الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيئة الإحياء والتحديث الحضاري في بابل...عولمة الذات المصغّرة

كامل القيّم

2007 / 10 / 8
الصحافة والاعلام


في الوقت الذي تعصف بالمتلقي المحلي (ثقافات كونية ) متغايرة الرموز والطرق والاستمالات ، وبتواتر كثيف، جعل من طاولة المدرك التاريخي والمعرفي يميل الى التهميش، وربما الى الرفض في حالة استمرار الكسل والاستاتيكية التي ابتليت بها قنوات الثقافة الرسمية وغير الرسمية ، فالرموز ومعطيات التأثير الوافدة أضعفت الوطني ، ثم المحلي ، ثم الشخصي ، الى الحد الذي نقترب من ان نعيش في ظل محركات وأجندات تشوبها الغربة أكثر من ملمح المتعارف .
وهكذا غدا ميدان التأثير كم هائل من الصور والخطابات والرسائل، تنهال فضائياَ على متلقينا الذي لا ُيلحق بما يجري ، ادراكاً وتفسيراً ، وفي وسط تلك الزحمة المعرفية والتراكم ( يُغيّب الوعي ) ويتخذ جنسية معرفية أخرى ، دون شفاعة للتاريخ او لما نُحت له من قيم في طفولته المدرسية .
وقد كشفت المعطيات والدراسات عن هذا المشهد المتزايد ، على توسّع الفرقة والجفاء عن المحلي المقدس ، وخاصة للأجيال الحالية ، وكان – بحسب تلك التصورات - لابد من البحث عن مأوى مرجعي لمواجهة قصف العقول والنفوس بتقانة الألوان وتصدير مصطلحات الحداثة وما بعد الحداثة .والتي يدفع أثمانها في الغالب الشعوب والمجتمعات والأقليات المثقلة والمدججة بالموروث والعُمق الحضاري والتاريخي . وتَعُّد خارطة العودة الى الداخل – الموروث ، المحلي – قد نالت الرجع ليس فقط في المجتمعات النامية، بل وحتى الدول مصدرة العولمة وصانعة أدواتها كفرنسا وكندا واليابان والبرازيل.
وعلى ذلك فان المأوى الآمن لثبات الهوية والذات الثقافية يتراوح بين بُعدين أساسين : الأول من خلال مرجعيات كبرى ( معتقد ..قومية ..دين ...وطن ) والثاني يتعلق بـ ( طائفة ، جماعة ، بيئة ، مجتمع محلي ..الخ ) وهكذا .
وتاكيداً مما ذكرنا نرى الكثير من منافذ الركون الى إحياء التراث والمقدس، قد زادت وتيرته في السنين الأخيرة من عمر العولمة وامتلاء الفضاء بالميديا ، فانبثقت عشرات الجمعيات والهيئات في أوربا وأمريكا الجنوبية تنادي بالرجوع الى إحياء التقاليد والوقائع والرموز الشخصية ، حينما كانت مزدهرة قبل قرون من الزمان ، باعتبارها ملاذا ينضوي به الإنسان من التغريب الحضاري واتساع أسواق صنّاع الثقافات .ومثلها في الدول والمدن العربية والإسلامية التي رأت ان الحل يكمن في عناق الموروث والعمل على إحياءه جميلاً بهياً .
وبما إن( فيحاءنا) قامت عليها اعتى الحضارات وأغناها حراكاً ، ارض حمورابي، وصدقة والمطّهر، فلابد من دفاعات ، ولابد من أفق جديد لهذا الركون وهذا القبول بما يأتي ، فلدينا كل الرموز ، ولدينا كل ما يصنع روائع وجُرعات تنشيط لأجيالنا وأطفالنا ففي كل متر شخوص ، وفي كل متر رموز ...فعلينا ان نحيي وعلينا ان نستجمع وننظم كل تلك الرائعات.
فعلى مستوى العراق نحن نفترض ان لكل مدينة أحبائها ، ونحن أحباء الحلة ، شكلّنا هيئة سميناها ( هيئة الإحياء والتحديث الحضاري ) لتكن خير مثال لإحياء تراث وحضارة مدن العراق ، الذي أتعبه القهر الثقافي والتاريخي ، وجهل أولويات القرار لاستشراف المستقبل وصنع إبطاله .
وكنا قد وضعنا تساؤلات وافتراضات : ماذا نريد كهيئة أن نحي ونشيع ؟ ما أولوياتنا لاستنهاض الذات الثقافية لمدينة الحلة ؟ ما آلياتنا؟ قنواتنا الأساسية ؟ تساؤلات عدة تجري في ثناياها حوارات ومناقشات يومية ؟ ايماناً منا بالمهمة والطوق الذي بأعناقنا .
وإذا كان تشكيل هيئة الإحياء والتحديث في مدينة الحلة قد انطلق من منطلق المسؤولية التاريخية والثقافية والأخلاقية نحو المدينة اولاً ، وثانياً عما تفرضه بنية انسياب المعطيات الثقافية والمعرفية من إبعاد وتأثيرات وافدة ، تكادُ ان تُغرق وتلوث وتستبيح روائع وجهود أجيال قرون ، استباحة النسيان والتهميش والتخريب الثقافي ، وعلينا وفق هذا وذاك ان نفرق بين البُعدين ، ليس أن نرفض الجديد الجميل ، وليس ان نغلق الأبواب على نواميس الحداثة وبهائها ، بقدر ما نبني عوامل ثبات وإسناد (لذاتنا الثقافية ) بيئة ومضمون وأعلام ، ومن ثم نتجول بلا خوف او خشية من روافد الآخر ، غربياً كان ام شرقياً .
ومن منطلق البعدين المذكورين وبالتعاون مع جهة حكومية ساندة وضعنا سيناريو محدد لما يجري ( وسط فوضى الوافد الجديد) وفوضى التخريب والجهل الجمالي والبيئي ، ليس لوضع بدائل عن المنظر الثقافي او المفكر الاجتماعي او الديني ، الذي هو حتماً يطابقنا في النية والأهداف وربما الآليات ، لذا جرى ان تعمل الهيئة على وفق محاور أساسية رئيسة منها :
1-إحياء الموروث الاجتماعي والثقافي لمدينة الحلة ، من خلال آليات مختلفة ، وتقديم البعض منه بأفق معاصر، يشوبه الجمال والوضوح ، كأحد أدوات التحفيز المعرفي والحضاري لأبناء المدينة .
2- اقتراح تشكيلات جمالية وفنية ، مستوحاة من شخصيات ووقائع الحلة قديماً وحديثاً تأخذ أبعاد تربوية ووطنية وثقافية .
3- توفير او إعادة ترميز النتاج الفكري والتاريخي لمدينة الحلة برموز جمالية معاصرة ( نحت ، مكتبات ، دراسات ، تسميات ، صور ، وثائق ، مؤتمرات ....الخ ).
4- متابعة ومراقبة كل ما يستجد بيئياً وجمالياً ، ورفض كل ما يعمل على تشويه صورة المدينة من خلال صلاحيات النظام الداخلي للهيئة .
5- إصدار المطبوعات التي تحتضن وتكشف الوقائع التاريخية والثقافية ، وتشجيع العطاء والمنجز الثقافي والعمل على إشاعته عبر قنوات الاتصال المختلفة .
6- إعداد التوصيات والمقترحات للدوائر الحكومية فيما يخص المناطق الأثرية والتاريخية ، والعمل على ان تكون المدينة منطقة إنتاج وتصدير متعدد للنتاج الفكري والثقافي والجمالي .
وفي ظل أجواء مساعدة تارة ، ومعرقلة تارة أخرى، استطاعت هيئتنا ان تستكمل خطوات لابأس بها من هذه المحاور ، تلك المحاور التي تستلزم المزيد المزيد من التعاون والتآزر ، عوناً وتشجيعاً ومشاركة ، فنحن في خطوتنا الأولى ، وهي الأصعب.
فهيئة الإحياء والتحديث عولمة مصغرة للجميع ، عراقيين ، مغتربين ، أبناء مدينة، كبار المتعلمين، بسطاء ، لافرق فيما يفيد الغاية ...فأي كلمة ، وأية إضافة تنير ما تراكم خلال القرون التسعة لعمر الفيحاء ، فالجميع مدعون ان يسهموا في إعادة بناء ( ذات الحلة الثقافية ) بافق منظم ومسؤول ، سواءً ما نحته الأجداد ام ما نعاصره الآن، فكله حلي ...فتلك إحدى مصدات عولمة الآخر . ولنعمل ونجدد للحلة ما لم تزدان به غيرها.
د.كامل القيّم / جامعة بابل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر