الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مساهمة في قراءة بعض رسائل السابع من شتنبر 2007 .

محمد امباركي

2007 / 10 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


إن أقوى المؤشرات التي أفرزتها الانتخابات التشريعية ل 7 شتنبر 2007 هي :
- نسبة مشاركة ضعيفة في حدود 37% مع أن تقديرات كثيرة تحصرها فيما بين 20 و 25 % رغم الحملة الإعلامية القوية من طرف الدولة و بعض مكونات " المجتمع المدني "،
و كذا الخطاب الملكي.
- خريطة سياسية تكرس الوضع القائم من حيث تركيبتها المحافظة و الآليات غير العقلانية و غير الديمقراطية المتحكمة في إنتاجها و خاصة الاستعمال الواسع لسلطة المال و التجديد في تقنيات التزوير و تزييف الإرادة الشعبية على مرئ و مسمع السلطات المحلية، الأمر الذي يجعل من أي حديث مطلق عن النزاهة و حياد الإدارة يفتقد للمصداقية على الأقل خلال الحملة الانتخابية و أثناء يوم الاقتراع، دون الحديث عن الميكانيزمات الوقائية القبلية كالتقطيع الانتخابي..الخ.
في سياق قراءة هذه المعطيات، ذهبت معظم المعالجات في اتجاه تحميل المسؤولية للأحزاب السياسية و النخب المثقفة في مقابل حياد ايجابي للدولة، على اعتبار أن 63% من المقاطعين هي المرآة التي تعكس عجز الأحزاب السياسية عن التأطير الحقيقي للمواطنين . و نود في هذه المساهمة أن ننخرط في نقاش هادئ حول هذه القضايا من خلال طرح بعض الإشكالات و تقديم بعض الأجوبة التي لا ندعي فيها الإحاطة الشاملة.
في اعتقادنا لا يمكن للقراءة الأفقية أن تستقيم دون ربطها بإستراتيجية النظام السياسي في بلادنا، بمعنى ماهية طبيعة المنطق السياسي الذي اشتغل به هذا النظام منذ الاستقلال إلى الآن؟ أليس نهج إستراتيجية القمع السياسي و الاديولوجي من خلال شن حرب حقيقية ضد الأحزاب الوطنية و الديمقراطية في اتجاه أضعافها بأية وسيلة ) سجون، اختطافات، اغتيالات سياسية، خلق أحزاب موالية و تمييع الحياة السياسية و استقطابات إدماجية في بنية المخزن، تشجيع القوى الأصولية ثم تحويلها إلى شبح يهدد الديمقراطية المفترى عليها..الخ( و بالتالي احتكار السلطة السياسية و استبعاد أية إمكانية حقيقية لاقتسام القرار السياسي، أليس هذا النهج معطى أساسيا في إنتاج واقع اللامبالاة و اليأس و العزوف السياسي و أحيانا " معاداة العمل الحزبي" حتى و سط النخبة "المثقفة" التي انخرط جزء منها في دعوة بعض الأبواق الرسمية إلى عقلنة الحقل السياسي و هذا حق يراد به باطل؟.
عموما فتجليات تمركز السلطة السياسية و التحكم في مختلف المبادرات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية لازالت مستمرة خارج التدبير الحكومي و المراقبة البرلمانية، فكيف يمكن للمواطن أن يتمثل بشكل ايجابي و ملموس وظيفة الحكومة و البرلمان؟
من هنا، إذا كانت المعطيات الدالة التي أفرزتها محطة 7 شتنبر 2007 تحيل على وضعية الاحتقان السياسي و الاجتماعي، ففي تقديرنا أول ما يجب مسائلته هو النظام السياسي المغلق الذي واقعيا يدبر شؤونه باليات تقليدا نية تتحول معه السياسة و الاقتصاد و الاجتماع إلى "المقدس"، و نظريا يتبنى خطاب الانتقال الديمقراطي و المصالحة و الإنصاف و تخليق الحياة العامة و التنمية البشرية...الخ، و هو خطاب لا تكفي الإجراءات الجزئية المصاحبة له لتأصيله تأصيلا ديمقراطيا من الناحية الدستورية و المؤسساتية و الفكرية من خلال تفاعل حقيقي مع الحداثة كبنية للمواطنة الكاملة و حقوق الإنسان في شموليتها و كونتيها.
بناء على هذه المقاربة يمكن القول أن أغلب المبادرات التي يمكن قياس أثرها إلى هذا الحد أو ذاك على حياة المواطن، لا يستشعر هذا الأخير أي دور فيها للحكومة و البرلمان و كذا المجالس المنتخبة، اللهم تدبير الأزمة من خلال تدابير اقتصادية و اجتماعية هي في معظمها فاشلة و لا يوازيها السؤال : لماذا فشلت؟ و ماهي تكلفتها المالية و الاجتماعية؟ إلى آخره من ألأسئلة التي من المفروض أن تطرحها و تبحث لها عن أجوبة المؤسسة التشريعية، و الأمثلة كثيرة في مجال التشغيل – مبادرة الإدماج و التشغيل- التشغيل الذاتي- مقاولاتي- فضيحة النجاة- و نهب المؤسسات العمومية في غياب أي تفعيل حقيقي لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، و فساد المؤسسة القضائية..الخ بشكل يمنح المصداقية للقراءة التي تنظر الى الرشوة و المحسوبية و التستر على لصوص المال العام و اقتصاد الريع، باعتبارها ضمن الآليات البنيوية لاشتغال النظام السياسي في نطاق إستراتيجية تعميم الفساد كمنظومة مقبولة اجتماعيا تحت شعار : " دهن السير يسير ".
إن هذه الإعطاب البنيوية لقاطرة "الانتقال الديمقراطي " لا يمكن علاجها بالصدمة من خلال توجيه اللوم للأحزاب السياسية و خاصة مكونات الصف الوطني و الديمقراطي و تضخيم – لغرض في نفس يعقوب – دور "المجتمع المدني " ، لكن هذا لا يعني إعدام أي دور للقوى الوطنية و الديمقراطية سواء من حيث الأخطاء القاتلة- كما شخصها الشهيد المهدي بن بركة- لبعضها عبر توافق و تواطأ مع النظام السياسي في ظل لحظات تاريخية حاسمة و ميزان قوى سياسي و اجتماعي لصالح البناء الديمقراطي الحقيقي، أو من حيث " الشعارات الثورية" التي تقفز على المرحلة لبعضها الآخر. و هذا موضوع قيل فيه الكثير.
على أية حال، إن 63% و هي نسبة عدم المشاركة ، هي بشكل من الأشكال تعبير عن موقف "صامت" – مؤقتا- ، و الصمت كما يقول " إدريس الشرايبي" موقف "le Silence est un Opinion "، موقف احتجاجي إزاء وضع قاتم لم يتحقق فيه الحد الأدنى من التطلعات الاجتماعية إلى العيش الكريم لفئات واسعة تعاني الهشاشة و الإقصاء الاجتماعي و ضعف القدرة الشرائية ...، و حتى الفئات التي أدلت بصوتها – قد تكون شاركت استجابة لممارسة موقف سياسي و تنظيمي، أو لإغراءات مالية أو عينية او لهذا السبب أو ذاك، فان الأهم هو الإلمام السوسيولوجي بهذه الشرائح، بمعنى ماهي هذه 63% ؟ هل نعرفها فعلا و نعرف انتظاراتها و رهاناتها؟ ماهي تمثلاتها للسلوك الانتخابي؟ ماهو المعنى الذي تمنحه لممارسة المقاطعة؟ اذا كانت هذه الممارسة تعكس سخطا اجتماعيا مشروعا إزاء حقل سياسي ليس له مفعول اجتماعي، فان السؤال هو كيف يمكن تحويل هذا السخط إلى وعي سياسي قادر على التأثير في الصراع السياسي و الاجتماعي؟
انه بالقدر الذي تشكل فيه هذه "الأغلبية الصامتة" رسالة سياسية واضحة للنظام السياسي من جهة، فإنها أيضا رسالة سياسية واضحة للأحزاب السياسية و خاصة قوى الصف الوطني الديمقراطي التي تخلى جزء كبير منها عن مطالب الأمس و انخرط في دينامية سياسية و تنظيمية حكمها التقارب من المخزن و الاندماج في دواليبه، مما عرضه خلال اقتراع 7 شتنبر 2007 ل"كبوة" هي في الحقيقة إحدى أوجه الاحتجاج ضد خط انتهازي متنفذ داخل هذه القوى ، و الذي لم يكتفي بتفتيت الإطارات الجماهيرية المناضلة بل و التضييق على الطاقات المناضلة داخله و دفعها إلى البحث عن آفاق أخرى و بالتالي استبدالها بأعيان و نخب تتقاطع مصالحها مع مصالح الخط المتنفذ.
بيد أنه إلى جانب هذا المعطى، لابد من استحضار ضعف القوى اليسارية و عجزها المزدوج عن تجاوز واقع التشرذم بشكل حقيقي رغم الخطوات الإيجابية في هذا الشأن من جهة، ومن جهة ثانية عدم القدرة على تحويل أجوبتها السياسية السديدة إلى أجوبة مجتمعية يصبح فيها لمطلب الديمقراطية الحقيقية و الشاملة قوته المادية كمطلب جماهيري. إلا أنه يجب استحضار الاقتناع التدريجي لمعظم القوى اليسارية بأهمية المعركة الانتخابية كجزء من المعركة الديمقراطية و لحظة من لحظات تصريف البرنامج الديمقراطي اليساري في ظل ميزان قوى سياسي و اجتماعي يستدعي أكثر تفعيل مختلف حقول و آليات النضال الديمقراطي الجماهيري على المستويات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الاديولوجية و بالتالي مراكمة شروط سياسية أفضل تفرض على النظام السياسي تقديم تنازلات حقيقية في المجال الديمقراطي تستجيب لحاجة داخلية و ليست تنازلات تكتيكية يحكمها هاجس التسويق السياسي لصورة مزيفة الغرض منها خدمة ملفات "حساسة" كقضية الصحراء- محاربة الإرهاب...الخ، وبالتالي الالتفاف على المطالب الديمقراطية الحقيقية.
وفي اعتقادنا أن تجربة تحالف الطليعة و المؤتمر و الاشتراكي الموحد خلال اقتراع 7 شتنبر 2007 و التي لابد من تقييمها سواء على صعيد شروط ولادة هذا التحالف و نقصد طبعا الشروط الذاتية، أو من حيث التحضير للمعركة الانتخابية و تدبيرها و حصيلتها الكمية المتواضعة، فان الأهم هو مساءلة القيمة السياسية و التنظيمية المضافة في ذات اليسار الديمقراطي و في الصراع من اجل الديمقراطية؟ بمعنى تلازم تقييم محطة 7 شتنبر مع النتائج السياسية لما بعد هذه المحطة التي شكلت نوعا ما اختبارا سياسيا و ميدانيا للعمل المشترك بالنسبة لهذا التحالف..
إن الإحاطة بهذه الأسئلة تحتاج طبعا إلى استجماع المعطيات حول هذه التجربة على مستوى امتداداتها الأفقية و العمودية و استقرائها، و إذا كان بيان التحالف الصادر بتاريخ 9 شتنبر قد اعتبر هذا التحالف مكسبا و إطارا للعمل المشترك للاستعداد للمعارك و المحطات المقبلة، فالأساسي هو امتلاك الوعي الاستراتيجي بأهمية هذه اللحظة - رغم الاكراهات و الحسابات الذاتية التي صاحبتها- في سياق مسارات بناء وحدة اليسار كاختيار استراتيجي دون القفز طبعا على مسار تجمع اليسار الديمقراطي الذي يحتاج إلى تفعيل مقاربته وتحيين خططه : الميثاق التأسيسي، البرنامج السنوي ، ذلك أن الاختلاف في التعاطي مع اللحظة الانتخابية لا يعني اختلافا جوهريا في تقدير المرحلة السياسية باعتبارها مرحلة النضال من أجل انتقال ديمقراطي حقيقي من مداخله المركزية التأسيس الدستوري لهذا الانتقال يكون فيه الشعب هو مصدر السلطة، مما يطرح على القوى اليسارية مهام قيادة الصراع السياسي من أجل دستور ديمقراطي و إصلاحات سياسية جوهرية بشكل واضح خطابا و ممارسة، و الحذر من التدبير المحوري لهذه المعركة من داخل إطارات مدنية حقوقية و جمعوية ديمقراطية تتقاطع من حيث مرجعيتها و طبيعة حقل اشتغالها مع الأفق السياسي للقوى اليسارية لكن لها مبادئ و ضوابط تحدد هويتها الذاتية و التي من المفروض في القوى اليسارية الحرص على احترامها، هذا بالإضافة إلى حاجة هذه القوى إلى إعطاء دينامية نضالية أكثر لتصورها للعلاقة الجدلية نظريا و ممارسة، بين المعركة السياسية من أجل دستور ديمقراطي و إصلاحات سياسية حقيقية و النضال من أجل اختيارات اقتصادية و اجتماعية و ثقافية بديلة مبتدأها هو احترام الحقوق الأساسية للمواطنين في التعليم و الشغل و الصحة و السكن و البيئة السليمة و الثقافة و الإعلام و كرامة العيش...

وجدة 16 شتنبر 2007










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة