الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبض الشارع العربي

صبحي حديدي

2008 / 4 / 29
المجتمع المدني


في وسع المرء تسطير لائحة طويلة بالمظانّ، المنهجية وغيرها، التي يمكن سوقها للطعن في مصداقية استطلاعات الرأي العامّ العربي السنوية، التي تنفّذها جامعة ماريلاند الأمريكية، بالتعاون مع مؤسسة "زغبي إنترناشنال"، وبإشراف الدكتور شبلي تلحمي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة والزميل غير المقيم في مركز حاييم صبّان، معهد بروكنغز. بين تلك الطعون الجوهرية، وفي صدد استطلاع سنة 2008 على سبيل المثال، أنّ الاستبيانات شملت مواطني ستة بلدان عربية فقط (هي مصر، الأردن، لبنان، المغرب، السعودية، الإمارات العربية)، فغاب بالتالي رأي مواطني بلدان أساسية مثل سورية والعراق (لأسباب أمنية قد تكون مفهومة، جزئياً) والجزائر واليمن والسودان وفلسطين (لأسباب يصعب أن تكون مقنعة).
ومع ذلك، وبالنظر إلى الغياب شبه التامّ لاستطلاعات ذات مصداقية ترسم بيانات الرأي العام العربي، فإنّ ما يقوم به البروفيسور تلحمي وفريقه يرتدي أهمية بالغة، ويستحقّ أقصى الاهتمام من جانب جميع الأطراف المعنيّة بالوقوف على نبض الشارع العربي: أوساط المعارضات العربية، قبل أجهزة استخبارات الأنظمة؛ ومراكز البحث العربية، على ضعف حيلتها وقلّة مواردها، قبل معاهد كونية كبرى مثل "بروكنغز" "وكارنيغي" و"معهد واشنطن". والإنصاف يقتضي التنويه إلى أنّ الخلاصات التي تنتهي إليها استطلاعات جامعة ماريلاند تلقى انتباهاً خاصاً من خبراء البيت الأبيض، بصدد طائفة كبرى من معضلات الشرق الأوسط. (تردّد، ذات يوم، أنّ الضغوطات الشديدة التي مارستها الإدارة الأمريكية الحالية على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لإجراء الإنتخابات التشريعية الفلسطينية، إنما نهضت على استطلاع مماثل للرأي العامّ الفلسطيني، أشار بوضوح إلى أنّ "فتح" سوف تتفوّق على "حماس" وتستأثر بأغلبية مطلقة في المجلس!).
وهكذا، إذا توفّر مستشار حصيف، يلعب دور ناصح جسور وصادق لأحد قادة 14 آذار في لبنان، فإنّ الواجب يقتضي منه تنبيه سيّده إلى هذه الأرقام: 9% فقط من المواطنين العرب يتعاطفون مع الأغلبية الحاكمة، و30% يتعاطفون مع التحالف المعارض الذي يقوده "حزب الله". صحيح أنّ سؤال الإستطلاع انطوى على ما يشبه الدمج بين الحزب والمعارضة اللبنانية، بما يعني منهجياً أنّ مقداراً لا بأس به من التعاطف لا يذهب إلى المعارضة إلا تحت مظلة الحزب، فإنّ فارق 21 نقطة يجب أن يشكّل لطمة تكفل استفاقة الغارقين في سبات الأوهام. هذا إذا لم يذهب الناصح خطوة إضافية في تنبيه الغافلين إلى أنّ شعبية السيد حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، قد ازدادت من 14% السنة الماضية، إلى 26% هذه السنة؛ وأنه، رغم مضيّ قرابة 21 شهراً على العدوان الإسرائيلي ضدّ لبنان، ما يزال الزعيم الأكثر شعبية في العالم العربي. سوى هذا، ولكي لا يكون التفصيل خالياً من الطرافة السوداء، لا يأتي في المرتبة الثانية بعد نصر الله أيّ حاكم عربي، لأنّ التالي في الشعبية هو... الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك!
أمر آخر يخصّ موقف الشارع الشعبي العربي من الولايات المتحدة: 83% يحملون رأياً مناهضاً لأمريكا، و70% ليس لديهم أيّ مقدار من الثقة في سياساتها الشرق ـ أوسطية، و18% فقط يعتقدون أنّ باراك أوباما يمكن أن يجلب السلام إلى المنطقة، مقابل 13% لصالح هيلاري كلينتون، وجون ماكين لا يتجاوز الـ 4%. في مقابل هذه النسبة الطاغية من انعدام الثقة في أمريكا، لا يلوح البتة أنّ الشارع العربي يتوجس خيفة من إيران، ولا يعتبرها خطراً داهماً: غالبية الآراء ترفض الضغوط الدولية عليها لإيقاف برامجها النووية، كما أنّ 44% يعتقدون أنّه لو تمكنت إيران من تصنيع قنبلة نووية فإنّ النتيجة ستكون أكثر إيجابية للمنطقة، وليس أكثر سلبية.
ولعلّ من المفيد، هنا، العودة إلى دراسى رائدة بعنوان «الشارع العربي: الرأي العامّ في العالم العربي»، كتبها دافيد بولوك وصدرت سنة 1992 عن "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط"، حيث يعمل الرجل اليوم. هنا ثلاث توصيات، بين أخرى عديدة، خلص إليها بولوك: 1) الشارع العربي ليس خرافة قوموية أو ثوروية أو رومانتيكية، بل هو موجود وقابل للقياس، فلا تتجاهلوه ولا تقللوا من قيمته قياساً على «عطالة» ظاهرية؛ و2) الرأي العام العربي أبعد ما يكون عن التجانس والوحدة والثبات، حتى في مسائل متفجرة مثل الإسلام والديمقراطية، فلا تضعوا كلّ الرأي العامّ العربي في سلّة واحدة؛ و3) النُخَب العربية جريحة بهذا القدر أو ذاك، في هذه الإشكالية الايديولوجية أو تلك، هنا أو هناك، ولكن حذار... النخبة شيء (هامّ للغاية، بطبيعة الحال) والشارع شيء آخر. لا تدعوا كوابيس الأحلام المنكسرة عند المثقف تحجب هدير الشارع في ساعات الصباح الأولى أو نهايات يوم عمل شاق بحثاً عن اللقمة، وافتحوا كلّ العيون على المساجد والأزقة والمقاهي وملاعب كرة القدم.
وليس بغير دلالة أنّ استطلاع جامعة ماريلاند لهذه السنة أدهش رجلاً مثل مارتن إنديك، رئيس مركز صبّان الذي شغل مناصب عديدة هامة بينها مستشار الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي، والسفير في إسرائيل مرّتين: عجيب هذا البون الشاسع بين الرأي العام العربي وسياسات الحكومات العربية، تساءل إنديك... وكأنه لا يعرف ماذا، ومَن، ترعى واشنطن في كراسي حكم العرب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب