الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخنزير-- قصة قصيرة

صالح جبار

2007 / 10 / 2
الادب والفن



حينما كنت اسمع جدي ينادي أبي , ويأمره :
- اذهب وأطفأ الخنزيرة ..
يمضي أبي ممتثلا , ويعود متأخرا بعد صلاة العشاء , يسأله :
- هل أطفأتها ..؟
يهز رأسه بالإيجاب ,ويمضي الى حجرته .. عندما كبرت , تم سوقي لخدمة العلم , وفي معسكرات التدريب المضنية , شعرت بغربة مفجعة , فبدا الفتور يعتريني , ولم أعد أرغب في الخروج الى ساحة العرضات , في أحدى المرات تأخرت عن التعداد الصباحي , فنهرني الضابط :
- لماذا تأخرت يا خنزير .. ؟!
ساح الغضب في أنحاء جسدي , المتبرم , في القاعة , حين تمددت على ( اليطغ ) كنت لاازال مضطربا من تعنيف الضابط ...
تنساب الأحلام , لتراودني , بصور شتى .. تهتز في هلام ذاكرتي ... وأرى أبي يأخذني معه , الى الحقل , كان قصب الذرة , يقف متطاولا في الأرجاء , ونمضي معا وسط السيقان المتنامية , على كتف ترابي , ثم تظهر فجأة بين النبات المتشابك , فسحة من الأرض عارية من الزرع , انتصبت فيها ماكينة صغيرة خضراء اللون , ليمتد منها ذراعا , يغور باطن الأرض , فيما ظل الماء يتدفق بغزارة من الفتحة العلوية , والمنصوبة في الأعلى منها ...
سمعت أبي يقول :
- لنطفأ الخنزيرة ...
سحب عتلة في الجانب الأيمن منها فهدأت المضخة , وتوقف الضجيج , وانقطع الماء من فمها المفتوح دوما ...
بعدها سمعنا خشخشة سيقان القصب, فصاح أبي وهو يهرول نحو الجهة المقابلة , باتجاه الصادر , قائلا :
- انه خنزير ...
وسمعته مرة أخرى يقول :
أنه صغير , لابد أنه ظل طريقه ...
كان لونه بلون التراب , وحجم رأسه لايوازي بدنه , وله ذنب صغير كأنه منشة جدتي المصنوعة من الخرق البالية , لتطرد عنا الذباب ب حين ننام ...
رأيت فتحتي أنفه الواسعتين , وبوزه , الذي بدا كأنه قالب حلوى ... بقي أبي يحمله , بحذر , وبين فترة وأخرى , يضغط على خاصرتيه , فيطلق اصواتا مضحكة من مؤخرته ...
حينما دخلنا البيت , حدثت جلبة في الفناء , رفع جدي رأسه من سجادة الصلاة , وأمر بحزم :
- أخرجه من الدار .... وأستطرد
- ماهذه النجاسة ... ؟!
كان الصبية ينظرون أليه بدهشة مفزعة وهو يخور , بكى الصغار , نهض الجد , والقى الحيوان خارج الدار .. ورجع يتحدث بصوت مسموع :
- نجاسة هذا الحيوان , تنبع من أنه لايرفع رأسه الى السماء , وكذلك لأنه ديوث , لاغيرة له ...
كان صوت الصافرة , يشق سمعي , فتحت عيني بصعوبة , كانت أشعة الشمس تطل من الشباك المقابل لفراشي , لاحظت القاعة خالية من الجنود , ولم يكن هناك سوى العريف يقف الى جوار الضابط , وهو يطلق صفارته , كأنه في ملعب كرة ...
لمحت منخري العريف , لم أدر لم قفز الى ذهني , مشهد أنف الخنزير , كانا بنفس الاتساع ... هكذا حدثت نفسي , أحسست بنجاسة المكان , ثم شاهدت الضابط وقد تدلى رأسه على صدره , وقلت في سري , لابد أنه لايرفع رأسه الى السماء ..
هكذا كنت أفكر , فيما راحا يملاءان القاعة بالصراخ والوعيد .. تركتهما , ومضيت الى بيت الخلاء , لحقني العريف , ودخل في أول مرافق صادفته , وسمعته يصدر اصواتا , سمعتها قبل ألان في حقل القصب , حين كان والدي يضغط على خصري الخنزير ..
فتحت فجوة رأسي , فاندلقت الذكريات متسارعة , تتدحرج بلا توقف .. لتملي فضاءات تتمايل بحثا عن صورة افتقدتها لما تطوي السنون تجاعيدها ...
بعيدا عن الخنازير , حياتي تمتلىء ألفة .. وأفكر في المضي حيث ملعب الصبا نتقافز بمرح وحبور ...
ترى هل بقي وقتا آخر للعب ..؟ هل لازالت عقارب الساعة متوقفة تبحث عن يد حانية تدفعها للحركة ... أم إن الجمود يتسرب في معطف غابات الأحلام ... ليلثم خد الأراجيح المتروكة مع غبار النسيان ...
صارخة أتت من بين سيقان القصب , أرى أختي بظفيرتيها المتطايرتين , تهرع نحوي :

- خنزيرة كبيرة ,تبحث عن خنزير صغير ..
ينتابنا الهلع , اصرخ فيها :
- لاتقفي إمامها , استديري جانبا , أختبئي خلف خنزيرة الماء
ظل الخوار يتصاعد , وصوت الماكنة لايتوقف , هذيان يحمل أوصالنا المرتجفة , خوفا من المفاجأة ...
تظل ألام تبحث عن وليدها المفقود , بلونه المشابه لحصيرة السعف التي نسجتها امي ... نبقى وسط الذهول نتصارخ :
- من يخبر الحيوان الهائج , لا شأن لنا بما يجري ...؟؟!!
لكنه حيوان أبكم ... لايعي ما نقول ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل