الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر من ثورة التحرير الى تنظيم القاعدة في المغرب العربي

محمد مصطفى علوش

2007 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لعل أول تأريخ للإسلام السياسي المسلح القائم على فكرة قلب نظام الحكم بالقوة على اعتباره نظام جاهلي معادي لتطبيق الشريعة وذيل من ذيول الإستعمار الجائصثم على صدر الامة للحيلولة بينها وبين اي تقدم فاعل يعود للبدايات الأولى للثورة الجزائرية على خلاف كثير من المتابعين والباحثين الذين يحصرون بداية العمل المسلح في التسعيننيات مع انقلاب الجيش الجزائري على نتائج الإنتخابات الأولى والتي فاز غالبية الإسلاميين في جبهة الغنقاذ بالمقاعد البرلمناية. فما هو متعرف عليه بين قيادات الحركات الإسلامية عموماً وكذلك والمؤرخين الإسلاميين أن الثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي كانت ثورة إسلامية في الأصل قادها العلماء ومشايخ الطرق الصوفية على غرار الثورة الإسلامية في ليبيا المتمثلة في السنوسية وغيرها من دول المغرب العربي ولولا أن خطفها بعض رجال الثورة المتأثرين بالفكر الإشتراكي لكانت الجزائر حالياً خلافة المسلمين أو على الأقل إمارة اسلامية.

وإذا أردنا أن نقول أكثر تفصيلاً ودقة فسوف نجد ان بدايات الإسلام السياسي ذو الطابع السلفي الجهادي تعود في الجزائر لعام 1954م لأحد قيادات الثورة الجزائرية وهو "مصطفى بويعلى" الذي اتهم الجنرات في الجزائر بخطف ثمار الجهاد الجزائري ةتعهد بإرجاع ما سُلب للشعب الجزائري المسلم.ولعل اول تنظيم اسلامي مسلح كان في عام 1973م حمل اسم "حركة الدولة الإسلامية" أسسها "بويعلى" نفسه لإستئناف الثورة والجهاد من أجل تحكيم شرع الله في الجزائر، قام عقبها بتوجيه تهديد صوتي إلى الرئيس الجزائري آنذاك " الشاذلي بن شديد"، وأنذره بالخروج على النظام وإعلان الجهاد عليه، وقبل ان تتمكن "حركة الدولة الإسلامية من بناء نفسها وتضع الإستراتجيات للمراحل القادمة استطاعت قوات الأمن الجزائرية قتل "بويعلى" عام 1976 أي بعد ثلاث سنوات فقط من دعوته وخروجه على النظام الجزائري، بموته دخلت السلفية الجهادية مرحلة الكمون حتى نهاية الثمانينات وبداية التسعينات إذا ما استثنينا الحركات الإسلامية السياسية المؤمنة بالتغير عن طريق العملية السياسية كحركة الإخوان المسلمين التي تواجدت على التراب الجزائري منذ الثورة الجزائرية.

ثم خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي شهد العالم الإسلامي عدة متغيرات دولية وإقليمية أنعشت الفكر السلفي الجهادي في الجزائر من جديد ، وقد تمثلت هذه المتغيرات بسقوط الإتحاد السوفياتي وانهيار منظومته الإيديولوجية سياسياً وسط انكفاء واضح لأطروحاته الفكرية، وتطلع رأسمالي غربي متمثل بالولايات المتحدة وحلف الأطلسي لوضع اليد على تركة الجيش الأحمر في المناطق التي غادرها والتي بدأ لعابه يسيل على خيراتها بعد ان نجح في طرد الروس من أفغانستان من خلال دعمه لمد جديد هو الفكر الجهادي السني المتقاطر من جميع أنحاء العالم الى أفغانستان، وتجميد مدهم نحو المياه الدافئة في منطقة المتوسط وشمال أفريقيا. هذا فضلاً عن نجاح الثورة الإسلامية في ايران، ومحاولتها تصدير الثورة الإسلامية لعموم الدول الإسلامية ثم نجاح "ثورة الإنقاذ الإسلامية" المتأثرة بأفكار "الجماعة الإسلامية" في باكستان وجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر وخصوصاً أفكار المودودي وسيد قطب الداعية للإنقلاب على الأنظمة الجاهلية واستئناف الحياة الإسلامية - في السودان ومحاولة استقطاب الحركات الإسلامية التحررية اليها، وكذلك انتعاش تنظيمي "الجمامعة الإسلامية" و"الجهاد" المصريين - قريبان من فكر السلفية الجهادية- من توجيه ضربات مؤلمة للنظام المصري .

لكن أهم محطة في هذا التحول الجزري العالمي المنعكس على اعادة السلفية الجهادية الجزائرية انتاج نفسها تمثل بأمرين ، عودة الأفغان العرب الى بلدانهم وكان فيهم عدد كبير من الجزائرين وكانوا يملكون معسكرات خاصة لهم في أفغانستان، وسياسة الإنفتاح القائمة على التوسع في الحريات والديمقراطية التي اعتمدها النظام الجزائري بعد انهيار مرجعيته السياسية –الإتحاد السوفياتي- التي اوصلت الإسلاميين فيما بعد للبرلمان.

اقتنص قادة الصحوة الإسلامية في الجزائر فرصة الترخيص للأحزاب السياسية عام 1989 بعد سياسية الإنفتاح فقاموا بتأسيس "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المُشكلة من عدد من علماء المساجد وأتباعهم ، وكان على رأسهم الشيخان عباسي مدني، وعلي بلحاج، وقد حققت الجبهة فوزاً باهراً في الانتخابات البلدية والبرلمانية، وكادت تستلم الحكم في الجزائر لولا انقلاب المنتفعين من الجنرالات وبدعم خارجي على نتائج الإنتخابات
وقام الجيش بحظر نشاط الجبهة واعتقل قادتها وأعضاؤها.

هذا الواقع أفرز عدة تنظيمات مسلحة انطوت فيما بعد تحت أكبر تنظيمين مسلحين في الجزائر ، فرغم ان "السلفية الجهادية" من خلال استمرار مؤيدي الشيخ مصطفى بويعلي الذين رفضوا الانخراط في العمل تحت مظلة "جبهة الإنقاذ الإسلامية" لاتباعها المنهج الديمقراطي للوصول إلى السلطة، فأتباع "مصطفى بويعلى"، إضافة الى "الأفغان الجزائريين" بقيادة "القاري سعيد"، و"جماعة الطلبة" التي ترأسها "الشيخ محمد سعيد"، والتي تأثرت بأفكار مالك ابن نبي، و"السلفية الإصلاحية" التي تحولت فيما بعد إلى جهادية وقامت بمواجهة النظام، وكان يتزعمها "الشيخ علي بلحاج" الذي أصبح فيما بعد الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، و"جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، التي تستند إلى السلفية الجهادية في منهجها، ولم تكن على درجة كافية من الفهم الشرعي والتنظيمي، بل انتشر فيها الجهل بالدين والسياسة معاً، فضلاً عن تواجد الكثير من الإسلاميين المستقلين الفاعلين في الساحة الجزائرية والذين انضموا إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

وكان أول انشقاق شهدته هذه الجبهة الضخمة جاء عقب قمع الجيش للعصيان المدني الذي نظمته الاحزاب الجزائرية على اختلاف ايديولجياتها وامعانه في حظر كافة الاحزاب فكان أول انشقاق عرف بـ "جيش الإنقاذ" بهدف مواجهة النظام من خلال استخدام القوة ، على رأس هذا الانشقاق "مدني مزراق"، و"عبد القادر شبوطي"، و"عبد الرزاق رجام"، و"محمد سعيد مخلوفي"، و"محمد السعيد".

ثم في أواخر عام 1991 وبداية عام 1992 انشقت جماعة أخرى عرفت بانتمائها للسلفية الجهادية، عرفت باسم "الجماعة الإسلامية المسلحة" ، تميزت عن جيش الإنقاذ بقيادتها العمل العسكري المسلح ضد النظام، وبرز من أوائل أمراء الجماعة عبد الحق العيايدة. وقد تولي "ابو عبد الرحمن أمين" لهذه الجماعة عام 1994م دخلت الجماعة في مرحلة عنفية شديدة لم تشهد البشرية مثلها حيث قامت بحرق ما يزيد عن 117مسجد وقتلت العديد من العلماء لا سيما القادة التاريخيين للتيار الإسلامي الجزائري، أمثال الشيخ محمد السعيد، و الشيخ عبد الوهاب العمارة، وأصدرت الفتوى التي تبيح قتل نساء وأطفال العاملين في الدولة، والعاملين في الإعلام، وتبنت فكرة التكفير لعموم المسلمين المخالفين لها.

في ظل هذه الظروف المأساوية ، انشق عن الجماعة الإسلامية المسلحة مجموعة من العناصر بقيادة "حسن حطاب" – سلّم نفسه للسلطات الجزائرية الأسبوع الفائت- بعد خلاف مع قائدها على خلفية إيغالها في قتل الاطفال والنساء والعلماء ، وأسس تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" وقاده من العام 1998 إلى 2003 تاريخ عزله من قبل مساعدي ، وقام "حطاب" بنفى أفكار التكفير والغلو والتطرف، وركز على مواجهة النظام، وإبراز أهداف وغايات الجماعة وأولوياتها المتمثلة في إقامة الدولة الشرعية، وبدأت "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بتنفيذ عدد من عمليات الاختطاف الموجهة للأجانب وافتدائهم بالأموال الهائلة، وبعد مقتل زعيم "الجماعة الإسلامية المسلحة" "عنتر الزوابري" آخر زعيم لها قبل انشقاق "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" فقد شهدت الجزائر حالة من الهدوء النسبي حتى ظهر "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

داخل تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" كان هناك ناشط مهم جداً يدعى "عبد الملك دروكدال" يلقب بـ"مصعب عبد الودود" وهو أحد المقربين من أمير التنظيم ومؤسسه "حسن حطاب" ، بعد عزل "حطاب" عن قيادة التنظيم عام 2003 خلفه أحد مساعديه "نبيل صحراوي" أميراً ، وفي عهده أُسند الى "دروكدال" قيادة ما يسمى فرع التصنيع، وذلك بسبب كفاءته العلمية الجامعية في تخصص الكيمياء والهندسة الإلكترونية. لكن بعد مقتل "صحراوي" جاء "عبد الملك دروكدال على رأس التنظيم ، وفي عهده تم التحول الكبير حين أعلن في 24 كانون الثاني 2007 انضام "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" إلى تنظيم القاعدة قائلاً في بيان مصور : "قررنا بعد مشورة واستخارة أن نبايع الشيخ أبا عبد الله أسامة بن لادن، ونعطيه صفقة أيدينا وثمرة قلوبنا، ونواصل جهادنا بالجزائر جنودا تحت إمرته، يضرب بنا من يشاء ويرمي بنا حيث يشاء، فلن يجد منا إلا السمع والطاعة ولن يرى إلا ما يسره".

والسؤال الذي يبقى بعض هذه السلسة من الإنشقاقات والولادات هل سيستقر الامر عند تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ام ستظهر ولادات جديدة وهل سيكون الوضع في الجزائر في ظل "تنظيم القاعدة "الجديد مثل ما كان قبلها أم اننا أمام تحولات معقدة لا تقل تعقيداً عن تعقيد بنية الحركات الإسلامية المسلحة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم