الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبدأ التراكم والتداخل في دراسة الظواهر العلمية.....رؤية اتصالية

كامل القيّم

2008 / 1 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


د.كامل القيّم /جامعة بابل
مقدمة
ان قضية استخدام المنهج العلمي في حل المشكلات الإنسانية قد ألق بظلاله على معظم مناشط الحياة الإنسانية بوصفه أداة لتوليد الأفكار والحقائق الجديدة لاكتشاف القوانين والنظريات والظواهر ،وبالشكل الذي جعله منطلقاً للوثوب إلى سلم الحضارة والبناء الاجتماعي والتنمية . وحقيقة القول ان الأنشطة العلمية بأشكالها المتعددة لا تنبع من عقول الأفراد باعتبارها مخرجات وميول تلقائية أو اعتباطية ،إنما هي حتماً ترتبط بوظيفة مؤسسية وأخلاقية علمية تقود وتحرّض وتشيع طرق التفكير وثمراته ،صحيح ان عناصر المعرفة تأتينا عبر الحواس والتجربة والاستطلاع المتعدد ،لكن عملية استخدام هذه العناصر وتفاعلها وتوظيفها في الميدان العلمي –وصولاً إلى تكوين حقائق – لا يخلو من الجزم بهشاشةِِ أو ضعفِ، ان لم يستند منهج علمي في ذلك التوليد. فالعديد من العلماء والمبدعين والفنانين لم يظهروا إلى دائرة الضوء باعتبارهم أفراداً –طبقاً لسلالتهم أو لزمانهم أو لسماتهم الشخصية ،إنما عبروا عن حقيقة أو نشاط موضوعي أُكتشف عن طريق غيرهم بمقياس علمي، جعل من أعمالهم ومخلفاتهم الإبداعية تربو إلىالسّمو والتّفرد والأهمية، لذا لم يعد من المفيد والمجدي ،وفق منظور العلم وانتشار وتوّسع تخصصاته ان نصبح –محطة استقبال سلبية – ان نجّتر مجهودات الآخرين وننعمُ ونفخر بها وكأنها أملاكنا الخاصة ، في الوقت الذي تمطرنا الالكترونيات بالمعلومات التي لاحصر ، من قبيل ( العلوم ، والاكتشافات ،والاحصاءات ، والنظريات ، والقوانين ، والنتاجات الانسانية الاخرى ....
ان جلّ ما نملك وما نختزن من معارف منظمة ما هي إلا جهود أُضنيّ بها الآخرون –أفراد ، مجتمعات ، حضارات – نحن نختزل سنين المعرفة الإنسانية بما وهب الله لنا من قدرة على التمييز وحفظ المعارف والعلوم واستخدامها عبر أثرى تكوين بشري وهبه الخالق عز وجل ألا وهو الدماغ البشري.
ان الخوض في هذا الغمار لا يحتاج الى إثبات او تجريب او قرينة علمية تثبت علاقة ووحدة وبناء للمعرفة العلمية ، ان هذا العرض يمثل كشفاَ للعلاقة الوثيقة بين العلوم والتخصصات والمعارف ، والتي راحت تتسع وتدخل في تخصصات صغرى وصغرى الى ان اصبح لدينا المئات من التخصصات العلمية التي تعني من جهة اتساع آفاق المعرفة ونموها التراكمي ، ومن جهة أخرى هي لاتخرج عما وضعه العلم من اشتراطات للانتماء العلمي وبالتالي فان التوحد وحدود العلاقة هي الرابط الوثيق بين الظواهر التي ثالوثها ( الطبيعة ، الإنسان ، العلم ) فالله سبحانه وتعالى قد خلق نظاماً كونياً غاية الانتظام والروعة والانسجام .
هذه الورقة تقدم وصفاً للتداخل والتراكم العلمي بين العلوم من خلال عناصر أساسية في دراسة الظاهرة باعتبارها هدفاً للعلم ، فقد تألفت من عناصر أربع أساسية الأول كان قد ألقى الضوء على طبيعة الظاهرات الخاضعة للدراسة ، والثاني وحدة الأساليب البحثية ، اما الثالث فقد سلط الضوء على مبادىء ومشتركات العمل العلمي بشكلية الإنساني والعلمي الصرف ، وخاتمة العناصر تكشف الورقة على مشتركات الجهد العلمي في آليات الإنتاج تجاه الاختصاص والحاضنة الاجتماعية .
اولاً : مشتركات الظاهرة العلمية في العلوم الإنسانية والصرفة :

إذا ما تفحصنا حياة الكائن البشري وجدناها سلسلة طويلة من التفاعلات التي بنيت على علاقات الطبيعة ،الوجود ،الصراع ،الخوف،الاكتشاف … وغيرها من عناصر مسيرته الطويلة ،هذه التفاعلات قد حملت معها رغبات وأنشطة وعادات اتصالية ألهمت الإنسان حينذاك أن يسير ويناضل بحثاً عن التكييف ((Adaptationوالبقاء،والفهم لغرض إيجاد تفسيرات محتملة أو مقنعة لحدوث الظواهر، وبالتالي التعبير عنها عبر الرموز،وقد نسب الإنسان بعد ذلك الى تحكم الآلهة في مجريات حياته ،وحينها أضاف لها قدراً من التقديس والتبجيل طلباً للرضا والاطمئنان والحماية والرزق ،بوصفها في نظره محرّكة أو مسؤولة عما يعتري حياته .
وقد أدى ذلك إلى بروز شخصية الكهنة والعرافين والأطباء والسحرة باعتبارهم وسطاء اتصاليون (Intermediary Communication) ما بينه والآلهة ، هذا الحال أدى إلى تكريس القوى الغيبية وتناسلها عبر الأجيال ،اعتقاداً، وفهماً،وسلوكاً.
وبصورة تدريجية أدرك الإنسان إن الظاهرات ليست عشوائية او مزاجية كما كان الاعتقاد في الماضي ، حيث بدأ يلاحظ حسياً (Sensation ) نظام ومعطيات كونية دورية وعلاقات سببية بالتوافق مع غيرها…عُّدَ ما حدث تطوراً في بنيته الادراكية ، وتوصل في ظروف محددة إلى إمكانية التنبؤ ( (Predictionبالأحداث بدقة معقولة كما في سقوط الأمطار وهبوب الأعاصير وتعاقب الليل والنهار ومواسم الزراعة والفيضان .
وهكذا تسير حلقة المعرفة كشفاً لأسرار المجهول وتحدياته ،ومحور هذا المنحى هو الإنسان على مر العصور ،البدائي ،والتأريخي ، وإنسان الحضارات القديمة والحديثة ، ذلك الإنسان ذاته الذي بدأ مقهوراً بالجهل ،اصبح الآن مفعماًبالمعرفة والعلم ،هذه المعرفة ما هي إلا تراكم جهد الإنسانية عبر قرون طويلة،سواء أكانت عشوائية Random ام منتظمة (علمية Scientific) ،املاً بالوصول إلى { الفهم والتنبؤ والسيطرة Understand Prediction and Control }على الظواهر ،وتلك ثالوث المعرفة العلمية.
فقد انعمنا الله ( سبحانه وتعالى ) بهذا العقل الجبار ، كي نتعرف على اسراره ومكنونات نظامه ، داعياً لنا الى التأمل والتساؤل والتعرّف ، فالحقائق العلمية هي( آلاء الله) أي طبائع هذا الكون ونظامه ، كما خلقها سبحانه عز وجل ، مرمزة بالكلام البشري على قدر فهم الفكر الانساني ، وكلما تكشّف شيء جديد ، تكشّفت معه مجاهل جديدة ، وتكشفت بدائع صنع الخالق (( قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي ، لنفذ البحر قبل ان تنفذ كلمات ربي ، ولو جئنا بمثله مدداً)).(*)
والمعرفة العلمية عمودها النشاط العقلي ( التفكير المنظم ) الذي يشكل قاعدتها الأساسية ومنطلقها الجوهري نحو التبلور والظهور والاستمرار ،وبذلك فأنها تعدُّ مساهمة فاعلة ومتجددة تستند الى مبدأ التراكم ( Accumulation) فهي نشاط اجتماعي عام لا يستند إلى شروط شخصية ،إنما يستند إلى أخلاقيات العلم وأهدافه ،وهذه تستند الى وجود حاجة ملحة * يبتغيها المجتمع و علاقاته و تنظيماته المادية و الروحية . سعياً لتذليل العقبات الإنسانية و اكتشاف النظريات التي تقدم تفسيرات و حلول، تعمل على تعزيز أو تصويب أو تغير طبيعة النشاط الإنساني اجتماعياً كان ام علمياً بحتا،ً نحو خدمة الإنسان وتذليل عقباته، و هذا بطبيعة الحال مرتبط إلى حد كبير بتحديد المشكلات و فرض الحلول و التحقق منها، بأسلوب علمي منظم يرتقي إلى أعلى درجات التفكير ، وأعتى درجات السعي من خلال إجراء التجارب المعملية أو الميدانية أو إخضاع المجتمعات إلى المسوحات و الملاحظات، بإطار منظم يستهدف رصد الحاجة البشرية بشكل دقيق و فاحص و بالتالي اصطياد المشكلات و الظواهر علمية صرفة كانت ام اجتماعية ام تربوية … الخ
ذلك ان الظواهر مرتبطة ببعضها و متلاصقة إلى الحد الذي لا يمكن إخضاع بعضها إلى التفرد الفاحص الدقيق ، فالمعرفة العلمية بشكل عام تستند على اتساق الجانب النظري و التطبيقي كلٌ يكمل الآخر و يستند اليه و يثريه، باتجاه توفير رصيد مناسب لتقليل مشكلات الإنسان و دفعه إلى النمو والتطور و الحرية .
فالظاهرة كل ظاهرة لها مطلب كشفي او تحليلي او سببي سواءً اكانت في العلوم الانسانية ام الصرفة تشكل كما اسلفنا تحديا ما الى طريقة تالف الانسان مع البيئة ، وهنا تاتي وحدة الظاهرات متداخلة لان المجتمع والياته لايسير مثلاً بالتكنلوجيا فقط ونظام المعرفة الرقمية التي امطرته ، بل هناك تفاعل وتآصر بين القطبان ، ربما ينتج عنها عشرات العلاقات التي تبدو باهته في احبان كثيرة لكنها في مقياس العلم نراها جلية للعيان ، وتؤكد على ان لايمكن لنا ان نعزل متغيرات حياتية او مسببات عن اخريات ، وبدلك نستنتج ان علوم التكنلوجيا قد تسارع بايجاد مشكلات اجتماعية ونفسية وتربوية ، وهذا بدوره يحفز الباحث في العلوم الانسانية على المضي في اصديادها وتعقب مسبباتها وهكذا ، العملية متداخلة ولايمكن لنا ان نعزل مبدئياً هذا التداخل ، الا بطريقة تصنيف عالية الدقة والضبط .ولو اخضعنا ظاهرة ما على سبيل المثال سنرى مجهريا مديات التداخل المعرفي والعلمي فيها كما في التوضيح الاتي :
ارتفاع تلقي المعلومات عن طريق الحاسب قد ادى الى الاعراض عن القراءة السطرية
نرى تداخل في الامور الاتية :
• عملية التلقي .... علم الاجتماع ...النفس ...الادب ...التربية ...النظام السياسي ..البيئة الاجتماعية ...مستوى التعليم ...الاقتصاد ...الخ
• الحاسب الشخصي ...تطورات الحاسب ...تكنلوجيا المعلومات ...انظمة وبرامجيات
مهارة علمية ...البعد التقني ....الخ
• الاإعراض ( النفور ) بعد فسيولوجي ...عادات التذكر ....مجتمع ...حاجة اجتماعية ومهنية ...الخ
• القراءة السطرية ...تاريخ ...علم الاتصال ...فسلجة دماغ ...عولمة ...تربية ثقافية ...نظريات تعلم ...نظريات تحول التلقي ..الخ
واذا كنا نريد ان نتعقب مزيداً من التداخلاات فاننا لاننتهي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير