتبة الثالثة من حيث عدد قواتها العسكرية البالغ أكثر من 900 ضابط وجندي، وكما يمكن القول أن عدد القوات العسكرية التابعة لحلف الناتو قابل للزيادة من حيث عدد أفراد القوات المسلحة وكذلك الآليات العسكرية.
نعتقد، أن أمريكا قد أدخلت نفسها في مأزق لا تحسد عليه في أفغانستان ولايستبعد من أنها وقعت في نفس المأزق الفيتنامي الذي منيت به بهزيمة كبرى بالرغم من امتلاكها الآلية العسكرية الكبيرة واستخدامها لكافة أنواع السلاح بما فيها المحرمة دولياً وخسرت في حربها غير العادلة أكثر من 60 ألف ضابط وجندي وعشرات الآلاف من الجرحى وفي النهاية رحلت القوات الأمريكية من جمهورية فيتنام، فاليوم أمريكا تكرر نفس الخطأ السابق.
وكما هو معروف، أن أسامة بن لادن وحركة طالبان هما صنيعة أمريكية مئة بالمئة واستخدموا من قبل أمريكا ضد التواجد العسكري السوفييتي سابقاً في أفغانستان، وإن معركة أمريكا في أفغانستان ستكون فاشلة و خاسرة ومكلفة بشرياً ومادياً لأمريكا، بدليل في يوم واحد فقدت أمريكا في محافظة باكتيا الأفغانية 100 قتيل و200 جريح من قواتها الخاصة، وتم إسقاط 4 مروحيات عسكرية أمريكية من نوع «بروكويز» وفي معركة أخرى وخلال يومين فقدت أمريكا سرية عسكرية بالكامل (الجريدة المستقلة في 8/4/2002) وكما تشير مجلة «كومير سانت فلاست» بتاريخ 25/9/2001، سوف تحارب أمريكا في أفغانستان أكثر من 10 سنوات من أجل القضاء على حركة طالبان والتي يبلغ عدد مقاتليها 70 ألف شخص وبسبب هذه الحرب فستكون خسارة الشعب الأفغاني أكثر من 155 ألف قتيل ومليون و170 ألف مهاجر مدني سوف يترك أفغانستان ، بالمقابل فإن أمريكا سوف تخسر أكثر من 15 ألف عسكري وأكثر من 42 ألف جريح، ولا يستبعد من أن أمريكا قد تورط بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وخاصة روسيا في زجها في حرب طويلة الأمد مع الشعب الأفغاني، تحت هذه الحجة أو تلك، علماً أن تفشي البطالة وتسريح مئات الآلاف من الجنود والضباط الروس وغيرهم من الخدمة وتدهور المستوى المعاشي، بالمقابل فإن أمريكا تقدم مغريات، رواتب عالية ـ وبالدولار طبعاً ـ لهؤلاء العسكريين من أجل ان يقاتلوا عوضاً عنها وبالنتيجة يمكن أن تقع روسيا أيضاً في الفخ الجديد ـ القديم وبالتالي تدخل روسيا في معركة لا معنى لها أصلاً مع البلدان العربية والإسلامية.
يصف فردريك أنجلز الشعب الأفغاني في مقالة له كتبها قبل أكثر من 150 عاماً بعنوان «أفغانستان» إذ قال عن الشعب الأفغاني بأنه: «شعب شجاع ونشط، شعب محب للحرية، ويمارس فقط تربية الحيوانات والزراعة وبعض أنواع الحرف والتجارة... الحرب بالنسبة للشعب الأفغاني هي نوع من التسلية (اللهو) والراحة والتخلص من رتابة العمل اليومي، شعب شديد العزيمة، حقدهم لسلطة الدولة، وحبهم الشخصي للاستقلال يمنعهم من أن يصبحوا أمة قوية، ولكن هذه العفوية وعدم الاستقرار في سلوكهم يحولهم إلى جيران خطيرين، والأكثر من ذلك فإن الشعب الأفغاني مشهور بالكرم والشهامة (رحابة الصدر) والضيافة إذا لم يتم استفزازهم والضيافة عندهم واجب مقدس»

ثانياً: إن التواجد العسكري المكثف لقوات حلف الناتو بقيادة الإمبريالية الأمريكية يعني من حيث المبدأ الاحتلال التدريجي لهذه البلدان سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، وسوف يخل بالسيادة الوطنية لهذه البلدان وسوف يؤثر بشكل مباشر على قرارات هذه البلدان السياسية والاقتصادية والعسكرية، وإن التواجد العسكري لقوات حلف الناتو سيكون لفترة طويلة تحت غطاء وهمي ألا وهو «مكافحة الإرهاب الدولي» في حين أن بيت القصيد هو احتلال منابع النفط وحماية خطوط نقل النفط.. في هذه البلدان.

ثالثاً: الهيمنة المباشرة على ثروات هذه الشعوب وفي مقدمتها النفط والغاز والهيمنة الكاملة على بحر قزوين بالتنسيق والتعاون مع تركيا، شئنا أم أبينا فإن جمهوريات أسيا الوسطى وغيرها من الجمهوريات سوف تصبح محميات صغيرة تحت الحماية الأمريكية، فالنفط والغاز في هذه الجمهوريات هو الهدف الأول والأخير بالنسبة لأمريكا.

رابعاً: إبعاد ثم إضعاف دور روسيا في جمهوريات أسيا الوسطى وبقية دول الرابطة المستقلة وبالتالي سوف تفقد روسيا مصالحها الحيوية والهامة في هذه الجمهوريات، أي عزل روسيا عن بقية دول الرابطة.

خامساً: ممارسة الضغوطات السياسية والاقتصادية والعسكرية من قبل حلف الناتو بقيادة أمريكا ضد كل من جمهورية الصين الشعبية والهند وإيران...ومحاولة التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان تحت ذرائع واهية واستخدام هذه القواعد العسكرية ضد البلدان الرافضة لنهج أمريكا العدواني والتي أطلقت أمريكا على هذه الدول، ببلدان «محور الشر» ومنها سورية والعراق وليبيا وإيران وكوريا الشمالية...

سادساً: لقد زجت تركيا، عضوة حلف الناتو في هذا المخطط العدواني، إذ تقوم اليوم تركيا ببناء قواعد عسكرية وتحديث جيوش كل من جمهورية جورجيا وأذربيجان وللكيان الإسرائيلي أيضاً دور كبير في ذلك.

سابعاً: تسعى أمريكا وحلفاؤها في الناتو إلى استغلال الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية لغالبية إن لم نقل كل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وخاصة جمهوريات أسيا الوسطى وجورجيا، وكالعادة وعدت أمريكا هذه البلدان بتقديم القروض و «المساعدات» المالية والاستثمارات الأجنبية ـ طبعاً ـ وفق شروط محددة مسبقاً لصالح أمريكا ومؤسساتها المالية والاقتصادية من أجل «تطوير» اقتصاديات هذه البلدان، وكما تسعى وتعمل أمريكا اليوم أيضاً على تحديث القوات العسكرية لهذه البلدان ووفق مواصفات الناتو العسكرية بهدف قبولها مستقبلاً في عضوية حلف الناتو.

الجزء الثالث

لقد طبقت هذه الجمهوريات «المستقلة» ومنذ عام 1992 ولغاية اليوم، وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين، ومن خلال تطبيق هذه الوصفة ظهرت فئة طفيلية ومافوية إجرامية استحوذت وبشكل غير قانوني على كامل ثروة شعبها عبر ما يسمى ببرنامج الخصخصة، وبالتالي فإن برنامج الخصخصة قد ولد الأوليغارشية البيروقراطية والنخبة المافوية الحاكمة والبرجوازية الإدارية ـ البيروقراطية والطفيليين والمافيا الإجرامية، وهؤلاء يسعون من خلال تطابق أهدافهم المشتركة وامتلاكهم للسلطة والمال والإعلام بالتقارب مع أمريكا وحلفاؤها وبدون شروط وتقديم كل شيء لأمريكا من أجل البقاء في السلطة، وكما يلاحظ أيضاً، إذ تشابكت مصالح هذه الفئات الطفيلية سواء كانت في هرم السلطة وخارجه مع مصالح رأس المال العالمي وخاصة مع مصالح الطغمة المالية الحاكمة في أمريكا وبالنتيجة فإن هذه الوصفة قد ولدت وأفرزت نظم وحكومات بوليسية قمعية ضد شعوبها واقتصاد لصوصي، وإن أمريكا لن تجد أي صعوبات في تنفذ مخططها ا للامشروع في هذه الدول، لأن النخبة الحاكمة هي نخبة مطيعة ومنفذة في هذه الدول «المستقلة».

ثامناً: بدأ رؤساء هذه الدول «المستقلة»! الذين كانوا بالأمس القريب «قادة ومنظرين» في الحزب الشيوعي السوفييتي السابق يتسابقون فيما بينهم من أجل الحصول على «شهادة حسن السلوك والرضى» من أمريكا وحلفاءها مقابل تقديم أراضيهم وقواعدهم العسكرية وبثمن بخس وأحياناً بدونه لأمريكا وحلفاءها وكما يسعون للحصول على «شهادة الخبرة» على أنهم أصبحوا «ديمقراطيين» و «دول ديمقراطية» وفيها «حقوق الإنسان والتعددية»! وكما يطالبون هؤلاء «القادة الحمر» أمريكا وحلفاءها من اجل الاعتراف على أنهم «دول اقتصاد السوق»!!

تاسعاً: يمكن أن نطرح السؤال الآتي: هل يمكن أن يصدق القارئ أن جيوش حلف الناتو بقيادة أمريكا المدججين بأحدث الأسلحة الدقيقة والتي يمكن القول عنها احتلت أفغانستان وجمهوريات أسيا الوسطى واستخدامها لعشرات القواعد العسكرية في هذه الجمهوريات من أجل «إلقاء القبض» على أسامة بن لادن وملا عمر؟!

عاشراً: نعتقد أن «البيروسترويكا» التي قادها غورباتشوف ـ ياكوفليف ـ شفرنادزه منذ عام 1985 ولغاية عام 1991 والتي كان ثمنها باهظاً للشعب السوفييتي، إذ اختفى الاتحاد السوفييتي كدولة عظمى من المسرح السياسي الدولي، ناهيك عن التخريب والدمار المتعمد للجانب الاقتصادي والاجتماعي والأيديولوجي والعسكري..، وأما سياسة ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي التي نفذها الرئيس الروسي السابق وفريقه منذ عام 1992 ولغاية عام 1999، فهي امتداد لسياسة «البيروسترويكا» سيئة الصيت، إذ يمكن القول عنها سياسة إبادة شبه كاملة للشعب الروسي وسياسة مقصودة من أجل التخريب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعسكري…، وإن النظام الحاكم اليوم في روسيا يسير على نفس السياسة السابقة بل وأكثر إصراراً واستمراراً على تنفيذ هذه لسياسة، وبهذا الخصوص يشير بوستوفسكي.د.ي: «إن مالم يستطع هتلر من إنجازه في حربه العدوانية ضد الاتحاد السوفييتي خلال الفترة 1941 ولغاية عام 1945، فإن «الديمقراطيين» اليوم أنجزوا ذلك، فتوحدوا بذكاء كل من ممثلي اقتصاد السوق والمافيا والخونة من قيادة الحزب وبعض كوادره وأعضاء «الطابور الخامس» الذي تم تشكيله على يد المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد». (جريدة روسيا السوفييتية، 8/4/2002 باللغة الروسية).
ويمكن القول، إن ما حدث منذ عام 1985 ولغاية اليوم للاتحاد السوفييتي ـ روسيا، وللشعب السوفييتي ـ الروسي من مآسي وتخريب متعمد للإنسان وللاقتصاد وللطبيعة ما هي إلا «إنجازات كبرى» لما يسمى بالبيروسترويكا والاصلاح الاقتصادي، هذا ما فعله خونة الفكر من أجل الورقة الخضراء!!

سادساً: أمريكا ومشروع الحكومة العالمية:
لقد تغير العالم وأصبح بعد غياب الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وأصبحت أمريكا ـ كما يقال ـ تجول وتصول في العالم و«بحرية»! ضاربة عرض الحائط كل القوانين الدولية والشرعية الدولية، ونهجها العدواني يقوم على «مبدأ» همجي ألا وهو القوة العسكرية والدولار الأمريكي تهدف من كل ذلك ضمان مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية، فالمجتمع والاقتصاد الأمريكي يعيشان أزمة عامة وشاملة، فبدون الحرب غير العادلة لايمكن لأمريكا معالجة أزمتها الكبيرة،ومن أجل معالجة مرضها القاتل تسعى إلى فرض هيمنتها على العالم بهدف تأمين مصادر الطاقة لها وتحويل العالم كله إلى سوق لتصريف إنتاجها وتحقيق الأرباح الخيالية.
تعتبر أمريكا أكبر دولة مستهلكة للطاقة في العالم، وإن الاقتصاد الأمريكي يعاني من أزمة عامة في بنيته وتركيبته فالاقتصاد الأمريكي يعاني من عجوزات مالية كبيرة في ميزان المدفوعات والميزان التجاري وتنامي المديوينة الداخلية والخارجية وتباطؤ معدل النمو الاقتصادي ونمو البطالة والجريمة والمخدرات، فإن الأداة الأمريكية عاجزة عن حل هذه المشكلات وهذه التناقضات بالاعتماد على نفسها والحلول الداخلية، وبالتالي فإن المعالجة المؤقتة لهذه الأمراض الرأسمالية الخبيثة تتم عبر الحروب غير العادلة وإسقاط الأنظمة المعادية لها ومجيء «حلفاء» لها لهذه البلدان وغير ذلك، بدليل أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هي التي دربت ومولت بن لادن وهي التي شكلت حركة طالبان وهي قامت بإسقاط حركة طالبان اليوم وجاءت بممثل لها أكثر «عقلانية»! ألا وهو قرضاي الأفغاني وعودة الملك إلى أفغانستان، وتم تنفيذ كل هذا السيناريو تحت حجة «مكافحة الإرهاب الدولي»،و هذا السيناريو ما هو إلا نقطة البداية الحقيقية لمشروع الحكومة العالمية من أجل الهيمنة والسيطرة الكاملة على أهم مصادر الطاقة في العالم وخاصة النفط والغاز…
تشير تقديرات الخبراء أنه سيزداد استهلاك الطاقة بالنسبة لأمريكا خلال الأعوام 2005 و2006، إذ يجب عليها استيراد ما بين 1.1 إلى 1.2 مليار طن من النفط وليس كما هو عليه في عام 2002 الذي تستورد أمريكا من النفط بـ 500 مليون طن، وحسب تقديرات الخبراء فإن الاحتياطي النفطي العالمي سوف ينتهي في السبعينات ـ الثمانينات من هذا القرن، أما الغاز فسوف ينتهي بعد 180 سنة قادمة، وتشير بعض التقديرات أن الاحتياطي النفطي في روسيا سوف ينتهي بعد 35 سنة والغاز بعد 80 سنة والذهب بعد 20 سنة!!
إن هذه الصورة فعلاً قاتمة لمستقبل البشرية، وإن البديل عن النفط في الوقت الحاضر غير متوفر و قد لايوجد في المستقبل القريب، وإن وجد فسيكون مكلف جداً، بدليل أن أمريكا البلد الغني تستطيع أن تؤمن لنفسها 8 % من الطاقة فقط في ظل غياب «الذهب الأسود». (خيره للإمبرياليين وحلفائهم وشره على الشعوب) فما هو مصير بقية البلدان الرأسمالية الأخرى؟ وما هو مصير رابطة الدول المستقلة ودول أوروبا الشرقية؟ وما هو مصير بلدان أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؟ أي بمعنى آخر ما هو مصير العالم في أواسط و نهاية القرن 21 وبداية القرن 22؟ وهل يمكن أن يرجع المجتمع البشري إلى عصر ما قبل الثورة الصناعية في ظل غياب البديل عن النفط؟
إن ما يحدث اليوم من إبادة للشعب الفلسطيني وتدمير البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني وهدم البيوت وقتل الآلاف من الأبرياء وتشويه نضال الشعوب من اجل تحررها السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي على أنه «عمل إرهابي» ما هو إلا واحدا ًمن السيناريوهات للمنطقة العربية، وكما تسعى أمريكا اليوم وفق أسلوب آخر ألا وهو عملية احتواء واحتلال عسكري تدريجي لبعض البلدان بنفس حجة «قميص عثمان»،و هذا ما يحدث اليوم في جمهوريات أسيا الوسطى وجورجيا.. وجعل هذه الأنظمة أداة طيعة ومنفذة لسياسة أمريكا وحلفاؤها،وما يحدث اليوم في روسيا ,أوكرانيا.. ودول أوروبا الشرقية ويوغسلافيا سابقاً، ما هو إلا أسلوب آخر للاحتواء والترويض وتقسيم هذه الدول لصالح أمريكا وحلفاءها.
إن ازدواجية المعايير تعتبر نهجاً ثابتاً لأمريكا، وإن هذه الازدواجية تنبع أصلاً من طبيعة النظام السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي القائم من أجل ضمان وتأمين مصالحها الاقتصادية والأيديولوجية والسياسية والعسكرية، فهي اليوم لديها 1500 قاعدة عسكرية في العالم، وإن أمريكا ليس لديها صديق أو حليف ثابت، بل لديها مصالح فقط، وهذه المصالح تتمثل بالدرجة الأولى بالمصالح الاقتصادية ومنها النفط والغاز.. فالنفط بالنسبة لأمريكا هو الخط الأحمر الفاصل بينها وبين أي نظام سواء كان «حليف صديق» أو معادي لها، فأي نظام يحاول التجاوز أو اختراق الحد الأحمر يعني تهديد حقيقي لمصالح أمريكا، بدليل ما فعلته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1963 بالإطاحة بالرئيس العراقي والشهيد الوطني الزعيم عبد الكريم قاسم وكذلك ما فعلته برئيس وزراء إيران الدكتور مصدق عام 1953 وغيرها من الأدلة والبراهين التي تؤكد على عدوانية أمريكا للشعوب التي تناضل من أجل تحررها السياسي والاقتصادي، فأين شاه إيران وأين موبوتو وأين أنور السادات...
ويلاحظ أن الموقف الأمريكي من جمهوريات أسيا الوسطى قبل أحداث 11 /9 / 2001، كان سلبياً وكان الإعلام البرجوازي الأمريكي يهاجم هذه الأنظمة ويعتبرها أنظمة غير ديمقراطية وأنظمة لا تحترم حقوق الإنسان وغياب حرية الرأي والكلمة وغير ذلك، وبنفس الوقت فإن أمريكا وحلفاؤها أوجدوا تنظيمات مناهضة للأنظمة الحاكمة وهذه الأنظمة أخذت طابعاً «دينياً، قومياً...» وقدموا كل وسائل الدعم المادي وغير المادي بهدف ممارسة الضغوطات السياسية والاقتصادية والعسكرية على هذه الدول، وأمريكا كررت تجربتها سيئة الصيت في أفغانستان بعد الإطاحة بالنظام الأفغاني الموالي لأمريكا وحلفاؤها، وفجأة، بعد كارثة أيلول الأسود عام 2001 غيرت أمريكا موقفها من الحكام «الديمقراطيين» في جمهوريات أسيا الوسطى وفجأة أصبحت ـ كما يقال في يوم واحد ـ جمهوريات «ديمقراطية وفيها حقوق للإنسان» ويعود سبب «اعتراف» أمريكا بذلك هو أن «القياصرة الحمر» قد أعلنوا تأييدهم الكامل وتضامنهم مع أمريكا في كارثتها المأساوية التي حلت بها في «الثلاثاء الأسود» وقدموا هؤلاء الحكام «الديمقراطيين» أراضيهم وقواعدهم العسكرية وأجواءهم الجوية.. خدمة للإمبريالية الأمريكية من أجل «مكافحة الإرهاب الدولي»!

سابعاً: «القياصرة الحمر» بين الماضي والحاضر»:
نعتقد، أن الخطر الجدي الذي يواجه روسيا اليوم هو ليس من الجنوب كما يحاول أن يصوره الإعلام «الديمقراطي» سواء في روسيا أو خارجها، إذ يؤكد بعض قادة «الأحزاب الديمقراطية» الروسية على روسيا أن تندمج بالغرب والحضارة الغربية والابتعاد عن الجنوب (يقصد به جمهورية الصين والبلدان العربية وإيران..). إن الخطر قائم على روسيا فعلاً، بالرغم من كل ما قدمته من تنازلات كثيرة وكبيرة لأمريكا وحلفاؤها وفي مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية، وإن الخطر على روسيا لن يأتي من الجنوب، بل إن روسيا تواجه خطرين حقيقيين وتلعب القوى الإمبريالية الدور الفاعل في ذلك، فالخطر الأول يتمثل باحتمال اندلاع الحرب الأهلية وبشكل علني (علماً أن شعوب الاتحاد السوفييتي عاشوا ولا يزالوا يعيشون في حرب أهلية معلنة تارة ومخفية تارة منذ عام 1985 ولغاية اليوم) والسبب يعود إلى الاستمرار في نهج «الإصلاح الاقتصادي» وخاصة فيما يتعلق بإصدار كثير من التشريعات القانونية التي تخدم الفئة الأقلية في المجتمع, ومن أخطر هذه التشريعات هو تشريع قانون الأرض الذي يسمح ببيع وشراء الأرض لأي مواطن بما فيهم الأجانب، وحتى الحكم القيصري قبل ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917 لم يقدم على مثل هذه التشريعات، وبهذا الخصوص يحذر يغور سترويف رئيس المجلس الفيدرالي السابق من وقوع هذه الكارثة، إضافة إلى ذلك بروز تيارات قومية متطرفة فاشية النزعة والممارسة وقوامها من الشباب بأعمار تتراوح مابين 15 إلى 25 سنة بالدرجة الأولى ولايستبعد من وجود قوى سياسية تقف وراء هذه التنظيمات وتدعمها وتمولها، إنها قوى منظمة وليست عفوية النشاط، وإن كل العوامل المساعدة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها متوفرة اليوم من أجل ظهور الفاشية بنمطها الجديد في روسيا، وفي حالة عدم معالجة ذلك وعدم التخلي عن سياسة «الإصلاح الاقتصادي» فالحرب الأهلية في روسيا سوف تحل وسوف تتعرض روسيا إلى التفكك والانهيار إلى دويلات صغيرة «مستقلة»!! على غرار ما حدث للاتحاد السوفييتي من تفكك وفق سيناريو «البيروسترويكا » خلال الفترة من 1985 حتى عام 1991. أما الخطر الثاني الذي يواجه روسيا فهو يأتي من رابطة الدول المستقلة، إذ يكمن هذا الخطر في نمو التيارات «القومية والدينية» المتطرفة، إذ بدأت هذه التيارات المتطرفة تهاجم روسيا والروس تارة بشكل علني وتارة بشكل خفي في بلدانهم ويعتبرون الروس هم محتلين لهم في السابق واليوم، هذا مايحدث في جمهوريات البلطيق وفي أوكرانيا وجورجيا...، إضافة إلى تواجد قوات حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في جمهوريات أسيا الوسطى وجورجيا.
وكما هو معروف، إن غالبية رؤساء رابطة الدول المستقلة إن لم نقل جميعهم كانوا بالأمس القريب «قادة ومنظرين» في ا لحزب الشيوعي السوفييتي السابق،و قبل أكثر من 10 سنوات نزع هؤلاء القادة «بدلتهم الحمراء» ولبسوا بدلة «جديدة» تجمع فيها كل الألوان ومن أمثال هؤلاء « القادة» هم : غورباتشوف ويلتسين وشفرنادزه وحيدر عالييف وكرافجوك،ونزارياييف،و إسلام كريموف،ووأوسكار أكاييف...، وإن هؤلاء «القياصرة الحمر» خونة الفكر أصبحوا اليوم معادين للفكر الشيوعي أكثر من عداء أمريكا للشيوعية؟!
تتميز سياسة رؤساء جمهوريات البلطيق وأسيا الوسطى وجورجيا وأذربيجان وأوكرانيا بالنسبة إلى روسيا بسياسة المد والجزر، فتارة تتوتر العلاقات السياسية وتارة تختفي فجأة وكأنما هناك «يد خفية» تحرك كل ذلك، ويقول وزير الخارجية الأمريكية السابق باول إن: «أي تكامل لرابطة الدول المستقلة مع روسيا يتعارض ومصالح أمريكا». ولكن في ظل غياب هؤلاء «القادة» بالرغم من كل صفاتهم السياسية السلبية، وضعف الأحزاب الشيوعية داخل كل بلد من هذه البلدان وعدم وحدتها السياسية على صعيد كل بلد وعلى صعيد رابطة الدول المستقلة (يوجد اليوم في الاتحاد السوفييتي السابق حزبين شيوعيين «مجلس الأحزاب الشيوعية ـ الحزب الشيوعي السوفييتي» واحد بقيادة أوليغ شينين والثاني بقيادة غينادي زوغانوف ولعب غينادي دوراً سلبياً في ذلك) فإزاء هذه الصور المأساوية فلا يستبعد من أن يكون البديل السياسي الذي سيحل بعد رحيل هؤلاء «القادة» هو صعود القوى القومية المتطرفة للسلطة وهي معادية حتى النخاع للشعب الروسي وهي حليفة للغرب الإمبريالي وتحظى بالدعم المادي وغير المادي منه، وهذه القوى اليوم لها وجود حقيقي في جمهوريات البلطيق وجمهوريات أسيا الوسطى وجورجيا وأوكرانيا وحتى في روسيا، وفي حال تنفيذ هذا المخطط فإن روسيا سوف تواجه مشاكل كثيرة ومعقدة وفي مقدمة هذه المشاكل هي مشكلة المواطنين الروس خارج روسيا الاتحادية والذي يتراوح عددهم ما بين 25 إلى 30 مليون مواطن، وكما لا يستبعد من اندلاع حروب داخل هذه الجمهوريات تقف وراءها قوى خارجية تقوم على أساس «قومي، ديني، أو قومي وديني في آن واحد» مشاكل الحدود بين هذه الجمهوريات، مشكلة القرم، كورباخ، أبخازيا ـ كروزيا....، وبالنتيجة سوف تتعرض رابطة الدول المستقلة إلى فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية، وسوف تتجزأ هذه الدول إلى دويلات صغيرة «مستقلة» وبهذا الخصوص أعلن غافريل بابوف عراب «البيروسترويكا وحقوق الإنسان» على ضرورة ظهور 50 دولة مستقلة على أرض الاتحاد السوفييتي».
من هو غافريل بوبوف؟ ( من مواليد 1936، يهودي من أصل يوناني، أستاذ الماركسية ـ اللينينية والاقتصاد السياسي، عضو الحزب الشيوعي السوفييتي من عام 1959 ولغاية عام 1990، عميد كلية الاقتصاد في جامعة موسكو، «طابور خامس» أمريكي، أحد قادة «الحركة الديمقراطية» الروسية، وأحد قادة «الحزب الاشتراكي ـ الديمقراطي» بقيادة غورباتشوف ـ ياكوفليف، مستشار للمحفل الماسوني العالمي «اللجنة الثلاثية»، رئيس الجامعة الدولية في موسكو، مليونير...) وتؤكد غالينا ستاروفويتفا على قيام 60 دولة مستقلة على أرض الاتحاد السوفييتي. (غالينا، من مواليد 1946، مستشارة للرئيس الروسي السابق يلتسين للشؤون القومية، نائبة رئيس الحركة الديمقراطية الروسية، عضو مجلس الدوما ـ البرلمان ـ سابقاً، في عام 1988 تم اغتيالها في مدخل مسكنها في لينينغراد من قبل «قوى مجهولة»، نعتقد لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى) وفي حال حدوث ذلك فإن هذه الدويلات «الجديدة المستقلة» و التي تملك النفط والغاز... سوف تحظى بالدعم والمساندة من قبل الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها، أما بقية الدويلات فلتذهب إلى ....!! إن الخاسر الوحيد من هذا السيناريو الكارثي هو الشعب السوفييتي والرابح الوحيد هي أمريكا وحلفاؤها، وكما لا يستبعد من أن تتحول جمهوريات أسيا الوسطى أو غيرها إلى بلقان جديد لروسيا، وهذا السيناريو العام هو ضمن وجزء هام من سيناريو عالمي يهدف إلى تقسيم كثير من دول العالم والمنطقة العربية أيضاً مشمولة بذلك، وفق فترة زمنية لاحقة.
يمكن القول، ان الاستراتيجية الأمريكية تجاه روسيا، تشكل وتبقى العدو رقم 1 لها حتى عامي 2010 ـ 2012، أي فترة انتهاء فاعلية السلاح النووي الروسي ـ طبعاً ـ في حال عدم تجديده وتطويره، إن أمريكا لا تريد ولن تسمح لروسيا من أن تصبح دولة قوية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.. حتى في ظل النمط الرأسمالي، لأن هذا ليس في صالح أمريكا وحلفاؤها،و إن سياسة أمريكا على المدى البعيد تجاه روسيا هو تقويضها سياسياً واقتصادياً وعسكريا، وفي حالة استمرار النظام الحاكم في روسيا على تطبيق وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين فإنها تسير نحو الهاوية المأساوية، وبالمقابل تطمح أمريكا بفرض سيطرتها على العالم وقيادته بما في ذلك روسيا.
إن سياسة العداء للشيوعية وبشكل علني من قبل غورباتشوف ـ يلتسين وفريقهما والتي تمت وتتم اليوم عبر ما يسمى بالبيروسترويكا والإصلاح الاقتصادي من أجل تنفيذ مخطط قوى الثالوث العالمي وكسب ودهم وعطفهم إذ انصب ذلك العداء على تفكيك دولتهم العظمى وتقويض قوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية..،والعمل على تقويض دول أوروبا الشرقية وحل مجلس التعاضد الاشتراكي«سيف» وحلف وارسو، و التآمر على الأنظمة الاشتراكية والبلدان التقدمية في البلدان النامية والعمل على إضعاف ثم تخريب الأحزاب الشيوعية العالمية وخاصة من داخلها.. مقابل ذلك حصولهم على حفنة من الدولارات الأمريكية عبر شتى الوسائل المختلفة، وأصبحت دولتهم ـ أي روسيا ـ لن يحسب لها الحساب الجاد من قبل الإمبريالية الأمريكية على الصعيد الدولي وفي النهاية سقط هؤلاء في مستنقع الخيانة وسوف يسقط ويقع كل من يسير على نفس طريقهم التحريفي والانتهازي.
إن «البيروسترويكيين والإصلاحيين ـ الديمقراطيين» السوفييت ـ الروس ليس لديهم أي أيديولوجية، وأن هدفهم الرئيس هو نهب ثروة الشعب وتحويلها للخارج والقضاء الكامل على كل منجزات الاشتراكية في الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والعلمية..،و أن النظام الحاكم في روسيا اليوم ليس لديه أي استراتيجية منذ عام 1992ولغاية اليوم، فاستراتيجيته هي تصفية كل ما تبقى من منجزات للسلطة السوفيتية والاستحواذ غير القانوني على ثروة الشعب من خلال تطبيق وتنفيذ برنامج الخصخصة.
لقد أقام «القياصرة الحمر» منذ عام 1992 ولغاية اليوم نظاماً هجيناً في شكل علاقاته الإنتاجية فهو يجمع وفي آن واحد بقايا العلاقات الإنتاجية المتخلفة التي تم إرجاعها من جديد والعلاقات الرأسمالية المتوحشة والأساس الاقتصادي لهذا النظام هو الملكية الخاصة الإجرامية التي ظهرت عبر برنامج الخصخصة، وأن هؤلاء يمثلون «القادة» يمثلون التيار التحريفي والانتهازي في الحركة الشيوعية العالمية في نهاية القرن العشرين فهؤلاء خانوا فكرهم ودمروا وضربوا كل ما هو إيجابي وقيم تم إنجازه في ظل السلطة السوفيتية.
وكما يلاحظ فإن هؤلاء «القادة» مازالوا يمارسون أنشطتهم الهدامة ضد النظرية الماركسية ـ اللينينية، وضد الشيوعية وضد كل ما هو قيم وإنساني له صلة بالنظام الاشتراكي، فمثلاً ميخائيل غورباتشوف الذي انتسب للحزب الشيوعي السوفييتي منذ عام 1950 وخرج من رئاسة الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفيتية في عام 1991، بعد أن نفذ ما أوكل إليه من مهام قذرة، فهو اليوم لديه فوند «صندوق» يعمل من أجل التخريب الأيديولوجي والاقتصادي على صعيد رابطة الدول المستقلة وعلى الصعيد الدولي، وأصبح متسول سياسي و «ممثل سينمائي عالمي» من أجل الحصول على الدولار الأمريكي، وأنه يعمل في أكثر من محفل ماسوني عالمي كمستشار للتخريب الأيديولوجي والحركة الشيوعية العالمية وأن فوند غورباتشوف هو أحد المحافل الماسونية في روسيا ومركزه الرئيس في أمريكا ويمول هذا الفوند من قبل قوى الثالوث العالمي، أما الرئيس الروسي المتوفي يلتسين فقد انتسب للحزب الشيوعي منذ عام 1961 وخرج في عام 1991 وكان مرشح للمكتب السياسي! واصبح رئيس روسيا لمدة ثماني سنوات فهو وفريقه وعائلته نهبوا ثروة الشعب الروسي وهربوها للخارج وأصبح قيصراً متقاعداً بعد عام 1999، و«كاتباً عالمياًً» تطبع كتبه وتترجم إلى عدة لغات أجنبية وتنهال عليه الدولارات الأمريكية، ناهيك عن الأموال والعقارات في الخارج. أما شفرنادزه فانتسب للحزب الشيوعي في عام 1948، وخرج في عام 1991، عضو مكتب سياسي ووزير خارجية الاتحاد السوفييتي في عهد غورباتشوف، جنرال في المخابرات السوفييتية، عضو في المحفل الماسوني العالمي «ماغيستروم» منذ عام 1992، رئيس جمهورية جورجيا سابقا، فهو وفريقه والنخبة المافوية الحاكمة معه نهبوا أيضاً ثروة الشعب الجورجي الفقير، وقد قال : «كنت احلم وقبل سنوات من أجل أن تأتي القوات الأمريكية لجورجيا»، أما حيدر عالييف، عضو المكتب السياسي سابقاً وجنرال المخابرات السوفييتية سابقاً، أصبح إقطاعي ورأسمالي في آن واحد، فاستحوذ هو وعائلته وفريقه على ثروة الشعب وخاصة النفط، وتم تنصيب ابنه رئيس أكبر شركة نفط في أذربيجان وليورثه لاحقا , وهو وثيق الصلة بالاحتكارات النفطية العالمية وخاصة الأمريكية وبسبب الفقر والجوع هجر أكثر من 4 مليون أذربيجاني حصة الأسد الكبرى في روسيا , وأخيراً يقول عالييف «لقد كنا عبيداً للروس»!! علماً أن الروس لعبوا الدور الرئيس في بناء الاتحاد السوفييتي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وعلمياً، واليوم استحوذ الأذربيجانيين والارمنيين والكروزيين على حصة الأسد لقطاع الخدمات في روسيا،و هنا فعلاً حولوا الروس إلى عبيد وعمال أجراء لهم وهذا ما يمكن أن يشاهده ويلمسه من يعايش الواقع الروس المرير.
كما وعمل بعض «القادة» من نفسه إقطاعياً كبيراً وحول شعبه إلى عبيد لسلطته ونظامه وأقام التماثيل لنفسه في كل مكان في جمهوريته وعمل من نفسه «نبياً» يحتفل الشعب في عيد ميلاده..، والبعض الآخر من «القياصرة الحمر» أقاموا أنظمة لن تختلف من حيث الشكل والمضمون عن «رفاقهم من قادة الحزب» فهم نهبوا ثروة الشعب لهم ولفريقهم الحاكم وبدأوا يقيمون العلاقات العائلية والتزاوج فيما بين عوائل «القياصرة الحمر» أي توثيق «صلة الرحم والدم»!!
إن الغالبية العظمى من هؤلاء «القادة المنظرين» لديهم حساب خاص في البنوك الأجنبية سواء كانت بأسمائهم أو أسماء أفراد عوائلهم، ناهيك عن العقارات في الخارج، وبالمقابل فإن التحول من النظام الاشتراكي على اقتصاد السوق الرأسمالي ـ الرأسمالية، فإن أكثر من 85 % من شعوب الاتحاد السوفييتي يعيشون في حالة فقر مطلق، فهم يعانون من الأمراض المختلفة والبطالة وتفشت في هذه الدول كل أمراض النظام الرأسمالي المتمثلة بالرشوة والفساد المالي والجريمة والمخدرات والدعارة وتجارة السلع الحية (نساء ـ أطفال)،وأصبحت دول هؤلاء «القادة» تحتل المرتبة الأولى ـ الثانية في العالم من هذه الأمراض الخبيثة ناهيك أن هؤلاء «القياصرة الحمر» أصبحوا مليونيرية من خلال الانتقال للرأسمالية المتوحشة.
إن التغيرات العالمية التي حدثت منذ عام 1985 ولغاية اليوم كانت لصالح الغرب الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتم ذلك بسبب النهج الخياني «لقادة البيروسترويكا ـ الإصلاح الاقتصادي» الذين نفذوا بل و «أبدعوا» واختصروا الزمن لصالح أسيادهم الإمبرياليين، إن هؤلاء «القادة» لم يكونوا في يوم ما شيوعيين حقيقيين، وهم لم يؤمنوا في يوم ما لا بالفكر الاشتراكي ولا بالنظرية الماركسية ـ اللينينة.

ثامناً: ما هو مصير خونة الفكر؟
لقد عمل ألكسندر ياكوفلييف، عراب البيروسترويكا وفريقه دوراً قذراً في عملية الهدم والتخريب في ا لاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي السوفييتي السابق، وكذلك للحركة الشيوعية العالمية،و في عام 1958 ـ 1959 سافر ياكوفلييف وأوليغ كالوكين إلى أمريكا في دورة تدريبية في جامعة كولومبيا في نيويورك، وتشير المصادر الروسية المتخصصة بأن هؤلاء تم تجنيدهم لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كعملاء خلال الفترة التدريبية،و بعد عودتهم إلى البلاد تدرجوا وبشكل سريع في الحزب وهرم السلطة التنفيذية واحتلوا مناصب هامة وحساسة، فمثلاً أصبح ياكوفلييف عضوا في المكتب السياسي ومسؤول العلاقات الخارجية مع الأحزاب الشيوعية العالمية، ناهيك من أنه عمل سفيراً في كندا لمدة 14 سنة، أما كالوكين فحصل على رتبة جنرال في المخابرات السوفيتية وخلال الفترة من عام 1973 ولغاية عام 1979 كان رئيس جهاز مكافحة الجاسوسية الخارجية في جهاز المخابرات السوفيتية، وفي الثمانينات تم عزله بعد أن توفرت معلومات هامة عنه، إلا أنه لم تتخذ إجراءات حاسمة ضده لأنه يحظى بدعم وإسناد من غورباتشوف وياكوفلييف،ومن خلال هذا الدعم أصبح عضو في البرلمان السوفييتي أي أنه حصل على الحصانة البرلمانية وأصبح من الجنرالات الديمقراطيين المؤيدة وبشكل علني لغورباتشوف ـ ياكوفلييف.
وفي أب ـ أيلول من عام 1991، أصدر غورباتشوف أمراً رئاسياً برد الاعتبار كاملاً للعميل كالوكين، والغريب في الأمر أنه مازال يستلم راتبه التقاعدي وهو في أمريكا البالغ 150 دولار، وأن الرئيس بوتين في كتابه اعتبر الجنرال كالوكين خائن لأنه أفشى أسراراً كثيرة ألحقت ضرراً بالغاً بالبلاد،و هو اليوم يعيش في أمريكا وحصل على المواطنة الأمريكية، ويعمل كـ «بروفسور» في المؤسسات التابعة لـ «C.I.A» ومستشار في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية حالياً وتحت حمايتها، وفي الوقت نفسه فإنه يمارس «البزنس» السياسي والمخابراتي لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
وكما يلاحظ إن ياكوفلييف منذ عام 1985 يحظى بدعم النظام الحاكم في روسيا، بدليل في عام 1993 تم تشكيل لجنة برئاسة ياكوفلييف باسم «لجنة المضطهدين السياسيين» والهدف الرئيسي لهذه اللجنة هو تشويه تاريخ ستالين وافتعال الأكاذيب والحجج خلال فترة حكمه (1922 ـ 1953). وهو ينفذ توجهات قوى الثالوث العالمي و (C.I.A)، وإن هذه اللجنة كانت تابعة مباشرة للرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين ولازالت تحتفظ بشكل علاقتها في ظل النظام الحاكم في روسيا اليوم،و إن علاقة غورباتشوف ـ ياكوفلييف، وكالوكين، لازالت وثيقة.
في عام 1991، قام ألكسندر ياكوفلييف بزيارة إلى جامعة كولومبيا الأمريكية بعد أن مضت على دورته التطبيقية 33 عاماً والتقى بأساتذة وطلبة الجامعة وألقى محاضراته وفي الوقت نفسه التقى مع أساتذته القدامى الذين تعرف عليهم في نهاية الخمسينات وقدم لهم «الشكر والعرفان لأنهم فتحوا عيونه على الشيوعية» (المقصود أن الأساتذة الأمريكان درسوا ياكوفلييف وكالوكين «نواقص» الشيوعية و «مخاطرها» من وجهة نظر أمريكية). وفي هذا اللقاء أي عام 1991 اقسم ياكوفلييف لأساتذته الأمريكيين بأنه سيعمل وبجدية من أجل تقويض الشيوعية في الاتحاد السوفييتي ومن الداخل (المقصود من داخل الحزب والسلطة)،و نفس الشيء طرح يلتسين في زيارته إلى أمريكا مخاطباً أعضاء الكونغرس الأمريكي قائلاً: «إن الشيوعية ماتت وسوف لن تحيا مادمت أنا موجوداً»؟! ونفس الشيء خاطب يلتسين قادة الدول الصناعية في إيطاليا قائلاً: «انزعوا مني البدلة الحمراء، لقد نزعتها أنا شخصياً منذ عام 1991»؟!.
وهاهو غورباتشوف، كان رئيس واحدة من أكبر دولتين في العالم ـ سابقاً ـ كما تذكر صحيفة «الفاتح» بتاريخ 11/7/1999، على أنه بات محللاً سياسياً في الصحف الأمريكية وخصوصاً صحيفة «نيويورك تايمز» يقدم بأمانة ـ وجهات النظر الأمريكية في عدد من القضايا العالمية مقابل حصوله على حفنة من الدولارات،و تحول قادة البيروسترويكا إلى مروجين في وسائل الإعلام والدعاية لصالح «البيتزا» مقابل حصوله على مليون دولار ـ كما أشارت الصحف الرسمية وغيرها في حينا،وهو يعلن وبالتلفزيون أنه أقدم على ذلك لأنه «محتاج» للمال..؟! وهو اليوم يتجول في العواصم الغربية وغيرها من اجل إلقاء المحاضرات التخريبية المناهضة للفكر الاشتراكي العلمي وكيفية العمل على تخريب الأحزاب الشيوعية ومن داخلها، وكذلك تخريب بقية البلدان الاشتراكية والدول التقدمية المناهضة لأمريكا مقابل حصوله على الدولار، وهو اليوم يعمل مع مرؤوسيه ومنهم شمعون بيريز، وبوش الكبير وكول..، من أجل إنجاز فيلم سينمائي باسم «السلطة السرية»؟! وهو يشارك اليوم أيضاً في فيلم في روسيا باسم «غورباتشوفنا اليوم بعد خمس سنوات»!!.
ومما يؤسف له أو (يؤسف له) إن بعض القيادات في الأحزاب الشيوعية كانوا متحمسين جداً ومؤيدين لنهج غورباتشوف ـ ياكوفلييف ـ شفرنادزه ـ يلتسين أي نهج ما يسمى بالبيروسترويكا، والغريب في الأمر أن هذه «القيادات» قسماً منها قد هجر وإلى الأبد العمل السياسي وأخذ يمارس «البزنسٍ» من أجل الحصول على المكاسب المادية، ناهيك عن من بدأ بممارسة «البزنس» السياسي الذي يخدم الغرب الإمبريالي ومؤسساته الدولية حالمين بالإرتماء في أحضان دولة الرفاهية الغربية، والتي يقول عنها الغربيون أنفسهم أنها زائلة، في ظل عالم العولمة المتوحش، والقسم الآخر انتقل إلى عواصم أوروبية للعيش في ظل الاستقرار والرخاء والنعيم فأي مصير هذا؟!.
نعتقد، إن محاربة الاتجاهات التحريفية والانتهازية داخل كل حزب شيوعي وعلى صعيد الحركة الشيوعية العالمية يعد أمراً في غاية الأهمية وخاصة في الوقت الحاضر، لأن هذه الاتجاهات الهدامة تشكل الخطوة الأولى والحجر الرئيس من أجل تكوين «الطابور الخامس» في كل حزب شيوعي، وهذا ما حدث في أكبر حزب شيوعي في العالم ألا وهو الحزب الشيوعي السوفييتي السابق وخاصة بعد عام 1985،و لا يمكن أن يطلق على «منجزات» هؤلاء القادة إلا بمومسات السياسة ومصيرهم في مزبلة التاريخ.
إن مصداقية وشرعية ومبدئية كل حزب شيوعي في العالم ـ كما نعتقد ـ تنبع من تحديد موقفه العلني والمبدئي من خلال إدانته لنهج ما يسمى بالبيروسترويكا، وما آل إليه من نتائج مأساوية على صعيد كل حزب شيوعي وعل صعيد الحركة الشيوعية العالمية، وكذلك ما آل إليه هذا النهج من عذابات وكوارث لشعوب العالم وخاصة شعوب بلدان أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية التي فقدت أخلص وأصدق حليف لها ألا وهو الاتحاد السوفييتي والشعب السوفييتي والدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية.
ليس سراً على أحد أن غالبية الأحزاب الشيوعية في العالم اليوم تعاني من الإرباك وعدم الاستقرار في الميادين الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية، ومما يؤسف له أيضاً، أن الانقسامات التي ظهرت في غالبية الأحزاب الشيوعية أصبحت تشكل ظاهرة خطيرة بسبب فعل العوامل الداخلية والخارجية في آن واحد،و أن بقاء واستمرار هذه الظاهرة الخطيرة قد تؤدي إلى إضعاف دور وفاعلية هذه الأحزاب كخطوة أولى ومن ثم إلى هلاكها أو بقاؤها مجرد أحزاب وجود شكلية وغير فاعلة على الصعيدين المحلي والعالمي،و هذا هو ما يهدف إليه الخصم الأيديولوجي للحركة الشيوعية العالمية المتمثل بقوى الثالوث العالمي.

تاسعاً: إجراءات….
نعتقد من اجل التخلص من هذه الظاهرة الخطيرة يتطلب من قادة الأحزاب الشيوعية المخلصين فعلاً اتخاذ الآتي:
1. الوقفة المبدئية والموضوعية العلمية والجادة لدراسة ما آل إليه نهج «البيروسترويكا» الخياني والتحريفي الذي قاده غورباتشوف وفريقه منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي.
2. العمل على تعزيز الوحدة الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية على أساس مبادئ النظرية الماركسية ـ اللينينية.
3. العمل على تعزيز الديمقراطية ـ الاشتراكية داخل الحزب بداية من القاعدة حتى القيادة وممارسة الديمقراطية بشكل واعي وهادف داخل الحزب ولمصلحة وحدة الحزب من أجل تطوير وتعزيز دوره على مختلف الأصعدة.
4. ممارسة النقد والنقد الذاتي الموضوعي والهادف لسياسة الحزب ولسلوك قيادته وكادره، وهذا أمر في غاية الأهمية اليوم.
5. ضرورة تعزيز القيادة الجماعية الحقيقية في كل هيئة حزبية من أدناها إلى أعلاها، وهذا يتم من خلال خلق روح رفاقية حقيقية وموضوعية نظيفة في العمل والتعامل الرفاقي، لأن كل هيئة حزبية تشكل الأسرة السياسية الحقيقية في عمل ونشاط الحزب.
6. العمل الجاد وباستمرار من أجل الحفاظ على الهوية الطبقية للحزب، حزب الشغيلة والدفاع عن مصالح الشغيلة بدون مجاملة أو…. لهذا الطرف أو ذاك.
7. العمل وباستمرار على مشاركة كافة أعضاء وكوادر وقيادة الحزب بشكل هادف وموضوعي وليس شكلي)في رسم سياسة الحزب وفقاً للظروف والمستجدات في البلاد.
8. ضرورة الابتعاد عن المجاملة والتعامل اللامبدئي أحياناً في العمل الحزبي وعلى قيادة وكوادر الحزب أن تسمع وتصغي باهتمام لآراء القاعدة الحزبية.
9. الالتزام المبدئي والكامل بتطبيق النظام الداخلي الذي يعد دستوراً خاصاً للحزب وعدم الأخذ «بالمبدأ» اللامبدئي المجاملة أوالكيل بمكيالين لهذا الاعتبار أو ذاك.
10. ضرورة ممارسة النقد والنقد الذاتي داخل الحزب، لسياسة الحزب ولسلوك وعمل قادته وكوادره الحزبية، وهذه الممارسة تعد اليوم في غاية الأهمية من أجل تعزيز وحدة ودور ومكانة حزب الشغيلة داخل المجتمع.
11. الأخذ بمبدأ النوع وليس الكم في كيان ونشاط الحزب، بدليل أن الحزب الشيوعي السوفييتي بقيادة لينين ـ ستالين فجروا ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917، إذ كان عدد أعضاء الحزب هو 60 ألف عضو وإن روسيا تحتل تقريباً سدس مساحة العالم، في حين توجد أحزاب شيوعية يتجاوز عدد أعضائها نصف مليون عضو ولكن غير فاعلة في تحقيق الهدف الرئيسي أو غيابه؟
12. من الضروري تنظيف الحزب وباستمرار من الانتهازيين والوصوليين والمتملقين والتحريفيين والبيروقراطيين والمندسين والأعضاء «المرضى» الذين لا يصلحون للعمل، وضرورة التمييز الحقيقي بين المخلصين والأوفياء للحزب وللفكر وبين من «يرفع الراية الحمراء» وهو في داخله نوايا سيئة تهدف إلى التخريب وتهديم الحزب ومن داخله، فتجربة الحزب الشيوعي السوفييتي وخاصة في منتصف الثمانينات من القرن الماضي تؤكد صحة هذا القول،وهناك تجارب أخرى كثيرة ومريرة لها نفس جوهر التجربة السوفيتية.
13. ضرورة العمل من أجل تعزيز صلة الشيوعيين بالجماهير والتعلم منها وتعلميها وإقامة علاقات متواضعة وإنسانية.. لأن هذه العلاقات السليمة تشكل المقياس الرئيس والافعل لدور ونشاط الحزب مع الجماهير.
إن ابتعاد أي حزب شيوعي عن تطبيق مبادئ الماركسية ـ اللينينية ـ طبعاً أخذا بعين الاعتبار الظروف المحيطة والمعايشة له ـ يعني خيانة الأيديولوجية أولاً، ثم يؤدي ذلك إلى ظهور التيارات التحريفية والانتهازية في الحزب ثانياً، ويؤدي ذلك في النهاية إلى الخيانة العظمى وتقويض الحزب ثالثاُ.
لقد أثبتت وتثبت الحياة اليوم إن الابتعاد عن بعض أو كل مبادئ النظرية الماركسية ـ اللينينة التي تم ذكرها، قد أدت إلى تقويض أكبر حزب سياسي في ا لعالم ألا وهو الحزب الشيوعي السوفييتي وتقويض الدولة العظمى الاتحاد السوفييتي، من خلال صعود «القيادة الشابة» التحريفية والانتهازية منذ عام 1985، وبالتالي اختفى الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفيتية من المسرح السياسي الدولي،وكما يلاحظ أيضاً، أن مصير أكبر حزبين شيوعيين في أوروبا ألا وهما: الحزب الشيوعي الفرنسي والحزب الشيوعي الإيطالي ـ على سبيل المثال ـ مصيراً لا يحسدان عليه فالانقسامات داخل هذه الأحزاب وتهميش دورها السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي على الصعيدين المحلي والدولي..، بدليل كانت هذه الأحزاب في فترة الستينات ـ السبعينات على مشارف استلام السلطة في بلدانها، في حين أن الحزب الشيوعي الفرنسي في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 21/4/2002 قد حصل على 3.5 % من أصوات الناخبين، في حين حصلت الجبهة القومية المتطرفة على 17.3 % من أصوات الناخبين .
إن تعزيز وحدة الحزب الفكرية والتنظيمية والسياسية وتوثيق وتعزيز الصلة بجماهير العمال والفلاحين والشبيبة والمثقفين المخلصين، لا يمكن أن يتم ويستمر ويتعزز إلا من خلال الاسترشاد بالنظرية الماركسية ـ اللينينية وفهمها واستيعابها بشكل علمي، لأنها علم يخاطب العقل أولاً وليس العواطف، ثانياً آخذين بعين الاعتبار الظروف الخاصة لكل بلد، فبدون معالجة جادة للجانب الأيديولوجي من قبل غالبية الأحزاب الشيوعية، فإنها سوف تبقى عليلة وغير فاعلة في المجتمع والمسرح السياسي خلال فترة وجودها وبالنتيجة سوف تتعمق الخلافات الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية وسوف تزداد الانقسامات والانشطارات داخل كل حزب وسوف تتحول هذه الأحزاب إلى «نواد» سياسية لا أكثر، وسوف تفقد الشغيلة ثقتها بهذه الأحزاب، سوف تفشل هذه الأحزاب في تحقيق أماني وتطلعات شعوبها في الغد المشرق وفي بناء المجتمع الإنساني العادل الذي يرفض الاستغلال ويؤمن الخبز والعمل والمسكن والتعليم والعلاج المجاني.
إن الغارباتشوفية، هي تيار يميني يتصف بالتحريفية والانتهازية والخيانة، يهدف إلى إحداث الانحراف الفكري في النظرية الماركسية ـ اللينينية، ظهر في أواسط الثمانينات من القرن الماضي (القرن العشرين) في الحزب الشيوعي السوفييتي متزامناً مع ما يسمى بالبيروسترويكا، وقد ترك أثاراً سلبية على الأحزاب الشيوعية في العالم من حيث تسببها في إحداث الانقسامات وزرع البلبلة والإرباك الفكري في هذه الأحزاب وبالتالي لابد من إدانة هذا التوجه الخطير وتطهير الأحزاب الشيوعية والحركة الشيوعية من أنصار هذا التوجه الخياني.
إن ما حدث في نهاية القرن العشرين من زلزال كبير وبالرغم من مرارته وخسارته الكبيرة، إلا أنه لا يعني نهاية المطاف أو حسب ما يروج له بعض «المنظرين الصغار» بأنه قد حلت «نهاية التاريخ»، بل يجب أن يدرك كل المخلصين والأوفياء والمؤمنين بالفكر الماركسي ـ اللينيني، بأن هذا الزلزال ما هو إلا حدث ومؤقت، وأن تتعزز ثقتهم بالفكر الاشتراكي العلمي أكثر من السابق، ومن أجل معالجة هذا الزلزال المؤقت يجب أن تتوحد الأحزاب الشيوعية داخل كل بلد في حزب شيوعي واحد، حزب الطبقة العاملة والفلاحين..، وأن تعيد انتظام علاقاتها السياسية وبشكل منتظم بعضها مع البعض الآخر لدراسة ومناقشة القضايا الفكرية والاقتصادية ـ وتبادل الخبرات والمعالجات على مختلف الأصعدة على الصعيدين الإقليمي والعالمي،وأن تعمل سوية وحسب الجهد من أجل تطوير وإغناء النظرية، آخذين بعين الاعتبار منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية وتطويع هذه المنجزات لخير وسعادة البشرية وليس من أجل عبوديتها واستغلالها وبهذا الخصوص أكد لينين على أن «الاشتراكية لا تقوم لها قائمة بدون تقنيات الرأسمال الكبير التي أنشئت وفق أخر إنجازات العلم.. ولا تقوم قائمة للاشتراكية أيضاً بدون تسييد البروليتارية في الدولة». وأيضاً عليهم أن يدافعوا عن فكرهم الإنساني من هجمات الخصم الأيديولوجي ومن التيارات التحريفية والانتهازية الجديدة ـ القديمة، وأن يستنبطوا كل الدروس والعبر من الماضي القريب في كل إيجابياته وسلبياته من أجل عدم تكرار أسباب الزلزال الذي يمكن أن يحدث في المستقبل.
في عام 1920 أعلن الرئيس الأمريكي تافت: «سوف يحارب الدولار سوية مع الجندي الأمريكي». يعني ذلك على أمريكا أن تعلن الحرب سواء كانت بشكل مباشر أو غير مباشر وتحت أي حجة أو مبرر كان ومنها مثلاً «مكافحة الإرهاب الدولي»، ودول «محور الشر»، و «الخطر الشيوعي»، و «الخطر الإسلامي»،و «الخطر الصيني» وغيرها من الافتراءات وفي الوقت نفسه العمل على إسقاط الأنظمة الوطنية والتقدمية واليسارية عبر مختلف الوسائل من الحصار الاقتصادي ـ السياسي، حتى عمل الانقلابات العسكرية ومجيء رؤساء موالين «أصدقاء» لأمريكا، وشراء ذمم بعض رؤساء الدول ورؤساء حكومات وقادة أحزاب سياسية وبعض المتنفذين في السلطات التنفيذية والتشريعية..، وعبر وسائل متعددة ومنها على سبيل المثال تقديم «المساعدات» المالية أو دعم ما يسمى بالمؤسسات الديمقراطية، وإنشاء صناديق تحت واجهات متعددة ومنها صناديق لدعم الثقافة والتعليم..، وتوجيه الدعوات الرسمية وغير الرسمية لبعض القادة السياسيين الموالين لأمريكا من أجل إلقاء محاضرات مدفوعة الثمن وبالدولار الأمريكي أو ما يعادله!! كل ذلك وغيره يتم من أجل السيطرة على ثروات شعوب العالم ونهبها بهدف معالجة أزمتها الاقتصادية ـ الاجتماعية والسياسية وبقاؤها كدولة عظمى.
نعتقد، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تشتري كل شعوب العالم وقادة الدول..بدولارها الأخضر، وإن هذه السياسة هي مخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية والقيم الإنسانية، وإن هذه السياسة سيكون مصيرها الفشل في النهاية بشرط أن تعي الشعوب وقادتهم لدورهم التاريخي، بالرغم من كل الصعوبات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجههم والتي سببها ويسببها اليوم ألا وهو الغرب الإمبريالي بقيادة أمريكا.
نعتقد، في حال استمرار أمريكا على نهجها الحالي المخالف للشرعية الدولية، فإنها سوف تتعرض للتفكك والانهيار بفعل العامل الداخلي المتمثل بوجود وتعمق التمييز العنصري ضد السود الأمريكان وحرمانهم الكثير من حقوقهم المشروعة واستمرار سياسة التعمق للتفاوت الاقتصادي والاجتماعي داخل المجتمع الرأسمالي، وانتقال رؤوس الأموال الأمريكية من القطاعات الإنتاجية إلى القطاعات الطفيلية وخاصة «قطاع المضاربات المالية (سوق البورصة)» وجنى الأرباح الخيالية التي تفوق العقل وكل التصورات بالمقارنة بالأرباح التي تتحقق بالقطاعات الإنتاجية (زراعة، صناعة) وعدم كفاية الموارد الطبيعية وخاصة فيما يخص النفط والغاز، من أجل استمرار عملية النمو الاقتصادي للاقتصاد الأمريكي، وإعلانها للحرب العالمية الرابعة ضد أكثر من 50 دولة وهذه الحرب غير العادلة تتطلب إنفاق عسكري هائل وبالتالي سوف يؤثر ذلك سلباً على الاقتصاد الأمريكي من خلال حدوث التضخم المالي وظهور العجوزات المالية في الميزانية الحكومية والميزان التجاري وميزان المدفوعات، ناهيك عن المديونية الداخلية. أما العامل الخارجي الذي له تأثير على الاقتصاد الأمريكي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر والذي يتمثل بغياب ا لاستقرار السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي عالمياً بسبب النهج العدواني للإمبريالية الأمريكية.
إن انتهاء «عصر النفط» في القرن الـ 21، يعني نهاية حتمية لانهيار «القرن الأمريكي» ولأمريكا كدولة عظمى،و لايستبعد من تكرار سيناريو تفكك الاتحاد السوفييتي،و لكن الفارق الرئيس بين سيناريو الدولتين هو أن تفكك أمريكا بسبب نفاذ مواردها الطبيعية وخاصة فيما يتعلق بالطاقة..، في حين تم تفكيك الاتحاد السوفييتي ضمن مخطط الثالوث العالمي، وإن هذه القوى ضخت مئات المليارات من الدولارات من أجل إنشاء شبكة «الطابور الخامس» في قيادة الحزب والسلطة وهؤلاء نفذوا المخطط المرسوم لهم،ومن هنا يمكن القول، هناك علاقة«حميمة» بين الخيانة والدولار!! وإن مصير الخونة من الراكضين وعبيد الورقة الخضراء سيكون في مزبلة التاريخ.
إن النضال من أجل الخيار والطريق الاشتراكي كان وسيبقى المهمة الرئيسية للأحزاب الشيوعية المخلصة لأيديولوجيتها فعلاً وللشغيلة، وإن تحقيق ذلك يتطلب العمل الدؤوب والجاد و الخلاق فبدون «النضال الطبقي تغدو الاشتراكية جملة جوفاء أو حلماً ساذجاً» كما أكد فلاديمير لينين.
إن بناء الاشتراكية لا يمكن أن يتم بدون الحزب الشيوعي، وبدون الحزب الشيوعي لا يمكن أن تكون اشتراكية.
إن الاشتراكية، هي العلم والأمل والنظام العادل لكافة الشعوب، فالاشتراكية هي مستقبل البشرية جمعاء وهي تشكل نهاية التاريخ.
موسكو ـ 22/4/2006

عاشرا
مصادر البحث:
1. أوليغ بلاتونوف: روسيا تحت قبضة الماسونية، موسكو، دار النشر«روسكي فيستيك» السنة 2000، باللغة الروسية.
2. معجم علم الأخلاق، دار التقدم، موسكو، السنة 1984.
3. جريدة روسيا السوفيتية، 30/10/2000 باللغة الروسية.
4. جريدة روسيا السوفيتية، 14/3/2002.
5. جريدة روسيا السوفيتية ،23/3/2002.
6. الجريدة المستقلة ،20/3/2002.
7. الجريدة المستقلة ،25/3/2002.
8. الجريدة المستقلة ،27/3/2002.
9. جريدة البرافدا، 26 ـ 27/3/2002. باللغة الروسية.
10. جريدة روسيا السوفيتية ،28/3/2002.
11. التلفزيون الروسي، 29/3/2002.
12. الجريدة المستقلة ،29/3/2002.
13. جريدة روسيا السوفيتية ،30/3/2002.
14. جريدة روسيا الكادحة، رقم 5، آذار /2002 باللغة الروسية.
15. جريدة باتريوت، رقم 12، آذار/2002 باللغة الروسية.
16. جريدة باتريوت، رقم 13، آذار /2002 باللغة الروسية.
17. الجريدة الاقتصادية، رقم 12، آذار/ 2002.
18. جردية الغد، رقم 12، أبريل /2002 باللغة الروسية.
19. جريدة برافدا روسيا، رقم 12، 27/3 ـ 2/4/ 2002 باللغة الروسية.
20. الجريدة المستقلة ، 4/4/2002.
21. الجريدة المستقلة ، 5/4/2002.
22. الجريدة المستقلة ، 8/4/2002.
23. الجريدة المستقلة ، 11/4/2002.
24. جريدة روسيا السوفيتية ، 11/4/2002.
25. جريدة البرافدا، 11/4/2002.
26. التلفزيون الروسي، 11/4/2002.
27. الجريدة المستقلة ، 12/4/2002.
28. الجريدة الاقتصادية، رقم 13، أبريل/2002.
29. جريدة باتريوت، رقم 14، ابريل/2002.
30. جريدة باتريوت، رقم 16، ابريل/2002.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا