الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(عناقيد الطائفية) في الناصرية

أحمد سالم

2007 / 9 / 21
حقوق الانسان


مئة وواحد وثلاثون طفلا , ثمان وسبعون امراة , وواحد وخمسون شيخا , احتضنتهم احدى براري قلعة في جنوب العراق بعيدا عن كل اثر للتحضر والحياة اذ لا ماء لا غذاء لا كهرباء لا مدارس لا مستشفى لا وسائط للنقل.

مهلا عزيزي القارئ !!!

حذار ان تظن اني احاول ان اصف احد برامج الواقع (برنامج النيادرتال )الذي تبثه قناة الشرقية مثلا !

بقدر ماهي محاولة لوصف حياة قضيتها لمدة يوم كامل مع هؤلاء البائسين .

بعيدا عن اعين السلطات التي غضت الطرف عنهم عن سبق اصرار وترصد رغم مراجعات من هو اكثر معرفة بدوائر الحكومة وخباياها من ابنائهم .

هي قرية لا تغفوا على بعد 115 كم شمال مدينة الناصرية لكثرة البعوض والذباب على طريق ( عكيل ) ,في منطقة لم يعرفها واضعوا الخرائط من قبل ,لم يعرفها واضعوا الخرائط , الا ان ساكنيها اتفقوا على اطلاق تسمية ( الصرايفيين ) عليها لكثرة ( الصرائف ) وهي بيوت يعرفها ابناء الجنوب اكثر من غيرهم , 15 كم شرق مدينة (قلعة سكر)

تعرض هؤلاء الاطفال لعملية تهجير مزدوجة بل مكعبة في اكبر عملية تهجير تشنها مليشيات تابعة لاحزاب حكومية يشهدها العراق , هجر هؤلاء الاطفال من مدينة خانقين تحت ضغط سلاح ( البيشمركة ) الجناح العسكري للاحزاب القومية الكردية , بتهمة كونهم عربا ففروا في ليلة غاب عنها القمر تاركين كل ما يمكن ان يرفع عنهم بعض قساوة الحياة من فراش وغذاء ولعب . ليحطوا رحالهم في ( خان بني سعد ) التي توهموا انها ارض الميعاد التي ستنسيهم كل ما مضى, الا ان رصاص الاخوة العرب (الذين هجروا بسبب انتمائهم لقوميتهم ) طاردهم كونهم رغم عروبتهم الا انهم متهمون بالصفوية هذه المرة لان الصدفة شاءت ان يكون هؤلاء الاطفال من عوائل شيعية . ليستمر هروبهم الكبير نحو ( بغداد ) والتي لم يكن حظهم فيها اوفر من سابقتيها اذ ان استمرار الاتهامات بالتشيع مرة والتسنن مرة اخرى , جعل هؤلاء الصغار القادمين من ( مناطق سنية !!! ) عرضة لقناصة المليشيات الشيعية , وفي ذات الوقت لم تكن بنادق المليشيا السنية اكثر رحمة تجاه هؤلاء ( الشيعة !!! ) هنا تعود الذاكرة لبعض كبار السن في تلك القرية ليستذكروا ان لهم ارضا ورثوها من اجدادهم في مدينة تدعى الناصرية وسط اندهاش الصغار ولا مبالاة من هم اصغر سنا ممن سمعوا بهذا الاسم للمرة الاولى. ليشدوا الرحال مرة أخرى وأخرى الى ارض الميعاد , ( توكلوا على الله !!!) كانت هي الامر المعتاد للحاج (مثنى الماجد ) مختار تلك القرية البائسة كإيذان للانطلاق في رحلة اخرى تذكرنا تفاصيلها بتفاصيل رحلة ابطال رواية ( عناقيد الغضب لجون شتاينبك ) . ( الناصرية ) رسم الشباب في مخيلاتهم صورا ندية لمدينة من مدن الاحلام لكثرة ما سمعوه من شيوخهم عن صولات شبابهم . الا ان ذلك الندى سرعان ما تبخر امام هجير حرها اللاهب وصحرائها القاحلة .



امضيت يوما هناك

لالتقي بالحاج ( مثنى الماجد ) الذي تحدث بحرقة تعصر قلبه وهو يرى ابناء قريته يلتهمهم غول الطائفية المرعب , استقبلني بكل ما يختزنة صدره من كرم بدوي بعد ان قدم لي الماء منبها اياي من ان الماء هو ماء نهر لا مغلي ولا مقطر ,شربت الماء كشكل من اشكال المجاملة رغم خوفي الكبير من ( الكوليرا ) اثناء حديثه :- منذ سنتين ونحن نتنقل من ( ديرة لديرة لاشفنا راحة ولا غفت عيونا ولا تهنينا بلكمة زاد وتاليها ذبنا حفاض الودايع بها الجولة اللي ما ترحم ) منذ عامين والصغار بلا مدارس ولا مستشفى اذ ان اقرب مدرسة تبعد 4كم وهي مدرسة ( ابن المعتز الابتدائية ) ولا علم لنا بوجود مستشفى في الجوار من عدمه .

وماذا عن الماء ياحاج ؟

( الماء من نهر خنياب ( يقصد شبه جاف ) اظنه جان مبزل ) ونحن نستخدمه في الشرب و الأكل , قدمنا اكثر من طلب الى السلطات بخصوص الكهرباء حيث ان هناك خط للضغط العالي يمر بالجوار 1600 متر الا ان السلطات تماطل رغم انها اجرت الكشف . بعضنا يستخدم المولدات الصغيرة والأغلبية تستخدم الفانوس.



بادرت الحاج بالسؤال : رايت في طريقي بيتا وهو مجهز بشبكة محلية لتحلية الماء وكذلك خط كهرباء رغم انه بيت منفرد ؟



فاجابني احد ابناء القرية :- نعم هذا بيت ( سيد فلان !!!! ) وهو مجهز بخط حرج مثلما نسمع وهناك بيت اخر في الجهة الاخرى ايضا مجهز كسابقه وهو بيت مسئول حكومي كبير !!!! .كما ان المحافظ يمر دائما من هنا كون هذا الطريق يمر على قريته السابقة ( عكيل ) وهو يرى ما نعاني الا انه لم يحرك ساكنا !!!



ماذا عن بيوتكم التي في خانقين ؟

وصلتنا اخبار انها هدمت والبعض الاخر اصبحت مقرات لسرايا ( البيشمركة )



اسمع بين الحين والاخر عن اهتمام السلطات بالمهجرين لم لم تراجعوا وزارة الهـ.....

لم يدعني احد الشباب اكمل سؤالي فاجابني بحرقة :- ( ياحكومة هاي التحجي عنها ليش هوه ياهو الهجرنه مو مليشيات الحكومة وفوك هذا صار سنتين وحنا نراجع وبس وعود باجر عكبة )



تنقلت بعد ذلك في ارجاء القرية ( وانا استمع لمعاناة لا تكفي عشرات الصحف لتغطيتها ) دون ان يفوتني التقاط بعض الصور للنهر الذي شربت من ماءه وقد فوجئت كثيرا بمدى ضحالة ذلك النهر ومدى الفقر الذي يعيشه مضيفي وفوجئت بخطورة انتشار الحفر العشوائية التي حفرها للصرف الصحي هؤلاء المهجرون وفوجئت بعيون الاطفال التي تترقبني وكلها اتهام باني لن احل مشاكلهم كالعديد من منظمات الصليب والهلال التي اكتفت بالوعود فوجئت بكل تلك الضروف النيادرتالية غير اني لم افاجا بالإهمال الحكومي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط