الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دولة الاشتراكية الديمقراطية إلى دولة المواطنة

سامر سليمان

2007 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


حتى أبريل 2007 كانت الدولة المصرية تُعرف بأنها "دولة نظامها اشتراكى ديمقراطى يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة"، كما كانت المادة الأولى من الدستور تقول. الآن تعريف االدولة هو "دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة" كما تقول المادة الأولى بعد التعديل. ماذا يغير ذلك في السياسة المصرية؟


ما أهمية النصوص الدستورية إذا كانت لا تعكس الواقع الفعلي؟ وما أهمية هذه النصوص إذا لم تكن محصلة توافق سابق على إقرارها؟ ننظر أحياناً للدستور على أنه مجرد زينة تضعها المجموعة الحاكمة في مصر على جدران الدولة لتجميل واقعها الفعلي غير الجميل. فلا الدولة كانت اشتراكية ديمقراطية قبل أبريل 2007 ولا هي الآن تقوم حقيقة على المواطنة. التعريف الذي تضعه المجموعة الحاكمة للدولة في الدستور مثله مثل الأيات والصور المقدسة التي يضعها التجار والحرفيين على جدران محلات عملهم لجلب البركة، دون أن يكونوا بالضرورة مخلصين لها أو أن تكون لها انعكاس فعلي في ممارساتهم. ولكن من الخطأ عدم الاهتمام بمحتوى الزينة اللفظية. فهي إعلان عن تبني قيم معينة حتى لو لم يكن هذا التبني صادقاً وحتى ولم يتُرجم في ممارسات فعلية. والإعلان مهم بما يحتويه من رسائل تنطلق من مجموعة إلى مجموعات وأفراد أخرين. ما تقوله الدولة عن نفسها في وثائقها الرسمية (وعلى رأسها الدستور) يجب أن يؤخذ بجدية.
من أين أتت المجموعة المسيطرة على الدولة بلقب دولة الاشتراكية الديمقراطية في الستينيات، ومن أين أتت المجموعة المسيطرة اليوم بلقب "دولة المواطنة" لكي تزين به الدستور في أبريل 2007؟ في كلتا الحالتين لم تخترع المجموعة الحاكمة لقباً من بنات أفكارها. لقد التقطت من المجتمع عناوين مشروعات سياسية للدولة. في الحالة الأولى استعارت المجموعة الحاكمة من اليسار مشروع دولة تقوم على تحالف قوي الشعب العاملة. من هي قوى الشعب العاملة تلك؟ الناس في الدنيا ينقسمون إلى ثلاثة أنواع، نوع يكسب قوته من عرقه، ونوع أخر يكسب عيشه من عمل الأخرين، ونوع ثالث يتكسب من هذا وذاك. الفكرة الأصلية هي أن تقوم الدولة على النوع الأول، أي على العاملين في كل المجالات من عمال وفلاحين ومدرسين وأطباء..الخ. والفكرة المحورة التي تبنتها المجموعة الحاكمة أضافت الرأسماليين الوطنيين لمجموع العاملين. مما نسف فكرة التحالف من أساسها لسببين. أولاً: إذا كان التحالف يقوم على من يعمل ليكسب قوته كيف يدخل رجال الأعمال في التحالف؟ حقيقي هم يعملون.. يعملون في إدارة مشروعاتهم. لكن عوائد دخلهم الأساسية لا تأتي من وظيفة الإدارة ولكن من واقع امتلاك رأس المال نفسه. ثانياً، إذا كان التحالف يقوم على أرضية العمل أي على صفة اقتصادية للناس، ما هي حكاية "الوطنية" تلك التي سيمر من خلالها بعض الرأسماليين إلى التحالف الحاكم؟ كلمة "وطنية" – بافتراض أن لها تعريف واضح – هي كلمة سياسية وليست اقتصادية. الرأسمالية الوطنية هي غالباً تلك الرأسمالية التي تلتزم بالتوجهات السياسية للمجموعة الحاكمة. لقد ضربت المجموعة الحاكمة الاشتراكية الديمقراطية في مقتل عندما وضعتها كعنوان للدولة. لأن هذا العنوان لم يكن ليضم كل مواطني الدولة المصرية، لذلك كان من المحتوم فرضه قصراً.
كما استعارت المجموعة الحاكمة فكرة الاشتراكية الديمقراطية من اليسار في الستينيات فهي تستعير الآن شعار المواطنة من مجموعات لبرالية أو يسارية تضع هدف المواطنة على أجندتها. المواطنة في الأصل هي فكرة لبرالية أوروبية، لكنها لم تصل إلى أقصى مدى لها في أوروبا إلا على يد اليسار. فالتوسع في حق التصويت في الانتخابات لكي يضم كل المواطنين رجالاً ونساء، أغنياء وفقراء، عمال ورأسماليين، لم يكن ليحدث إلا بنضالات اليسار والطبقات العاملة. المواطنة هي أحد حقوق الانسان بوصفه إنسان فقط، وهي بهذا المعنى لها أنصارها في المجتمع، هؤلاء الذين تعاملهم الدولة معاملة مختلفة عن زملائهم المواطنين (غالباً معاملة سيئة) بسبب اختلافهم عن الأخرين في الأصل الاجتماعي، والثروة والجنس والدين. المواطنة إذن هي مساوتنا كلنا كمواطنين أمام الدولة وفي الدولة، هي إذن حق من حقوق الانسان، هي مطالب الحد الأدنى.
فكرة المواطنة إذن هي فكرتنا وقد استعارتها منا المجموعة الحاكمة ووضعتها في الدستور. وهذه المجموعة تقوم الأن بتحوير وتزييف الفكرة والمرواغة في تطبيقها. والسؤال هنا هو: هل نترك لهم المواطنة ونبحث عن عنوان أخر، كما تركنا لهم الاشتراكية الديمقراطية وتحالف قوى الشعب العاملة؟ أم نتمسك بالمواطنة وندافع عن أصل الفكرة وعن تطبيق سليم لها. أعتقد أن اليسار أخطأ عندما تعامل مع النصوص الاشتراكية في الدستور باعتبارها نصوصاً ميته ليس لها أي قيمة، وعندما ترك الساحة لسخرية مريرة من الاشتراكية الديمقراطية ومن تحالف قوي الشعب العاملة. فالسخرية لم تكن موجهة فقط ضد القائمين على مسخ الاشتراكية وتحالف قوى الشعب العاملة، ولكن ضد فكرة الاشتراكية نفسها وقوي الشعب العاملة ذاتها، بل وضد فكرة العمل في بعض الأحيان. تماماً مثلما تنطلق السخرية والتدميرالآن لفكرة المواطنة ذاتها وليس فقط لممارسات السلطة التي تمسخ الفكرة. لقد قامت المجموعة الحاكمة في 2007 بحذف لقب الاشتراكية الديمقراطية وتحالف قوى الشعب العاملة بدون أن يقول أصحاب المشروع الأصلى ما كانوا يعنون بالاشتراكية وبتحالف قوى الشعب العاملة. أتمنى ألا يحدث ذلك لكلمة "المواطنة". أتمنى ألا يأتي اليوم الذي يقوم فيه الحكام بحذف كلمة المواطنة من الدستور ودفنها وهي حية دون أن يخرج أحد لمقاومة عملية الدفن، أو حتى للحديث عن مأثر المرحوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل