الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق- نظرة تقيمية للبحوث المنشورة

محمد الربيعي

2008 / 2 / 7
التربية والتعليم والبحث العلمي


عقد في اربيل المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق في الفترة من 11 الى 13 كانون الاول 2007، وكنت من المشاركين في المؤتمر، الا انه ومع الأسف لم تسنح لي فرصة المشاركة الفعالة لعدة اسباب أهمها إصابتي بالانفلونزا التي الزمتني الفراش، وجعلتني ابتعد عن قاعات الندوات، مما وفرت الفرصة لي لقراءة بحوث المؤتمر، وهي اكثر من مائة وخمسين بحثا قدمها باحثون من العراق وخارجه، وتعلقت بمحاور عديدة تتعلق بالادارة الجامعية وبناء القدرات ومناهج التدريس والتقويم وقياس النوعية وانظمة الدراسات العليا والبحث العلمي واستقلالية الجامعة...الخ. سأحاول في هذه المقالة ان اقدم عرضا ملخصا لبعض هذه البحوث، وهو عرض ابتغيت منه ان يكون دعوة لكل من له علاقة بالتعليم العالي والبحث العلمي لمراجعة ومناقشة هذه البحوث، ودعوة للمسؤولين في وزارة التعليم العالي لدراستها بصورة مفصلة، للاستفادة من التوصيات والاقتراحات، ولغرض إشراك اصحاب هذه البحوث في عملية اصلاح التعليم العالي التي ندعو ويدعوا لها الكثير من الاكاديميين داخل وخارج العراق.

لابد من القول اني استغربت استغرابا شديدا لوجود هذا العدد الكبير من البحوث التي تتعلق في جوهرها باصلاح الجامعة والعمل الجامعي، مما يدل على الامكانيات الفكرية الواسعة التي يمتلكها الاستاذ الجامعي العراقي وقدرته على التكيف في وضع انعدم فيه البحث العلمي المختبري الذي يعتمد على التقنيات الحديثة المفقودة حاليا في العراق.

كنت اتمنى ان تكون مهمتي اسهل، الا اني وجدت امامي ثمانية مجلدات ضخمة بالاضافة الى مجلد يضم ملخصات البحوث. تضم هذه المجلدات عدد كبير من بحوث كاملة، وهي حالة فريدة لم اعتاد عليها فالعادة التي جرت عليها في المؤتمرات العالمية ان يستلم المشارك كتيبا صغيرا لينتظر قراءة هذه البحوث بعد نشرها مفصلة في ادبيات اخرى وفي اوقات اخرى. ويقال ان مجلدا آخر سيصدر قريبا ليضم تلك البحوث التي لسبب او لاخر لم تتضمنها هذه المجموعة، وعسى ان يتضمن المجلد بحثي الذي لا اعرف سبب عدم نشره وهو البحث الذي لم اتمكن من إلقائه في المؤتمر بسبب المرض الذي الزمني الفراش.

استهل هذا المقال بالاعتذار الى زملائي الباحثين الذين لم اتطرق الى بحوثهم او هؤلاء الذين لم اوفق بعرض بحوثهم تقييمها بصورة ملائمة، فالمهمة شاقة والوقت ضيق والهدف هو مساءلة الخطاب السياسي التربوي السائد داخل منظومة التعليم العالي والدعوة للإصلاح.

تضمن المجلد الاول بحوثا تتعلق بادارة الجامعات ونظام ادارة الجودة الشاملة وبناء القدرات. يعتبر أ.د. علاء فرحان طالب، ان أهم المشكلات التي تواجهها الجامعات العراقية تتمثل في سوء اختيار القيادات وانتشار الفساد الاداري وسيادة الاساليب التقليدية للإدارة، وسيادة دكتاتورية الادارات العليا. ويقترح اعتماد معايير موضوعية بعيدة عن الولاء السياسي معتمدة المقدرة العلمية والادارية. وتتفق مع هذا المبدأ دراسة تحليلية مفصلة قدمتها د. جوان عزيز وزملائها حول دور المقومات الشخصية والتنظيمية في نجاح القيادة الجامعية حيث أشارت نتائج التحليل الوصفي على ضرورة تحلي القيادة الجامعية بحسن الاستماع للاخرين وتفهمها لمشاكل التدريسيين وعلى امتلاكها المهارة والقدرة في التوجيه وتبني اسلوب اللامركزية الادارية. اما نبيل عادل فخري، فيرى ان التغلب على المشاكل لا يتم الا من خلال تحديث معظم مجالات الادارة والتدريس من مناهج وتقنيات التعليم والتمويل والامتحانات والترقيات والتفرغ العلمي وحضور المؤتمرات العلمية. وتقدم د. سمير خضر، و د. صلاح الدين ابو بكر، بدراسة تحليلية لمستوى التعليم في جامعة صلاح الدين وذلك باختبار سبع فرضيات تتعلق بالممارسات الادارية والجودة والعلاقة بين المسؤلين والتدريسيين. قدمت الدراسة تحليلات احصائية ومقارانات عديدة ومهمة، وتوصلت الى استنتاجات وتوصيات منها ضرورة زيادة الرقابة الادارية وتشجيع الابداع ووضع معايير واضحة لتقويم جودة الخدمات التعليمية، واقترحت إحداث وحدة متخصصة لضمان جودة التعليم في الجامعة.

وحول تطبيق نظام الادارة الشاملة، يتضمن المجلد بحثين، الاول، لمجموعة د. ستار بدر سدخان، والثاني لمجموعة د. فاضل غباش. حاول البحث الاول الاجابة عن سؤال يتعلق بامكانية تشخيص ووصف متطلبات الجودة وامكانيات الاستفادة منها في تحسين المستوى الإداري والتعليمي. اما البحث الثاني فقد طرح السؤالين التاليين: هل يؤثر تطبيق متطلبات ادارة الجودة الشاملة في واقع التعليم الجامعي وهل يمتلك التدريسيون تصورا واضحا عن ادارة الجودة الشاملة. أكدت الدراستان على ضرورة تصميم البرامج الدراسية بما يتوافق مع المتغيرات العلمية والتكنولوجية وفي ضوء احتياجات ومتطلبات سوق العمل، وعلى زيادة قدرات ومهارات التدريسيين والاداريين وعدد كبير من المقترحات الاخرى التي تقع ضمن مفهوم الجودة وخارجها ولكنها تشترك في كونها مقترحات جيدة لتطوير الادارة الجامعية والارتقاء بالعملية التربوية وهي مهمة يعتقد د. حكمت جمال ان تحقيقها يعتمد على تشكيل فريق عمل لدراسة النظام التربوي الحالي على كل المستويات لتشخيص الجوانب الإيجابية والسلبية ومقارنته بالانظمة التربوية في الدول النامية مع التأكيد على الاولوية والمردودية وضرورة ان تتمتع الجامعة باستقلاليتها بعيداً عن السيطرة المباشرة للدولة.

وتضمَّن المجلد الثاني دراسة قيمة للدكتور محمود شاكر الملا خلف حول تنمية الموارد البشرية في التعليم التقني حيث حددها الدكتور في تنمية قدرات التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع والقدرات الذاتية، ووضع كذلك العوامل المساندة للتنمية وهي استخدام التقنيات، والحرية الاكاديمية، والجودة الشاملة، ووجود اللوائح والنظم، وحالة المجتمع، واقترح ضرورة توفير برامج لرفع قدرات التدريسيين وتشجيعهم على البحث العلمي. واكدت أ.د. ليلى الاعظمي على أهمية التعاون بين الجامعات العراقية في مختلف الجوانب الاكاديمية وفيما بينها وبين الجامعات الاجنبية، واقترحت اقامة مراكز بحثية مشتركة بين الجامعات، وتبادل الخبرة بين أعضاء هيئاتها التدريسية. ويحتوي المجلد على دراسة حول بناء قدرات القيادات الجامعية للدكتورة نغم نعمة ونجود حسين اكدت على اهمية التنمية البشرية (استخدمت الكاتبة مصطلح رأس المال البشري)، وشرحت متطلبات بناءها بما يواكب التطورات الادارية والتكنولوجية المعاصرة في العالم، بالاستشهاد على نموذجين مختلفين وهما النموذج الهندي والنموذج الياباني. ويؤكد د. نبيل محمد الخناق على اهمية التجديد والتطوير في بناء القدرات الجامعية من قيادات وتدريسيين عن طريق اضافة المعارف والمهارات، وبين أهمية "الهندسة النفسية" في تغييرسلوك وعادات القيادات الجامعية وفي اتقان العمل والمثابرة والجد والتنظيم عند التدريسيين.

واذا انتقلت الى المجلد الرابع فستجد عددا آخر من البحوث المتعلقة بادارة الجودة الشاملة والتحسين المستمر وتقييم النوعية والاداء. في بداية المجلد الرابع يعترف شهويو ملا طاهر ونزار محمد امين بانه نتيجة للظروف الاستثنائية التي مرت بها كردستان تم تعيين رؤوساء جامعات وعمداء ورؤساء اقسام من دون مراعاة التأهيل والخبرة والممارسة والضوابط والتقاليد الاكاديمية المعمول بها في كل الجامعات الرصينة. كما اكدوا على تدني المستوى العام لطلبة الجامعات الكردستانية في العلم والثقافة العامة والانتباه والاهتمام بحيث اصبحت الجامعة تكملة لمدرسة ثانوية. واشاروا الى أن البيئة التعليمية لدى الجامعات لا تخلق جوا إيجابيا للتعلم. وعلى صعيد التدريسيين توصل د. مهدي حطاب ود. مهدي القريشي الى عدم فاعلية عملية اعداد اعضاء اساتذة التعليم العالي. ويتفق ا.د. احمد سليمان وزميله محمد شاكر مع غالبية البحوث الاخرى في ضرورة تطوير مناهج التعليم، واقترحا تطوير التدريسيين بما ينسجم مع المرحلة الجامعية وتنمية قدرات الطلاب والاهتمام بالبحوث العلمية، واكدا على ضرورة استحداث وحدة للتطوير الجامعي تتعلق بتحسين الجودة الشاملة. ولا يختلف كثيرا بحث الدكتور حكمت سلطان ومحمد الزيباري في تفصيل مفهوم الجودة الشاملة ومتطلباتها، الا انهما يبحثان ايضا في مفهوم وأهمية الأداء الاستراتيجي، ويطرحون نماذج لقياسها، كشفت على وجود علاقة ارتباط بين متطلبات ادارة الجودة الشاملة والأداء الاستراتيجي. والمجلد ملئ بالدراسات النظرية والميدانية في هذا الموضوع، منها دراسة حول مقاييس الجودة الشاملة في جامعات اقليم كردستان، ودور الشراكة العلمية والعلاقات الثقافية بين مؤسسات التعليم العالي في الارتقاء بجودة التعليم، وأثر مؤشرات فاعلية نظام المعلومات الادارية في التحسين المستمر وتقييم الاداء في جامعة صلاح الدين، وتقييم الجودة في كل من جامعة البصرة وجامعة الكوفة، وقد اكدت جميعها على ضرورة تبني ادارة الجودة الشاملة من اجل تحسين جودة التعليم الجامعي. لذلك اقترح ان يجتمع مسؤولوا الوزارة بمؤلفي هذه الاوراق لغرض استنباط استراتيجية شاملة في هذا المضمار تصلح نظاما لادارة الجودة الشاملة وتقيم مدى فاعلية الادارات الجامعية.

وتضمن المجلد الثالث 30 بحثا باللغات العربية والكردية والانكليزية بضمنها بحوث حول تطوير مناهج وطرق التدريس واستخدام تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا التربية الحديثة، الا انه احتوى ايضا على مقالة ثقافية عامة حول ثقافة الوعي المنهجي قدمها كاتباها على انها "محاولة اعادة نظر في ثوابت واصنام فكرية واحكام راسخة في الفكر النقدي نحاور جدواها واسباب نشأتها ليكون الادراك مدخلا للتغيير والتطوير الرصين في مناهج التعليم وآليات الإتصال والتأثير"، وهي محاولة جيدة في تشخيص هوية الناقد العربي الحديث لكني ومع الاسف لم ارى موقعها ملائما في هذا المؤتمر.

ومن البحوث ذات العلاقة بدور تكنولوجيا المعلومات في تطوير اداء الاستاذ الجامعي، بحث للدكتور صباح الزبيدي، اعطى فيه فكرة عن تجارب العالم في مجال المعلوماتية واستخدام الحاسوب، واكد على اهمية تدريس المعلوماتية في مراحل الدراسة الابتدائية حتى الجامعية، وطالب بتدريب التدريسيين والطلبة على طرائق البحث في المعلوماتية، وبضرورة تجهيز التدريسيين كافة بأجهزة الحاسوب. وحول الموضوع نفسه قدمت د. فردوس جواد دراسة لواقع التعليم الجامعي في اقليم كردستان فطرحت "نموذج كردستاني" للتعليم الالكتروني يتمحور حول ضرورة تجاوز المشكلات الادارية والفنية والعلمية، ومن ثم تزويد كل الجامعات بامكانية الدخول الى الانترنت، وربط الجامعات بشبكات الابحاث الخاصة. ووضعت خمسة مراحل لتنفيذ هذه الخطة لكل مرحلة اهدافها، ومنها في البداية توفير جهاز حاسوب لكل تدريسي وموظف في الجامعة، وفي النهاية تحويل المجتمع الجامعي الى مجتمع معرفي إلكتروني يتماشى مع العصر، وهو ما تتفق معه ورقة سبية عبد الواحد ونكيوان توفيق، حيث تشير الى ضرورة الانتقال من التعليم التقليدي الى التعليم الالكتروني تدريجيا. ويتضمن المجلد ورقة حول تحديث كلية الشريعة في جامعة صلاح الدين يدعو كاتبها الى تدريس العلوم الاسلامية جميعها باللغة العربية فقط والى تدريس مادة الدراسات الاسلامية في "جامعة كوردستان وفي جامعة الطب". وبالرغم من غرابة هذه المقترحات الا اني لا اعرف لماذا لم يقترح الكاتب تدريس علوم الاديان المختلفة في كليات غير كليات الشريعة خصوصا ان كردستان بودقة لاديان ومذاهب متعددة.

أما البحوث باللغة الانكليزية فانها تتطرق الى أساليب التدريس والتعلم بما يتعلق بصورة خاصة الدراسات الهندسية والطبية. على سبيل المثال، يقدم رمضان خير الدين مثالا من اليابان على تطوير المناهج الهندسية يعتمد على مشاورة الطلاب لغرض تصميم منهج دراسي هندسي باختيار افضل المفردات على ضوء ملائمتها للمستوى الدراسي المقرر وسهولة الاستخدام من قبل الطالب والأستاذ. اما الدكتور علي قوبيان فيعتقد انه لابد من اجراء عملية جراحية سريعة تستند على خطة مدروسة وبقيادة فريق عريق الخبرة والمعرفة لكي تستعيد الكليات الهندسية عافيتها بعد ان اصابها الخراب والتدمير، وهذا العمل يحتاج الى مساعدة خبراء من الدول المتطورة لكي يتحقق باقصر وقت وباحسن كفاءة، كما اقترحَ ضرورة تمتع طلاب الهندسة بمعارف غير المعارف الهندسية ومنها الاقتصاد والبيئة والتأثيرات الاجتماعية للهندسة.

وفي المجلد الرابع يقدم سلام مروغي نظاما لمراقبة النوعية في الجامعات العراقية يعتمد على تاسيس ادارة وطنية لمعادلة وتقييم الدراسات الجامعية استنادا على ممارسات مماثلة في عدد من البلدان المتطورة، معتبرا ان النجاحات التي حققها عدد من البلدان النامية نتيجة استخدامها برامج التقييم تدفع العراق لانتهاج مثل هذا الاسلوب. ويؤكد د. عبد الستار العلي على نجاح هذا الاسلوب في عدد من الدول العربية بالرغم من قلة الدراسات وانعدام وجود نموذج واحد متفق عليه عالميا، لذا كان أمله أن يتوصل المؤتمر إلى خطة عمل لانشاء نموذج ملائم للجامعات العراقية يأخذ بنظر الاعتبار نوعية التصميم ونوعية الاداء. اما الدكتور بيتر باول فيضع مقومات عملية للتقييم الاكاديمي (معادلة الشهادات) ويشير الى عدد من البرتوكولات والطرق التي يجب الانتباه لها عند تحضير وثائق التقييم منها التعبير عن المنهج بنتائج التعلم، والأسئلة الامتحانية، ومحتوى المنهج، والمستوى الاكاديمي، ونظام تقييم النوعية في داخل القسم. ويقترح ان تأخذ عملية التقييم بالاعتبار عند البدء وقبل الشروع باعداد أي برنامج دراسي.

ويتعلق المجلد الخامس بالبحث العلمي حيث يقترح فريد مجيد عبد استراتيجية للبحث العلمي وتطويره تعتمد في كثير من مفرداتها على ما طرحته سابقا حول نفس الموضوع وتتضمن استحداث منظومة مالية متوازنة ومستقرة لتمويل البحث العلمي، وتدريب وتأهيل قيادات فعالة لتسير (لتسيير) مؤسسات البحث العلمي، وتشجيع البحث العلمي المشترك الداخلي والتعاون العالمي، ووضع منظومة تقييم بالاستناد الى المعايير العالمية، وخلق أجواء علمية ايجابية لتنمية القابليات الابتكارية للتدريسيين. وتؤكد د. سولاف محمد علي على وجود معوقات عديدة امام تنشيط حركة البحث العلمي في كردستان ترتبط بنواح مالية وفنية وتنظيمية. اما ا.د. قاسم صالح فيقترح عدة اساليب عملية لتطوير البحث العلمي منها مساواة الاستاذ الجامعي من حيث الراتب والامتيازات باقرانه في البلدان الغنية بالمنطقة، وتوفير الفرصة له للمشاركة في المؤتمرات والندوات العالمية ومنح اساتذة الجامعات سنة تفرغ علمي. ويشارك امجد الاسدي في طرح مشكلات البحث العلمي حيث يعتبر ضعف الانفاق على البحث والتطوير من أهم المعوِّقات ويشير الى ان العراق انفق في عام 1996 نسبة 0.03% من الناتج المحلي الاجمالي على البحث والتطوير مقارنة بالولايات المتحدة واليابان اذ اانفقتا نسبة 2.7% و 3.8% عام 2002 على البحث والتطوير، ويضيف الى جملة الأسباب المؤدية لتأخر البحث العلمي في العراق والتي اشارت اليها بحوث أخرى تشتت الاهداف وغياب التخطيط الاستراتيجي لمؤسسات البحث العلمي وغياب الدور الفعال للقطاع الخاص.

وتهتم الدراسات المنشورة في المجلد السادس بالعلاقة بين الجامعة والمجتمع وسوق العمل وفيه يقدم أ.د. كامل الكناني صورة عن حجم الفجوة بين القطاعين الصناعي والبحثي في العراق مستندا على دراسة استبيانية عن علاقة الصناعة بالبحث العلمي في بعض الجامعات العراقية، حيث ظهر ان معظم البحوث التطبيقية وبالرغم من قلة نسبتها لم تأخذ طريقها الى ميدان العمل، وبالتالي الاستفادة من النتائج التي توصلت اليها، ويدعو الى الاهتمام بل التركيز على البحث العلمي التطبيقي لمشاكل واقعنا الصناعي (متجاهلا امكانية حل هذه المشاكل عن طريق نقل المعرفة والتكنولوجيا وبان إحدى مهمات الجامعة هي الاهتمام بالبحث العلمي الرصين) مدعيا ان سبب ذلك يعود الى امتلاكنا لخزين لا باس به من البحوث العلمية ولتوفر قاعدة صناعية ملائمة لتطبيق هذه البحوث والى التطور النوعي في كفاءة الكادر الوطني، وهذه باعتقادي أسباب مبالغ فيها.

اما بشأن العلاقة بين الجامعة وسوق العمل، فقد أظهرت دراسة ا.د. يوسف سعيد و د. بثينة صالح درجة عالية لتخوف الخريجين من العمل في مؤسسات الدولة وتفضيل العمل الحر، وان نسبة تزيد على 90% من الكليات تتفق على عدم وجود تنسيق بين الوزارات والجامعة، وعدم قدرة الجامعة على التأثير في سياسة الوزارات ورفدها بخريجيها.

اما المجلد السابع فقد ضم اوراقا عديدة حول التعليم الالكتروني والجامعة المفتوحة والتعليم عن بعد. اكد الدكتور حسن بدير في مقالته حول الجامعة العراقية الاهلية الى حاجة العراق للجامعات الخاصة، لانه باعتقاده يلبي الحاجة للتعليم العالي، ويعتبر استثمارا اقتصاديا ناجحا، ومصدرا من مصادر التطوير وتوفير الخبرات وجلب المال الوفير للبلدان التي تتبناه. اما التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد فيعتبرها كوقند شيرواني جزءً من الانماط الجديدة او غير التقليدية للتعليم العالي، بالاضافة الى نظام التعليم المسائي ونظام التعليم المفتوح والتعليم المتوازي والتعليم الخاص. ويؤكد كل من اقبال جاسم جعفر من جامعة البصرة و د. خالد توفيق من جامعة صلاح الدين و علي حسون من جامعة كربلاء على اهمية التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد وعلى دورهما في تطوير فاعلية التعليم وفي تخفيف الضغط على المؤسسات التعليمية.

وتأخذ مسألة استقلالية الجامعات أهمية اقل استنادا لعدد الاوراق المقدمة حول الموضوع وعددها أربعة بحوث ضمنت في المجلد الثامن للمؤتمر. يستنتج ا.د. كامل الكناني في مقالته حول استقلالية الجامعات "ان الجامعات بمفهومها العلمي يجب ان تكون حرة في اختيار هيئاتها التدريسية ومناهجها وبرامجها وتقنيات اداءها الوظيفي وبالتالي تحديد اهدافها وسياقات عملها على وفق سياسة التعليم العالي في العراق"، ويعتبر هذه الاستقلالية مبرمجة وليست سائبة وذات مرجعية دستورية. ويقدم الدكتور ترنس كيلي رئيس جامعة بكنغهام في المملكة المتحدة تجربة جامعته في الاستقلالية، ويعتبرها استنادا على الادلة الرقمية ضرورية لتوفير نوعية عالية في قطاع التعليم العالي، كما يعتبر الاستقلالية المالية والتنظيمية ضرورية لنجاح الجامعة في اداء مهماتها التربوية. وبعد تقديمه لسرد تاريخي لاستقلالية الجامعات في اوربا وفي المملكة المتحدة بالخصوص يقدم في نهاية مقاله مثالا على خطورة التدخل الزائد في امور الجامعات وكيف ان وكالة مراقبة النوعية في بريطانيا حاولت في عام 2001 ان تجعل من نفسها ادارة وليس رقابة للجامعات مما اضطر مدرسة لندن للاقتصاد (جامعة لندن) الى الاحتجاج علنيا وطلب اصلاح الوكالة لانها ستؤدي الى القضاء على استقلالية الجامعات.

الاستنتاجات
في نهاية هذه المراجعة السريعة احب ان اقدم بعض الاستنتاجات حول المؤتمر والبحوث المنشورة في مجلداته التسعة.

1. تباين مستوى المقالات المنشورة فمنها رصين وعلمي ومنها ما هو مقالة عامة وافكار متنائرة.
2. تشابهت كثير من الاوراق في اهدافها وغاياتها ومنهجها البحثي وحتى في استنتاجاتها وتوصياتها.
3. بعض التوصيات لم تكن تحمل أي علاقة بنتائج البحث.
4. عمومية وكثرة التوصيات اثرت على مستوى النهج العلمي المتبع في استقصاء وتحليل المعلومات.
5. تركزت البحوث في مواضيع محدودة خصوصا حول موضوع الجودة والادارة الجامعية وقدمت اقتراحات لا تصل بقريب او بعيد الى مستوى طلب الاصلاح الشامل الذي نراه ضروريا للولوج في القرن الواحد والعشرين وتبقى هذه الاقتراحات مجرد ترقيعات صغيرة لشرخ كبير.
6. كثرة البحوث المنشورة وعظم عدد صفحات المجلدات يضيع فرص متابعتها والاستفادة من نتائجها.
7. خلاصة البحوث المنشورة ان التعليم العالي في العراق يمر بازمة كبيرة تحتاج لحلها جهود كبيرة من قدرات بشرية وأموال هائلة. الباحث العراقي لا زال يخاف السلطة فهو (بين حانه ومانه..على حد المثل العراقي) يتوصل الى استنتاجات تدعو الى تهديم النظام القديم الا انه يوصى بترميمه.
8. اظهرت الاوراق المنشورة ان مواضيع الادارة الجامعية وبناء القدرات واساليب التدريس والتقويم وتأكيد النوعية وسياسات البحث العلمي والاستقلالية هي مسائل من صلب عمل التدريسيين كافة وهم قادرون على ولوج البحث في اغوارها وتقديم الاقتراحات الملائمة، فهي ليست مسائل محصورة فقط على فئة من المختصين والاداريين، وان استقطابهم والاخذ بارائهم سيساعد الجامعات على بدء عملية إعادة البناء بصورة بعيدة عن الوصاية والإشراف المباشر والتدخل المستمر من الدولة.
9. تعدد لغات البحوث المنشورة اضعف من التناسق وعرقل متابعة المحتويات التفصيلية للبحوث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر