الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يعمل -اليسار الثوري- فعلاً ضد الدولة؟

سامر سليمان

2007 / 12 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


البديل الاشتراكي الحقيقي لن يتبلور إلا من خلال الدفاع عن فكرة الدولة في مصر وعن بعض قطاعاتها في مواجهة يمين يناصب الدولة ذاتها العداء ويريد تقطيعها قطعة قطعة وتمليكها لأفراد. من الطبيعي أن يهجو اليمين فكرة الدولة في حد ذاتها، ولكن أليس من الغريب أن يقع اليسار في ذلك الفخ؟

البديل الاشتراكي الثوري وفقاً الزميل العزيز تامر وجيه في مقالته المنشورة يوم الاحد الماضي هو الثورة على الرأسمالية وانتزاع وسائل الإنتاج منها وهو في نفس الوقت "تحطيم جهاز الدولة الرأسمالي وإحلاله بديمقراطية عمالية" كما يقول مركز الدرسات الاشتراكية - في تعريفه بنفسه على موقع الانترنت.
لا خلاف على أن الاشتراكية كهدف نهائي هي سيطرة المنتجين على أدوات انتاجهم وعلى ناتج عملهم. ولكن السؤال هو كيف يمكن إقناع المنتجين بإمكانية ظهور نمط إنتاجي جديد يقوم على الملكية الجماعية أي بالاشتراكية؟ الإجابة في رأيي هو التبشير بثقافة الحلول الجماعية كبديل عن الحلول الفردية، وتسليط الضوء على كل التجارب الناجحة في العمل الجماعي والنضال الجماعي في مصر وغيرها. هجاء الرأسمالية المصرية يجب أن يكون مرتبطاً بالبحث عن بديل جماعي داخل المجتمع وتسليط الضوء عليه، والدخول في حوار معه، ودعمه بكل الوسائل الممكنة. الاكتفاء بهجاء الرأسمالية في رأيي يضع اليسار في صورة تيار غير مسئول يكلف المجتمع ما لا طاقة له به، صورة تيار يطالب بالاستغناء عن الرأسمالية لصالح طبقة لم تثبت حتى الآن انها قادرة على إدارة أدوات الإنتاج. الرأسمالية تسيطر على أدوات الإنتاج وتديرها بشكل فردي، وإدراتها للعملية الإنتاجية تتميز بهدر كبير واستغلال فادح. الضرب في الرأسمالية يكون بإبراز لا عقلانيتها في مواجهة عقلانية الجماعة، وأهم أدوات العقلانية الجماعية هي الدولة.
الكلام عن الدولة هو الموضوع الأساسي الذي أجد فيه نفسي في خلاف عميق مع الزملاء الاشتراكيين الثوريين، هناك فجوة فادحة بين كلامهم عن الدولة المصرية وبين ممارساتهم معها. هم يدعون إلى تحطيم "الدولة الرأسمالية" وإلى الوقوف "مع الاسلاميين أحياناً وضد الدولة دائماً"، كما يقولون. ولكن ممارساتهم تقول أنهم ليسوا ضد الدولة على طول الخط. فهم وقفوا مع جناح من الدولة – القضاة – ضد أجنحة أخرى أمنية وبيروقراطية. وهم دخلوا في الصراع حول الخصخصة ليس فقط من منطلق الدفاع عن حقوق عمال القطاع العام، ولكن أيضاً للدفاع عن ملكية الدولة المصرية لوسائل الإنتاج، وهو الأمر الذي يتجلي في موقفهم الرافض للخصخصة من حيث المبدأ. وهم تضامنوا في الأيام الأخيرة مع موظفي الضرائب العقارية (عاملين بالدولة) في مطالبهم وعلى رأسها إنهاء تبعيتهم للمحليات والعودة للمركز أي وزارة المالية.
من السيء أن يقول تيار سياسي شيئاً ويفعل شيئاً أخر. لذلك فسهام النقد توجه للاخوان المسلمين ، باعتبار أن ممارساتهم فيها من الانتهازية ومهادنة السلطة بشكل لا يتسق مع خطابهم الاخلاقي. ولكن من الأسوأ أن يظلم تيار نفسه وأن يتخذ مواقف سياسية جيدة في الوقت الذي يقول عن نفسه أشياءً سلبية. كيف يقول اليسار بتحطيم الدولة وهو الذي يحرص في كل تحرك جماهيري على ألا تنجرف التحركات بفعل - العناصر الأمنية المندسة أو العناصر قليلة الوعي - إلى العنف وإلى تحطيم الملكيات العامة؟ كيف يقول اليسار بتحطيم الدولة وهو الذي يُقيم نضج التحركات الجماهيرية جزئياً بحفاظها على الممتلكات العامة بل والخاصة. لم يضبط يساري واحد شارك أو حرض على تحطيم ألة في مصنع (عام أو خاص) أو حرق اتوبيس عام أو تحطيم سيارة خاصة. اليسار المصري تيار مسئول في تحركاته، فلماذا لا يصبح مسئولاً أيضاً في كلماته.
اليسار المصري والعربي يتحدث كثيراً عن الثورة، ولكنه يتحدث قليلاً عن الدولة. اليسار الروسي أنتج كتاباً هاماً اسمه "الدولة والثورة" لمؤلفه فلاديمير لينين، قائد ثورة البلاشفة، الذي قدم فيه رؤية لتحطيم الدولة الروسية وبناء دولة جديدة. هذه الرؤية تفاعلت مع الواقع بعد الثورة وأنتجت الدولة السوفييتية، بما لها وما عليها. مر على هذا الكتاب حوالي قرن من الزمان، قدم فيه العديد من الماركسيين تطويرات هامة في النظرية الماركسية للدولة مثل نيكوس بولانتزاس الذي رفض فكرة لينين عن أن الدولة هي مجرد أداة في يد الرأسماليين، وقال أن الدولة والرأسمالية ليساً شيئاً واحداً. بالمناسبة الزميل تامر الميهي كتب رسالة ماجستير نظرية هامة بالجامعة الأمريكية في التسعينيات عن فكرة الاستقلالية النسبية للدولة ولكنه للاسف لم يترجمها إلى العربية.
الكثير من التحركات الجماهيرية التي تحدث في مصر الأن والتي يتضامن معها اليسار هي تحركات لقضاة وعمال وموظفين وصحفيين وأطباء ومدرسين. معظم هؤلاء هم من العاملين بالدولة. إذن كلام لينين عن تحطيم الدولة التي تعمل في خدمة الرأسمالية لن يجدي ولن ينفع في تطوير رؤية للتفاعل مع نضالات هؤلاء. العداء الشديد والهستيري للدولة هو موقف اليمين المتطرف وليس اليسار الجذري. أنظروا إلى كتابات النيو لبرالية وهجائها الدائم لفكرة الدولة. هل يتفق معي الزميل العزيز تامر وجيه على أهمية أن يصحح اليسار كلامه عن الدولة لكي يرتقي إلى مستوى ممارساته معها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا