الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا ما توقعناه ومنينا النفس به... وهكذا حال الجبناء

صلاح كرميان

2003 / 12 / 17
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


شهد التاريخ الانساني كثيرا  من انظمة الاستبداد وجبروت طغاة وخاضت الدول وشعوبها حروب طاحنة لتفسد الحياة وتدمر كل ما بناه العقل الانساني نتيجة تهور وغرور الحكام والسلاطين . الاّ ان ما حصل في العراق منذ ظهور صدام حسين يعتبر حالة نادرة اذا ما قورنت مع انماط الدكتاتوريات التي ظهرت في بلدان مختلفة وفي فترات متفاوتة في التاريخ. ان صعود شخص فاقد المواهب كصدام حسين الى اعلى قمة السلطة فجأة في بلد غني بموارده المتنوعة  كالعراق يعتبر حقا سخرية القدر وعار على جبين الانسانية. فعلى مدى ثلاثة عقود ونصف وقفت الحكومات والانظمة الاقليمية والدولية موقفا اقل ما يمكن وصفه مشينا ولامسؤولا من السلوك العدواني والوحشية التي اتسمت بها السلطة الدموية الشمولية التي عاثت في العراق فسادا وطغيانا.  بينما كانت تلك الجهات تموّل النظام الدكتاتوري جهارا بكل ما يدعم نواياه وتحافظ على ديمومته، كان الهم الاعظم لكل الذين كانوا يتعاملون مع الطاغية ويمدونه بكل ما يحتاجه لتنفيذ سياساته القمعية وبناء الته الحربية التدميرية هو التسابق لنيل الصفقات التجارية والحصول على اكبر قدر من اموال الشعب العراقي التي بددها النظام واستخدمها في ابادته وخنق حرياته.

تمكن صدام باساليبه القذرة من السيطرة على عقول وافكارالكثيرين من الناس واستطاع شراء النفوس الضعيفة منذ اغتصابه للسلطة،  وبذراموال العراق لبناء اقوى الاجهزة القمعية والاعلامية،  وعمل على توريط الالاف من المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين في تنفيذ العمليات الاجرامية لكي يربط مصيرهم بمصير نظامه واغدق بسخاء على المجرمين والقتلة وانتهج سياسة الخوف وانعدام الثقة حتى ضمن اقرب الموالين اليه.  لقد اوهم الكثيرين بشعارته المزيفة و جنجلوتياته في الدفاع عن قضية فلسطين ومعاداة اسرائيل والدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي والقضايا المصيرية للامة العربية،  وانخدع الالاف وربما الملايين من السذج في ارجاء الوطن العربي والاسلامي بالاسطورة التي حاول هذا الكائن رسم ملامحها بكل الوسائل المتاحة. كلنا نتذكر قوانينه وممارسات كلابه المسعورة بقطع الاذان ووشم جباه من كان يرفض ان يكون ضمن القطيع المساق الى محارق الموت في قادسية العار وام المهالك بتهمة الجبن و التخاذل وكذلك بقطع اللسان لكل من زل لسانه بالسوء في ذكر قائد الضرورة وبطل التحرير القومي وباني مجد العراق.

 ولكن شاءت الظروف واحتكمت المصالح الدولية ودارت الدائرة واختلفت المصالح واصبح العميل هرما وكان لابد من احتواء حماقاته و طموحاته الجنونية.  ولم تجدي الطاغية كل محاولاته وتنازلاته  ومواقفه المذلة لارضاء اللاعبين الكبار بالرغم من ادعاءاته الفارغة وابواقه الرخيصة واصبح اصدقاء الامس اعداءا اليوم وتغيرت قواعد اللعبة وحصل ما حصل وكانت الحرب على العراق.

وبالامس ظهر الطاغية لاول مرة منذ سقوط بغداد بعد ان كان مختفيا من الانظار في دهاليز واقبية ضيقة بعد ان طرد من نعيم قصوره السبعين تلاحقه القوات الامريكية ولعنات العراقيين وبعد ان شهد موت ولديه وتفرقت افراد عائلته و سبقه افراد عصابته الى الاستسلام والذل. نعم ظهر الطاغية اخيرا ولكن هذه المرة على حقيقته التي لا غبار عليها.  استسلم لمصيره دون ادنى مقاومة واستسلم بكل ما تعنيه هذه الكلمة، استسلم معلم البطولات وقائد الضرورة ومدعي المنازلة والتحرير بكل خضوع.

لم اتفاجأ بما رأيته على شاشات التلفاز وربما الكثيرين من الذين كانوا على دراية  بشخصية هذا الوحش الخرافي. لم اتمالك نفسي وفقدت السيطرة على احاسيسي واجهشت بالبكاء وغرقت في هواجسي ومر امامي بسرعة خاطفة شريطا من المأسي والويلات التي لحقت بالملايين من الابرياء من ضحايا الانفال والسموم والقتل الجماعي والمعتقلات الرهيبة واعدامات الشوارع والتشريد والتغيير الجغرافي لسكان الاهوار ومناطق كرميان والقرى الكردستانية الاخرى وضحايا الحروب الجنونية وهتك الاعراض والفساد الاخلاقي والاجتماعي ومسخ القيم الانسانية وما الى ذلك من قبح الطاغية.

لقد تحقق حلم السنين للملايين من الشعب العراقي وعلت مظاهر الابتهاج والسرور وجههم مع النهاية المتوقعة لاقبح دكتاتور وتسألت وانا في لحظة فرح ماذا لو قبل التنازل عن الحكم بعد ان وفر الامريكان الفرصة الاخيرة له او فكر بالانتحار لينقذ العراق وشعبه من الدمار. لكن غمامة تساؤلاتي انقشعتها حقيقة تقال على كل الطغاة الا وهي هاجس الخوف والجبن الذي يراودهم ويتحكم بسلوكهم مما يدفعهم الى التسلط والاستبداد وازاحة كل ما يعرقل طريق اشباع رغباتهم الجنونية.

اصبح الحديث يدور الان عن المصير الذي ينتظر الفأر الجبان بعد وقوعه في المصيدة، وتتردد اصوات عن تقديمه للمحاكمة و اعطاءه حق الدفاع وتوكيل محام  بحجة ضمان حقوقه كانسان ومراعاة لاسس المجتمع المدني، متناسين بانهم يتعاملون مع وحش مجرد من كل صفات تمت بصلة بالانسان، رغم انني لا احبذ القضاء عليه بانزال عقوبة الاعدام بحقه لان ذلك سيريحه والى الابد، لكن كيف يمكن ان نلجأ الى قوانين منصوصة ونهمل رأي الملايين من البشر التي انكوت بنيران الطاغية، وماذا سيكون الرادع لعدم ظهور دكتاتوريات اخرى. يجب ان يفسح المجال للضحايا وذويهم بتحقيق الحلم الذي انتظروه واستعادة الامل والسعادة التي افتقدوها. ويجب ان لا يغيب على البال ان هناك على الساحة الالاف من المجرمين الذين تتلمذوا في مدرسة الارهاب الصدامي  يجب اجتثاثهم او العمل الى اصلاحهم وتاهيلهم وتخليصهم من الاوهام والاجرام التي زرعت في نفوسهم.

15/12/2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر