الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدوارد سعيد: عود على بدء

صبحي حديدي

2007 / 12 / 18
القضية الفلسطينية


في العدد الجديد من فصلية Middle East Quarterly، المؤرّخ شتاء 2008، يتذكّر إفرايم كرش وروري ميللر أنّ تأثير إدوارد سعيد (1935 ـ 2003) على الحياة الأكاديمية في الغرب يظلّ قوياً في غيابه كما كان في حياته، وما تزال تتواصل المنتديات والمؤتمرات المنعقدة على شرفه، في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا (ولسبب ما سقطت من لائحة كرش وميللر أنشطة مماثلة شهدتها أفريقيا وأمريكا اللاتينية وأستراليا). ما يتسبب أكثر في ضيق صدر الثنائي أنّ عدداً من النجوم، سلمان رشدي وفانيسا ردغريف وداني غلوفر، يشاركون في هذه اللقاءات؛ وينضمّ إليهم بين حين وآخر يهود غير طيّبين، كما يُفهم من نبرة الثنائي، لأنهم على عداء مع الصهيونية، مثل الناقدة جاكلين روز والمؤرّخ إيلان بابيه.
لهذا كلّه يتطوّع الثنائي كرش (رئيس قسم الدراسات المتوسطية في King s College، لندن) وميللر (المعيد في القسم ذاته) بتدمير، أو بالأحرى إعادة تدمير، شخصية الراحل الكبير، استناداً إلى الكشوفات العبقرية التالية: سعيد تمنى أنّ يتذكره الناس في قوله الحقيقة أوّلاً، ولكنه انتهى إلى نقيض ذلك لأنه لم يكفّ عن "فبركة" الحقائق؛ ومارس النفاق حول طفولته في فلسطين ما قبل إنشاء الدولة العبرية، وانتحل صفة الفلسطيني المنفيّ؛ واعتاد على السرقة الأدبية والفكرية (أفضل أمثلة الثنائي فقرة يتيمة من بيان لمنظمة التحرير الفلسطينية صدر سنة 1964!)؛ ولم يكن متسامحاً مع الخصوم (أمثال بول جونسون، دانييل بايبس، كنعان مكية!)؛ وأخيراً: المماحكة بقصد تسلّق السلّم الأكاديمي والمهني (بين الأمثلة: آراء سعيد في مواقف جان بول سارتر من الصراع العربي ـ الإسرائيلي، واحتلال العراق، والروائية الإنكليزية جين أوستن!).
والحال أنّ كرش وروري يستأنفان المفرقعة التي كان أطلقها الباحث الإسرائيلي جستس رايد فاينر في آب (أغسطس) 1999، حين أعلن هذه الكشوفات المدوية، العبقرية بدورها: أنّ المنفيّ الفلسطيني إدوارد وديع سعيد زيّف قصة حياته، ولم يسكن في القدس، ولم ينتسب إلى أيّ من مدارسها، وهو ليس لاجئاً، ولا حتى فلسطينياً! هذه ثمار ثلاث سنوات من التنقيب في أرشيفات فلسطين أيّام الإنتداب البريطاني، وفي قيود الأحوال المدنية، والصكوك العقارية، وسجلات مدرسة «سان جورج» في القدس، واستجواب نحو 85 من الشخصيات المعاصرة لتلك الحقبة، والسفر إلى عواصم عديدة بينها القاهرة وعمّان.
وبالطبع، كان الهدف البعيد هو تقويض حكاية سعيد بوصفه المنفيّ الفلسطيني أوّلاً، على نحو يحرمه استطراداً ـ في الموقع الشخصي الفردي كما في الموقع الرمزي الجَمْعي ـ من صفة الضحية، أو احتمال أن يكون «رمزاً للظلم الإسرائيلي» كما كتب ألن فيلبس مراسل الـ«ديلي تلغراف» في القدس، حين نقل اكتشاف فاينر آنذاك. وتأسيساً على هذا فإنّ حكايته «المؤثّرة»، التي كانت تُروى وتُقتبس في الصحف والمجلات وأقنية التلفزة، ينبغي أن تُطوى اعتباراً من تاريخ ذلك الإكتشاف، ولم يعد من حقّ هذا الرجل (الذي كان «مدلّل اليسار الأمريكي» زمناً طويلاً، كما كتب فيلبس) أن يستأثر بعد الآن بموقع «الرمز الحيّ للشتات الفلسطيني».
غير أنّ يهودياً غير طيّب، على شاكلة جاكلين روز وإيلان بابيه، كان قد تصدّى للدفاع عن سعيد حين راجع مذكرات الأخير الشهيرة التي صدرت في العام ذاته، 1999، تحت عنوان "خارج المكان". عاموس عيلون، الكاتب والروائي، خاطب مواطنيه الإسرائيليين بوضوح ما بعده وضوح: اقرأوا هذا الكتاب لأنه يعلّمكم الكثير عن الفلسطيني، ويعلّمكم أكثر حول ما يستقرّ عميقاً في نفوسكم وتجهلونه أو تتجاهلونه. وإذ توقف عند أباطيل فاينر حول فلسطينية سعيد، كتب عيلون: «هذا استقراء مستهجن. إنّ فاينر لا يكتفي بإنكار حقوق الفلسطينيين دون النظر فيها بجدّية، بل يعيد إلى الأذهان مفارقة مريرة تماماً: عن طريق وصم سعيد بتهمة الشخص الكوزموبوليتي الخَطِر والمقتلَع من جذوره ـ رغم أنه غنيّ وابن نعمة في الآن ذاته ـ فإنّ فاينر يردّد أصداء الإتهامات ذاتها التي وجهها إلى اليهود قوميون أوروبيون متشدّدون ومعادون للسامية، طيلة القرن التاسع عشر».
وهكذا فإنّ لائحة مضبطة اتهامات كرش وميللر لا تستأنف مماحكة فاينر وأمثاله فحسب، بل الأكثر مغزى أنها تمثّل الطبعة الأحدث من سلوك الضحيّة اليهودية التوّاقة إلى التنكيل بالفلسطيني (ضحيّة الضحيّة)، في جانب أوّل؛ وأنها، في جانب ثانٍ، تنويع على طبعة اضطهاد الأوروبي لليهودي، وقد استعادها اليهودي نفسه بعد مرور قرن على تحريره وتحرّره. تحريره، ربما. ولكن تحرّره؟ هذا هو الطور الآخر الذي تبرهن كتابات عشرات المفكرين والمؤرّخين والأكاديميين الصهاينة أنه لم يكتمل بعدُ في الوعي اليهودي، الأمر الذي يبرهن تالياً على أنّ بعض اليهود لا يزمعون التحرّر من عقدة الضحيّة إلا بعد إشباع عقدة الجلاد.
وقبل مراجعة عيلون، ومن أجل دليل جديد على أنّ احتفاء الإنسانية بأعمال سعيد قديم جديد متجدد، كانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد نشرت مراجعة لـ «خارج المكان»، كتبها كريستوفر ليمان ـ هوبت، نصح فيها أبناء أمريكا أنّ يقرأوا كتاب سعيد لأنه يمثّل المعنى الكلاسيكي الرفيع لرحلة المهاجر إلى أمريكا، حيث «الجميع خارج المكان».
... ما خلا أمثال فاينر وكرش وميللر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في