الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بانوراما الانتفاضة.. الحصاد المر

حيدر عوض الله

2007 / 12 / 27
القضية الفلسطينية


هناك حاجة ماسة إلى كسر التقليد الفلسطيني الذي تحول إلى عادة في الإحجام عن إعمال العقل ثم النقد في مراجعة التجربة الكفاحية للشعب الفلسطيني. ويبدو أن ليس في وارد الحركة الوطنية الفلسطينية مجدداً التصدي النقدي لتجربة الانتفاضة باعتبار أن فعل النقد في العرف النضالي الفلسطيني ترفٌ ما بعده ترف لقوى منغمسة حتى الأذنين في تأمل انكساراتها وتعثرها المستمر كقدر ميتافيزيقي يمتحن قدرتها المتجددة على إعادة إنتاج خيباتها ونكباتها، والتي تبدو لديها المازوخية "فضيلة" إذا قورنت "برذيلة" تجنب الهزيمة واستخلاص العبر.
وبهذا المنطق، يبدو الهدف لاشيء والتضحيات كل شيء! فلم يحدث أن رفعت أي حركة وطنية أدواتها النضالية إلى مستوى التقديس، وجعلت من نتائج استخدامها وحصادها أمراً هامشياً إلى هذه الدرجة، كما لم يحدث أن تحركت أية حركة سياسية تبغي الظفر بأهدافها بتجرد وتصادم فج مع شروط انتصارها، مع عناصر قوتها؛ أي مع محيط التعاطف والمساندة الدولية لها وكأن هناك معيناً لا ينضب من طاقة التدمير الذاتي، ولم نسمع عن مهمة كفاحية غصت بأهداف متناقضة وبالجملة استطاعت أن تتحقق؛ أي أهداف الانتفاضة، وكأن هناك رغبة في الاحتفاء بعظمة الخيبة ودرامية الانكسار؟!
فأية حركة وطنية تصر على المضي في معادلة لسان حالها يقول: كلما زادت الخسائر والتضحيات تآكلت النتائج وشحت الثمار؟!
هذه اللوحة السوداء لواقع أداء الحركة الوطنية الفلسطينية السياسي والكفاحي على مدار السنوات السبع المنصرمة على الأقل مقدمة لـ "الاشتباك" مع "الانتفاضة" ونتائجها على الشعب. ولا مكان هنا، في التجربة الفلسطينية، التي اكتوت دون غيرها بلهيب التوازنات والمتغيرات، للتراكم في الخبرة، حتى وإن كانت كلفة هذه التراكمات جزءا من حيوات الشعب الفلسطيني وعذاباته التي تبدو سرمدية.
لقد أدت هذه العقلية بالذات إلى تعظيم المخاطر المحدقة بالأهداف الوطنية، وهي مخاطر حقيقية وواقعية. وإن كان من باب الهذر الذي لا طائل من ورائه إعادة التذكير بالأصوات العقلانية المتنوعة والمتعددة التي انطلقت محذرة من "الفهلوة" الرسمية في إدارة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ومن مفهوم "الفوضى" المسيطر عليها، ومخاطر الانزلاق إلى تكتيكات وأساليب نضالية متعارضة بشكل كلي مع الواقع الجغرافي والسياسي للأراضي الفلسطينية المحتلة، ومع طبيعة الاحتلال الاستيطاني وإمكانياته العظيمة العسكرية والإعلامية، وعلاقاته الدولية، واستحالة التقدم باتجاه تحقيق الأهداف الوطنية، دون تحييد هذه الإمكانيات المتنوعة الكبيرة، وتحويلها إلى عبء أخلاقي وسياسي على الاحتلال من خلال إعادة الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي إلى معادلته البسيطة والحقيقية: معادلة الجلاد والضحية.
إن محاولات تحويل الضحية إلى ندٍّ للجلاد من خلال عبارات "توازن الرعب" وبعض السلوكيات المتماهية مع سلوك الجلاد نفسه، وبكل ما تنطوي عليه من شجاعة رومانسية وأدبية، تلحق أضراراً سياسية فادحة بالضحية. فإلى جانب أنها في الواقع الفعلي وفي توازن القوى معادلة غير صحيحة بالمطلق، فإنها تعطي الجلاد (الاحتلال) فرصة استخدام كل إمكاناته القمعية دون قيود، ودون أي كلفة سياسية وأخلاقية، طالما أن الصراع يدور بين ندين وما يمكن أن يترتب على قوى الاحتلال القمعية من نتائج قد تكون في الكثير من الأحيان كارثية على الضحية (الشعب الفلسطيني)، وهي نتائج لا يمكن قبولها لأنه لا نتائج سياسية لهذه التضحية حتى يمكننا قبولها أو تحملها. بل على العكس تماماً، فكلما حاولت الضحية أن تتماهى مع الجلاد، وتكيل له الضربات بنفس الأدوات والطريقة، تتعزز الخسائر السياسية للشعب الفلسطيني، وكأننا أمام معادلة في غاية الغرابة، كلما ألحقنا خسائر مادية وبشرية بالاحتلال، كلما لحقت بنا خسائر مزدوجة: سياسية وبشرية!! هذه المعادلة الواقفة على رأسها هي أيضاً من ثمار المناخ الدولي الجديد الذي خلقته الولايات المتحدة الأميركية بذريعة أحداث 11 سبتمبر، الذي وفر الحصانة والمشروعية للاحتلال ولكل القوى المعادية للتحرر والاستقلال في العالم، بل وأحال كل هذه القوى إلى خصم مباشر للإرهاب الأميركي الذي تخطى كل حدود. وفي هذا المناخ بالذات، جرى استغلال بعض أشكال النضال الوطني الفلسطيني لوصم كفاحنا الوطني بالإرهاب.
وعلينا أن نقر هنا بالنجاح الذي حققته إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في هذا المجال، الذي تبلور في كل المبادرات السياسية الدولية، بدءاً بتقرير ميتشيل، مروراً بخطة تينيت، وانتهاء بخارطة الطريق، وأدى إلى هبوط سياسي متصاعد ومتعاقب في هذه المبادرات السياسية المقدمة تجاه أسس حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

أخطاء إستراتيجية
جاءت الانتفاضة الفلسطينية لتضع حداً لمرحلة استمرت سبع سنوات، تخللها بلا أدنى شك إرهاصات ومقدمات ساخطة على السلوك السياسي الإسرائيلي الذي حول عملية السلام إلى غطاء "شرعي" له، إذ اتسم هذا السلوك بخلق حقائق يومية على الأرض تمس بصورة خطيرة جوهر العملية السياسية التفاوضية القائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام . فتحت غطاء عملية السلام والمفاوضات شهدت الأراضي الفلسطينية أوسع عمليات للمصادرة والاستيطان والتهويد، ناهيك عن الخرق الفاضح والمنظم لكل اتفاقية جرى التوقيع عليها، بما في ذلك خرق إسرائيل مبدأ المرحلية في العملية السياسية، أي المرحلة الانتقالية والمرحلة النهائية التي أصرت عليها تحت عنوان بناء "جسور الثقة". وصار واضحاً أن هدف هذه المرحلية، ضمن الرؤية الإسرائيلية، استكمال نزع الغطاء الدولي عن القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى صراع محلي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وقضم ما يمكن قضمه من الأراضي الفلسطينية لعرقلة إمكانية الانسحاب إلى حدود67، ومنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مترابطة جغرافياً، بما في ذلك تحويل مرجعيات الصراع من قرارات الأمم المتحدة إلى ما يفرض على الطرف الفلسطيني من حقائق على الأرض، مسنودة باتفاقات تبتعد بصورة مطردة عن القرارات الدولية تحت التهديد والابتزاز الإسرائيلي اليومي للسلطة، وتحت الضغوط الأميركية وضغوط التمويل الخارجية. ورأينا المسلسل الدائم لهبوط سقف كل اتفاقية يجري فرضها على السلطة، بما في ذلك تكتيك فتح الاتفاقات الموقعة وخفض سقفها طرداً مع الوقائع اليومية التي تراكمها إسرائيل. ولم تتوقف الشهية الإسرائيلية في نقض الاتفاقات الجزئية أو فتحها، لاسيما أن إسرائيل اعتقدت أن السلطة كيان قابل للابتزاز.
لقد استغلت إسرائيل أخيراً ضعف السلطة الوطنية وضعف الغطاء الدولي الداعم لهدف المفاوضات بتطبيق قراري مجلس الأمن (242-338) وعزلتها الإقليمية، وتفكك الحاضنة العربية آنذاك، بسبب تكتيكات السلطة التفاوضية التي أدت إلى كشف ظهرها العربي لأسباب متنوعة ساهمت السلطة بهذا القدر أو ذاك في تحمل أسبابها، إلى أداء السلطة على الصعيد الداخلي والذي امتاز بسوء البناء المؤسسي والإداري وانتشار مظاهر الفساد في القطاع العام، وتغوّل الأجهزة الأمنية والمدنية وتورطها في عمليات النصب والاحتكار، وإهمال البنية التحتية، وإنفاق الموارد المحدودة على جيش الموظفين الذين كان الجزء الأعظم منهم لايحمل سوى شهادة انتمائه لحركة فتح، إضافة إلى تقلص القاعدة الاجتماعية للسلطة، ونفور وتضرر غالبية شرائح المجتمع من أدائها، ما وفر فرصة "مثالية" لإسرائيل لفرض رؤيتها لحدود التسوية السياسية. وقد كان استعجال الحكومة الإسرائيلية بقيادة باراك إلى مؤتمر كامب ديفيد2 لوضع الصورة النهائية للقضية الفلسطينية مبنياً على أساس أن السلطة الفلسطينية ثمرة قد فسدت وحان قطافها! وأنها لن تجازف بمشروعيتها المتآكلة دولياً وعربياً ومحلياً بإضافة عدو جديد لها بشخوص إسرائيل والإدارة الأميركية اللاعبين الوحيدين في الساحة بعد أن أُخرج اللاعبان الأوروبي والروسي حينها.
لقد فوجئت إسرائيل وحليفتها الإدارة الأميركية بالموقف الفلسطيني، خاصة موقف الزعيم الراحل ياسر عرفات وتمسكه بتسوية سياسية تقود إلى قيام دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية بقدس أقداسها، مع الاحتفاظ باليات تبادلية للأرض.
موقف الرئيس الفلسطيني كان مؤشراً واضحاً على أن الفساد الإداري والمالي لم يصل إلى الفساد السياسي ، الأمر الذي راهنت عليه إسرائيل، ويبدو أن سلبيات النظام السياسي الفلسطيني القائم على الفرد/ الزعيم حينها جعل من المؤسسة المتعثرة المرجع السياسي والقول الفصل.
ان إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه أيهود باراك والدعم الأميركي اللامحدود له على اللقاء بالرئيس عرفات والتفاوض مباشرة معه على التسوية النهائية قد أنهيا لدى الطرفين كل قدرة على المناورة، أو الضغوط الجانبية، فعندما يلتقي رئيسا أي نظام سياسي، فإما أن يتفقا وإما أن يصطدما، وهذه من ألف باء العمل السياسي.
فالرؤساء لا يتفاوضون مباشرة، بل يلتقون للتوقيع على ما قد تم الاتفاق المسبق عليه. وقد كان الصدام أمراً لا مفر منه بالنسبة للزعيمين. فباراك بدأت تتقلص قاعدته البرلمانية، وهو بحاجة إلى اتفاق كبير يقدمه للناخب الإسرائيلي، والرئيس عرفات بحاجة إلى كسر الرؤية الإسرائيلية للاتفاق النهائي وفتحها لتحقيق المزيد من النتائج، من جهة، وتعطيل الضغوط الدولية التي بدأت تنهال عليه من الجانب الأميركي والأوروبي وبعض الأطراف العربية، من جهة أخرى.
ونتيجة هذا الاصطدام جاءت بنتائج أولية لصالح الجانب الفلسطيني، تمثل ذلك في مفاوضات طابا التي كسرت الرؤية الإسرائيلية في كامب ديفيد. لكن مجريات الصراع والتغييرات السياسية على الساحة الإسرائيلية أتت على هذه النتائج، وقوضت حتى الرؤية الإسرائيلية في كامب ديفيد. وأقصد بالتغييرات السياسية سقوط باراك ونجاح أرئيل شارون. أما بخصوص باراك، فقد كان ضحية للحملة الإعلامية الكاذبة التي أطلقها على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بأنه لا يريد السلام مع إسرائيل وأنه مخادع. وكان باراك بهذه الحملة الإعلامية الكاذبة يقدم لليمين الإسرائيلي سكين ذبحه، لأن حملته تعني أن حزب العمل الذي وقع على اتفاق أوسلو وسار في مسار التسوية كان مخطئاً ومخدوعاً من البداية، وأتى للإسرائيليين بالسلطة غير الراغبة بالسلام.
وقبل الحديث عن الانتفاضة وأساليب عملها وآفاقها المستقبلية، علينا أن نتوقف عند الأخطاء الإستراتيجية الثلاثة التي وقعت فيها القيادة الفلسطينية. لأن مسار الانتفاضة وأشكال نضالها اتُّخذا، منذ البداية، على أساس التقديرات الخاطئة الثلاثة التي وقعت فيها القيادة الفلسطينية:
الخطأ الأول: اعتقدت القيادة الفلسطينية أن وصول الجمهوريين إلى رئاسة الولايات المتحدة سيكون لصالح الرؤية الفلسطينية لأسس حل الصراع، خاصة أن هناك أطرافاً عربية، وبإيحاءات من الجمهوريين أنفسهم، نصحت القيادة الفلسطينية بعدم التسرع بالاتفاق مع الإسرائيليين في ظل حكومة كلينتون المنحازة لإسرائيل، وأنه بالإمكان، نتيجة الارتباطات النفطية للرئيس بوش ونائبه، أن يكون تأثير الدول النفطية العربية كبيراً على الرئيس الأميركي الجديد. كما اعتقدت القيادة الفلسطينية أن بوش الابن، خاصة أن لديه نفس طاقم بوش الأب، سيحذو حذو والده في الضغط على إسرائيل ومقاومة اللوبي الصهيوني المتغلغل في الدوائر الأميركية.
الخطأ الثاني: اعتقدت القيادة أن حكومة يمينية متطرفة بقيادة أرئيل شارون سيَسهُل عزلها دولياً وبالتالي إسقاطها، مسقطة من حسابها إمكانية تشكيل شارون حكومة وحدة.
الخطأ الثالث: كما اعتقدت القيادة الفلسطينية أن الصدام الدموي بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون قصيراً، لأن المجتمع الدولي لن يسمح باستمرار هذا الصراع بهذا الشكل الدموي، وسيتدخل بقوة لإيقافه. وحتى يتوقف الصدام تكون قد تحققت مجموعة من النتائج أهمها:
1- توجيه رسالة للمجتمع الإسرائيلي بأن خسائره ستزداد بشرياً واقتصادياً إذا لم يتم الوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.
2- استنفاد سريع لبرنامج شارون الانتخابي المتعهد بتحقيق الأمن لإسرائيل، وبكسر مقاومة الشعب الفلسطيني.
3- إعادة تدويل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من بوابة الحصول على قوات حماية دولية توقف المجزرة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
هذه الأخطاء الثلاثة، وما ترتب عليها من تكتيكات سياسية وميدانية وسمت الانتفاضة، منذ بدايتها، وجعلتها تتخذ الطابع العسكري، وحيدت قطاعات واسعة من الجمهور الفلسطيني، إلى درجة بعيدة، إضافة إلى التغيرات التي حدثت بعد اتفاق أوسلو من إعادة انتشار الاحتلال خارج التجمعات السكانية، وكثفت من عمليات الرد التي أخذت أغلبيتها المطلقة طابعاً عسكرياً. هذا الطابع العسكري، إضافة إلى الطبيعة الدموية لرئيس الوزراء الإسرائيلي وإصراره على تحطيم إرادة المقاومة الفلسطينية وفرض الاستسلام السياسي على القيادة الفلسطينية، حرر الآلة العسكرية الإسرائيلية كاملة من قيودها، وساهم في تسويق فلسفة ومبررات "سلاح مقابل سلاح" برعاية أميركية كاملة. وبدأت إسرائيل بتقويض فعلي لنتائج اتفاق أوسلو، من خلال التعويد التدريجي للمجتمع الدولي على انتهاك سيادة مناطق السلطة، إلى أن وصل الأمر إلى إعادة احتلالها بالكامل. هذه الصورة الراهنة للوضع الفلسطيني تفضي إلى ضرورة مراجعة الأخطاء الفلسطينية في إدارة الصراع مع حكومة اليمين الإسرائيلي.

أخطاء مباشرة:
1- غياب مرجعية سياسية واحدة للانتفاضة تتحكم بأدائها وأشكال نضالها تناغماً مع أهدافها ومحيطها السياسي الدولي، واشتداد مظاهر الانقسام والمزايدة وازدواجية الخطاب والتوجيه للانتفاضة، ومحاولات فرض الرؤى والاستراتيجيات المتناقضة للقوى الفاعلة في الصراع، واستغلال أطراف داخلية معينة الفوضى الناجمة عن تآكل الدور القيادي للسلطة الفلسطينية، كإطار منظم وضابط للعملية الكفاحية وغيابها الكامل عن إدارة الصراع الميداني بعد أن أجهزت قوات الاحتلال على مؤسساتها الأمنية لتقويض هذه السلطة كثمرة لعملية سياسية مرفوضة من هذه الأطراف.
2- استفحال مظاهر الازدواجية بين الموقع السياسي والتمثيلي للسلطة وما يفرضه ذلك الموقع عليها من التزامات، وبين عجزها شبه الكامل عن ضبط الصراع وقيادة وتوجيه القوى الميدانية، بما في ذلك حركة فتح نفسها، التي وجدت نفسها، لأسباب براغماتية صرفة، تجاري حركتي حماس والجهاد الإسلامي في استهداف المدنيين الإسرائيليين داخل مناطق الـ 48.
3- ساهمت العمليات التفجيرية، التي استهدفت المدنيين الإسرائيليين، داخل حدود الـ48، في توحيد غالبية المجتمع الإسرائيلي، ونزوعه نحو التطرف والعنصرية، وأضعفت إلى درجة كبيرة من تأثير القوى العقلانية والرافضة للاحتلال داخل المجتمع الإسرائيلي. لقد أفلحت العدوانية الإسرائيلية في استغلال هذه العمليات لإفزاع المجتمع الإسرائيلي وتحويله إلى قطيع خائف على وجوده وأمنه. وضرر هذه العمليات، رغم ما يشاع عن جوانب ايجابية لها كإفشال تعهدات شارون بجلب الأمن وإرعاب المجتمع الإسرائيلي وتكبيده خسائر بشرية كبيرة، تبقى محدودة الفوائد إذا قورنت بحجم الخسائر التي يتكبدها الشعب الفلسطيني. فلم نسمع عن شعب يناضل ضد الاحتلال استطاع تسهيل انتصاره دون تفكيك مجتمع الاحتلال وإحداث أزمات سياسية وأخلاقية فيه. كما أننا مجمعون على ضرورات الدعم الدولي والتفهم الكامل لعدالة قضيتنا، باعتباره عنصراً حاسماً في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في ظل غياب أي إمكانية لحسم عسكري لهذا الصراع، الأمر الذي يقتضي الإيفاء بمقومات وشروط هذا الدعم الدولي الذي لا يفهم ولا يتفهم استهداف المدنيين داخل إسرائيل.لقد صار جليا، أن هذا النوع من العمليات التفجيرية التي تستهدف المدنيين ، والتي انتهجتها حركة حماس، موجهة إلى الداخل الفلسطيني ، من خلال استدراج ردود إسرائيلية تدميرية للسلطة وبنيتها الأمنية والمدنية وإفشال مسار التسوية السياسية برمته، بما يعنيه ذلك من سقوط برنامجي للحركة الوطنية، تتقدم حماس على إثره نحو وراثة الحركة الوطنية الفلسطينية وتصفيتها تدريجيا
4- ساهمت تركيبة النظام السياسي الفلسطيني، خاصة اندماج فتح في السلطة، واندماج السلطة في حركة فتح، على رغم التناقضات الكامنة في هذه العملية، وهي تناقضات ومفارقات ليس هنا موقع الحديث عنها، في زيادة مظاهر الفوضى من جهة، وإضعاف دور السلطة، من خلال حركة فتح نفسها التي وجدت نفسها مطلقة اليد في الشارع الفلسطيني دون ضوابط أو كوابح، لكننا نذكر مظاهر الميليشيات واستعراض السلاح التي بدأتها حركة فتح، والتي جرّت للأسف استعراضات مماثلة من قوى سياسية أخرى. فعسكرة الانتفاضة، وكل المظاهر التي رافقتها من صنع فتح- حزب السلطة، والمفارقة أنها تدفع ثمنها اليوم كاملاً.
علينا أن نقر بأن صراعنا مع الاحتلال مفتوح، وقد ينتقل من شكل إلى آخر، ومن وتيرة كفاحية إلى أخرى، ونعتقد أن الانتفاضة هي وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية التي أقرتها الشرعية الدولية. ولكن المهم هو الحفاظ على البرنامج السياسي للانتفاضة، وعدم تمكين إسرائيل من الاستفادة من تفوقها العسكري واستغلاله في تحقيق نصر سياسي. إن معارك حركات التحرر طويلة، ولا تسير على وتيرة واحدة، وقد لا تكون هذه الانتفاضة هي الانتفاضة الأخيرة، خاصة في ظل الأوضاع الدولية الجديدة البالغة الخطورة، وفي ظل الانحياز الأميركي العدواني لإسرائيل، وحملته المغرضة لإعادة إنتاج الاستعمار البائد بصور جديدة. علينا أن لا نستعجل أي قطاف سياسي، كما علينا ألا نقع في شرك إعلان مبادئ جديد على طريقة (خارطة الطريق) التي تعرضها الولايات المتحدة كأساس جديد لعملية تفاوضية لا توجد لها أي مرجعية.
من المهم هنا القول: على رغم ضياع الكثير من الوقت والطاقات، أننا بحاجة إلى ترشيد تضحياتنا لأن معركتنا طويلة.

استحداث منصب رئيس الوزراء
أسفرت الجهود السياسية والدبلوماسية للولايات المتحدة وإسرائيل عقب احتلال جميع المناطق الفلسطينية الخاضعة لسيطرة السلطة عن ضغوط دولية وعربية هائلة أدت فيما أدت إلى عزل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في إطار عملية تراكمية طويلة ومنظمة بدأتها إسرائيل في أعقاب فشل قمة كامب ديفيد، وتصاعدت منذ صعود شارون إلى السلطة، وجعلت من الرئيس عرفات السبب الرئيس في استمرار الصراع الدموي الدائر، وفي استحالة العودة إلى طاولة المفاوضات قبل إخراجه من اللعبة السياسية، بل وقرنت التقدم باتجاه أي "عملية" تسووية بإنهاء دوره السياسي. ولقد شهدنا جميعاً كيف تطورت هذه العملية، وكيف أسفرت عن تعديل في النظام السياسي الرسمي الفلسطيني بولادة منصب رئيس الوزراء ، وكانت ولادة عسيرة، مليئة بالشكوك والمخاوف، باعتبارها عملية قيصرية لم تنجم عن استحقاقات داخلية، بل فرضتها املاءات خارجية ومن جهات غير مشكوك بعدائها للقضية الوطنية الفلسطينية. والحقيقة أن هذا التغيير (استحداث منصب رئيس الوزراء) كان منذ البدء أساساً لوجهتي نظر متعارضتين بحكم المصالح والأهداف:

وجهة النظر الفلسطينية:
العديد من الأوساط السياسية والاجتماعية، بمن فيها أعضاء بارزون وقياديون في حركة فتح والمجلس التشريعي رأوا في استحداث هذا المنصب خطوة لدمقرطة النظام السياسي الفلسطيني، وإصلاحه من خلال إعادة توزيع الصلاحيات المطلقة. هذه الصلاحيات، التي محورها الرئيس حاكت النظم العربية المجاورة، بل وتجاوزتها إلى الإمساك بتلابيب تفاصيل الحياة الفلسطينية، في ظل غياب المؤسسات الفلسطينية في جميع المجالات. هذه السلطة المطلقة أسفرت عن فساد كبير في كل ما يتعلق بتنظيم شؤون المجتمع الفلسطيني. وفي هوامش هذه السلطة ترعرع الفساد والخراب في كل مكان تقريباً.
هذا الوضع، إضافة إلى الضربات الإسرائيلية الموجعة للبنية التحتية للسلطة، قلص وبصورة متسارعة، من مكانة حركة فتح، وبدأ بتهديد جدي لقاعدتها الاجتماعية المتضررة من السلطة وسياساتها الداخلية، وصار من الواضح أن المسرح السياسي الفلسطيني يتهيأ لقوة متعاظمة ستخلف حركة فتح، من خلال ضربات إسرائيل التصفوية لجسم وبنى السلطة (الكعكة)، ومن خلال السياسات الداخلية التي أضرت بأوسع القطاعات الاجتماعية والشعبية الفلسطينية، والمقصود هنا حركة حماس، التي وجدت نفسها في وضع مثالي للغاية، فهي تصوغ تكتيكاتها السياسية وتفرض أساليب نضالها مع الاحتلال خارج الأطر الوطنية وبدون كلفة سياسية وشعبية، فيما تدفع السلطة ثمن هذه الأساليب والتكتيكات. وتزداد المعادلة إحراجاً لحركة فتح إذا عرفنا أن القاعدة الاجتماعية والانتخابية العريضة لفتح هي نفسها القاعدة الاجتماعية والانتخابية لحماس.
هذه المعادلة المزدوجة للخسارة دفعت أوساطاً قيادية في حركة فتح إلى التنظير لهذا التطوير في النظام السياسي الفلسطيني، وهو تنظير هدف أولاً وأخيراً إلى وقف التآكل المستمر في دور حركة فتح ومكانتها ونفوذها من خلال إجراء إصلاحات ذات هدفين:
الأول: الحفاظ على سلطة حركة فتح ومكانتها.
الثاني: هضم التناقضات الداخلية المستفحلة في حركة فتح والتي اتخذت تعبيرات باتت تهدد بتفسخ هياكل وأطر فتح القيادية.
وبالرغم من ممانعات مؤسسة الرئاسة، حينها، لأسباب تتعلق بدور الرئيس ومكانته المطلقة في الهيكل السياسي الفلسطيني وافتعال الصراع الذي واكب اختيار محمود عباس، أمين سر اللجنة التنفيذية وعضو اللجنة المركزية لفتح، وحكومته، وهو صراع هدف إلى إضعاف الحاضنة الوطنية لحكومة محمود عباس، شكل محمود عباس، وبقرار من مركزية فتح والرئيس ياسر عرفات والمجلس التشريعي واللجنة التنفيذية للمنظمة، حكومته. وبدأ مع تشكيل هذه الحكومة نوع جديد من المواجهة، جوهره الصراع على المكانة والصلاحيات والأهداف، سواء من داخل الحكومة نفسها، أو من خارجها.
ولقد تعثر رئيس الوزراء محمود عباس في أول اختبار سياسي حقيقي له بعد تشكيل حكومته التي عاشت مخاوف وشكوكاً كبيرة، وكان هذا الإخفاق كارثياً بكل المقاييس لحكومته. فخطاب العقبة افلت غريزة الاتهام والتشكيك الموجودة أصلا في الساحة الوطنية من الحكومة وبرنامجها السياسي تجاه الصراع مع الاحتلال، ولم تنقذ رئيس الوزراء التبريرات التي ساقها لتوضيح ملابسات خطابه. ثم تلت هذا الخطاب مجموعة من العثرات مع الجانب الإسرائيلي، كان أشدها خطأ لقاء وزيرين فلسطينيين مع وزير العدل الإسرائيلي في مدينة القدس الشرقية بكل دلالاته (هذا على الصعيد السياسي)، بالإضافة إلى موضوع الإفراج عن الأسرى الذي تحول بسذاجة التصرف من الحكومة إلى مقياس لنجاح أو فشل الحكومة على الصعيد السياسي، مع العلم أن اتفاق أوسلو بكل زخمه وبكل ما علق به من أوهام لم يخرج الأسرى من سجون الاحتلال.
وعلى الصعيد الداخلي، باشرت الحكومة مجموعة من الإصلاحات المالية والإدارية لاقت استحساناً شعبياً واسعاً، إلا أنها في الوقت ذاته مست شريحة طفيلية ومؤثرة تدين لموقعها الاجتماعي والاقتصادي باستمرار الفساد وازدهاره. وتعززت قوة هذه الشريحة المستأنسة بطبيعة النظام السياسي القديم، بدخول لاعب قوي ومؤثر آخر هو الإطار القيادي الأول والثاني لحركة فتح. فبعد إصرار محمود عباس على استقالته من مركزية فتح، وإصرار حكومته على تنفيذ قانون التقاعد، لاح خطر فقدان حركة فتح، وبالأساس مركزيتها ومجلسها الثوري، عناصر قوتها وتأثيرها ونفوذها النابعة أساساً من التداخل الفظ بين حركة فتح ومؤسسات السلطة. وصار من الملح إسقاط هذه الحكومة التي تمهد لخطر الفصل بين مؤسسات السلطة ومؤسسة فتح. وفي هذه الحرب التي طالت المكانة والنفوذ والامتيازات لهياكل فتح القيادية، جرى توظيف إطار القوى الوطنية والإسلامية واجتماع القيادة الفلسطينية كأنشوطة جديدة على عنق الحكومة، من خلال التلويح بخطرين: الأول: تغيير النظام السياسي (نظام الكوتا) الذي حافظ على بعض القوى من الانقراض، على رغم انقراضها الفعلي على المستوى السياسي والاجتماعي والشعبي، والثاني: خطر التفريط بالقضية الوطنية، وانزلاق الحكومة إلى إجراءات أمنية قد تهدد الوحدة الوطنية. ناهيك عن وجود قوى اشتركت في حملة الصيد هذه، لإضعاف فتح نفسها وتمزيقها عبر هذا الصراع، وقوى أملت في تحقيق مصالح تنظيمية ذاتية على هامش هذه المخاطر وهذا الصراع.

وجهة النظر الإسرائيلية – الأميركية:
لا يوجد أدنى شك في الأهداف الإسرائيلية الأميركية تجاه التغيير في النظام السياسي الفلسطيني ، وهي أهداف معلنة ومباشرة: نسف النظام السياسي الفلسطيني، وتصفية الهياكل والأطر الوطنية القائمة، التي تحول دون مرور المفهوم الإسرائيلي للتسوية، أي حكم ذاتي على 42% من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة محصورة في مناطق جغرافية مقفلة يدير سكانها شؤونهم الحياتية بأنفسهم، دون أي كلفة يدفعها الاحتلال، أي احتلال "ديلوكس"، وخلق وضع شبيه بمفهوم التقاسم الوظيفي، وهذه المرة بين قيادة فلسطينية محلية والاحتلال الذي سيحتفظ لنفسه بالأرض والأمن، ويترك لهذه القيادة ما اتفق على تسميته بالمهمة القذرة.
وقد بدأ العمل بهذا التصور منذ فشل كامب ديفيد، وتسارع منذ وصول شارون إلى الحكم. وبحكم نشأة وتطور الحركة الوطنية الفلسطينية واستحالة المراهنة على قوى محلية خانعة ومستعدة للعب دور جندرما الاحتلال في ظل الواقع الملموس للحركة الوطنية الفلسطينية، جرى التمهيد لولادة وتقوية هذه القوى، من خلال العمل على إزاحة "النعجة السوداء" أو تفكيكها، أو إضعافها، أو حتى اختراقها من الداخل، أي حركة فتح. ولاحظنا جميعاً تصاعد وتيرة الحراك التصادمي في داخل حركة فتح، والذي كان من مظاهره الطعن في شرعية القيادة التقليدية وتآكل مشروعيتها، ودور الشباب في هذه القيادة، وحصة الداخل والخارج في الأطر القيادية... إلخ من المظاهر التي كانت تشير بوضوح إلى عمق الأزمة في داخل حركة فتح. وحتى لا يساء الفهم هنا تجاه محرك هذا الحراك التصادمي نقول: إن هذا الحراك طبيعي وديمقراطي، ولكن السؤال هو عن توقيت هذا الحراك والذي أظهرته للسطح حساسية إضعاف السلطة وحزبها، وما رافق ذلك من شح الامتيازات والمكانة والمكاسب التي طمرت هذه الصراعات الداخلية.
وتتويجاً لهذه العملية، أي تفكيك الحركة الوطنية الفلسطينية بمكوناتها التقليدية، وفي المقدمة منها حركة فتح، القوة الأكبر، جرى فرض مفهوم رئيس الوزراء والذي عليه، من وجهة النظر الإسرائيلية الأميركية، أن ينتزع الصلاحيات من أيدي الرئيس، وان يركزها في شخصه وفي مجلس الوزراء، وأهمها المال والأمن والمفاوضات. وقد راهنت إسرائيل والإدارة الأميركية على مقولة إن مكانة رئيس الوزراء ستتعزز بالتراكم من خلال المكانة الدولية التي سيحظى بها، وتدفق المال من خلال قنواته الحكومية، واستعمال المال لفرض إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية، بما يخدم المطالب والتوقعات الإسرائيلية الأميركية من رئيس الوزراء وحكومته. وفي إطار هذه العملية سيجري تآكل طبيعي ومنطقي، بل وموت سريري لمكانة الرئيس الفلسطيني، وكل الهياكل والأطر الوطنية الأخرى وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية. هذه هي النوايا الإسرائيلية– الأميركية تجاه تطوير النظام السياسي الفلسطيني، فماذا تحقق منها؟
الحقيقة أن إسرائيل وقعت في ذات الفخ الذي نصبته للفلسطينيين.
فربط إسرائيل التقدم باتجاه المفاوضات واستحقاقاتها المذكورة في خارطة الطريق وتخفيف إجراءاتها الدموية ضد شعبنا الفلسطيني بإزاحة الرئيس ياسر عرفات عن المسرح السياسي، واستعدادها التفاوض والتعامل مع رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد، جعلها أمام استحقاق جهدت على الدوام للإفلات منه. فقد نفذ الفلسطينيون مسبقاً التزاماتهم، وفي مقدمتها استحداث منصب رئيس الوزراء، وخابت التوقعات الإسرائيلية تجاه مهمات وأولويات رئيس الوزراء، الذي نجح نسبياً في تعطيل إحدى القنابل الخطرة في خارطة الطريق، ألا وهي تفكيك البنى التحتية لـ "الإرهاب" باللغة الإسرائيلية الأميركية، والتي هدفت بالأساس إلى جر الساحة الوطنية إلى صراعات داخلية خطرة، توفر فيما توفر فرصة ومساحة شاسعة للسياسة الإسرائيلية للاستمرار في خطواتها الفعلية في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية وبناء الجدار الاستيطاني العنصري وخلق وقائع مادية على الأرض تجهض وبصورة فعلية حتى مفهوم بوش الغامض للدولة الفلسطينية "القادرة على الحياة"! وبسبب نجاح حكومة أبو مازن في الالتفاف على استحقاق تفكيك البنية التحتية "للإرهاب" من خلال ما اتفق على تسميته "بالهدنة" بكل ملابساتها المعروفة، احتفظت إسرائيل لنفسها بحق رهن التقدم بتنفيذ التزاماتها في خارطة الطريق بالحرب الأهلية الفلسطينية، أي تفكيك بنى المقاومة، وهكذا علقت خارطة الطريق عند هذا المنعطف.
ولم تكتف إسرائيل بالمراوحة في هذه النقطة، بل شرعت في إفشال الهدنة، من خلال مواصلة سياسة الاغتيالات، والتفريق بين الأسرى، واستمرار العمل ببناء الجدار الاستيطاني العنصري، واجتياح المدن. لقد وجدت إسرائيل نفسها، مجدداً، أمام ضغوط دولية تتراكم ببطء لكن بثبات، وبدأت الأصوات على ضعفها تتعالى باتجاه جدار الفصل العنصري والاستيطان والاغتيالات حتى داخل إسرائيل، وبدأ الفلسطينيون يستعيدون، ولكن ببطء شديد، حضورهم على الساحة الدولية باعتبارهم شعباً محتلاً.
ولا يمكن فهم الإشادة العلنية والمتكررة لإسرائيل بحكومة أبو مازن وشخصه سوى الإسراع في الإجهاز عليها، خاصة وأنه جرى إضعافها فلسطينياً لأسباب ودوافع غير الدوافع والأسباب الإسرائيلية. وقد تحولت حكومة أبو مازن، وبغض النظر عن أخطائها التكتيكية، إلى طوق سياسي على الحكومة الإسرائيلية كانت يجب إزاحته، ولكن بأيدٍ فلسطينية

قرار إبعاد الرئيس
حدّت الخلافات داخل الجسم القيادي الرسمي للسلطة والتنازع على الصلاحيات وما تلاهما من سقوط حكومة محمود عباس من إمكانات الهجوم السياسي المضاد على سياسات حكومة شارون. وأدى سقوط حكومة عباس إلى فراغ سياسي خطير حرر حكومة اليمين الإسرائيلي مجدداً من الضوابط والضغوطات، على قلتها، ودفعها لاستثمار هذه اللحظة السياسية باتخاذ قرار مبدئي عجزت عن أخذه طول الفترات السابقة، ألا وهو قرار إبعاد الرئيس ياسر عرفات. ولا نريد في هذا المقام الحديث عن ردود الفعل المحلية والعربية والدولية، بل عن مضمون وأبعاد هذا القرار من الزاوية الإسرائيلية. إذ من الواضح أن حكومة شارون اتخذت قراراً استراتيجياً بإبعاد الرئيس الفلسطيني أو قتله كما حث فعلا، وعمدت إلى إحداث تراكم عبر سياسة الصدمات المتتالية، وامتصاصها، وصولاً إلى الصدمة النهائية. فقد أثبتت سياسة التجريع هذه نجاعتها حتى الآن. وهذا يذكرنا كيف بدأ الجيش الإسرائيلي بالدخول إلى مناطق السلطة والخروج السريع منها، ثم التحرك البطيء، ثم الاحتلال المباشر والدائم لهذه المناطق. وضمن هذا التكتيك نفسه، راكمت الحكومة الإسرائيلية لتعزيز قرارها بإبعاد أو قتل الرئيس عرفات.

لماذا إبعاد عرفات؟
السيناريو الأول:
تعتقد الحكومة الإسرائيلية أن إبعاد عرفات أو التخلص منه يمكن أن يخلق فوضى سياسية في مناطق السلطة، قد تتطور، بمساهمة مباشرة منها، في إغراق مناطق السلطة في صراع دموي محوره النفوذ والقيادة، ومثل هذا الانزلاق الخطير نحو الصدام الداخلي سيمهد الطريق إلى استعانة بعض القوى المحلية الفلسطينية المتصارعة بأطراف مجاورة لحسم الصراع، وستكون إسرائيل جاهزة حينئذ لمد يد المساعدة لقوى معينة، بعد أن تكون قد أضعفت جميع هذه القوى المتصارعة. ومن خلال هذه العملية، التي ستطول أو تقصر تبعاً للمخطط الإسرائيلي ودرجة تورط الحركة الفلسطينية، تكون إسرائيل قد استكملت رسم خارطتها الجغرافية في جميع الأراضي التي احتلت عام 67، ولا يمكن بالتالي للقوى الخارجة من هذا الصراع الدموي مرهقة ومستنزفة سوى التعامل مع هذه الوقائع، بل وقبولها. إنها العودة إلى نفس مخطط التقاسم الوظيفي الذي حلمت به حكومات إسرائيل.

السيناريو الثاني:
وهو مرتبط إلى حد كبير بفكرة استحداث منصب رئيس الوزراء، في إطار النوايا والأهداف الإسرائيلية – الأميركية، أي انتظار حكومة أحمد قريع التي أعقبت سقوط حكومة الرئيس محمود عباس، وإحداث استقرار نسبي في عمل هذه الحكومة، واستكمال تجميع الصلاحيات، خاصة في مجالي الأمن والمال، في يدي رئيس الوزراء وحكومته، ليصار بعد ذلك إلى إبعاد ياسر عرفات من خلال عملية مزدوجة تفضي إلى الإبعاد أو القتل من جهة، وتصفي كل ما من شأنه أن يحبط الضغوطات الإسرائيلية المنهجية على رئيس الوزراء الفلسطيني وحكومته من جهة أخرى، أي الضغط على حركة حماس، وما سينشأ في سياق عملية الضغط هذه من ردود فعل مألوفة من قبل حماس، أي القيام بعمليات كبيرة تستهدف المدنيين الإسرائيليين تستدعي رد فعل موجهاً ومركزاً ضد ياسر عرفات بقتله أو طرده. ويبدو أن الخيار الأول، أي خيار التصفية الجسدية، من وجهة النظر الإسرائيلية هو الأنجع لأي تداعيات سياسية مستقبلية، وهذا ما حدث فعلاً.

حكومة قريع
ما من شك في أن الظروف المحيطة بتشكيل حكومة قريع، خاصة على المستوى الوطني، أقل احتقاناً منها تجاه الحكومة الأولى؛ حكومة محمود عباس، وعلى أكثر من صعيد. فالذهنية السياسية العامة بدأت تتقبل تدريجياً استحداث هذا المبنى في النظام السياسي التقليدي الفلسطيني، أي رئيس الوزراء، دون أن ترهنه بشكل مباشر بالإملاءات والاستحقاقات الخارجية، أو تحقنه بالمخاوف والشكوك الوطنية التي رافقت تجربة الحكومة الأولى، والتي انفجرت لأكثر من سبب. كما أن رئيس الوزراء المكلف (أحمد قريع) استفاد إلى درجة كبيرة من تجربة سلفه، ساعياً إلى تفكيك مصادر الخطر الداخلي على استقرار حكومته المفترضة، وذلك من خلال إعادة حركة فتح بهيئاتها المختلفة إلى مواقع التقرير في شكل ومكونات هذه الحكومة. وهو حين يفعل ذلك يراكم مناعة داخلية تجعل من اصطياده عملية بالغة الصعوبة حين تنشأ الاختلافات بين مؤسستي الرئاسة ورئاسة الوزراء.
كما أن الضربات التصفوية، التي كالتها وتهدد بها حكومة إسرائيل حركة حماس، وإعلانها حركة إرهابية من قبل الأطراف الدولية،و التهديد بتصفية مصادرها المالية، حتى على المستوى العربي ستجعلها من دون أدنى شك" ضمن الحسابات الإسرائيلية" تراجع حساباتها، بما يضمن حماية رؤوس قادتها ومصادرها المالية المتنوعة، وستكون مستعدة لصفقة ما توقف من خلالها أساليبها وأشكالها النضالية التي لم تدفع في السابق فاتورتها بل دفعها الشعب الفلسطيني.

الموقف من الحكومة:
كنا نعتقد وما زلنا أن الموقف من السلطة الفلسطينية وحكوماتها مرتبط بصورة عضوية بطبيعة الصراع الوطني التحرري، وما تمليه هذه الطبيعة من تحالفات هي في أغلب الأحيان قسرية. فحتى الآن، وعلى رغم العشرات من النواقص والثغرات والميوعة على المستوى التفاوضي والعشرات من الجرائم على مستوى البناء الداخلي، ما زالت السلطة مكوناً رئيسياً من مكونات وأدوات النضال الوطني التحرري وأدواته، بل وتحولت بحكم موقعها ومكانتها وعلاقاتها الدولية والإقليمية إلى رأس حربة في الصراع السياسي والدبلوماسي، بعد أن عطلت وهمشت مؤسسات منظمة التحرير. وهذه الحقيقة لا تسقط المخاطر والمخاوف من تحول هذه السلطة إلى عائق وكابح للتحرر الوطني. ولكن مثل هذا التحول الذي تعمل إسرائيل والولايات المتحدة جاهدة على إنجازه سيبقى مرهوناً إلى درجة كبيرة بالقوى المشكلة لهذه الحكومة، وبالأساس بالقوة المهيمنة؛ أي حركة فتح.
وبالرغم من بروز بعض الأصوات القيادية، هنا وهناك، وبحجة الواقعية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، واستعدادها للمساومة على هدف التحرر الوطني والاستقلال الناجز، فإنها حتى الآن أصوات معزولة وهامشية. ولأن الموقف السياسي يرتبط بتحليل الوضع وتعقيداته المركبة لا بالافتراضات النظرية والفكرية على أهميتها سيكون من غير المفهوم اتخاذ الموقف السياسي من السلطة والحكومة بالاستناد إلى المخاطر والمخاوف النظرية.
حقيقة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار عند النظر إلى السلطة والحكومة، ألا وهي محدودية الفعل والتأثير السياسيين خارج هذه المؤسسة الوطنية على علاتها.

حكومة الطوارئ
وصل التخبط السياسي الرسمي ذروته في الإعلان عن حكومة طوارئ. وبات واضحاً أن هذا الارتباك محصلة للتناقضات المستعرة في جسم السلطة وحزبها على الصلاحيات والسلطات. ومن المؤسف أن كل هذا يتطور وسط تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي، وفي مناخ دولي شديد الخطورة على القضية الوطنية، يتفاقم بتفاقم الفراغ السياسي الذي أحدثته الدربكة في تشكيل الحكومة الفلسطينية.
وإذا كان الاقتراح الأول الذي تقدم به أحمد قريع، فور تكليفه بمهمة رئيس الوزراء، بتشكيل حكومة طوارئ مقلصة قد جوبه برفض من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فإن إصرار الرئيس عرفات على تجاوز حصيلة المشاورات التي أجراها قريع لتشكيل حكومة عادية من 24 وزيراً، ثم حكومة مقلصة من 12 وزيرا، يعكس اختلاف النوايا عند الرئاسة ورئاسة الوزراء. فإذا كان هدف أحمد قريع من حكومة الطوارئ تجاوز الصراعات والاستقطابات الحادة داخل حركة فتح وأطرها والانطلاق بحكومة "رشيقة" تتجاوز الانقسامات والولاءات المتفاوتة، وتُمركز الصلاحيات وتضبط تعدد مصادر القرار بالتعاون مع الرئيس المهدد بالإبعاد، فإن الرئيس التقط هذه الفكرة لتطويق التطورات البنيوية التي جرت على البنية السياسية للسلطة، خاصة فيما يتعلق بتقاسم الصلاحيات مع رئيس الوزراء من جهة، وتعقيد المهمة أمام تنفيذ الحماقة الإسرائيلية بإبعاده، من جهة أخرى، لأن استقرار حكومة الطوارئ وشرعيتها بقيا بين يديه حصراً، وسيصعب على المجتمع الدولي حينذاك وعلى رأسه الإدارة الأميركية المراهنة على نتائج إبعاد الرئيس. وعلى هامش هذه العملية، يمكن للرئيس استعادة مكانته السياسية التفاوضية باعتباره اللاعب الأوحد في الصراع الدائر.
هذا التكتيك الرئاسي، على وجاهته، حمل العديد من المخاطر منها: استمرار التصعيد الإسرائيلي المحمي أميركياً بتحميل الرئيس مسؤولية استمرار "العنف" والعمليات التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين وتنفيذ التهديدات الإسرائيلية بالاغتيال أو الإبعاد، خاصة أن حكومة شارون تعيش في أزمة حقيقية تجعلها تنتقل من حماقة إلى أخرى، ولا يمكن للحمقاء الأم (إدارة بوش)، التي ستجد ظهرها للحائط في إطار عملية انتخابية مرهقة وصعبة، إلا أن تغض الطرف عن تصرفات شارون الدراماتيكية حفاظا على تمويل اللوبي الصهيوني وتصويته بعد أن مست إدارة بوش بسياساتها وعدوانيتها كل شيء، بما في ذلك الأقليات العرقية في الولايات المتحدة نفسها.
حاول الإسرائيليون خلال تلك الفترة الانتقالية ابتلاع ما يمكن ابتلاعه من الأرض الفلسطينية وتحطيم ما يمكن تحطيمه.
إن إعلان حالة حكومة الطوارئ أضفى شرعية فلسطينية على معادلة ظللنا على الدوام في حالة كفاح ضدها، ألا وهي معادلة الأمن أولاً؛ أي أمن الاحتلال، وسيضغط على الرئيس وحكومته لتنفيذ استحقاقات حالة الطوارئ نفسها، ليس فقط من قبل الاحتلال بل ومن أطراف دولية أخرى. ألم يسبق أن وافقنا على خارطة الطريق التي تشترط بمرحلتها الأولى "تفكيك البنية التحتية للإرهاب"!
وإذا كانت حكومة الطوارئ ، حينها، مناورة لكسب الوقت ودرء الجموح الإسرائيلي المتولد من عملية حيفا ، فكيف اجبنا عن الأسئلة التالية: ماذا سنفعل بهذا الوقت؟ وماذا سيفعل الطرف الإسرائيلي بالوقت؟ خاصة أن الوقت أصبح عنصراً غير محايد هنا. هل كان لدينا خطة متكاملة لتجاوز تداعيات هذه المرحلة وترتيب أوراقنا وسط هذا الخلل الخطير في التوازن الدولي؟ وهل كان من الممكن المضي بهذه الخطة و بحكومة ولدت مترافقة مع عداء وشكوك حركة فتح نفسها، ودون حاضنة جماهيرية ووطنية تؤهلها لمواجهة العدوان الإسرائيلي، من جهة، وترتيب الانفلات والتشظي وتعدد السلطات على المستوى الداخلي من جهة أخرى؟!

تآكل حركة فتح
كانت حركة فتح قد أكملت تقريبا عملية التحول إلى حزب السلطة، وماثلت بصورة تكاد تكون متطابقة تجربة الأحزاب المهيمنة في النظم السياسية لدول العالم الثالث والأنظمة الشمولية من حيث التداخل المركب والمعقد بين الحزب السياسي للسلطة ومؤسسات الدولة. وكل من سنحت له الفرصة لمراقبة تشكيل بنيان السلطة وأجهزتها المدنية والعسكرية يلاحظ التغوّل الذي مورس في التهام المواقع والمراكز القيادية في مؤسسات الشعب الفلسطيني على اختلاف ألوان نشاطها. وقد كان كافياً لكل راغب في إشغال تلك المواقع أن يكون عضوا قياديا في حركة فتح لتطوَّع له جميع المراكز الراغب في احتلالها. وجرى تنظيم عملية "الاستيلاء" على تلك المواقع من خلال معادلة الموقع التنظيمي بالموقع داخل السلطة. وهكذا جرت مكافأة قيادات هذه الحركة وتحفيز آخرين لهجرة أحزابهم أو استقلاليتهم للانخراط في حزب الثروة الوظيفية. ولم تعان من ذلك الحركة الفلسطينية وكوادرها الذين وجدوا أنفسهم، ولأسباب شتى، مُقصين عن المشاركة في بناء مؤسسات الدولة العتيدة فقط، بل مست هذه السياسة، وبصورة خطيرة، مؤسسات الدولة نفسها، التي تعاني من الترهل وقلة الكفاءة والنجاعة في التصدي لمهماتها المختلفة، وتعدت مخاطر هذه السياسة وآثارها على المؤسسات إلى طبيعة النظام السياسي الذي جرى ويجري إنشاؤه في فلسطين، وهو نظام يعقد بصورة موضوعية تداول السلطة.
إن حركة فتح التي نتحدث عنها الآن ليست بالضبط حركة فتح قبيل قيام السلطة الفلسطينية، على رغم هيمنتها المبكرة، وبسبب مجموعة من الظروف التي تداخل فيها الوطني بالعربي، على مؤسسات الثورة.
فحركة فتح، بنخبتها السلطوية، قاربت التحول بصورة تدريجية ، من حركة واسعة التمثيل إلى حركة تمثل مصالح شريحة من البيروقراطية العسكرية - المدنية المتحالفة مع الأقسام الهامشية والطفيلية من البرجوازية الفلسطينية، خاصة تلك الأقسام المشتغلة بتجارة الاستيراد وباقتصاد الخدمات والسمسرة. وهي أقسام مرشحة دائما للغنى الفاحش بفعل القصور المزمن للاقتصاد الفلسطيني وخوف البرجوازية الوطنية الفلسطينية المقيمة والمغتربة من توظيف أموالها في القطاعات الاقتصادية المنتجة لأسباب أهمها: الاحتلال، والسمة المعاصرة لرأس المال المتعولم الذي يفضل التجوال السريع في قطاعات المضاربة والبورصة والمعلومات، وكل ما قل إنتاجه وكثر ربحه." وقد دفعت بلدان جنوب شرق آسيا والمكسيك أثمانا باهظة من ثرواتها الوطنية واستقلالها ثمناً لهذا الرأسمال الجوّال الذي تديره الطغمة المعلو-مالية الجديدة". ونذكر أيضاً انعدام الحماية الوطنية لإنتاجها، خاصة في إطار فلسفة تمجد "الاقتصاد الحر" وتعتبره ذا قيمة دستورية (راجع مسودة مشروع الدستور الفلسطيني)، ناهيك عن فرض الشراكة الإجبارية على رأس المال الفلسطيني من قبل البيروقراطية العسكرية - المدنية.
مرت حركة فتح، إذاً، في عملية تحول تدريجي، تفرضها طبيعة مهمتها ونشاطها المتداخل بصورة شبه كلية مع نشاط مؤسسات السلطة وهي -أي حركة فتح- أرغمت موضوعياً على تقليص تمثيلها الاجتماعي لغالبية الشعب ومغادرته إلى تمثيل مصالح نخبتها الاجتماعية الجديدة والمتولدة من عملية التحول إلى حزب السلطة، وفي هذه العملية بالذات -التقليص والمغادرة- أصيبت حركة فتح بتفتت قاعدتها الاجتماعية والتنظيمية والانتخابية، بسبب التناقض غير القابل للحل بين حماية مصالح نخبتها الجديدة ومصالح قاعدتها الاجتماعية والشعبية العامة، كما جاء في الانتخابات التشريعية الثانية.

ملء "الفراغ"
الأصوات التي سمعت هنا وهناك من قبل بعض كوادر وقيادات فتح المنادية بتحويل فتح إلى حزب سياسي وترك مسافة كافية بين التنظيم والسلطة كانت تستشعر هذا الخطر، ويبدو أن تراجع مطالب هذه الكوادر والقيادات الفتحاوية له علاقة بممانعة أمراء عملية التحول إلى حزب السلطة، والذين ما انفكوا يتربعون على قمة الهرم القيادي لحركة فتح، واستمرار قدرة هذه النخبة كذلك على وقف الحراك داخل فتح، من خلال منح قياداتها الوسطية والفعالة ما تبقى من مراكز ووظائف. والسؤال الذي اطل برأسه هنا: إلى متى كان بالإمكان توليد هذه الوظائف و"المكافآت"؟ وهل كفت للحانقين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في سوق البطالة السياسية والاقتصادية، وهل اعتبرت النخبة -نخبة فتح المتحولة الجديدة والمهددة بالخطر تحت وقع الضربات الإسرائيلية الموجعة- بعد أن قطعت هذا الشوط من التحول أن حزبها السياسي قد شيّد بجيش الموظفين العسكريين والمدنيين؟، وهم بالمناسبة أكبر كتلة وأكثرها انتظاماً، وأنه لم يعد أمام من تبقى من غالبية حركة فتح سوى التأقلم مع الوضع الجديد؟ ومن هي القوى السياسية الأكثر ترشحاً لملء هذا الفراغ وجذب غالبية جمهور وقاعدة حركة فتح؟ هذا السؤال يفضي بنا بالضرورة إلى اللوحة السياسية الفلسطينية، دون إغلاق الباب على إمكانية ولادة حركة سياسية قد تنشأ عن هذا التحول، من حركة فتح نفسها، على اعتبار أن البرجوازية الوطنية قد فقدت حزبها في هذا التحول، ويمكن أن تعيد تشييده، بالرغم من أن الحركة الإسلامية يمكن أن تعبر عن مصالح هذه البرجوازية، طبعا بعد "تكييف" وتحديث أصوليتها بما ينسجم مع تطلعات البرجوازية الوطنية التي يتطلب ازدهارها وتطورها مرونة وانفتاحاً أوسع وهذا ما فشلت حماس بتقديمه.
قلنا انه يمكن نظرياً، ونظرياً فقط، لمعظم القوى السياسية- إذا استثنينا لبرهة الحركة الإسلامية- أن تشكل مركز استقطاب لغالبية حركة فتح، بسبب تماهي هذه القوى اجتماعيا وتربويا مع حركة فتح. بمعنى أن جلّ هذه القوى صورة مصغرة عن حركة فتح. وإذا غضضنا الطرف عن الشحن الايدولوجي، إن وجد، الذي يقدَّم لجمهورها وأعضائها، لا يمكن أن نلحظ أي فارق جوهري على صعيد المحتوى الاجتماعي والثقافة السياسية. فهذه القوى ما زالت تسير بقوى الدفع المتحصلة من مرحلة التحرر الوطني، بل وتحولت إلى "خلطة" اجتماعية تضم في صفوفها كل القوى الاجتماعية على اختلاف وتناقض مصالحها. ونجاحها في هذه الخلطة، مع استمرار استقرار صغر حجومها وتأثيرها، لا يمكن تفسيره إلا بأنها قوى لم تمارس أي نشاط اجتماعي جدي، أو لم تمثل بصورة فعلية ومحسوسة مصالح أية شريحة. وربما نقسو قليلا لنقول إنها تصطدم بمصالح القوى الاجتماعية التي تمثلها. قلنا إن هذه القوى مؤهلة نظريا فقط، بسبب وجود قوة أكثر قدرة على لملمة نتائج تحول "حركة فتح" إلى حزب السلطة، ألا وهي الحركة الإسلامية كما حدث فعلا. وهذا الاستنتاج نبع من مجموعة حقائق تبدأ من الثقافة والتربية والسلوك الاجتماعي لغالبية أعضاء وجمهور فتح، وهي ثقافة تتماهى مع البنية الفكرية- السلوكية للحركة الإسلامية، إضافة إلى كون الحركة الإسلامية بمكونها الرئيس (حماس) تمتعت، على خلاف القوى السياسية الأخرى، بصلابة التنظيم والقدرة على اختراق المجتمع بمؤسساتها المتنوعة والمتعددة النشاطات، واحتلالها لأكبر وأهم المنابر الدعائية؛ أي المساجد، ناهيك عن امتداداتها العالمية ومصادر دخلها المتنوعة والمتعددة، واتكاءها على ثقافة مبسطة وتبسيطية تجد ضالتها في جمهور لا يستهلك إلا الشفوي من الثقافة.

رحيل ياسر عرفات
انفتح النظام السياسي الفلسطيني بعد رحيل الزعيم الخالد ياسر عرفات على احتمالات واستحقاقات من نوع جديد نسبياً لم تعشه الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة حتى بعد قيام السلطة الفلسطينية، وهذه الاستحقاقات تتعلق في المقام الأول ببنية النظام السياسي الفلسطيني الذي تشكل ضمن ظروف تاريخية ومحلية وإقليمية ودولية شديدة التعقيد أفضت إلى كونه امتداداً شديد الشبه بالنظام السياسي في ما عرف بالعالم الثالث، والعالم العربي بالتحديد، مع هامش صغير من التمايز وفّرته ظروف النضال الوطني التحرري ليس إلا. وهو نظام يكون فيه الرمز والفرد محور النظام السياسي برمته. وفي أحشاء هذا النظام، وكجزء من آليات الحماية والاستمرار التي يتحصن بها، تنمو ثقافة شعبوية تضمر معها بنى النظام السياسي ومؤسساته وتجعل من هذه المؤسسات، مؤسسات سريعة العطب والتفكك، ناهيك عن مؤسسات "المجتمع المدني" التي تستنسخ النظام السياسي الأساسي بصورة كاريكاتورية، أي أن النظام السياسي يعيد إنتاج نفسه، وبصورة عفوية في البنى الاجتماعية والسياسية التي تليه.
وبرحيل الزعيم، محور النظام السياسي ونواته المركزية، تفكك جهاز المناعة بسرعة مذهلة، يمكن معها لأي تحدٍّ مهما قل شأنه أن يلحق أضراراً جسيمة في هذا البنيان، لهذا اعتبرت المرحلة الانتقالية، أي مرحلة التحول في النظام السياسي نفسه، مرحلة حاسمة بكل المعايير. وإذا استطاع ممثلو النظام السياسي الرسمي،حينها ن أن يخطوا خطوتهم الأولى بنجاح- دافع ذلك غريزة الحفاظ على السلطة- بالاتكاء على ظلال المؤسسات القائمة، أي ملء الجانب الدستوري من الفراغ الذي احدثه غياب الراحل الكبير ياسر عرفات، فإنهم ملزمون بالحفاظ على هذا الإيقاع الناجح استناداً إلى المؤسسة بعد غياب محور النظام السياسي الراهن ومؤسسه الزعيم ياسر عرفات. وأهمية استغلال الحاجة الدولية والعربية لاستقرار النظام السياسي الفلسطيني لأسباب تتعلق بطبيعة الصراع، وهي حاجة لم تتوفر للعديد من النظم التي شهدت وضعاً مماثلاً.
لقد وضعت التطورات التي تلت غياب عرفات الجميع أمام مفترق طرق، يمكننا من خلاله، وعلى ضوء ما نراكمه في المرحلة الانتقالية، أن نختار بين نظام سياسي حديث قائم على المؤسسات والقانون والتعددية السياسية الحقيقية أو نظام قائم على إعادة إنتاج نفسه ضمن المواصفات نفسها ولكن بوجوه جديدة!! وعندها سألنا: كم مرة سيحظى النظام السياسي نفسه بصدفة تاريخية من طراز الزعيم الفلسطيني الكبير ياسر عرفات؟

إخلاء غزة
على رغم الأهمية السياسية التاريخية للانفصال عن قطاع غزة، وما كان يمكن أن يبنى على هذا الانفصال من جانب الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها في معركتها المتواصلة من أجل كنس الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، باعتبار هذا الانفصال يشكل سابقة مهمة ومؤثرة في تفكيك مستوطنات كاملة برمتها على طريق تفكك المشروع الاستيطاني ، مع ما يرافق هذا التفكك من تصدع في الخطاب السياسي الإسرائيلي الكولونيالي الراهن، وتسليمه بالهوية الفلسطينية لهذه الأراضي المحتلة، فإن هذا لم يكن ليحجب الأنظار عن المخاطر البالغة التي عجت بها خطة الانفصال سواء من حيث عمقها بالنسبة لقطاع غزة، أو أهدافها
البعيدة، وخاصة على مستوى مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي الضفة الغربية والقدس الشرقية.
واستدركنا بان الأسئلة المطروحة بقوة على مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية ما زالت هي نفسها، خاصة وان هناك مخاطر جدية في أن يعلق قطاع غزة في وحل الحصار والعزل، وفي أتون العشرات من القضايا التي تشوه "تحرره" وتبقيه مع المشروع الوطني أسيراً لمفاوضات جزئية طويلة جداً (كالمعابر، الميناء، المطار، الحدود، الممر الآمن بين الضفة وغزة) يجري خلالها، وبقوة الأمر الواقع، تجميد استحقاقات الحل الدائم ارتباطاً "بحل" بقايا القضايا العالقة من مشروع الانفصال عن قطاع غزة كما حدث فعلا. مع العلم أن الوقت في الصراع الفلسطيني عامل فاعل وليس محايداً، فالماكينة الاحتلالية تعمل ليل نهار في تحديد معالم أية تسوية مستقبلية. وخطاب وتصريحات وسلوك السياسة الرسمية الإسرائيلية واضحة تماماً فيما يتعلق بمستقبل قضايا الحل النهائي.
والأسئلة التي سقطت الحركة الوطنية في الإجابة عنها كانت:
- كيف يمكن جعل "إخلاء" غزة معبراً للاستقلال، وليس تفكيكاً لبرنامج الحركة الوطنية الفلسطينية في التحرر والاستقلال؟! وما هي الخطة السياسية والتفاوضية والكفاحية التي يجب أن تكون أساس التحرك اللاحق لما بعد إخلاء غزة؟
- كيف يمكن قطع الطريق على التكتيك الإسرائيلي الرامي إلى استدراج قوى إقليمية مشرفة أو شريكة في إدارة الأراضي الفلسطينية، إحياء لصيغ جديدة لما يسمى "بالتقاسم الوظيفي"؟
- كيف يمكن أن يساعد "نموذج" إدارة وقيادة قطاع غزة في رفد النضال الوطني بعناصر قوة جديدة وليس إضعافه، خاصة وأن الاحتلال يعلق أوهاماً كثيرة على تعدد السلطات وتنازع القوى الفلسطينية على إدارة غزة، ما ينذر بتصفية التعاطف والدعم الدوليين للنضال الوطني الفلسطيني؟!
- هل يمكن أن تساعد الإصلاحات الداخلية والأمنية وإصلاح النظام السياسي الفلسطيني عبر الانتخابات في توحيد الخطاب السياسي الرسمي وأساليب العمل الكفاحي؟
لقد تحول إخلاء غزة بالفعل إلى اختبار مفزع للشعب الفلسطيني ليس بسبب دموية الاحتلال ومخططاته فحسب بل وبأداء الفصائل الفلسطينية!

فوز "حماس"
أنشأ فوز حركة "حماس" بالسلطة التشريعية متغيراً جديداً على البناء السياسي الفلسطيني الذي ظل على مدار السنوات المنصرمة تحت هيمنة حركة "فتح" التي استطاعت أن تبسط هيمنتها على مفاصل البناء السياسي كله. وبهذا الفوز دخل النظام السياسي الفلسطيني مرحلة جديدة اتسمت بما يسمى تقاسم السلطة، والذي يمكن أن يؤدي، كما سبق أن أشرنا، في ظل التعارض بين "فتح" والمؤسسات المسيطرة عليها (الرئاسة ومؤسسات منظمة التحرير) وبين حركة "حماس" ومؤسساتها إلى شلل سياسي وازدواجية عقيمة رأينا حينها انه يمكن أن يؤدي في أحسن الأحوال إلى حسم هذه الازدواجية بانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة ، إلا أن الأمر قد حسم بانقلاب حماس الدموي. إذ بالرغم من فوز حركة "حماس" بأغلبية مقاعد التشريعي، فإنها لم تحصل على أغلبية الثلثين التي تمكنها من تمرير برنامجها وفلسفتها الاجتماعية، سواء على مستوى التشريعات أو السلطة التنفيذية، وإلى جانب ذلك، تعمق طبيعة البنيان السياسي للسلطة هذه الازدواجية، فنظام الحكم في فلسطين نظام رئاسي وبرلماني، ويملك الرئيس صلاحيات واسعة ومؤثرة. وفي ظل التعارض الواضح بين برنامج الرئيس السياسي الذي تلاه أمام المجلس التشريعي الجديد وبرنامج حماس المعلن حتى الآن، فالأمور سارت نحو الاستعصاء.
وصول حركة حماس بهذه القوة إلى المجلس التشريعي يحتاج إلى قراءة معمقة في المقدمات التي أفضت إلى ذلك، وهي مقدمات متشعبة ومتنوعة، تبدأ من انسداد اللحظة السياسية أمام عملية سلام ذات مضمون ويمكن أن تفضي إلى اتفاق مشترك بسبب السياسة الإسرائيلية التي انقلبت على جميع الاتفاقات والتفاهمات، وكالت للسلطة ضربات مدمرة بهدف تصفية أي شريك فلسطيني ذي نفوذ ومكانة دولية يمكن أن يعرقل الأهداف والرؤية الإسرائيليتين للحل المبني على تصفية أي إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة والمتواصلة جغرافياً على جميع الأراضي التي احتلت عام 67 وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، مروراً بالوضع الذي نشأ عبر السنوات الخمس الماضية، والذي شكل مأزقاً وطنياً عاماً تراجعت فيه إلى حدودٍ قصوى مكانة السلطة ودورها، وبرنامج الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها، وبدت ملامح الانهيار الوطني تطرق بشدة على المجتمع الفلسطيني نتيجة عسكرة الانتفاضة، وتوالد الأذرع العسكرية التي لم تحتكم وتنضبط إلى أية مرجعية سياسية، خاصة الأذرع العسكرية التي تحسب نفسها على حركة "فتح"، حزب السلطة، ما أنتج واقعاً تمثل في انعزال السلطة الرسمية عن حزبها، كما قلنا سابقا، وتشظي هذا الحزب ذاته وتمرد قاعدته التنظيمية على قيادتها، وعدم قدرة الحركة على معالجة أزمتها الداخلية علاجاً يمكّنها من إدارة عملية الإصلاح دون تفككها، ودون فقدان السلطة أو جزء منها كما حدث أخيراً.
إن حركة "فتح" اكتفت بالقبض على السلطة من خلال الرموز السلطوية الفوقية وتعبئة الجهاز الوظيفي المدني والعسكري، حد التخمة، بكادرها وأعضائها، ولم تولِ اهتماماً لفرض سيطرتها على قاعدتها الاجتماعية سيطرة سياسية وفكرية، بل على العكس، فقد تركت هذه القاعدة نهباً لحركة "حماس" وخطابها الشعبوي الديني التي وجدت في أحزمة الفقر المتعاظمة دفيئة مناسبة لنموها حضوراً تنظيمياً وسياسياً. وبسبب التمويل الكبير الذي تمتعت به حركة "حماس"، حبكت حضورها التنظيمي والسياسي بحضور إغاثي، وحوّلت أعداداً هائلة مسها الفقر وسوء توزيع الموارد الوطنية إلى متلقّين دائمين لمساعداتها الإغاثة، وفضلت العمل بعكس المثل الصيني في أنها استمرت بتقديم السمك للناس بصورة تجعل الناس معتمدة دورياً على هذه المساعدات. واستطاعت بنجاح أن تخترق من خلال مؤسساتها المتنوعة صفوف الشباب والمرأة بشكل خاص، ويمكننا الإطناب في الحديث عن المقدمات التي أدت إلى نصرها، ويبقى أن نشير إلى الميل الغريزي للجمهور، وفي حالات التفكك وملامح الانهيار التي بدت واضحة على المجتمع الفلسطيني تحت سلطة حركة "فتح"، فيميل الجمهور دائماً إلى تفويض القوة الكبيرة التالية أملاً بضبط الوضع، ومنع الأوضاع الداخلية من الانهيار.
يمكن القول إن انتصار حركة "حماس" لم يكن فشلاً للبرنامج السياسي الفلسطيني، بل كان فشلاً لفلسفة الحكم وإدارته.
كما أظهر فوز "حماس"، بخلفيتها السياسية والاجتماعية، ضعف المجتمع المدني ومؤسساته بالرغم من الأموال الهائلة التي صبت له، وهذا يحتاج بدوره إلى مراجعة شاملة من حيث قدرة هذه المؤسسات ببرامجها وقياداتها وأجسامها التنظيمية على تقوية المجتمع المدني كخط دفاع أساسي(؟!) عن القيم والتقاليد التي سفح أموالاً ضخمة وهو يبشر بها.
فإذا كانت الحركة الوطنية وقواها السياسية قد تلقت ضربة قوية في هذه الانتخابات، فإن مؤسسات المجتمع المدني قد تلقت الضربة نفسها. فلم تفلح هذه المؤسسات على انتشارها وتضخم أعدادها وحجم تمويلها في ترسيخ مفاهيمها وقيمها داخل المجتمع الفلسطيني، في حين استغلت "حماس" بنجاعة كبيرة مؤسساتها الإغاثية، واستطاعت أن توظف كل مساعدة مهما علا أو قل شأنها توظيفاً سياسياً مباشراً. والسؤال هنا ذو شقين: الأول يرتبط بفلسفة التمويل الخارجية والتي قيل عنها إنها تشترط الابتعاد عن السياسة وأحزابها، والثاني نزع البعد والمضمون السياسيين عن العمل الاجتماعي، أي أن معظم الخدمات والأموال المقدمة إلى هذا القطاع ومنه لم تستطع بناء حركة اجتماعية سياسية!!
لاحظنا، إثر فوز حركة "حماس"، النشاط السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي الهادف إلى معاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الديمقراطي، ولم يكن هذا النشاط مفاجئاً، فمن مصلحة إسرائيل تعميق العزلة السياسية على القضية الوطنية، وكسب المزيد من الوقت لترسيم حدودها النهائية على جثة الأرض الفلسطينية، تحت ذريعة "لا يوجد شريك" المتواصلة منذ الانتفاضة الثانية.وجاء " انتصار" حماس، وتناقضها مع الكل الوطني، هبة جديدة للإسرائيليين وطوقا آخر على النضال الوطني وأهدافه.


استعصاء سياسي.. تخبط برنامجي
تحت تأثير الأوضاع والاستعصاء الراهن على المستوى الداخلي والتفاوضي عادت الأوهام السياسية للتداول ورأينا كيف تنمو الأوهام، وبالتحديد كلما تعقدت القدرة على اكتشاف آفاق لحلول ملموسة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو حتى كلما زادت حدة الصراع الفلسطيني الداخلي ووتيرته على القيادة والوجهة. وهذه الأوهام لها جذورها في سياسة التوريط والتوتير التي أدارتها منظمة التحرير في الأيام الخوالي، وبظروف معينة، كسلوك تكتيكي يضمن مناورة البقاء في خارطة الصراع الشرق أوسطية.
ولكن هذا السلوك السياسي تضخم اليوم بطريقة أكثر دراماتيكية وجذرية تحت عناوين متعددة مثل: "حل السلطة" و"الدولة ثنائية القومية"، أي اعتماد خيار العودة إلى المربع الأول، وكنس التضحيات الهائلة التي راكمها النضال الوطني، والتبديد الطوعي لترسانة كبيرة من قرارات الشرعية الدولية بخفة الانتقال من هدف إلى هدف دون التمحيص بواقعية الهدف الجديد وقدرة الفلسطينيين على تحقيقه، أقصد هدف الدولة ثنائية القومية. وكلا الخيارين (حل السلطة والدولة ثنائية القومية) مع اختلاف مظهرهما يؤديان إلى نتيجة واحدة: تدمير هدف النضال الوطني وتحطيم الكيانية السياسية الفلسطينية على هشاشتها، أي هزيمة المشروع الوطني برمته. فتطور البرنامج السياسي لمنظمة التحرير جاء تتويجاً لنضج سياسي عمّدته التجربة والتضحيات والحاجة الماسة إلى تقديم هدف قابل للتحقيق وليس سهلاً كما توهم البعض، بل هو هدف صعب، لكنه هدف واقعي يمكن للتضحيات مهما عظمت أن تثمر فيه.
إن السلوك الانتحاري الفلسطيني الذي يعتقد أن حل السلطة يمكن أن يؤدي إلى إعادة الصراع الفلسطيني إلى معادلته الذهبية: احتلال- تحرر وطني يتجرد على أحسن تقدير من حسه بالتطورات والمتغيرات الكبيرة التي جرت وتجري على الاحتلال والمحتل، ومدى قدرة الفلسطينيين بواقعهم المتشظي الراهن ومحيطهم الإقليمي والدولي الزاخر بالأولويات الأخرى على الاستفادة من حالة الفوضى التي قد تنجم عن حل السلطة، ناهيك عن إدارة صراعهم السياسي وسط النظام السياسي، وفيما إذا كانوا مؤهلين مجدداً لبلورة كينونتهم السياسية في إطار المعادلة الدولية الجديدة أو ضمن متغير جديد على الصعيد الداخلي عنوانه الأبرز انقسام البنى المركزية القيادية وتشظّي الحالة الفلسطينية إلى كتل متباينة الأهداف والمرجعيات. ثم لماذا الافتراض أن إسرائيل ستنزلق إلى إعادة احتلالها بالشكل والمضمون القديمين، وتعيد السيطرة على كتلة سكانية عظمى لها احتياجاتها ومتطلباتها تحت الاحتلال! إن في جعبة الاحتلال ترسانة كبيرة من السيناريوهات القادرة على تصفية القضية الفلسطينية كقضية سياسية، ولم تعد في عالم اليوم عدالة أي قضية وصفة مؤكدة لنجاحها، وليس من المستبعد أن تتحول القضية الفلسطينية إلى ما يشبه القضية الكردية، ضحية مباشرة لاعتبارات ومصالح إقليمية أولاً، ودولية ثانياً.
لقد توقف قيادة الحركة الوطنية عن التفكير في مدلول العلاقة بين الأدوات والأهداف، وصارت أدوات الكفاح في محل أهدافه! وكل من تابع ملهاة الجري إلى ماراثون التهدئة العسكرية والمناشدة الأخلاقية بوقف "الصواريخ" على إسرائيل يدرك مدى العطب الذي لحق بالإستراتيجية الفلسطينية التي حولت وسائلها إلى أهداف لا تقاس بحجم النتائج السياسية المترتبة على هذه الوسائل. وكل متتبع للتفاهمات والخطط السياسية التي أعقبت كل تصعيد- بدا خارجاً عن السيطرة- يلحظ التآكل المستمر في سقف "الحلول" المطروحة لوقف التصعيد، وآخر مؤشر على ذلك كان بيان الرباعية الدولية الذي سلّم للإسرائيليين بالعدوان على قطاع غزة رداً على" صواريخ" القسام، مع الأخذ بعين الاعتبار حياة المدنيين الفلسطينيين! إن استمرار هذا الحال بات يطرح تساؤلاً جدياً عن الأهداف الحقيقية وراء هذه السياسات، ولم يعد الأمر مجرد سوء إدارة للصراع أو اجتهاد في قراءة النتائج الممكن تحصيلها عبر هذه الأدوات، فالنتائج المترتبة على هذا السلوك باتت واضحة للقاصي والداني، ولن نفتري على أحد إذا بحثنا عن الإجابة خارج منطق المصلحة الفلسطينية الصرفة، أي البحث في الفضاء الإقليمي الذي يحرك هذا السلوك، وفيما إذا صار النظر للقضية الفلسطينية ليس كقضية وطنية ملموسة الأهداف، بل كورقة من أوراق القوى المتصارعة في المنطقة يمكن التضحية بها لصالح مشاريع أكبر. وهنا علينا الإقرار بأن عبئاً جديداً وحاسماً انضاف إلى النضال الوطني، وهو عبء داخلي يساهم في إضعاف الفلسطينيين في معركتهم التحررية، ويشتت مرجعياتهم وأهدافهم الوطنية، وآمل ألا يصبح التقدم باتجاه حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من الوجهة الفلسطينية غير متأتٍّ إلا بحسم المعركة الداخلية على الأهداف المباشرة للكفاح الوطني الفلسطيني.
إن السلطة الفلسطينية، وبواقعها الأعرج الراهن باتت، ومن دون أدنى مبالغة، خط الكيانية السياسية الوحيد الذي يمكن للفلسطينيين الاتكاء والبناء عليه، على رغم كل مظاهر العجز والترهل وشح السيادة واستفحال الصراع على القيادة، فهي آخر البنى المركزية الفلسطينية التي تحظى، برغم كل شيء، بالشرعيتين الوطنية والدولية اللازمتين لمنع انهيار القضية الفلسطينية كقضية سياسية بامتياز.




الانقلاب.. مقدمات ونتائج
لا يكفي أن تقول الحركة الوطنية إنها أُخذت على حين غرّة بهذا الانقلاب العسكري لحركة حماس. أما وقد حدث هذا واتضحت معالم التراجيديا الجديدة في سفر الكفاح الوطني المعاصر، فإن الاكتفاء بحسم الجانب القانوني والدستوري في الصراع مع حماس، على أهميته، وبما يستجلبه من شرعية لازمة لتثبيت المكانة والفعالية السياسية في وجه الانقلاب الدموي، أمر يدل في أحسن الأحوال على أن الدرس لم يُفهم بعد، وأننا نؤسس لانقلاب جديد، بلبوس قد يكون غير اللبوس الإسلامي الذي حدث في قطاع غزة. وإذا اعتقدت السلطة الشرعية الراهنة المتحزمة بالحركة الوطنية العلمانية، ونظيرها العلماني في المجتمع المدني أن المعركة بين الانقلابيين حُسمت بحسم الجانب القانوني والدستوري للشرعية فهي واهمة حتى العظم، ولم تقرأ جيدا الظروف والمناخات التي ولدّت هذا الانقلاب وجعلته ناجحاً بنتائجه المباشرة على الأقل.
ويمكنني أن أجزم أنه طالما لم تجر عملية تقييم جذري حد الجلد لمسيرة النظام السياسي الفلسطيني المتحول إلى سلطة، فان هذه الشرعية عُرضة لخطر التآكل والتلاشي. فالسقوط المروّع للسلطة في يد "حماس" يستدعي إعادة بناء الأساس الدولاتي الهش الذي قامت عليه السلطة الوطنية ونظامها "الزبائني" الذي تحول إلى سوسة نخرتها وجعلتها تتهاوى بسرعة أمام أول تحدٍ جدّي لاح لها. وعندما نتحدث عن دك الأساس الذي قامت عليه السلطة، نقصد بالتحديد فك الاندماج الفظ بين مؤسسة السلطة والحزب الذي يقودها، والذي تحول من قيادة سياسية للسلطة إلي قيادة إدارية وتنظيمية وأمنية، أي إعادة إنتاج نموذج النظام الشمولي، والذي يبدو على تماسكه الظاهري هشّاً إلى أبعد الحدود. لقد أدى هذا النموذج من تماهي التنظيم في السلطة والسلطة في التنظيم إلى تآكل خطير ومهلك في القاعدة الاجتماعية للسلطة وحزبها، وجعلها تتحول تدريجياً، وبحكم ديناميات التداخل مع السلطة، إلى جهاز بيروقراطي فظ يدير مصالحه المباشرة بعيدا عن قاعدته الاجتماعية أولاً والفضاء الشعبي ثانياً، ما أتاح لحركة حماس المدججة بأموال "الأممية الإسلامية والإقليمية" أن تتحرك بسهولة وسط هذا الفضاء الجماهيري الذي أهملت البيروقراطية السياسية والحزبية مصالحه.
وفي الوقت الذي كانت فيه حركة فتح منشغلة حتى العظم بالتهام "كعكة السلطة" وشاغلة بعض أطراف الحركة الوطنية بالفتات المتساقط من هذه الكعكة، أقامت حركة "حماس" مجتمعاً مضاداً مشوهاً على الصعيد الفكري والروحي والأخلاقي، لكنه مكّنهاً من تجاوز الحركة الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها الحركة الكبرى حركة "فتح"، بل وأطاح من جملة ما أطاح به بالمجتمع المدني العلماني الذي اكتفى جزء كبير منه باستهلاك أمواله في الصرف على إدارته البيروقراطية،!!، تاركين لحماس بخطابها الشعبوي المدجج بالشعوذات الدينية والسياسية أن تصول وتجول في أوساط أحزمة الفقر المتعاظمة وبين النساء والشباب.
إن إعادة فك وتركيب تراكمية، ولكن جذرية في الفلسفة السياسية والإدارية والأمنية والمالية للسلطة، تبدأ بخطة إشفاء حقيقية لمؤسسات السلطة على تعدد وظائفها وعلى أسس جديدة بعيدة عن الحزبية والزبائنية والاحتكار، خاصة في الوظائف الحكومية وفي مقدمتها الوظائف الأمنية، بما في ذلك ضرورة التغيير الجذري لعقلية التحالفات التي أدارتها حركة "فتح" مع مكونات الحركة الوطنية، ببعديها السياسي والاجتماعي، لتوسيع القاعدة السياسية والاجتماعية لإدارة السلطة السياسية والحكم في السلطة الفلسطينية. فالنظام السياسي القائم فعلياً على نظام الحزب الواحد والمتمدد في الدولة ومؤسساتها النقابية بقوة الرشوة أو الموقع في السلطة يعيد تجديد نفسه في إطار عملية إقصاء دموية متواصلة ويستبدل الشرعيات الديمقراطية بشرعية قوته المادية على الأرض بالضبط كما تفعل "حماس" اليوم في قطاع غزة.
لقد انكشفت القضية الفلسطينية بعد الانقلاب الحمساوي إلى حد العري على مخاطر جديدة وغير مسبوقة تهدد بصورة فعلية بانهيارها كقضية تحرر وطني، كما تهدد بانهيار الطرف الأساسي والممثل السياسي والشرعي للنضال الوطني والذي أنيطت به مهمة قيادة هذه العملية التحررية. وهذه المخاطر ليست خارجية أو إقليمية التصقت بالنضال الوطني منذ تفجر القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني وكان بالإمكان تجاوزها بغض النظر عن حجم الصعوبات والتضحيات التي قُدمت.
الجديد والأساسي هو التحديات الداخلية التي نشأت وترسخت وتعاظمت لتصل إلى ما يمكن تسميته بانشطار عامودي في النظام السياسي ومؤسساته القيادية وفي المجتمع، أيضاً، بين قوتين رئيسيتين أصبحتا بتفاوت المُمسكتين بقيادة النظام السياسي والمجتمع.
والجديد هنا، وربما غير المسبوق في تجارب حركات التحرر، أن تتطور القوة الجديدة بالتوازي مع بقاء القوة التقليدية وليس على حطامها، الأمر الذي أفرز موضوعياً تجاذباً واستقطاباً حادين وهائلين بين القوتين، ويبدو أن هذا الصراع تصعب السيطرة عليه لسببين رئيسين:
الأول: أن حركة "فتح" ما زالت قوة رئيسية تمسك بالمفاصل الأساسية للنظام السياسي والمجتمع، ولا يمكنها أن تسمح بتقدم حركة "حماس" للتغلغل أكثر في عمق المؤسسة، لأن هذا التقدم سيجعل من المستحيل إعادة "حماس" إلى حجمها، وما سينشأ عن تمدد "حماس" من وقائع ومصالح يستحيل معها العودة إلى الوضع الذي كانت فيه حركة "فتح" تستأثر بالمبنى القيادي للحركة الوطنية والسلطة وانعكاسات ذلك على رصيدها الشعبي والمجتمعي.
الثاني: أن حركة "حماس"، التي وجدت نفسها القوة الأولى بعد الانتخابات، بحاجة إلى عكس هذا الواقع في بنية النظام السياسي ككل بما في ذلك امتداداته البيروقراطية، أي داخل الأجهزة المدنية والأمنية. وهي بذلك تريد تحصين مواقعها في السلطة والمجتمع، ولسان حالها يقول: أن لا ضمانة مستقبلية لأن تحصل حركة "حماس" على النتائج ذاتها التي حصلت عليها في الانتخابات التشريعية الثانية بسبب اتكاءها على طبيعة النظام الانتخابي المختلط وعلى الكتلة الانتخابية المرنة التي كانت تقليدياً تتحرك باتجاه "فتح"، ثم تحركت باتجاه حركة "حماس" في الانتخابات الأخيرة كنتيجة مباشرة لفقدان الثقة بحركة "فتح" وقد تتأرجح مجدداً باتجاه حركة "فتح" بعد أن اتضح بالملموس أن حركة "حماس" في السلطة تعيد إنتاج تجربة "فتح" ولكن بطريقة مكثفة، مع بروز إشكالات ومصاعب جديدة لم توجد في ظل قيادة حركة "فتح". وخشية من التسطيح، فإن عوامل عدة تضافرت معاً وأدت إلى هذا الانقلاب، أي صعود "حماس" إلى السلطة، وهي عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية مضافاً إليها شكل إدارة السلطة واحتياجات سكانها.
في خضم هذا الصراع المبكر على السلطة، والذي استبق إنجاز أهداف مرحلة التحرر الوطني، فإن هذا الصراع انعكس وبصورة مباشرة وخَطِرة على النضال الوطني الفلسطيني وعلى المجتمع الفلسطيني برمته. فعلى مستوى النضال الوطني، تحول قطاع غزة "المُحرر" إلى اختبار مفزع للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ولجدارة الاستقلال كذلك!! وهو يمثل اليوم نموذجاً مرعباً للحالة الفلسطينية الراهنة التي تعطلت فيها القدرة على إدارة القطاع من قبل سلطة انقلابية ودموية لا تعادلها إلا الدموية الإسرائيلية في الإعلان عن قطاع غزة كيانا معادي. في ظل هذا الوضع الملموس، تنشأ وبصورة طبيعية أسئلة تتعلق بجدارة البُنى السياسية الراهنة على إدارة الحياة التي تنخفض أولوياتها من التحرر الوطني إلى مستوى البقاء على قيد الحياة في غابة قطاع غزة الراهن، وفيما إذا كان الفلسطينيون في أماكن أخرى منجذبين إلى إعادة إنتاج قطاع غزة آخر!
وفي هذا المناخ يدخل اللاعب الإسرائيلي لإكمال إستراتيجيته التي بدأها بعزل الكفاح الوطني الفلسطيني وتحويله إلى عمل "إرهابي" ليكملها بخفض تطلعات الشعب الفلسطيني من مستوى الاستقلال السياسي إلى مستوى البقاء الفيزيائي للسكان، أي تحويل القضية برمتها إلى قضية إنسانية!! وبتصفية البعد السياسي التحرري للقضية الفلسطينية، تنفتح المخيلة الإسرائيلية على سيناريوهات قديمة جديدة لا حد لها لحل مشكلة السكان الفلسطينيين. وفي هذا الوضع بالذات، والذي يشترط اكتماله انهياراً للحركة السياسية الفلسطينية ومكوناتها، وهي عملية متواصلة حتى الآن، قد تتقدم فيها قوى جديدة وفي إطار توافق إقليمي ودولي لملء هذا الفراغ، منعاً لتداعيات خارجة عن السيطرة في منطقة خطرة ورخوة إلى أبعد الحدود. وهذا السيناريو "السوداوي" ليس قدراً إلا بمقدار اجتهادنا في عملية "التدمير الذاتي".
لدي أمل، على المدى البعيد على الأقل ، أن تنضج الحركة الوطنية الفلسطينية إلى مستوى التحديات والتناقضات الهائلة التي تعصف بقضيتها، باعتبارها- رغم طيش قادتها وخفتهم- محصلة التقاطع والتصارع في منطقة الشرق الأوسط ، وانه يتوقف على شكل حلها ، وبدون تعال، شكل خارطة الشرق الأوسط وتحالفاتها لردح طويل من الزمن. وبهذا الارتقاء المأمول
بالقضية الفلسطينية ، التي كانت على الدوام معضلة الشرق الأوسط السياسية والوجدانية، ينبغي الارتقاء وطنيا إلى مستواها، بما يتطلبه ذلك من استعادة العقل السياسي الفلسطيني لذاته، وتخليصه من بلاغاته الفارغة، ليتقدم برشد وعقلانية لإدارة معركته الوجودية مع الاحتلال، واضعا نصب عينه الهدف المركزي للنضال الوطني ومسخرا طاقاته وتناقضاته للوصول إليه، ألا وهو هدف الدولة القومية.وفي سبيل هذا الهدف الوجودي ، على الحركة الوطنية، أن تعرف كيف تمكر وتناور ، وتعيد بناء جدارها الاستنادي من الدعم والمساندة والتفهم الدولي ، حتى لو كان ثمن ذلك التخلي عن إغراءات الطفولة والمراهقة الشعاراتية التي لم تسفر إلا عن خيبات ثقيلة؟!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير