الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (36)

جاسم الحلوائي

2008 / 4 / 19
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


انهيار الجبهة والدروس المستخلصة

127

أعطى انعقاد المؤتمر الوطني الثالث على النحو الذي مر بنا، من تحضير جدي وتمثيل واسع ومساهمة قوى ديمقراطية في مناقشة وثائقه، زخماً كبيراً لنشاط الحزب ولمكانته ولنفوذه بين الجماهير، واستقبلته الأوساط السياسية في المنطقة العربية والعالم بحماس. كما أظهر المؤتمر النمو الكبير الذي حصل في عضوية الحزب منذ بدء الحوار حول الجبهة. وشكّل كل ذلك نواقيس خطر بالنسبة لحزب البعث الذي وضع في حساباته دائرة محددة يسمح للحزب الشيوعي التحرك فيها، ولكنه بات يرى أن الحزب الشيوعي خرج من تلك الدائرة. وفي الوقت نفسه كان البعث يشعر بحرية أكثر من السابق لوضع خطته الخاصة بمحاصرة الحزب الشيوعي موضع التنفيذ. ففي ذلك الوقت تنحت جانباً، ولو لفترة معينة على الأقل، شوكة كبيرة من خاصرة حزب البعث ونظامه، والمقصود بها الحركة القومية الكردية المسلحة وقيادتها القومية التي انتكست ولم تعد تشكل خطراً آنياً مباشراً (1).

وصاحب ذلك تغيّر في طبيعة حزب البعث الطبقية بفعل التطورات الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما بعد تأميم النفط والزيادة الكبيرة في مداخيل العراق جراء ارتفاع أسعار النفط الخام، فقد تحوّلت، كما يذكر سباهي، "الأوساط القيادية والكوادر الأساسية لحزب البعث والدولة من مواقع البرجوازية الصغيرة إلى مواقع البرجوازية البيروقراطية من حيث السياسة والمصالح والممارسة. لقد بات التهافت على جمع الثروات والأرباح، عن أي مصدر جاءت، الشغل الشاغل بالنسبة إلى كوادر الحزب الحاكم. وبات الحديث لا يجري عن التوزيع العادل، والعدالة الاجتماعية، والتعاون والتشارك والاشتراكية، وإنما عن جمع الارباح الكبيرة، وتنويع مصادرها، وعن النسبة الأعلى من (القوميسيون)، والحصص والأسهم والمنافع الأخرى. وكان لابد لهذه المسيرة أن تبحث عما يضمن لها حمايتها وأمنها من الأخطار، التي لم تعد تتمثل بالأطماع الاستعمارية ومكائد الرجعية الإقليمية، بعد أن نالت هذه كل ما كانت تصبوا اليه من تسهيلات، وباتت تدخل مدخلاً "طبيعياً" مرغوب فيه ويباركه الحكام، وإنما صار الحديث يدور الآن عن مخاطر جديدة تنشأ عن اولئك الذين لايزالون يتحدثون بحديث الأمس، وظلوا مشدودين الى طوباويات الاشتراكية، والدفاع عن حقوق الكادحين"(2) .

ولم تنكر قيادة حزب البعث ارتدادها، فعندما أشار الحزب الى بعض جوانب هذا الارتداد، الذي لايمكن نكرانه، في اجتماع اللجنة العليا للجبهة، اعترف حزب البعث به و"لم يتردد صدام حسين عن التأكيد: "إذا كان هناك ارتداد فنحن الذي نقوده. وبرره بكون الارتداد ضمان التقدم من جديد" (3).

استخدم حزب البعث كل الأساليب للحد من نفوذ الحزب وجماهيريته بما في ذلك القوانين المنافية صراحة لحقوق الإنسان ونصوص الدستور المؤقت. فبعد أن فشلت كل الإجراءات والمناورات والضغوط التي وجهت ضد الحزب لتجميد عمل المنظمات الديمقراطية الجماهيرية العريقة، كرابطة المرأة واتحاد الطلبة العام واتحاد الشبيبة الديمقراطي، لجأ البعث إلى سلاح القوانين المنافية لحقوق الإنسان، فأجرى تعديلاً على قانون العقوبات بإضافة ما يقضي بحبس من يثبت انتماؤه الى منظمة غير مرّخصة بمدة لا تقل عن خمس سنوات ويمكن أن تصل الى 15 سنة. وهدّد حزب البعث بإلغاء "التحالف" لينزل ضربة بهذه المنظمات والحزب. وقد قرر المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي تجميد المنظمات حماية لأعضائها من الملاحقات، ومن أجل الحفاظ على الجبهة، انتظاراً لظروف أنسب لتطوير عملها. وكان الهاجس الأخير يكمن وراء العديد من تراجعات الحزب غير المبررة. كما لم يكن هناك من مبرر لعدم عقد اجتماع للجنة المركزية لتتولى الأمر.

لم تنحصر ممارسات حزب البعث القمعية ضد الشيوعيين وأنصارهم فقط، وإنما راحت تمتد إلى عامة الناس الذين يرفضون الانتماء إلى صفوفه، وإلى كل قوى المعارضة الأخرى. وفي هذا الإطار تعرض الكثير من ضباط الجيش غير البعثيين إلى التضييق والإحالة على التقاعد في حالة رفضهم الانتماء إلى حزب البعث. وفي تموز 1974، وعلى أثر الاحتجاجات الغاضبة التي أبدتها الجماهير في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع)، بادرت سلطات البعث إلى تفريق الجماهير الغاضبة، واعتقلت السيد محمد باقر الصدر والشيخ عارف البصري و70 مواطناً من أعضاء حزب الدعوة. وأحيل بعضهم إلى المحكمة، التي حكمت على بعضهم بالإعدام. وفي عام 1977 واجهت سلطة البعث مسيرات الجماهير المتجهة من النجف إلى كربلاء بالنار، واعتقلت بعض رموز المعارضة الدينية وحكمت على بعضهم بالإعدام (4).

لم تتوقف الانتهاكات وحملات الإرهاب البعثية ضد الحزب الشيوعي وأعضائه وأنصاره.فقد كانت تتراجع أو تتوقف لفترات قصيرة، ولكنها تشتد بالارتباط مع أي نجاح يحققه الحزب في تعزيز نفوذه وتوسيعه. فبعد فترة قصيرة من انتهاء أعمال المؤتمر الثالث للحزب المنعقد في أيار 1976، والذي أضفى زخماً قوياً على نشاط الحزب ومكانته وعزز نفوذه، تصاعدت المضايقات والانتهاكات ضد الحزب وأعضائه. وأخذت الخلافات السياسية والفكرية تثار بوتيرة أشد في سكرتارية الجبهة. وقد تعرض الحزب لضغوط كبيرة من قبل البعث لتبني أو تأييد مواقف أو سياسات تتعارض مع النهج السياسي للحزب الشيوعي. ورفض الحزب ذلك وامتنع عن إصدار أي بيان بإسم الجبهة يتعرض لمبادئه وعلاقاته بحركة التحرر الوطني العربية أو بعلاقات الحزب الأممية. فعلى سبيل المثال، رفض الحزب الشيوعي طلب حزب البعث بوصف النظام السوري بالعميل، كما رفض طلبهم بالتهجم على منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات شخصياً عندما اختلف البعث معهما. وقاوم الحزب ضغوط البعث القاضية بتغيير موقف الحزب من القضية الفلسطينية. كما رفض طلبه بعدم ذكر اسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي في صحافة الحزب.

128

كان على اللجنة المركزية أن تدرس تدهور الأوضاع وقد قامت بذلك، ولو أن الدراسة جاءت متأخرة لبعض الوقت، ففي اجتماعها الكامل المنعقد في آذار 1978، وضعت اللجنة المركزية النقاط على الحروف في أهم القضايا الملتهبة، واقترحـت المعالجات الضرورية بما في ذلك المطالبة بانهاء فترة الانتقال وإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستوراً دائماً للبلاد.

كان رد فعل حزب البعث على تقرير اللجنة المركزية عنيفاً، بالرغم من أن معالجاته كانت في اطار ما سمي خطأ بالحلقة المركزية ـ الجبهة الوطنية والقومية التقدمية. وجنّد حزب البعث صحيفة "الراصد" للتهجم على التقرير سياسياً وفكرياً. وظل البعث يطالب الحزب الشيوعي بسحب التقرير والتراجع عنه. إلا أن طلب حزب البعث قوبل بالرفض القاطع. إن هذا الرفض لدليل قاطع على خطأ الادعاء القائل بأن الحزب الشيوعي العراقي كان يمكن أن يسير مئة سنة وراء النظام البعثي لو ترك النظام الشيوعيين على ما كانوا عليه، بل ويمكن اعتبار مثل هذه الإدعاءات مجرد تخرصات حاقدة على الحزب (5).

وجاءت سيطرة الشيوعيين الأفغان على السلطة في نيسان، والدعم الذي تلقوه من السوفييت، ليثير الهلع في قلوب البعثيين. فدعوا في صحيفة "الثورة" إلى الحيطة والحذر من تكرار ذلك في اماكن اخرى، ويقصدون بذلك العراق.

كانت سياسة البعث، قبل قيام الجبهة وبعدها، قائمة على إبقاء الحزب الشيوعي العراقي في دائرة محددة والسعي الى إعادته إلى هذه الدائرة كلما خرج منها، كما أشرنا إلى ذاك سابقاً. وقد رسم طه الجزراوي بيده دائرة على ورقة ليوضح مقصدهم للرفيقين عامر عبد الله ورحيم عجينة وذلك في وقت مبكر، وتحديداً عقب الهجوم على عمال الزيوت النباتية والتجمع الجماهيري في ساحة السباع في بغداد في تشرين الثاني 1968. أما بعد ما يقارب عشر سنوات من التاريخ المذكور، فقد تحولت تلك السياسة إلى نهج يستهدف التخلص من الحزب الشيوعي، أما بإخراجه من الساحة كلياً أو تحويله إلى حزب كارتوني لا حول له ولا قوة ، ينفذ ما تطلبه منه سلطة البعث إرضاءً للرجعية العربية، وخاصة العربية السعودية وإرضاءً للغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

ويورد سباهي بعض المعلومات من وثائق أجهزة الأمن التي عُثر عليها بعد سقوط النظام، والتي تؤكد على خطط حزب البعث وأهدافه في احتواء الحزب الشيوعي العراقي. ولا أعرف لماذا أطلق سباهي صفة "طرق ذكية" على تدابير مستمدة من ترسانة الأنظمة الدكتاتورية والفاشية، لحمتها وسداها، الكذب والنفاق والاندساس داخل أحزاب الجبهة والتجسس عليها لمعرفة وضعها الداخلي "وصولاً إلى الشعيرات وصعوداً إلى الفروع"، على حد تعبير المقبور صدام حسين في المؤتمر الأول لمدراء الأمن المنعقد في 30 تموز 1978. وأين يكمن هذا الذكاء في خططهم الرامية إلى تحويل الحزب إلى حزب كارتوني بعد أن حصل الاصطدام العنيف بالحزب الشيوعي قبل مؤتمرهم "الذكي" هذا بشهرين وذلك بإعدام 31 شيوعياً ومؤازراً للحزب؟ كما سيأتي بيانه بعد قليل. لقد قصمت هذه الجريمة ظهر الجبهة نهائياً ولم تقم لها قائمة رغم محاولات حزب البعث العديدة لإحيائها (6).

وقد أشار صدام حسين عن الوجهة السياسية الجديدة في أحد اجتماعات اللجنة العليا للجبهة آنذاك بقوله : "إن تحالفهم مع الحزب الشيوعي العراقي لا يشكل قوة لهم وأنما يشكل عبئاً عليهم، فدول المنطقة والدول الغربية غير مرتاحة من هذا التحالف"(7). فلا غرو من أن يحمل عزة الدوري معه 500 نسخة من صحيفة "الراصد"، اخذها من المطبعة بنفسه، عند سفره إلى السعودية ليقدمها عربوناً للحلفاء الجدد. وقد وصلت إلى الحزب الشيوعي في حينها رسالة تتضمن الخبر المذكور من عامل يعمل في المطبعة التي طبعت الصحيفة المذكورة.

129

نعود إلى رد فعل البعث على تقرير اللجنة المركزية في آذار 1978 وعلى الانقلاب في أفغانستان. فقد اعتقلت سلطة البعث المجرمة وقدمت للمحاكمة عدداً من الرفاق وأصدقاء الحزب العسكريين والعاملين في القوات المسلحة بتهمة التآمر على نظام الحكم، وحكمتهم بالإعدام. وفي إثر ذلك تحرك الحزب الشيوعي فوراً وفي اتجاهات عديدة، إذ طلب عقد اجتماع عاجل للجنة العليا للجبهة ، إلا أن البعث رفض ذلك. ثم عقدت سكرتارية الجبهة اجتماعاً و استمع البعث إلى تحذير ورفض قاطع للإجراء من قبل ممثلي الحزب الشيوعي. واقترن تحرك الحزب بنشاط واسع في أوساط الجماهير للتحذير من مخاطر تنفيذ أحكام الإعدام على مستقبل البلاد. وسارعت قيادة الحزب بالاتصال فوراً بالأحزاب الشيوعية وبجميع حركات التحرر الوطني في البلدان العربية والعالم الثالث وبالمنظمات الديمقراطية العالمية والصحف الكبرى وأجهزة الإعلام العالمية، وناشدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي أحرار العالم التدخل لمنع تنفيذ أحكام الإعدام. وقد انهالت الاحتجاجات والمناشدات لإلغاء الأحكام من جهات كثيرة.

وعلى الرغم من كل هذه الضغوط، فقد نفذ حكم الإعدام بواحد وعشرين منهم في 18 و 19 أيار 1978، بينهم الشاعر سهيل شرهان ولاعب كرة القدم بشار رشيد. وبعد تلقي حزب البعث البرقيات المطالبة بإيقاف الإعدامات من برجنيف وغيره من رؤساء الدول الاشتراكية، أعدم عشرة رفاق آخرين في 27 و 28 و 29 أيار! وطلب حزب البعث من الحزب الشيوعي التوقف عن مثل هذه الاتصالات والعلاقات، وقد رفض طلبهم وجرى التأكيد على العلاقات الأممية والتضامن الأممي.

كان اعتقال وإعدام هذه المجموعة من الشباب عملا استفزازياً واضحاً، فهناك شروط ومستلزمات للانقلابات العسكرية يعرفها البعثيون جيداً. ولم يكن لهؤلاء الشباب نشاط سياسي في الجيش وكانت علاقات الشيوعيين فردية بتنظيماتهم المدنية (8) . ويمكن اعتبار الإعدامات "القشة" التي قصمت ظهر تحالف حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي.

وبهدف الإساءة إلى الحزب الشيوعي وإذلاله أمام الرأي العام العراقي والعربي والعالمي،عقد اجتماع لسكرتارية الجبهة حضره الرفيقان عادل حبه ورحيم عجينة تحت عدسات التلفزيون، بعد يومين من الإعدامات وتحديداً يوم 1 حزيران 1978. اقترح البعث توجيه برقية تهنئة بأسماء المجتمعين وأحزابهم إلى رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر وإلى نائبه صدام حسين بمناسبة الذكرى السادسة لتأميم شركة نفط العراق. لقد جوبه طلبهم بالرفض القاطع رغم التهديدات التي تعرض لها الرفيقان. ويقول عجينة: "عدنا إلى مقر حزبنا واجتمعنا بأعضاء المكتب السياسي،زكي خيري وباقر إبراهيم وثابت حبيب وعرضنا عليهم ما دار في الاجتماع فرحبوا بموقفنا" (9).

عقد اجتماع طارىء للجنة المركزية في 28 أيار 1978، وترأس الاجتماع الرفيق زكي خيري لغياب الرفيق عزيز محمد خارج البلد. لم يكن تدهور الوضع السياسي والجهة التي تتحمل مسؤوليته وهو حزب البعث محل نقاش، باستثناء صوت خافت يحمّل الحزب قسطاً من المسؤولية جراء محتويات تقرير اللجنة المركزية الصادر في آذار 1978. ولم يكن هناك خلاف على ضرورة اتخاذ تدابير الصيانة. وكان هناك رأي غالب يدعو إلى السعي لإيقاف التدهور في الوضع بخلفيتين مختلفتين، الأولى تدعو إلى ذلك من أجل كسب الوقت وللتغطية على تدابير الصيانة. أما الخلفية الثانية فكانت تأمل بعودة المياه إلى مجاريها مع البعث، ولم يكن كاتب السطور مع القسم الأخير. ولم يصدر عن الاجتماع أي بيان. وفي حزيران عقد ثاني اجتماع طارىء للجنة المركزية لم يختلف في نتائجه عن الأول، سوى التأكيد على المطالبة بالإسراع في اتخاذ تدابير الصيانة والرد على حملة البعث الإعلامية بشكل أقوى.

تولى المكتب السياسي وضع خطة لتدابير الصيانة، وكان أهم ما فيها تشكيل قيادة ظل من الرفاق عمر على الشيخ عضو المكتب السياسي مسؤولاً وعضوية الرفيق سليمان يوسف عضو اللجنة المركزية و عائدة ياسين العضو المرشح للجنة المركزية. وربطت بهؤلاء الرفاق منظمات وكوادر حزبية، وهُيئت لهم أجهزة طباعة. كما تقرر فرز التنظيمات والرفاق المكشوفين وربطهم بالرفاق العلنيين، واعتماد اللامركزية في العلاقات التنظيمية. وتقرر كذلك انتقال ثلث أعضاء اللجنة المركزية إلى الخارج. ووزعت سكرتارية اللجنة المركزية (سلم)، وباقتراح من لجنة التنظيم المركزية (لتم) مبالغ من المال على شبكة واسعة من الكادر وإخفاء مبالغ أخرى في أماكن مختلفة ظلت تحت سيطرة المكتب السياسي حتى بعد خروجه من العراق.

بعد فترة وجيزة اكتشف حزب البعث بأن الحزب يعتزم التحول إلى العمل السري. فقد كانت بعض التدابير، مثل نقل أجهزة الطباعة، تتم في المقرات العلنية التي تخضع لمراقبة متنوعة مثل الإنصات والكامرات الخفية. فغيرت السلطة خطتها من القضم التدريجي بالحواشي والأطراف وبالمنظمات الأبعد كالبصرة والمحافظات الجنوبية إلى الانقضاض على جميع المقرات وقيادات المنظمات. وشملت الاعتقالات أعضاء وأعضاء مرشحين للجنة المركزية مثل عادل حبه وكاظم حبيب وفخري كريم ومحمد جواد طعمة (أبو زيتون)، حيث تعرض بعضهم للاعتداء. واعتقل لاحقاً الرفيق ماجد عبد الرضا عضو سكرتارية اللجنة المركزية. وفي 21 كانون الأول شن البعث حملة لاعتقال الضباط الشيوعيين المتقاعدين، أسفرت عن اعتقال 26 ضابطاً شيوعياُ متقاعداً، على رأسهم سليمان يوسف بوكا، عضو اللجنة المركزية للحزب، بدعوى أنهم يعدون لمؤآمرة ضد الحكم، وكان من بين المعتقلين سعيد مطر وفخري الآلوسي وكمال نعمان ثابت وأحمد شفيق الجبوري وآخرون. وتعرض المعتقلون الى التعذيب. وقد أثار اعتقالهم حملة واسعة من الاحتجاج.

وإتبع نظام البعث مختلف الأساليب الدنيئة والوحشية لتغيير معتقدات المناضلين السياسية والفكرية وانتزعت دوائر الأمن في تلك الأجواء الإرهابية الفظيعة تواقيع الألوف من المناضلين على تعهد لا مثيل له في التاريخ، يؤدي بموقعه إلى ساحة الإعدام إذا ما عاود نشاطه السياسي السابق. واستشهد الكثيرون من خيرة كوادرالحزب وأعضائه، وهكذا تجاوزت الأحداث خطة المكتب السياسي الخاصة بتدابير الصيانة وصار الحزب أمام واقع جديد، ألا وهو التراجع غيرالمنظم في إطار رؤية غير واضحة ومترددة سياسياً، وتبعاً لذلك غير واضحة ومترددة تنظيمياً. واصبحت المهمة تتحدد في السعي لإضفاء قدر من التنظيم على التراجع. واعتمدت تنفيذ هذه المهمة على الكادر المتطوع لها.

وحول هذه الفترة يذكر سباهي ما يلي: " وكان العاملون فيها (المقرات) يتسربون منها دون عودة، واحداً بعد الآخر" (10) . إن هذه المعلومة غير صحيحة، فلم يتسرب أحد من المقرات، والعكس هو الصحيح، فقد كانت هناك بعض حالات التشبث بالبقاء فيها، وقد جري تقليص الملاك تدريجياً مع تقلص المهام والأعمال في المقرات (*).

في شباط 1979، وبعد خراب البصرة، فوتح الحزب بإعادة التحالف. كانت هذه الخطوة بمثابة مناورة بعثية تستهدف الحط من سمعة الحزب السياسية وتحويله إلى حزب كارتوني أو حزب ضئيل الحجم والقوة والنفوذ. لذلك فإن الاعتقاد بإمكانية إعادة التحالف كان يعني القبول بالمصير المذكور. أما فكرة الاستفادة من عرض البعث لتخفيف الضغط علينا فقد رفضت باعتبارها تشكل غطاءاً لتمرير سياسة إعادة التحالف.

في شباط المذكور أرسل صدام حسين بطلب لمقابلة الرفيق مكرم الطالباني العضو المرشح للجنة المركزية . وكان أهم ما قيل لمكرم هو التالي: ناقشنا في القيادة عودة التحالف مع الحزب الشيوعي وإن الرفاق في القيادة يعتقدون بعدم إمكانية تحقيق ذلك، وقد اختلفت معهم لأني أعتقد خلاف ذلك ... وطلب صدام عرض الموضوع على قيادة الحزب. وقد وعده مكرم بذلك.

عقد اجتماعان لأعضاء اللجنة المركزية المتبقين في الداخل حضرهما كل من مكرم الطالباني وسلام الناصري وماجد عبد الرضا وعبد الرزاق الصافي وباقر إبراهيم وكان الأخير هو المسؤول الأول في الداخل، واستثني كاتب هذه السطور من الاجتماع لأسباب احترازية. وبما أن مركز ثقل القيادة كان في الخارج، فقد تقرر ارسال عبد الرزاق الصافي إلى الخارج لعرض الطلب على قيادة الحزب. وقد عاد الصافي بمذكرة تتضمن رأي قيادة الحزب التي أوضحت فيها ان الحوار الجدي يجب أن تتوفر له الأجواء الديمقراطية. وتتلخص هذه الأجواء حسب رأي الحزب، بوقف الحملة الإرهابية والإعلامية ضده، وايجاد حياة ديمقراطية عامة في البلاد تستلزم أولاً وقبل كل شيء حل مجلس قيادة الثورة، وانهاء الفترة الاستثنائية وإشاعة الحريات السياسية العامة وتشريع دستور دائم للبلاد، وإزالة مظاهر التمييز القومي والحزبي، وكدليل على حسن النوايا، طالبت قيادة الحزب الشيوعي، بأن يبادر حزب البعث إلى الاعتذار عن الإعدامات التي راح ضحيتها 31 شيوعياً ومؤازراً للحزب وإعادة الاعتبارللمغدورين (11).

كانت شروط الحزب، من وجهة نظر حزب البعث، تعجيزية. فقد جاء في مذكرة القيادة القطرية الجوابية المؤرخة في 8 آذار 1979 ما يلي: "أنكم رحتم تسطرون (شروطاً) تعرفون حق المعرفة بأنكم لا تملكون أي أساس مادي وعضوي لفرضها على أرض الواقع"(12). ودعم حزب البعث موقفه هذا ببيان صلف لم يهاجم فيه الحزب الشيوعي العراقي فحسب، بل وهاجم الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية لتضامنها مع الحزب الشيوعي العراقي. وواصل حملته الإرهابية بحقد أشد. وبذلك لفظت الجبهة الوطنية والقومية التقدمية عملياً أنفاسها. وصفيت ذيولها تدريجياً.

130

أعتقد بأن وثيقة "تقييم تجربة حزبنا النضالية للسنوات 1968 ـ 1979"والتي أقرها المؤتمر الرابع (1985) تحتاج إلى إعادة نظر في ضوء ايديولوجية وستراتيجية الحزب المتجددتين. ولكننا حتى إذا نظرنا إليها على ما هي عليه الان، فهي تحوي الكثير من الدروس والعبر، وقد مر بعضها علينا. إن أحد هذه الدروس المهمة، الذي أشار اليه سباهي وأشرنا اليه أيضاً ويكرره الآخرون، هي ان الجبهة تحوّلت الى الحلقة المركزية في نضال الحزب لدفع عجلة التقدم في البلاد وليس الديمقراطية. ولكن ينبغي أن نلاحظ من الناحية اخرى بأن الحزب عندما طالب في بيان آذار 1978 بإنهاء فترة الانتقال وإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستوراً دائماً للبلاد، وانتقد سياسة التبعيث وغيرها من المظاهر السليية وهي أهداف ديمقراطية، جنّ جنون البعث واتهم الحزب الشيوعي بأنه يدّبر لمؤامرة ضد نظام الحكم، وكان ما كان من تهجم جريدة "الراصد" واعدام 31 رفيقاً وصديقاً للحزب وما تبعه من قمع وحشي وانهيار التحالف عملياً.

على أي حال إن وثيقة تقييم التجربة لا تخطّئ نهج الحزب في التحالف والذي أدى الى اتفاق الجبهة، ولكنها تعترض على سلوك الحزب السياسي وخاصة بعد دخول الحزب للجبهة. فالوثيقة تشير، كما مر بنا، إلى: "إن تجربة التحالف مع حزب حاكم كانت الأولى من نوعها في ممارسات حزبنا النضالية، وكان على حزبنا خوضها بثقة لا تتزعزع بقدرته على تحقيق مكتسبات هامة للجماهير ولقضية النضال ضد الامبريالية، وتعزيز مكانته في الحياة السياسية للبلاد، وبقدرته على الصمود والحفاظ على استقلاله السياسي والتنظيمي والايدولوجي". وتنتقد هذه الوثيقة جميع التنازلات التي حصلت بعد إعلان الجبهة وقد مررنا بأهمها. وكان من شأن هذا النهج أن يؤدي إلى اصطدام بين الحزبين، البعث والشيوعي، مبكراً وكان ذلك من مصلحة الحزب سياسياً، لاسيما إذا كان الصدام يدور حول قضية مبررة ومفهومة داخليا وعربياً وأممياً، على سبيل المثال:

على الرغم من أن الصيغة تنص، في ميثاق العمل الوطني، على أن الجبهة"تجسد القيادة المشتركة لنضال الشعب العراقي"، فقد راح البعث يثقف أعضاءه بصيغة "الحزب القائد"، ويعلن ذلك في صحافته. وعارض رفاقنا بثبات في لجان الجبهة ( بتوجيه من قيادة الحزب)، ما كان يريده البعث. وجرى تأكيد الصيغة التي تنص على أن "الجبهة قيادة مشتركة لنضال الشعب"، جواباً على ما كان يشير اليه البعثيون في بعض لجان الجبهة في المحافظات بصدد قيادة البعث للجبهة. لقد رفض ممثلوا الحزب الشيوعي هذه الصيغة، كما تشير وثيقة التقييم.. وكان ذلك موقفاً جيداً.

في كانون الثاني 1974 عقد حزب البعث مؤتمره القطري الثامن، وقد أكد في التقرير الصادر عنه على تعزيز قيادة حزب البعث على الجيش وأجهزة الدولة. وقد ربط التقرير بين مسألة توسيع الجبهة وبين تعزيز الدور القيادي لحزب البعث فيها، وأعتبر ذلك مهمة مركزية. وبعد فترة وجيزة من صدور التقرير السياسي، أصدر "مجلس قيادة الثورة" قراراً يعتبر هذا التقرير قانوناً للدولة والمجتمع. وتشير وثيقة التقييم، التي تورد هذه المعلومات إلى أن الحزب لم يعارض هذا القرار علناً (13).

كان على الحزب أن يعارض القانون يشكل رسمي ويطالب بإلغائه، حتى إذا أدى ذلك إلى انهيار التحالف، لأن ذلك يشكل انتهاكاً صريحاً لميثاق العمل الوطني الذي ينص على القيادة المشتركة للحبهة، وكان انهيار التحالف آنذاك، أفضل للحزب من الانهيار الذي وقع بعد أربع سنوات من الرخاوة.

وإلى جانب انتقاد وثيقة التقييم لجميع تنازلات الحزب وأخطائه التى حصلت خلال فترة الجبهة، فإنها أشارت أيضاً إلى أخطاء الحركة القومية الكردية ومسؤوليتها في تلك الفترة، سواء في اعتمادها على مساندة حكم الشاه الرجعي في إيران والدول الحليف له، أو في ابتعاد الحركة القومية الكردية عن الحركة الديمقراطية والحزب الشيوعي العراقي وتوصلت الوثيقة إلى الاستنتاج التالي:"وأكدت الحياة ان الديمقراطية،هي ضمانة أساسية لممارسة الحقوق القومية، فلا يمكن للشعب الكردي أن يتمتع بحقوقه القومية في ظل مصادرة الحريات والحقوق الديمقراطية للشعب العرقي كله، وأن لاحكم ذاتي حقيقي لكردستان دون ديمقراطية للعراق كله".

ولكن الوثيقة لم تقتصر على نقد الجوانب والنتائج السلبية للجبهة، وإنما أشارت إلى جوانبها الإيجابية كذلك وعلى النحو التالي:

ـ لقد أثبتت تجربة الجبهة بأنها معركة طبقية تعلم منها الحزب الكثير. وأن شعارات الحزب قد تحولت خلالها إلى قوة مادية، إذ لم تكن المنجزات التي تحققت قبل وأثناء الجبهة بمعزل عن نضال حزبنا الشيوعي.

ـ وأن أحد الدروس الهامة هي أن الجماهير نفسها قد عرفت كيف أن هذه المكاسب قد تحققت بنضال الشيوعيين، وكيف أن الانقضاض عليها لم يكن بمعزل عن اضطهاد الشيوعيين.

ـ لقد توفرت للحزب تجرية عملية عن أهمية الحفاظ على استقلاله السياسي والايديولوجي والتنظيمي خلال التحالفات، وهي تجربة هامة.

وتستطرد وثيقة التقييم بما يلي: "وبرغم الخسائر الجسيمة التي الحقت بحزبنا، بسبب حملات الإرهاب الوحشية، فقد اكتسب دماً جديداً، دم الشباب الذي مهما استنزفه الإرهاب البعثي البوليسي الآن أو في المستقبل، فسيبقى منه رصيد يمنح الحزب طاقة متجددة، وهذا ما أثار ويثير غيظ البعث الحاكم في العراق".

"إن جو التحالف قد شجع أعداداً كبيرة من الشبيبة الثورية على الانخراط في صفوف الحزب، وساعد هذا الجو على إعادة بناء منظمات الحزب في العديد من أنحاء البلاد بأسرع وقت، بعد ما عانته خلال سنوات الإرهاب الأسود، كما ساعده على نشر الفكر الماركسي ـ اللينيني على نطاق واسع، ومكنه من إحياء تراثه الثوري الزاخر ونشره ووضعه بين أيدي مئات الألوف من الشبيبة الثورية الطامعة، وساهم في جعل علنية الحزب الشيوعي شيئاً مألوفاً في دولة لم تألف الديمقراطية، ولن يمر إلغاء هذه العلنية على يد نظام البعث بدون ثمن".

وتشيد وثيقة التقييم بالممارسة الديمقراطية الواسعة في التهيؤ للمؤتمر الوطني الثالث وانعقاده، في ظروف مجتمع يفتقر إلى أبسط الحقوق الديمقراطية التي حرمتها جميع السلطات المتعاقية. ثم تضيف الوثيقة:

"لقد الحق البعث الحاكم بحزبنا خسائر فادحة على صعيد التنظيم وصفى عدداً كبيراً من منظماته وكوادره، لكنه عجز كلياً عن إلحاق هزيمة سياسية به، وأثبتت الحياة وجهة نظر الحزب في كل القضايا التي كانت موضع خلاف مع البعث"(14) .

لم تجد هذه التقييمات الإيجابية الواردة في وثيقة التقييم مكانها في كتاب سباهي، ماعدا ما يتعلق الأمر بالمؤتمر الوطني الثالث، بالرغم من أن وثيقة التقييم هي وثيقة مقرّة من قبل أعلى هيئة في الحزب، ألا وهي المؤتمر الوطني الرابع. كان بإمكان سباهي إيرادها وتفنيدها إن لم يكن مقتنعاً بها. وكان حري بالرفيق سباهي أن ينسب العيوب التي ذكرها في تجربة الجبهة لمصدرها الأصلي وهي وثيقة "تقييم تجربة حزبنا النضالية للسنوات 1968 ـ 1979، التي أقرها المؤتمر الوطني الرابع، لا أن يذكرها وكأنها إستنتاجات شخصية ينبغي أن يتعلم منها الحزب، في حين توصل الحزب لها قبل صدور كتاب سباهي بعشرين سنة! (**).

ويذكر الرفيق سباهي وهو على حق"وتظل الأحكام بشأن تلك السنوات الست تتأرجح بين المدح والقدح، وبين من لم ير فيها سوى كونها فرصة قد استغلها حزب البعث الحاكم، وهو لم يكن سوى مجموعة صغيرة من المغامرين والمتآمرين، ليستفيدوا من طاقات وسمعة حزب جماهيري له هيبته ونفوذه بين الجماهير، وليرسخ حكمه، ويسوم الشعب طوال خمس وثلاثون عاماً مر العذاب. وبين من اعتبرها المدخل لتطور تاريخي في تقدم البلاد وظل يدافع عنها حتى النهاية" (15).

بعد سقوط النظام في 2003، لم يعد للرأي الذي اعتبر الجبهة المدخل لتطور تاريخي في تقدم البلاد أهمية تذكر وقد اصطف قسم من أصحاب هذا الرأي مع الإرهابيين في حين نأي البعض الاخر بنفسه عن الارهابيين وشارك في العملية السياسية الجارية في البلاد، والقليل منهم أخذ يراوح بين الموقفين.

أما الرأي الذي يدين الجبهة فقد اتسعت دائرته بعد سقوط النظام وافتضاح جرائمه وبعد هيمنة قوى الأسلام السياسي على الساحة السياسية،فقد أخذت هذه القوى تركز على إدانتها ﻟ 35 سنة من حكم البعث وساهم في ترديد هذا الإدانة آخرون، ممن هم حريصون على سمعة الحزب الشيوعي العراقي وتاريخه، دون تدقيق وتمحيص، وراحت إدانتهم وبدون قصد تشمل الحزب الشبوعي العراقي، ضمنياً وجزئياً.

وقبل الانتهاء من هذا الموضوع، لابد من التأكيد على خطل تقييم هذه التجربة أو أية تجربة تاريخية أخرى بمعزل عن ظروفها الملموسة بما في ذلك المنظومة الفكرية التي سادت آنذاك ومستوى الوعي السائد. ولذلك فعندما نقيّم تجرية الجبهة ينبغي أن نأخذ بنظر الآعتبار الظروف الملموسة الداخلية والعربية والدولية، بما في ذلك ظروف الحرب الباردة وانقسام العالم إلى معسكرين رئيسيين، كما ينبغي أن نأخذ بنظر الاعتبار الأخطاء الايديولوجية في الحركة الشيوعية العالمية وفي بيانات أحزابها التي تحمل توقيع الحزب الشيوعي العراقي. فعلى سبيل المثال ساد اعتقاد خاطئ في الحركة الشيوعية العالمية آنذاك يؤكد على أن إحدى سمات العصر الرئيسية هي الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية على النطاق العالمي، ويشمل ذلك الدول النامية التي ستصل إلى الاشتراكية عن طريق التطور اللارأسمالي. وعند الإشارة إلى هذه الظروف، لا ينبغي أن تشكل مبرراً لتبني أفكار لا علاقة لها بالواقع أو للتستر على الأخطاء، وإنما للتوصل إلى الخيارات الممكنة والمفضلة ضمن تلك الظروف ذاتها، دون غيرها.

والآن، وبعد أن انتهينا من عرض تجربة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بسلبياتها وإيجابياتها، وأشرنا إلى الطريق الأنسب الذي كان على الحزب اتباعه في تلك الظروف، بالاستفادة من وثيقة تقييم تجربة الحزب فضلاً عن كتاب سباهي، وإذا أردنا النظر إلى تلك التجربة بعيون اليوم، فأعتقد، كما أشرت إلى ذلك في البدء، إن الدرس الأساسي الذي يمكن استخلاصة من التجربة، في ظل الظروف الجديدة ومن منطلقنا الايديولوجي والستراتيجي المتجددين، هو: إن تحالف اي حزب سياسي مع حزب حاكم في نظام لا يقوم على أسس ديمقراطية مؤسساتية، هو خطأ مبدأي يرتكبه الحزب غير الحاكم، لا بسبب عدم توفر تكافؤ الفرص فحسب، بل لتعذر ضمان استقلال الحزب سياسياً وتنظيمياً وفكرياً، وهو مبدأ أساسي في أي تحالف سياسي.

________________________________________
(1) د. رحيم عجينة. مصدر سابق ص 130.
(2) عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 151.
(3) د. رحيم عجينة. مصدر سابق ص 131.
(4) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 158 والهامش رقم 192. راجع كذلك تقييم تجربة الحزب. مصدر سابق، ص 53.
(5) مذكرات بهاء الدين نوري، ص 466.
(6) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 155 والهامشين 187 و188.
(7) أنظر د. رحيم عجينة، الاختيار المتجدد، ص 97 و 134.
(8) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 163 وما يليها. حول الإعدامات راجع كذلك د. رحيم عجينة. مصدر سابق، ص 133.
(9) راحع د. رحيم عجينة. مصدر سابق، ص 134.
(10) عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 170.
(*) توثقت من هذه المعلومة خلال مكالمة تلفونية في أواسط آذار 2008، من كادرين متقدمين كانا على تماس مباشر بالعاملين في المقرات وهما الرفيق عزت عثمان في المقر العام والرفيق كامل كرم في مقر بغداد . ولم يؤكد الأخير المعلومة فقط، بل أضاف: "كانت هناك بعض حالات التشبث بالبقاء أيضاً". وفي كانون الثاني 1979 اضطررت إلى المبيت في المقر العام لبضعة أيام، وفي الليلة الأولى اجتمعت بالمتبقين فيه وكان عددهم حوالي سبعة رفاق من الشغيلة والحراس. وأخبرتهم بأننا مضطرون للبقاء في المقر لبعض الوقت (لم نكن قد نقلنا كامل الأرشيف بعدُ)، وأشرت إلى أن وجودنا لا يخلو من خطورة فقد نتعرض للاعتقال، فالرفيق الذي يرغب بالمغادرة بإمكانه ذلك ولا يترتب على مغادرته أي شيء، فرفض الجميع المغادرة بشكل حاسم ، وتعهدوا بحماس على البقاء في المقر حتى إغلاقه من قبل الحزب. وأثار موقفهم إعجابي وحماسي وصافحتهم بحرارة واحدا واحدا، تعبيراً عن ثقتي بتعهدهم.
(11) عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 175.
(12) باقر إبراهيم. مصدر سابق، ص 167
(13) راجع تقييم تجربة الحزب. مصدر سابق، ص 35 وما يليها.
(14) تقييم تجربة الحزب. مصدر سابق، ص 64 وما يليها و68 وما يليها.
(**) قارن الصفحة 181 ومايليها من الجزء الثالث من كتاب عزيز سباهي بوثيقة التقييم ص 37 ومايليها و 69 ومايليها.
(15) عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 180 وما يليها.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث