الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسطورة التأله الجزء الرابع

صالح محمود

2008 / 3 / 28
الادب والفن



تماثيل الذئاب الأسود
انطلقا يحثّان الخطوات، يطلبان الأهرامات، يقطعان الفلوات والأغوار، البراري والقفار. يغوصان في رمال متحركة لا تهدأ حين تتناوشها العواصف تتقاذفها كما تتقاذف الأقدار ما دمّر من كائنات، فتمور حصياتها كأمواج البحار في سورة و غضب بقسوته على الخليقة. إذاك يغتم الجوّ حاجبـا نـور الشمس، و تنشر الظلمة رداءها على الوجود إذ يكتسي وجه الصحراء بالموت و يجلل بالفناء في ظل انعدام الماء.
و بينما كانا يصعدان من كثيب رمال إلى كثيب رمال، من وهد إلى وهد، يشقّان شعبة بعد شعبة و يجتازان سبخة إثر سبخة دائسين الملح الفائض المتفـاقم. و لما كانا على مرمى حجر من الأهرامات اعترض سبيليهما خليقة ممسوخة صنم هائل بجسد أسد و رأس ذئب، رابضا مرفوع الهامة، يسعى لبعث الإبهار في النفوس و الإرهاب.
تفرّس تاكفاريناس في الصنم بتعجّب ثم نظر إلى فارس متسائلا باستغراب :
- فارس يا صديقي، ما هذا النشاز ؟
- هذا أبو الهول !
- أسمّي بهذا الإسم لأنه بهذا الحجم ؟
- بلى، فهو يمثّل التهويل و التفخيم بالدعاية.
- رغبة في الإقناع ؟ !!
- أي و الله !!
- و لكن قل لي أتخلو الصحراء من مثل هذا الكائن ؟
- بلى، ففي الصحاري نرى الأسد أسدا و الذئب ذئبا.
- فمتى حدث هذا!!
- حين انطلقت الذئاب في دعوتها بأولويتها في أن تكون أسودا، كان ذلك منذ زمن. انظر هذه القصة الكاملة و الوقتية.
و أشار فارس إلى نقش بالكتابة الهيروغليفية محفورا على الصخور بين ساقي أبي الهول.
» يا للفضيحة و العار، أولئك السباع المتهادون في مشيتهم كالغواني يجرّون أرجلهم كالمترهّلين المنهكين، يدّعون الهدوء و الوقار، لا يتكلمون إلا لماما. يكتفون بالإيحاء و الإيماء عبر النظرات، التكشيرة والزئير. لا يقهقهون كبقية الكائنات، يرسلون البصر إلى المدى البعيد متأملين الأفق. يدعون التنبأ بالآتي كالمنجّمين السفهاء بما يجهرون به من خطابات حماسية تلهب نفوس الضواري بمشاعر البأس و الشدّة، البطولة و القوّة.
كان يحدث كل ذلك تحت أنظار الذئاب تلك الكائنات النورانية ذات الملامح الملائكية. و رغم ما تراه في السباع و مكرها، فهي مع ذلك تكظم غيضها و تتريّث في الحكم و الحسم. هذا و لا يفتأ ضرر السباع على بقية الضواري يتفاقم و يتعاظم، إذ هاهي الأفاعي الغادرة تنساب في هجعة الليل الداجي و هاهي العقارب تتسلّل من جحورها. هذا فضلا على دبيب العناكب و رفّ خفافيش الظلام، و بذلك تيقّنت الذئاب ذات النفوس الأبيّة و الطبائع الشهمة النقيّة الوفيّة بأن الصحاري باتت ملجأ للكائنات القذرة العاشقة لامتصـاص الدمـاء بالغدر و المباغتة، ترتع فيه و تجوب أرجاءه بلا رادع أو زاجر. و مع ذلك فإن السباع لا تحرّك ساكنا، بل تغض الأنظار متلهية عن كل ذلك بالمجون و العربدة بما لها من دنان خمر و جوار، بل تجهر بسفهات و ادعـاءات كشف النقـاب عن زيفهـا و تلفيقها. فهي تشدو باستمرار بقدرة النسور على تنقية الصحراء من القذارات والجيف، و التي تعكّر الأجواء و تنغص الحياة.
و الآن تبتسم الذئاب و هي تتذكر النسور تلك المخلوقات ذات المناقير المعقوفة والرقاب المنتوفة و التي تنضح دمامة و بشاعة، قد تعالت في الفضاء عن بقية الكائنات وتسامت متخذة قمم الجبال الشماء ورؤوسها مآوي لها، و مع ذلك فهي لم ترض رفعة المنزلة و علو المقام إذ هي لا تفتأ تنزل باستمرار إلى الأسفل لتحلّل الجيف النتنة لأن الانحطاط قد تأصل فيها و تجذر والدناءة.
كانت الذئاب في تلك الأجواء المنبئة بالخراب بما للسباع من سلوكات هوجاء رعناء، قد ضاقت ذرعا، و مما زاد في تأجيج الغيظ والحنق، إجلال الوحوش للسباع و توقيرها لها على حساب الذئاب والضباع. فهي تطنب في رواية صولاتها و جولاتها عبر سردها سيرها الزاخرة بالملاحم حتى صارت أساطير تغلب عليها الخرافة و الخيال في سمرها الليلي و سهرها و كانت تدعو لها على المنابر بالنصر على كل مغتصب أثيم.
و تفكر الذئاب بأسى عميق و حسرة في المجد الذي سيأفل و يندثر بسبب حمق هؤلاء السباع و النسور، و لذلك كانت تتبع الخطى لتقف على حقيقة ما تستبطنه تلك السباع من سخف و قلّة حياء. هـذا فضلا على ضعف الشخصية و عدم تحملها للمسؤولية. انظرها تصطاد الفريسة فتأكل جزءا منها و حين يبرز ذئب أو ضبع فإن الأسد أو أي سبع يترك ما بقي من وجبته و يذهب في حال سبيله ترفّعا و تعفّفا مدعيا الإيثار ونكران الذات. و كم تتميّز الذئاب من الغيظ حين ترى الضواري، كل الضواري تغض الأنظار حياء بل يصل بها الأمر إلى حدّ الفرار من وجوه السباع حتى لا تلتقي العيون ببعضها، فالضواري تعلم كم تبعث النظرات التي ترسلها السباع تلك النظرات الحادة الثاقبة المستهترة من تهيب يصل إلى حدّ الرّعب و الرّهبة لأصحاب النفوس الضعيفة المتصاغرة الحقيرة.
لقد رأت الذئاب ذلك و سمعت الزئير الذي ترتجّ من هوله أطراف الصحراء و تخلخل الركب، و تخر له الصخور المتصدعة المنشقة. وعجبت لذلك أشد العجب و لما بحثت وحللت، دقّقت و محصت تبين لها أن الوحوش و بطيبتها الأبدية قد اكتسبت تفكيرا فطريا، فلا تستطيع أن تغوص في الظاهرة و أعماقها. إذ تأخذ بما يشاع باستثناء الضباع طبعا، تلك الكائنات التي وقفت في وجه العنف و العنجهية، الكبرياء و الهمجية. بلى فمن الذي ينازل السباع غير الضباع منازلة الرجال البواسل بلا تهيّب و لا وجل.
كانت الضباع دائمة المزاح و المرح، خالية القلوب من الهموم والأحزان. فترتمي على الرمال ضاحكة متدحرجة وهي تتخبط بيديها وأرجلها حتى ترتطم بأحد السباع حين يكون رابضا يتأمّل في الوجود ويتمعن في الخلق، يزعم التفكير و التدبير. حين يرتطم أحد الضباع الظرفاء به يثور السبع المتجهم و قد ازدادت سحنته الدكناء عبوسا، وازدادت عيناه توقّدا يتطاير منهما الشرر، هذا فضلا على الزبد الذي يتناثر من فمه كفحل العيس. و يقف زائرا صارخا بكل ما أوتي من قوّة نافخا أوداجه، دافعا صدره، موجها كلاما وقحا إلى الضبع :
» ويحك أيها الأحمق، لقد أفسدت علي ما كنت فيه من أفكار وأحلام بما لك من رعونة و اهوجاج. « فينظر الضبع يمنة و يسرة ثم يقول مخاطبـا الأسـد: » أتكلمني أنا!! «. و يتظاهر بالغبن، القهر و الظلم ويسرع إلى الأسد مسددا إليه لكمة. إذ يراوغه الأسد و يرد بلكمة مضادة، يتهاوى الضبع على إثرها أرضا. و هكذا يدور قتال عنيف بينهما ذلك بأن الضبع ليس من السّهل عليه قبول الإهانة حتى و إن كانت من الأسد.
و تتواصل المعركة حامية الوطيس تستخدم فيها البراثن و الأخفاف، العضلات المفتولة و الأنياب الحادة و لا تنتهي إلا بموت الضبع موتة الأبطال.
أيها السائح، اعلم حفظك الله أن الذئاب حين التقت بالهكسوس وهي على سجيتها و طويتها، كانت على علم بأن وحوش الصحاري وضواريها لم تكن على أتم الاستعداد لشنّ الحرب، إذ كيف ستتمكّن من مواجهة البشرية التي تملك أسلحة فتاكة و رجالا يحذقون استخدامها.
لقد استطاع الإنسان أن يخلق السلوك الواعي و العدوان، و يحدّد بذلك قوانينه في شكل نظريات و معادلات دونها في الأسفار والمخطوطات. و استطاع الهكسوس ترويض بعض كائنات الصحراء وحولوهـا إلى كـلاب مخلصة وفية، و حارسة أمينة و الخيول إلى مراكب. و لذلك كان على الذئاب أن تتحالف مع الهكسوس، أن تبين لهم الخضوع و الولاء حتى تستفيد منهم و تصل إلى الممرّ الذي من خلاله تصيبهم في مقتل.
لم يكن في وسع الذئاب، أيها السائح أعزك الله أن تبحث عن السبل المقنعة للوحوش و خاصة منها السباع و النسور الكواسر التي انبرت بما لهـا من مـكر و خداع، نفاق و رياء تؤلب سكان الصحاري على الذئاب الأحرار والتي كانت تسابق الزمن لتحويل الهزيمة إلى نصر حتى لا تصاب الضّواري و الوحوش بالانكسار و تغمرها مشاعر العجز و الخذلان والصحراء إلى رياض. لذلك كان عليها أن تستخدم كل وسائل الرّدع والزجر لأولئك السباع الخونة و النسور ذوي المناقير المعقوفة و الرقاب المنتوفة.
هاهي الذئاب عبر فكرها الوقاد المستنير تهتدي إلى استخدام الرماح للسيطرة على كل تهور و الحدّ من الرعونة والفجاجة.
أمضت الذئاب ردحا من الزمن ترى عن كثب مـا تسبح فيه الصحـاري و أهلها من عاهات عميقة جعلتها تنكص إلى التوحّش بدل السير على درب التأله، عبر تسقط الأخبار من القوافل العابرة و تمحيصهـا لمـا يحدث و غربلتها. و لكن يا للخيبة، لم يكن بمقدورها وفي ذلك الحين تجنيب الصحاري التهاوي من عليائهـا أو الدنو من شفير الهـاوية. و هـذا مـا زاد في اضطرامهـا حزنـا و أسى. و اكتفت بتسقط الأخبار و صيخ السمع و إمعان النظر في الليالي الداجية للوصول إلى مكامن الداء، حين تبين لها خيبة الوحوش و تهالكها قانطة بين كثبان رمليّة مسيّرة و شمس ملتهبة كأوار الجحيم.
أطلقت الذئاب عقيرتها بالصياح عبر العواء ليلا علّ الوحوش تصحو من سباتها و تنتبه إلى ما يحدق بها من خطر. و بدل أن تأخذ الضواري صيحات الفزع تلك محمل الجدّ حتى تصلح ما تعطب و ترمم ما تهدم، إدعى السباع أن ذلك العواء يثير أعصابها، يوترها و يحرمها من النوم الهادئ و الاسترخاء ناعتة تلك الأصوات بنعيب الغربان و نعيق البوم. وهذا ما جعل الوحوش تشعر بقشعريرة كلما علت تلك الأصوات وطالبت الذئاب بكل وقاحة إلتزام الصمت أوالمغادرة إلى مغاور الجبال، مما جعل الذئاب ترى الأمور من زاويتها الحقيقيّة حين كشفت ألاعيب السباع و مكرها تلك التي تتفصى حقاّ من كل مسؤولية و تتملّص. بل تطالب بالراحة والهدوء. فيتلاشى بذلك كل صوت داع إلى الحقّ ويكبت. و ألمّ بالذئاب إنقباض و هي تشعر بواجب التصدي لكل ضرب من ضروب الإهمال وهي في مكمنها مع أصدقائها الضباع. و الذي يظهر جليا لدى السباع و النسور و التي صارت تهتمّ بلياقتها زيادة عن الحدّ، فتمشي على الأرض بثبات حتى تلوح للرائي كأمراء أو ملوك. و هذا لعمري ما جعل الذئاب تصرّ على إصلاح المسار الحقيقي بتعديل الدفّة.
صديقي السائح، اعلم أن الزئير لا يعدو أن يكون صوتا فضفاضا خاويـا، و هذا ما جعل أحدهم يستوحي منه قصّة الثعلب و الطبل. بلى إن الوحوش التي كانت ترى في الأسود قدوة و مبتغى قد ظهر لها ذلك الظن سرابا تلاشى في الأفق يبابا بمجرد إزالة الغبار عن الحقيقة الحقة وبلمسة الذئاب أولئك الرجال الذين خلّصوا الصحراء من المصير العاتم وجعلوها واحة يستظل بظلها كل مسافر.
لقد اهتدت الذئاب إلى أن الزئير لا يرتد إلا بالزمجرة و البقاء للأنياب الأحد.
كان همّ أولئك الذئاب التي فاضت وجوهها سماحة و محبّة، بشرا وحزمـا و خفتت أصواتها حياء و تواضعا حتى أنها حين تهمس فكأنها أصوات الملائكة عذوبة و طلاوة. تخترق فيك كل الرواسب و تدعو إلى الاسترخاء والشعور بالدعة و الهناء عبر إيغالها في المعرفة وتعمقها في علم السلوك وهي خلاصة استوحاها الهكسوس من تجاربهم الفجّة الواعية، جردوها و صارت قوانينا. استخدموها لترويض الخيول و جعلها مراكب.
لقد تمكّنت الذئاب من خلال ما تعلمت أن تستلهم الحكمة وتتعرّف على الأرض الصخريّة الصلبة بين الكثبـان الرمليّة المتحركة. و أن تتوقع الـعواصف و الأعاصير و تجهضها وهي في رحم أمها.
اعلم يا رعاك الله، أنه رغم ما ميّزت به الطبيعة الوحوش من أسلحة قاطعة كالأنياب الحادّة البراثن القوية الصلبة و الحراشيف السميكة، فإن الهكسوس أولئك الناس الخرقى الواهون العجز تمكّنوا من صقل سهام حادّة و سنّ رماح مناقيرها لماّعة، و بها يفتكون بمن يريدون عن بعد دون الاقتراب و التشابك بالأيدي. هذا فضلا على تأطيرهم للنار و قذفها فتجعل الأرض و من عليها صفصفا قعقعا. و قد أكدت الذئاب بأن الهكسوس رغم ذلك ما كانت لتهتدي إلى الصحراء لولا رعونة الوحوش و اهوجاجها، و قد لفّها السراب الأزرق وغطّاها الغمام الباهت.
في تلك الظروف و الصحراء قد وقعت بين فكّي وحش استنزف خيراتها وابتزها، كان الأحرى أن تنجب أبناء مخلصين ينكرون ذواتهم ويخلصونها من الهكسوس. لم تجد غير الذئاب تلقي عليهم هذا العبء الذي ناءت به كواهلـهم. و هاهم يستجيبون لنداء الـواجب بعد أن تعـالت آهات الصحراء، استغاثتهـا و استجارتها.
لقد صبرت الذئاب و صـابرت، جلدت و جـالدت، جهدت وجاهدت و انبرت تعمل الروية عبر الحنكة، العقل و الحكمة. كان ذلك حين استولى الهكسوس على الصحاري و هيمنوا، يستنزفون خيراتها ويبسطون نفوذهم على أهلها الأحرار. فتراها تندفع تعدو لا تلوي على شيء لتتقصى أخبار السباع.
بعد طول تفكير أدركت الذئاب أن التقارب مع الإنسان، ذلك الكائن الذي جمع بين القبح و الخرق، السفه و نتن الرائحة فقد روي عن بعض الذئاب أن الإنسان يعيش تعبا وشقاء منذ أمد طويل فهو لا ينفك يستحم باستمرار لإزالة ما يتراكم يوميا على جسده من عفن و أدران، مع ما يستبطنه من خب و مكر، خديعة و غدر و ما يسلكه من سلوكات فاجرة ماجنة تنم عن شذوذ طبيعته، فهو يمارس الجنس على مدار السنة. هذا فضلا على اتقانه المناورات و حبكه للمؤامرات. الحلّ الأنسب حتى تتمكن من التسرّب في عالمه والتغلغل في أفكاره لتقصي مواطن ضعفه فتخاتله و تضربه في مقتل، أو تدحره بعيدا عن أرضها.
إن الذئاب كانت على بينة بما سيفرضه هذا التقارب من تنازلات كالإعتدال في السلوك و تعويض التكشيرة بالابتسامات، و حتى الانصياع للأوامر في بعض المواقف.
إلا أن الذئاب اصطدمت بالخرق و الفجاجة، التهور و الاهوجاج. بلى أليست السباع رمزا لذلك وهي تقف و هاماتها مرفوعة في أشد العواصف ثـورة و رقابها ممدودة. لا تتقن المرونة و لا صبر لها على الحرمان لأنها تسير على منهاج مسطّر، فكانت كالغلّ المكبل. إذاك سعت الذئاب إلى تهديم الصروح الزائفة، الإطاحة بالأصنام الآلهة و محو الرواسب القديمة نهائيا و التي عشّشت في الأذهـان و سجنت العقول النيرة. رواسب مهترئة بالية، و تزيل الغبار عن الحقيقة الحقّة الواضحة الجلية.
هيمنت السباع منذ آماد على المقام العلي، و صارت ملوكا تعيش في بذخ، تشرب أرفع الخمور و تعيش مع الجـواري الحـور. راج عنها هيبتها المزعومة، و نظراتها المفضوحة الجريئة لقلة حيائها و وقاحتها. فاستخدمت كل الشائعات التي تتغنى بها لترسخ مكـانتها الرفيعة، لما كـانت تتمتع به من ترف في المـآكل و المشارب و الملابس الزاهية. هذا فضلا على القلاع المحصنة، فتنام قريرة العيون مسترخية قبالة الشمس حتى آخر ساعات النهار.
كل ذلك و الضّواري لا تفتأ تجلها و تبجلها واصفة إياها بالجود والسخاء، الطيبة وحسن الجوار. هذا فضلا على الأساطير و الخرافات التي ألفتها الوحوش تمجد من خلالها شجاعة السباع وبسالتها أثناء القتال و عند الحروب، يتغنون بها في أفراحهم. و من الطرائف المضحكة أن الإنسـان وهو الـذي عرف بالفضول و التطفل حين سمع ذلك من الضواري عبر صيخ السمع، صار يسمي أبناءه بأسماء السباع. و هذا لعمري تزييف للحقيقة و تمويه. و في خضم هذه الاضطرابات والتناقضات، قلب القيم و الارتدادات أخذت الذئاب على عاتقها قشع الضباب الذي خيّم و صار عتمة ادلهمت و حجبت نور الشمس الوضّاء. و قد أصبحت سلامة الصحاري و حياة الضواري مهددة، مستعينة بالضباع رمز الرجولة، رفض الضيم و الإباء. الضباع !! تلك الكائنات التي تستطيع منازلة الأسود و السباع، بل و حتى الاستيلاء على ممتلكاتها و هو حق مشروع و الحق يؤخذ بكل طريقة.
كانت الضباع خير رفقاء للذئاب التي ما فتئت أن انطلقت في حملتها المظفرة للإطاحة بالشر المستطار، التهديم و الدمار عبر إظهار الحقيقة للضواري السمحة رمز الصفاء و النقاء، الأخوة و الوفاء.
هاهي الذئاب ترسل الضباع لاستدعاء الوحوش التي حلّت قافزة دابة ، زاحفة سابحة، ساعية من كل فجّ غليظ و تجمعت حول الذئاب التي قام أحدها في الجمع خطيبا. و بعد السلام و البسملة، الاستغفار والحمدلة قال و في صوته نبرات الرقة و العذوبة، الحلاوة والطلاوة :
» يا قوم، اتقوا الله في أنفسكم أتولون السباع عليكم و تجعلوها هـاديتكم و رمزا للجمال، و أنتم مع ذلك ترون ما بها من قبح و بشاعة، انظروا مناخرها الواسعة كالكهوف، و التي تقطر دوما بالمخاط السائل إلى فمها فتلعقه بلسانها أو يحط عليه الذباب القذر.
ألا ترون لبداتها المتهيّجة كالكائنات المتوحّشة، معفّرة بالوحل شتاء و مليئة بالحشرات السامة صيفا و اللاذعة، إلا أنها لا تشعر بذلك لأنها اعتادت على العفن.
يا قوم كيف ترضون بمن لها عيون متّقدة تثير الرعب في قلوب المسامرين والوجف والأصحاب، تحمل بين طياتها الهول و الوعيد. هذه الذئاب بين أيديكم تملوها، سترون عيونها تقطر لطفا و طيبة و تضفي على الأجواء وداعة ودعة.
يا قوم لقد ظلمتم أنفسكم طيلة أحقاب لأنكم كنتم تراؤون وتقمعون رؤياكم الصادقة و تقصونها، ألم تتساءلوا يوما عن سبب وقفة السباع بتلك الطريقة. كنا فيما سبق نعتبر ذلك شهامة و كبرياء، أنفة وإباء، إلا أنه اتضح لنا الآن بما لا يدعو للشك، و كان ذلك على لسان أحد الأطباء المختصين و الذي أكد أن السباع تعاني من عاهة مستديمة على مستوى عظام الرقبة، فهي صلبة غير مرنة على عكسنا نحن معشر الذئاب و التي تتمتّع رقابنا بمرونة عجيبة، قادرة على الانثناء الالتواء والانحناء أثناء العواصف، و انتصابها في الصحو. وهذا ما يجعل رقاب السباع قابلة للكسر في أية لحظة غفلة.
يا قوم، اتقوا الله في أنفسكم أتؤمنون بالأسود و السباع وهي التي تعيش معتزلة زاعمة الإبقاء على هيبتها و وقارها و رفعة المنزلة، و لكن في الحقيقة هذه السمات في الأصل هي مركبات نقص لا واعية تحولت إلى الوعي مشوهة. فالسباع عاجزة عن ربط صداقات متينة مع الآخرين على عكسنا نحن معشر الذئاب إذ نتقبّل كل غريب و نكون له خلاّنا وإخوانا، هذا فضلا على قدرتنا الفائقة على ربط علاقات ودية تختم بصداقات متينة، و هذا أمر لا ريب فيه و لا جدال لأننا نحيا بين الضواري نسعد لسعادتها و نأسى لأساها، لا نتعالى عن الواقع و لا نتسامى تساميا كاذبا.
يا قوم، إن السباع تربّت على الدلال و الابتذال، الوهن و التكاسل فأمهاتها تغدقن عليها ألوانا من العطايا، الحب و العطف، الدفء والحنان حتى صارت السباع مكتفية بذاتها صامتة في أغلب الأحيان لا تتبادل الرؤى والأفكار، متجهّمة لا يسمع لها ضحك أو قهقهة لأنها لا تحكي النوادر عبوسة.
من منكم رأى السبـاع تلهو يوما مع الضّـواري تجري و تثب، تتلاعب و تتصارع، بل ران عليها الهدوء إلى حدّ الجمود و هذه السمات سمات العصابي الذي يتميز بالتمركز على ذاته لا يحفل بالعالم و بما يحدث فيه، يثور لأتفه الأسباب نظرا لحسـاسيته المفرطة، لا يفقه أسـاليب الحوار والمرونة بل العنـف و الشدة.
يا قوم، كم تعرضنا نحن معشر الذئاب إلى مظالم و جور من أهالينا الوحوش والضّواري بما شاع عنا من أكاذيب و مزاعم و راج، و من تلك الادعاءات أننا أبناء الدياجير و أن عواءنا يتطير منه النسور ذوو الأنوف المعقوفة والرقاب المنتوفة، بيد أن عواءنا ما هو إلا شدو روحاني فيه شعور بالجذل و عشق الحياة البهية. أما حبنا لليل الداجي فهو شرف لجنس الذئاب، حتى أن أحد البشر قال و هو يتشبه بنا نحن الذئاب بحثا عن المجد :
الخيل و الليل و البيداء تعرفني و السيف و الرمح و القرطاس و القلم
يا قوم، و الله إنكم لتعلمون و لكنكم تتوارون وراء ستائر شفافة، ذلك بأنكم على دراية منذ مطلع التاريخ و وعيكم بالحياة، أن السباع تمثل حقّا التوحّش و الظلام من خلال النمور السوداء والتي تجسم الموت والفناء كلما ظهرت، فهي متوترة لا ترضى بالدون رغم شكلها الموحش. فهل بعد هذا الأمر تزييف للحقائق، و لكن قديما قيل، إن لم تستح فافعل ما شئت«!!.
أما الضباع و ما وهبته من فتنة و رقة في استدارة عيونها العسليّة التي تفيض عطفا ورأفة، محبّة و رحمة و رغم أنها لا تضارع بأي حال من الأحوال الذئاب قيمة و لا ترتقي إلى مراتبها، إلا أنها تبقى رمز الإخلاص و التفاني. لقد جمعت فيها خلال عديدة كالتواضع ويتجلّى ذلك بوضوح في مشيتها العرجاء، ذلك بأنها لم تصب يوما ما و منذ فجر العصور بالعجب و الكبر، التعالي و التـطاول. و لم تمش في الأرض مرحا رغم ما وهبته لها الطبيعة من عطايا كالجمال و الأناقة الشهامة و الإيثار، الجرأة و الشجاعة. بل سعى أجدادها فيما مضى إلى تعديل مشيتها وفق تلك الشاكلة حتى لا توصم بالترفع و تبقى وقفتها رغم تواضعها زينتها الأولى لما فيها من كبرياء و هيبة. فضلا عن التضامن و التآزر و قد استبطنتهما الضباع و صارا غريزة تدفع بها الأذى عن نفسها و تدحر بها العراقيل التي قد تحفّ بالفرد منها، و هاتان الميزتان تترجمان وعي الأجداد بقيمة التعاون، رغم ما رأته من تفكّك معاصريها كالسبـاع و رغبة كـل واحد منها في التفرّد و الاكتفاء بذاته رغبة في الوحـدة. لم تسقط الضبـاع في مثل هذه المتاهـات و تشبثت بعادات الأجداد و تقاليدها بصمود يدعو إلى الانبهار. بلى فالضباع تعلم أن ظروف الحياة و ما يتطلبه تحقيق عيش رغيد هانئ أعتى من التحولات الاجتماعية، و هذا ما جعلها مهابة الجانب بين الجميع يقرأ لها ألف حساب لا يخترق لها صفّ كالبنيان المرصوص. هذا مع ما يتمتع به الضباع من ظرف وطرافة، فهي تتقن رواية النوادر و الملح و تحفظها مما يجعل الضواري عند سماعها تستلقي ضحكا و هي تشدّ بطونها و دموعها تسيل من عيونها، و تبتسم الأفاعي في خفر و حياء.
و مما يزيد في حبّ السكان لها إيجادها للمداعبة اللطيفة إذ تقلد بعض الحيوانات وتؤدي أدوارها بحذق تام.
أيها السائح الكريم، اعلم يا رعاك الله و تولاك، أن السباع توارثت الغيرة من الذئاب و الضباع و الغل جيلا عن جيل مما يجعلها تبيت الغدر لها على الدوام و إن كانت السباع لا تظفر بالذئاب فإنها وحين تنفرد بأحد الضباع وهو بصدد التبرّز أو التبول تحاصره و تدميه ثم تفتك به. بل يصل بها الأمر إلى حد التمثيل بجسده بعد موته. و هذا ما جعل صدور الضباع توغر زمنا بعد آخر و تكن الكراهية للسّباع علنا بعد أن فاضت قلوبها حزنا و كمدا، و رغم صفائها و نقاء سريرتها إلا أن فقدان حبيب إلى الأبد يدعو كل ذي إباء و كبرياء إلى الثأر ممن غدر به. و هكذا تلاقت الأهداف بين الذئاب و الضباع و توحدت رؤاها واتحدت قواها في سبيل إنهاء الضيم و الظلم و كبح توحش السباع و ترويضها حتى تصبح الصحاري واحة أمن و سلام يستطاب فيها العيش و يهنأ. لما عرفت به الضباع من حزم و عزم فهي كالسيف الحاد يقطع الرقاب ويخضع الذلول منها، أو السيل العارم يحطم شوكة الصخور و يدحرجها من أعالي الجبال و يلقي بها في الهاوية المظلمة. لقد عرفت الضبـاع بالـدأب و الحيوية لا تهاب دياجـير الليل، و كثيرا ما تراها الوحوش عائدة صباحا مكتنزة البطون تحمل الخير العميم، بعد أن أمضت الليل كله في العمل والكفاح لتحقيق لقمة العيش الرغيدة الكريمة. بينما ترى السباع مستلقية تتضوّر جوعا متواكلة قد أفناها التكاسل.
لقد خبرت الذئاب، أيها السائح، قوّة الضباع و لمست الرجولة فيها من خلال الشدة و تيقنت من إمكانية التعويل عليها لأداء الأمانة وهي لعمري لا يعيها إلا الحكماء. سعت الذئاب إلى تحويل الصحاري إلى جنـان تعجّ بالألـوان و المياه الضحلة إلى عذبة يستساغ شربها، فتصير الأرض سخية العطاء، تتفجر العيون فيها و تفيض بالماء. تظللها الأشجار و يصير الهواء باردا رطبا. عملت الذئاب بادئ ذي بدء على توحيد الصفوف تحت راية العمل و الجهاد من أجل الحياة الرخية البهية الصافية الجلية. فأستجاب الوحوش و الضواري بعد أن فعلت كلمات الذئاب فيها فعل السّحر وهي تردد : » يا أهل الصحاري و البراري، تعالوا إلى كلمة فصل أن ندمر الصخر و ننفي التصّحر و نرفع راية التحدي.«. إذ لبّت نداء الواجب وهبّت كفيض دافق تزرع و تسقي، تبني و تشيد، ثم تجـني و تحصد. إلا أن السباع الهمج، بدل أن تنصر إخوانها و تنخرط في العملية، رفضت و أبت، عنتت و كابرت مكابرة الغفلة الحمقى مارقة عن طقوس أهلهـا و سؤددها كافرة بها. إلا أن الذئاب لم تخذل و لن تخذل، لكنها اشتمت رائحة الخيانة، خيانة الصحاري و أهلها من أولئك أصحاب المناخير المشرعة واللبدات المعفرة، المرضى بالعصاب. فباءت السباع بسخط من أهلها، إذ أصابتها اللعنة فصارت تتساقط جثثا على قارعة الطريق ملقاة كالكلاب بعد أن داهمها داء فتّاك.
اعلم أيها السائح، أن الذئاب حققت النصر بإجلاء الغزاة الهكسوس، أولئك الذين أرادوا التوطين في الصحراء و استعباد الوحوش. إلا أن الذئاب استطاعت بفضل ما لها من دهاء و حنكة، مكر و حكمة أن تدحر الإنسان و تعيده من حيث أتى، بل كانت تسمعه أقضع الشتائم و السباب وهو مع ذلك محني الرأس غاض النظر يكتنفه الـذل و الهوان، لا يحير جوابـا. و حقّقت السعادة للأهالي و النشوة، فقد كانت تعزف لهم على آلات موسيقية تبعث ألحانا رقيقة عذبة حالمة يطرب لهـا الوحوش وتحملهـا على أجنحة من نور إلى عوالم إلهية فـاتنة، و تنشد الذئاب بأصوات رقراقة أغاني مستعارة من الإنسان الذي يتغنى بها في ذروة شعوره بالنشوة عند ممارسته للجنس أو معاقرته للخمرة. إذاك تتفاعل الضّواري حين تمس تلك الكلمات أعماق ما تشعر به من رغبة في الرقص و الغناء و تتراقص وهي غائبة عن الوعي غائمة حتى تتساقط مغشيا عليها.
عاشت الضّواري و الوحوش في الصحاري مرفوعة الهامات لا يشوب أجواءها الصافية النقيّة شائبة، و لا يهزّ استقرارها الهزّات، عواصف و أعاصير، فيضانات وانهيارات، زلازل وبراكين إذ كانت الصحاري بمنأى عن كل ما يضرّ الأجساد والوهاد و يفجرها تفجيرا. وذلك بحكمة الذئاب في استبطان الإعتـدال و الإتزان و رفض العصاب والجنون. و التي لا تفتأ تلهج داعية الضواري إلى متع الدنيا : » اتركوا الهموم و اذكروا الأفراح حتى نسافر لأرض الصمت.« .«
الوصول إلى الهرم الأكبر
ها قد انتهت قصة الذئاب: معجزة الصحراء. إذاك أشار فارس إلى ضيفه قائلا: »تاكفاريناس ، هلم بنا فقد بات الهرم قاب قوسين أو أدنى منا.« داعيا إياه إلى متابعة الطريق، و لم يطل بهما المسير حتى أشرفا على الأهرامات، و قد كانت أطوادا شامخة تبعث الخشوع والرهبة و تدعو للتسبيح و الهيبة.
- هذا هو الهرم الأكبر.
- كم هو شاهق !!
- بلى، إذ يبلغ ارتفاعه خمسمائة و ثمانية و تسعون قدما، بني بأحجار يبلغ عددها مليونين و ثلاثمائة ألف حجرة، وزن كل حجرة طنان و نصف الطن.
- من بناه ؟
- خوفو، و ذاك الهرم بناه خفرع، والآخر بناه منقرع.
- فارس، أشعر بالرهبة، الاشمئزاز و الرغبة في الضحك.
- هذا بديهيّ فكل فرعون يعمل على إثارة الخوف في النفوس المؤمنة بما له من قدرة على الثواب و العقاب، هذا فضلا على إيجاده للحركات البهلوانيّة، كبهلواني السرك.
- هذا الهرم هائل يبعث في النفس الإبهار، فكيف أقيم والأهرامات الأخرى ؟
- بالعمل، فقد فرض على أهل مصر حتى كتب عليهم، و صاروا بغالا يحملون أحجـارا، يسابقون الليل و النهـار و قد شحنوا جلدا و عزما، إصرارا و ثباتا عبر ما كان يردّده فرعون و هو يتأمل نشأة الهرم، يتملاه من إحدى شرفات القصر :» يا أهل مصر ابشروا بالمجد فقد أنشأتم ما به قد خلدتم إلى الأبد بين الأمم.« إذ تجيش أنفسهم و يحملهم الوجد والشوق نحو عوالم الخلود السرمدي. تفور الدماء في عروقهم فوران البراكين قبيل انفجارها، و تتهيّج غرائز إرضاء النفس و الرغبة في تحقيق الخلود، فيعمل الرجل منهم عمل عشرة رجال بلا كلل، تذمّر أو ملل. نافيـا الزمن في إطـار بداية شعوره بالتألّه و رغبته في ذلك. و صار مترهبا لا ينطق بالسوء و لا يؤتي الفواحش زاهدا في اللذة.
هاهم الأمصار يفصلون الصخور عن الجبل كفصل العضو عن الجسد ثم ينقشونها بكل دقة و إحكام في شكل مكعبات صلبة جامدة ساكنة، يحملونها على كواهلهم، يرزحون تحت أوطابها كما يرزح المذنب تحت أوطاب ذنوبه و هم ينظرون إلى أسفل خوفا من أن تزلّ أقدامهم فيهوون من علوّ شاهق إلى أسفل الدرك.
نشأت في الناس بطول الزمن مشاعر الانصهار و الإحساس بالضآلة أمام نشأة الهرم، وصـاروا من المستضعفين لا يشعرون بالـقوة إلا في إطار الجماعة و عشق الحجارة، ران عليهم غبارها و صاروا أشباحا ضبابية باهتة كالمبعوثين من المقابر، مما جعلهم يسعون إلى الغناء بحناجر سدّت فتحاتها فلا تخرج الأصوات إلا في شـكل بحّة أو أنة، حشرجة أو غصّة. بعد أن يئسوا من النضـارة و الينوع، و بعد أن امتصّت دماؤهم و ذهبت ألوانهم، كعيدان القصب الجافّة في سباخ مالحة يلفها الغمام. و في تلك الآونة استخدموا كحجر الزاوية للهرم.
كان هم أهل الأمصار أن يشرفوا على العالم من خلال الهرم و يتنفسون الهواء النقيّ.
- و هل أشرفوا على العالم من خلال الهرم و تنفسوا الهواء النقيّ ؟
- أبى فرعون ذلك زاعما أن الهرم مقدّسا يعبد فيه الإله، و لا يجب بأي حال من الأحوال أن يصعد إليه أهل الأمصار ليشرفوا على العالم ويتنفسوا الهواء النقيّ حتى لا يدنسوه بما اكتسبوه من تعفّن في جوهرهم و ما علقت بهم من قذارات وهي لعمري صفات استبطنوها جيلا عن جيل و ورثوها كما ترث الجراء صفاتها عبر الجينات عن أسلافها الكلاب.
استفحل السواد في الناس والاربداد، في أثناء جفاف واد النيل وغور الماء فيه، فذبلت الزهور و جفت، تلاشت المواشي تدريجيا و اضمحلت القطعان، فترى النعيجات مبعثرة هنا و هناك و قد بقرت بطونها المتعفنة، فتراكم فوقها الذباب و حولها و زاد في تعفن الصحاري. قبع الرعاة في أركان الأكواخ في سكون وغاب صوت الناي في البراري. أما المزارعات فقد خرست أصواتهنّ و لم تعد تطلقن عقائرهنّ بالأهازيج الشجيّة العذبة بانعدام الحصاد و الجني، و صارت الدنيا على شفير الهاوية و قيام الساعة على الأبواب.
- و ما قيام الساعة ؟
- هو يوم هائل، يشيب لهوله الولدان، و تذهل كل مرضعة عما أرضعت إذ يندثر أثناءه كل شيء و يعاد تشكيل كل شيء من جديد في شكل جديد.
- و لكن كيف اهتدى أهالي الصحراء إلى الماء لإنشاء الرياض ؟
- في أثناء ذلك تناقل الناس أخبار الأنبياء يحملونهم على الإيمان بأديانهم الجديدة و يزعمون أنهم منقذوهم من غيهم و هادوهم إلى النور مخرجون إياهم من الضلال.
- و ما الدين الذي يدعون إليه ؟
- هم يدعون إلى تحرير المغناطيس ليطفو.
- و لكن كيف فاض المغناطيس في الأنبياء و طغى ؟
- عبر الشّدو، فهم من اكتشفوا الحقيقة، و تيّقنوا بأن الإنسان بمقدوره أن يشدو وهذا الشدو يختلف عن شدو بقية الكائنات.
- و لكن الإنسان هو الذي يشدو !!
- هذا تمويه لأن الشدو لا يخضع لهيمنة الزمـان والمـكان بمعزل عن الطبيعة، و هكذا اكتشف الأنبياء أن الإنسان يستبطن الشدو فهو لحن أزليّ.
لما ظهر الأنبياء طغت الإزدواجية لدى فرعون و تفشى فيه الاضطراب، فتهيّج كالإعصار وازداد ارتدادا نحو التوحّش. إذ طفق الأنبياء ينشدون أناشيد ناشزة، نافرة، بأصوات أبحّة، خشنة أجشّة تبعث الرعب في النفوس والقلق. لا تنضوي تحت أي وزن متعارف عليه أو إيقاع متفق بشأنه مما جعل فرعون يشعر بالغثيان و يتقيّأ.
ثم أردف فارس قائلا :
- و لكن يا صديقي، دعنا نلج الهرم و ننفذ إلى الداخل !!
- أصبت يا صديقي، هلمّ بنا.
اتجها صوب البوابة العظيمة الموشاة بالحجارة الكريمة من ذهب وزمرد، لؤلؤ وياقوت، هذا فضلا على الزخرفة و الزينة.
- و لكن قبل النفاذ لا بدّ من إنشاد هذه الأوراد.
قال فارس ذلك و هو يشير إلى كتابة هيروغليفية ثم أضاف قائلا :
- هي أناشيدا و تسـابيح وضعها السّحرة لإضفـاء القـداسة على المعبد و العظمة.
كانت منقوشة على البوابة وهي تقول : » ها أنذا قد أبحت لك أن تضرب الأمراء، توقعهم تحت أقدامك و تدفعهم أمامك، تخترق أقطارهم و تريهم جمال حضرتك و تطلعهم على جلالتك، فينظرون إلى سعـادتك كـإله مصوّر من نور و تشرق عليهم كصورة بهيّة وتبدو لهم كذات علية.
ها أنذا قد أبحت لك أن تطعن بسيفك سكان البلاد، تريهم جلالتك متهيئة للحرب قابضة أسلحتها و مقاتلة على عجلاتها.
ها أنذا قد أبحت لك أن تضرب بلاد الشرق تجوس خلالها المدائن، تريهم جلالتك ككوكب سهيل الذي ينشر النور مع الإيضاح و ينشر الندى في الصباح.
ها أنذا قد أبحت لك أن تضرب بلاد الغرب وهم في ربقة الفزع منك، تريهم جلالتك كثور هو من نوع البقر في الفتوة و الجراءة بمكان يزينه قرنان لا يعارضه أي كان.
ها أنذا قد أبحت لك أن تضرب سكان سائر الخطط الأرضية حتى تريهم جلالتك كالتمساح وهو الملك القهار في مملكة البحار، منيع الجوار لا تنجو منه ديار.
ها أنذا قد أبحت لك أن تضرب سكان الجزر، فكان القوم في فزع من النداء بالحرب حيث تريهم جلالتك كمنتقم جبار يعلو ظهر فريسته.
ها أنذا قد أبحت لك أن تضرب البشريّة و هي في قبضتك مأسورة، حيث توريهم جلالتك كأسد يفزع كل من ينظر إليه و يرقد على رمم موتاهم و في خلال أوديتهم بحيث لا يتيسر لأحد أن يقدم عليه.
ها أنذا قد أبحت لك أن تضرب سكان أقاصي البلاد و أن تقبض على دائرة مياه الأقيانوس حيث توريهم جلالتك كباشق يحوم في الجو بطيره و يختطف كلما أعجبه بمخلبيه.
ها أنذا قد أبحت لك أن تضرب الأقوام القاطنين على حدودك، وليكن القوم المسمون بسكان الأراضي الرملية بأسرك أحياء حيث تريهم جلالتك كثعلب بلاد الجنوب الذي يتخفى في سيره فيقطع البلاد و يخترق الأراضي البعاد.«
و إثر انتهائه من قراءة التسابيح توجّه تاكفاريناس إلى فارس بالسؤال :
- من المتكلم يا صديقي ؟
- القدرة الإلهية !
- كيف استقى الفراعنة الرغبة في التألّه ؟
- من خلال التوحّش بمحاكاة الطبيعة، و ما تفرزه من زلازل وبراكين، عواصف وأعاصير، ببسط دياجير الظلام فضلا عن الفيضانات والانهيارات و ما تضفيه من تنقية وتطهير.
حلول الأنبياء بالصحراء
حين اعتلى فرعون العرش و صيّر نفسه إلاها يقول للشيء كن فيكون، حشر في قومه و نادى قائلا : » يا قوم، أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، ألست رب العالمين.« و أنشأ لنفسه الجنان تتوسطها القصور ساكبا الخمر في الدنان، و أقام له الأمصـار الهرم لعبـادته، مضفين عليه بذلك التعظيم و التهويل، و صـار يحي في النعيم. إذاك ساد الاعتقـاد بأن فرعون إله العبـاد و صارت أنظارهم تتحاشى التمعّن في خلقه، فعمّ الخـشوع والوجل، الدعـاء و الرجاء، و هيمن الخضوع على الأفئدة و الأبصار و الخنوع لأمر الإله القادر المقتدر، إذاك طغى فرعون وبغى، أمر و نهى، تجبر و بطش بمن كفر و أذنب بطش إله جبّار قهّار، وصار يمشي في الأرض مختالا فرحا، عجبا مرحا، يخاطب الناس من وراء الحجاب، يتستر بستار سميك، يضفي على نفسه سمة التأله بالترفع، و هو يتعالى في عليائه ويتطاول في أبراجه، متحصّنا بحصونه و قلاعه و قد أحاط بها الجند. لكن زلزلت أركانه وخلخل كيانه، و اهتزّ عرش الرب العظيم حين كان يرفل في نعمائه و يمارس ألوهيته. هاهو موسى يسفه أحلامه و يخرجه من أوهامه و يدعوه كبقية الخلق إلى الإيمان بدينه الجديد محطما بذلك كبرياءه، مدمرا أبراجه داكا حصونه، مصدّعا عرش ألوهيته، منزلا إياه إلى الأرض.
شعر فرعون بالإختلال و الانحلال، لكن لم تذهب نفسه شظايا وريحه سدى، إذ خاطب موسى في لهجة الواثق من نفسه قائلا :» إن كنت جئت بآية فآت بها إن كنت من الصادقين.« فألـقى موسى عصاه فإذا هي ثعبـان مبين، و نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين، واستمر فرعون في تعنته تدفعه فتنته بالألوهية و هيامه. رغبة في بسط ظلّه وقدرته على عقاب الذين كفروا و أجرموا. هاهم آل فرعون يؤجّجون الحقد في صدر فرعون و الغلّ، بهمسهم له:» أتذر موسى و قومه ليفسدوا في الأرض و يذروك و ألوهيتك.« فأجاب فرعون مقسما و الرغبة في الإنتقام تكاد تصدّعه:» سنقتل أبناءهم و نستحيي نساءهم و إنا فوقهم لقاهرون«.
و أخيرا شعر فرعون بالإحباط أمام فيض ما كان لموسى من إعجاز و بيان، و وقف خائبا ككائن سفلي لا يفقه الحقيقة كاملة. هاله ذلك وفعل فيه فعل الحمى الحادة، فغلى الدم في رأسه و ارتدّ إلى عالم الطفولة. بكى و قرّر البطش بموسى و أتباعه. لاحقهم فرعون برفقة جنده الشرس للحؤول بينهم و الخروج من مصر، فضرب موسى البحر بعصاه حين كان و أتبـاعه على مشارفه، إذ انفـلق و كان كل فرق كالطود العظيم. ونجـا موسى و من معه أجمعين، إلا فرعـون و جنوده كانوا في اليمّ من المغرقين المهلكين.
أما عيسى فكلم الناس وهو في المهد صبيا، ثم صار يخلق من الطين كهيأة الطير و ينفخ فيها فتكون طائرا، ثم برأ الأكمّة والبرصى، و أحيى الموتى.
و هذا الرسول محمد يتلو القرآن على أشراف قريش فيصابون بصدمة و يصفونه بالساحر، وحين وصف لهم بيت المقدس بعد ليلة الإسراء والمعراج وهو لم يرها قط، و ذلك بتجاوزه الأطر، كذبوه و سفهوه و لم يصدّقه إلا الذين آمنوا به.
أما النبي ابراهيم فقد رمي به في النار المأجّجة بغية حرقه، إلا أنها كانت عليه بردا و سلاما. إذ فقدت مفعولها بل طمست.
و هذا صالح يخرج الناقة من بين الصخر الجامد الصامت الأخرس. حلّ الأنبياء في الصحاري القاحلة، و قد هيمن عليها السـراب المتمـوّج المتراقـص و الغمام الباهت، امتزج بصفرة الرمال المسيرة المستهلكة المصهورة، إذ قامت فيها الشمس بكل صلابة تطعنها بأشعة كالرّماح المسمومة الحادّة. تضطرم فيها النيران المتوقدة و في السباخ المالحة المتناثرة هنا وهناك و تحيلها إلى جحيم مستعر يدعو إلى الفناء. كانت الصحاري لا يسمع لها أناشيد خاوية خرساء. جاء الأنبياء مبشرين قائلين : » يا قوم أتودون أن تكون لكم جنات تجري من تحتها الأنهـار و لكم فيها من الثمرات «. قال القوم :» ما الجنة ؟ !! «. فوصفها الأنبياء بأنها رياض فيها ما فيها من الفواكه و الثمر : تفاح و رمان، أعناب و ريحان، تين ومرجان، قالوا بأنها مكان أمين فيها أنهار متفجّرة دافقة دافئة و عيون. أهلها من المؤمنين مستبشرون، لباسهم من سندس و استبرق متكؤون على فرش بطائنها من استبرق راضون، يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذ العيون. و من كفر و أصرّ على الغيّ، فإن السعير هي المأوى لا يموت فيها و لا يحيا، ترجمه اللعنات إلى يوم الدين إذ كانوا من الجبن ما جعلهم يرفضون اختراق الأطر و تجاوز السجون. عاشوا في الظلام و ماتوا في صمت.
يلوح السراب متراقصا تراقص أفراح وحش جائع يفوز بالفريسة. بين تخوم الصحاري و قد ترامت رمالها الصفراء الذهبية العقيمة و قامت فيها كتل صخرية نحتتها عوامل الطبيعة وصقلتها فصارت ملساء خرساء صماء. انتثرت فيها النباتات الشوكية كالزربية، أشواكها في حدّة النبال، حتى أن الأهالي صاروا يتحاشون التجوال ليلا حتى لا تطأها أقدامهم المتحجرة، و يعدلون عن التسكع في الصحاري نهارا لتفادي انعكـاس أشعة الشمس على الملح الذي يغطي السبـاخ و يسري إلى أطراف الصحاري فيغشى عيونهم و يذهب بصرهم، إذ ينكفؤون على ذواتهم و يزدادون نكوصا خوفا من حر الشمس الصلبة التي تتساقط كسفا من السماء، متسلّلة من بين سعف النخيل تصليهم كالحميم. آنذاك يهرع الأهالي إلى دنان الخمر بعد أن ملوا ماء عيون الواحات التي تسيل كدموع شيخ مسنّ، المرّ، ليطفؤوا غائلة ضمئهم.
لما جاء الأنبياء شددوا الخناق على الذين كفروا قائلين: » إنما الخمر و الميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.« فهبّ السماسرة والتجّار من ذوي رحلات الشتاء والصيف، الربيع و الخريف و قد وعوا بحجم البليّة و هولها و شدة وطأتها، يهزهم الهلع هزا فيسمع لهم نشيج كنشيج الثكالى. و الغصة لا تفتأ تخنقهم يدعـون المؤمنين إلى العـدول عن غيّهم و ضلالهم وهم يرددون : » يا قوم، إنما الأنبياء قد جاؤوكم ببهتان عظيم، فلا تتبعوا خطوات من يدعوكم إلى الجوع و الضمأ و الإحساس بثقل الزمن.« ثم يزيدون و وجوههم محتقنة : » انظروا هذه الجنة و طريق التألّه، فهل رأيتم غير الإنسان يعاقر اللذة والخمرة، إذ تنفتح له أبواب السماء وهو في طريق الفناء بعد جحيم العناء.«.
و يصاب السماسرة و التجار بالعصاب ثم الجنون لما يوقنون بهيمنة الوهم على الذين كفروا و الخيال إذ يهذون : » هل هذا يعني أن العبيد سيشربون الخمور و يقيمون الأمور«. وهم يرون الأنبياء يزدادون اشتدادا على المؤمنين بتحريم الزنى. دافعين إياهم إلى الجحيم فاتحين إياه على مصراعيه بتشجيعهم على الكفر و الخروج عن أنساق الطبيعة و عدم الإيمان بنظمهـا. حين كفر الكفـار و تجاسروا على الكفر، مثل بأجسادهم و ألقي بهم في سرادق من نار مؤجّجة وقودها الناس و الحطب، إذ تعبق بروائحهم، روائح الشواء، و تفور الدماء دماء القرابين المتفجرة، صراخها ينتشر و يتصاعد، و يترامى في الفضاء.
دعا الأنبياء إلى الإيمان بالجنة الخلق، ففتن الذين كفروا بهم لجمعهم بين الجمال والبهاء، القوّة و الشجاعة، الصدق و الإخلاص هذا فضلا على الإعجاز و سحر البيان، فمن كفر يوعد بالجنة و من بقي مؤمنـا يوعد ببئـس المصـير. و لذلك قضوا على الطفولة و فتحوا طريق البقاء بمحو الفناء، و طريق الجحيم بالكبكبة في النار لمن بقي مؤمنا في أسفل الدرك. رغم أنهم نشؤوا في ظل الطبيعة و شبّوا بين أحضانها إلا أنهم كانوا قد اكتسبوا قدرة عجيبة على التحكم في عناصرها، فهذا سليمان الحكيم تجري الرياح بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء و غواص، كما كبّل المردة من الجن الأشرار بالسلاسل، لأن عناصر الطبيعة تجري في حدود مؤطرة فتثور البراكين ثم تخمد، تتهيج الأعاصير ثم تهدأ، تزلزل الأرض ثم تستقر، بينما كان الأنبياء منتشرين في العوالم، أرواحا خالدة.
دمّرت عناصر الطبيعة الكائنات الواهية الواهنة بأمر منها و تحت إشرافها، فهذه الزلازل تمكّن الأرض من فغر فيها، و هذه البراكين تمكنها من التقيؤ قيئا من الجحيم. و هذه العواصف و الأعاصير تزدحم من خلالها الغيوم و تتصارع فيها، تتقاتل بسيوف من نار تتخطف الأبصـار مزمجرة بغضب و استهتـار بالعـجز و الهزال، إذ تتسارع الكائنات السفلى متسربلة، و متوارية متهاوية للإختفاء عن عيون الطبيعة والاختباء بالكهوف والمغاور من نقمتها و لم تقف للتأمّل و التروّي، فالطبيعة ليست من الجمال و الحكمة في شيء و الكمال، و الكائنات التي تحاكيها تثير الاشمئزاز والضحك إذ الطبيعة تغير أزياءها باستمرار كتلك المرأة السطحية التي تعتقد أن أزياءها هي التي تحدّد قيمتها. فترى الكائنات الحية في ثورات الطبيـعة و سوراتها الهوائية قد أفناها الرعب و مشاعر الوهن والعجز، فهي رقيقة لينة تخترقها حمم البراكين بكل يسر، تقذف بها الأعاصير و تتلاعب، تبتلعها الأرض لقمة سائغة مستساغة لإثراء التربة بالدبال حين تزلزل.
دعا الأنبياء القوم إلى جنة فيها عيون متفجّرة و أنهار جارية. فعبر الذين كفروا إليها عبر الجحيم و دكّ من بقي مؤمنا فيه دكّا، هاهم الأنبياء يحطمون الأصنام و قد غصت بها الصحاري رغبة منها في عبادتها، تمجيدا و تخليدا، وهي جازمة الاعتقاد بأنها آلهة حقّا بمختلف أشكالها، ألوانها وأحجامها. تتهاوى كتلا صخرية من عليائها ساقطة إلى الحضيض، مفتتة تفتيتا وهي مع ذلك صامتة، خاضعة، مؤمنة بقدرة الكفار بدفع الأنبياء لهم. لم تنشئ الرياض و ما فيها من أثمار و مياه دافقة في الأنهار، بالماء الدافق لأن الصحاري كانت تمور في الضمأ مما جعل السراب يغمرها ويحتلّها، يهيمن عليها و يتغلغل في أعماقها، بل بالسعير المتأجّج وما فيه من حاصب، صيحات و خسوف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي