الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دم البراءة

لبنى حسن

2008 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هالتني قيامة الدعاة التي قامت من أجل مقاومة قانون الطفل الذي يجرى إعداده لعرضه على مجلس الشعب المصري و الذي ينص احد بنوده على تجريم زواج من هم دون الثامنة عشرة, فقد استند الدعاة في تنديدهم و رفضهم للقانون لروايات و قصص تاريخية و أحاديث متناسين تماما أن الله في الأساس منح الإنسان العقل ليفكر و يتطور مع زمنه و يستفيد من تجاربه, كما تناسوا أن أول كلمة أنزلت في القرآن هي "أقرا", و لكنهم لم يعروا اهتماما للعلم سواء علم نفس الإنسان أو العلوم الطبية التي أثبتت في عدد غير قليل من الأبحاث و الدراسات الضرر البدني و النفسي الناتج عن تزويج الأطفال أو من هم دون الثامنة عشر, خاصة الطفلة التي يتم انتهاك جسدها حيث يتم التعامل معه و كأنه جسد لأنثى قبل أوانه.
و لكن ما الذي يدفع المجتمع لقبول بل في عدة أحيان الترحيب بفكرة الزواج المبكر أو بمعنى أدق تزويج الأطفال؟ هل هو شبح عنوسة الطفلة مثلا؟! أم موروثات و تقاليد و عادات مجتمع بالية؟ نعم بالية فالعادة أو ما اعتاد عليه العموم ليس بالضرورة صحيح, فالإنسان يتطور و العلم يتقدم و الفكر يرتقي و الزمن يتغير, أما التقاليد أو بالأحرى تقليد الأسلاف ليس فرضا إلهيا و لا منطق عقلاني فيه, فلا يقلد دون وعى سوى مخلوقات فاقدة العقل كالقرود و الببغاوات, أما الإنسان فقد وهبه الله العقل و القدرة على التفكير و التحليل و التمييز و الاستنتاج, هذا الإنسان الذي دعاه رب العالمين في سائر الأديان السماوية للتفكر و التدبر و التعقل. لماذا علينا أن نرث خطايا الماضي في حق المراه بل في حق الطفلة التي تُقتل براءتها و تُغتال طفولتها حينما يزج بها ليستخدم جسدها الطفولي كجسد أمراه مكتملة الأنوثة و هي ابعد ما تكون عن هذا سواء على المستوى المادي أو المعنوي. لماذا نترك من يعتبرها القانون طفلة قاصر ليست بالغة و لا راشدة و لا يحق لها التصرف بالبيع أو الشراء أو إقامة اى تعامل قانوني عرضه لمجتمع يستخدمها كقطعة أرض؟ نعم أنها تعامل كملك لمن له الولاية عليها و الذي بدلا من أن يحافظ على طفولتها يسلمها لأخر يقضي علي تلك الطفولة و يدمرها دون وعيها أو أرادتها أو حتى بموافقتها التي و إن حدثت لا يعتد بها, ا ليس الأولى أن لا يسمح لها بتقرير مصيرها و الإقدام على مسئولية الزواج مادامت لا تصلح قانوناً لمجرد فتح حساب بنكي أو التعامل بمفردها لدى اى هيئة أو مؤسسة أو حتى المرور من مطار صغير؟ هل نعاملها كطفلة في الأمور الحياتية البسيطة و كأنثى في الفراش؟ هل المجتمع يعدها قاصراً فلا يمنحها حرية إيداع مبلغ نقدي بسيط في البنك حيث لا يوجد إثبات لهويتها و لكن يفرض عليها إثبات أمومتها و تحمل مسئولية إرضاء رغبات زوج و تربية أطفال؟ ما تلك الازدواجية؟
ما هو إحساس تلك الطفلة التي يتركها المجتمع فريسة للجهل بنفسية الطفل؟ ما هو إحساس تلك الضحية الصغيرة التي يزج بها في غرفة مع ما يدعونه زوجاً لها و هو قادم على اخذ حقوقه "الشرعية"؟ في الغالب يكبرها كثيراً فلا يتعامل معها سوى كحيوان, و لما لا فكيف لإنسان أن تتحرك مشاعره تجاه طفلة؟ فهل في الطفلة إغراء سوى لحيوان لا يعقل؟ أما إن كان الزوج طفل في عمرها فهو الآخر في تلك الحالة ضحية لأنه لا يعقل و لا يعي مسئولية كونه زوج و لا يدرك مدى العمق الذي يجب أن تكون عليه تلك العلاقة, فكيف يدرك و يبنى علاقة سليمة و هو الآخر طفل لم يكتمل نموه جسدياً و فكرياً؟ كيف نطالبه بالاستيعاب و الاحتواء و بث الدفء و الأمان و بذل العطاء و الحنان و هو لم يثبت بعد قدميه الصغيرتين على أرض الواقع ؟
هل هي صرخات مكتومة تلك التي تصدرها الطفلة ذات الثالثة أو الرابعة عشر -و ربما أقل كثيرا- حينما تجد نفسها مع رجل سيعاملها على أنها أمراه؟ أم أن صرخاتها المكتومة تمزقها أكثر لاحقا حينما ينمو جسدها و عقلها و إحساسها بجوار من لم تختار بكامل وعيها و إرادتها, بل بجوار من أفزعها بفض بكارتها و هي ما تزال طفولية الإحساس و الأفكار و التصرفات؟ من اغتال أجمل مراحل عمرها و جعلها عجوز صغير ممزق الداخل؟ أنه اغتصاب يتم شرعنته تارة باسم الدين و تارة باسم التقاليد, و لكن في النهاية تظل هي ضحية, و هو إن كان زوج فمغتصب, و إن كان أب فلا يستحقها مادام قد باعها لقتل إحساسها و تدمير براءتها, وأن كان مجتمع فقد تجرد من آدميته و أجرم بترحابه و قبوله أو حتى غض طرفه عن جريمة في حق الإنسانية.
تزويج الطفلة أو ما يطلقون عليه الزواج المبكر ما هو إلا دماء تلوث يد المجتمع, فالمراه ليست نصف المجتمع و لكنها أكثر كثيرا لأنها إن كانت نصفه عدديا فهي التي تقوم على رعاية و تربية النصف الأخر و لهذا ردد الشاعر "ألام مدرسة فان أعددتها أعدت شعب طيب الأعراق", تشويه المراه نفسيا بالزواج المبكر لا يؤثر عليها هي فقط فحسب, بل على جيل يتربى على أيدي أم بلا وعى أو نضج, بلا معايشة لتطورها الطبيعي, لنموها و نمو احساسها و مشاعرها و جسدها و عقلها.
الزواج المبكر ليس جريمة في حق الطفولة وحدها و لكنها جريمة في حق مجتمع بأكمله, في حق أجيال تشوه نفسياً, تولد دون إرادتها و تعيش دون اختيارها و تموت دون أن يكون لها الحق في الحياة... فالحياة اختيار!.... أطفال تربى أطفال بقوة الدفع لا بالعقل و المنطق و الفكر التربوي السليم, فلا وعى و لا وقت لاكتمال نمو و تطور عقل إنساني حر قادر على التفكير و التفاعل و العطاء و من ثم الاندماج, و النتيجة ُُنسخ مشوه و أجيال أخرى تحمل نفس الموروث الذي لا يرى في الإنسان عقل بقدر ما يرى جسد و غريزة..... و يستمر هدر الدماء!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن