الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-في قلب هذا البلد- لكوتيزي «صاحب نوبل»: الكتابة بحد الشفرة

اسكندر حبش

2008 / 3 / 24
الادب والفن



عن منشورات «لو سوي» صدرت حديثا ترجمة لرواية الكاتب الجنوب إفريقي جون ماكسويل كويتزي (نوبل للآداب 2003) «في قلب هذا البلد» وهي روايته الثانية التي كتبها في مطلع سبعينيات القرن الماضي. هنا مقالة عن الرواية معدة من الصحف الفرنسية التي تناولتها. ينحدر جون ماكسويل كويتزي من سلسلة طويلة من المستوطنين «الأفريقانيين». تلقى علومه العالية في انكلترا، حيث تابع دراساته في الألسنية والمعلوماتية، وهذا ما دفعه، في مطلع حياته العملية، على العمل كمبرمج في شركة (IBM). لكنه لم يتوقف عند ذلك، بل تابع أيضا دراسات في الآداب الانكليزية بجامعة «أوستن» في «تكساس». أنهى العام 1968 أطروحة دكتوراه حول «المتخيل الانكليزي عند صموئيل بيكيت: بحث في الأسلوبية التحليلية»، ليُدرّس بعدها، لمدة عامين، في جامعة «بوفالو». إلا انه وجد نفسه مضطرا لمغادرة الولايات المتحدة الأميركية، مع بداية السبعينيات، بسبب مشاركته في التظاهرات ضد الحرب في فيتنام. من هنا، اختار أن يعود إلى جنوب إفريقيا، على الرغم مما كان يشعر به من صعوبات وقلق إزاء الحالة السياسية هناك. ومع ذلك، وجد أن أفضل وسيلة تكمن في التدريس لمواجهة ذلك كله، فبدأ العمل في جامعة «كاب»، وليبدأ أيضا بالكتابة. في العام 1974 أصدر روايته الأولى «أراضي الغسق» ومن ثم «في قلب هذا البلد» و«بانتظار البرابرة» وغيرها من الروايات التي بدأت تفرد له مكانة مميزة على خارطة الأدب في العالم، إذ وجدت ـ الروايات هذه ـ صدى واسعا عند القراء. صدى استمر بالتعاظم ليجلب له العديد من الجوائز الأدبية الرفيعة المستوى، لعل أبرزها جائزة نوبل للآداب العام 2003.
«في قلب هذه البلد»، هي إذا الرواية الثانية في مسيرة كويتزي ـ وهي الرواية التي تترجمها «منشورات لوسوي» وتصدرها حديثا في سلسلتها «بوان» ـ والتي تبدو قصة مليئة بالهلوسة تدور في مكان مقفل. في مزرعة معزولة في «فلدت»، يفتتح أربعة أشخاص السرد. «ماغدة»، ابنة المعلم، التي تعيش على الوحدة وأحلام اليقظة العقيمة، الساخطة والمكبوتة، التي «نضجت في عذريتها». «باس»، والدها، كان السيد المطلق، رجل متسلط ودموي. هندريك، «السيد المضاد»، إذا جاز التعبير، الأسود اللون، الذي كان يعمل في خدمة العائلة. وفي النهاية، هناك «آن»، زوجته الشابة التي نجدها تصطحب هندريك إلى العمل، عند بداية القصة، التي يمكن أن نجد لها بداية أخرى، حين يغوي والد ماغدة، آنا، زوجة هندريك، حيث تبدأ المشاحنات العنيفة بينهم جميعا.

*المحرّم والجريمة*

لا نقع في رواية كويتزي، على رواية أفكار أو على دراسة حول المجتمع الجنوب الإفريقي العائد لتلك الحقبة. بل نحن أمام 266 نصا، يتراوح في الحجم بين القصير والكبير، تروي من خلالها ماغدة حالاتها المتعددة. من هنا تأتي كلماتها وعباراتها لتعبر عن كل عنفها الداخلي، عن غليان روحها الذي لا يتوقف. عن أعصابها المستنفرة على الدوام، عن دمائها الفائرة باستمرار. عن توحش وحدتها. عن بؤسها في كونها لا تزال تحيا في هذا العالم. عن غيرتها التي تصل إلى المحرّم والجريمة. من هنا، تبدو رواية «في قلب هذا البلد» رواية قاسية، عنيفة، «منفرّة». فكلّ مقطع منها يأتي بشكل مختلف، لدرجة أننا نتساءل ما إذا كانت بطلة الكتاب تحلم بحياتها، بأفعالها، بأنها تمزج الواقع بالمتخيل. أي هل أنها اخترعت كل شيء كي تشغل فراغ حياتها وسأمها؟ ربما لذلك، لا بد أن يجعلنا هذا الكتاب نفكر بوليم فوكنر وفرانز كافكا.
يحاول هذا المونولوغ الطويل الذي يخرج من فم ماغدة أن يبرهن وان يفهم دمار الروح البشرية. إننا بعيدون جدا عن السياسة، بخلاف ما قد يظن البعض. لذلك، «نغطس» أحيانا ـ كما في بعض روايات فوكنر ـ في هذه القسوة الاندفاعية للحياة. في هذا الوعي العائد لهذه المرأة التي تبدو شديدة الاختلاف. إنه صوت «يجحف» كل شيء، من الأمل إلى الهوان مرورا بالبغض الفاقد قدرته على تحقيق أي شيء، من دون أن ننسى الغضب والجنون والعصبية والقسوة. ثمة الكثير من البؤس أمامنا، الكثير من الوحدة القاتلة، التي حولت ماغدة إلى بهيمة، مثلما تقول. بيد أن ذلك كله لا يشكل أي عذر، لا يجعل منها ضحية ولا بأي شكل من الأشكال وبخاصة من خلال أسلوب كويتزي الذي يبدو هنا أسلوبا عاريا ومكثفا وبعيدا كل البعد عن المنمقات والمحاسن. ما يقوم به المؤلف هنا، هو التوصيف والتساؤل، أي يريد أن يفهم، هو مد يديه إلى أعماق هذه المياه المعتكرة العائدة للوعي. لذلك نتذكر كافكا وما كتبه في يومياته: «إن رغبت في أن تدخل إلى أعماقك، فأنت لن تتجنب الوحل الذي تجرفه. لكن لا تتمرغ فيه».
بعض مقاطع رواية كويتزي هذه تبدو كأنها كتبت بحد شفرة قاطعة، وبخاصة حين ترسم ماغدة صورتها الشخصية التي تقول فيها إن «وجودها في هذا العالم ليس وجود شفرة سكين تضرب الريح... بل هو حفرة، حفرة ملفوفة بجسد». أمام هذا، نقع في رواية كويتزي، على رواية عضوية بمعنى أنها رواية «تهزأ بالأمواج المتناقضة» من حيث محسوسيتها وقسوتها، حيث يعرف الكاتب ليس فقط في تقدير النتائج والانعكاسات بل في قدرته على استعمال ما يلزم بدقة. وهنا يكمن فن الكاتب الذي يجعلنا نشعر بأعماقنا الخاصة، بهذه الهوة التي في داخلنا ومن دون أن يدفعنا في أي اتجاه، بل فقط من خلال أن نفهم وأن نرى كل شيء حتى لا نرفضه، وإلا كيف ننوجد؟ لا يتجنب كويتزي شــيئا. بل يمسك بشخصيته بإحكام، يبحث في داخــله كي يجد الغموض أو سرّ الكائن. كي يجد أحلامه الأكثر اضــطرابا وكآبة. ليجد أكاذيبه وأوهامه. ومن ثم يتركنا لاحقا في عتمة المتاهة.
يدفع الكاتب بالمنطق إلى ابعد ما يستطيع إذ سنلقى في طريقنا الجرائم والدماء، وحتى إن تساءلنا إن كانت ما تصفه ماغدة حقيقيا أم غير حقيقي. لكن مهما يكن من أمر، نكتشف كم أن بدايات كويتزي كانت كبيرة، أي أننا منذ البداية أمام كاتب كبير، لو يتوقف عن تأكيد ذلك، رواية إثر أخرى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة