الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب العمّال يشرح موقفه من -2009-

حمه الهمامي
الناطق الرسمي باسم حزب العمال التونسي

2008 / 6 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


(لقاء مع حمه الهمامي، باريس 4 مارس 2008)
نظمت اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس، مساء يوم الثلاثاء 4 مارس 2008 لقاء بباريس مع الرفيق حمه الهمامي الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي. وقد تمحور هذا اللقاء حول موضوع الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2009. ويُعدّ هذا اللقاء الرابع من نوعه الذي تنظـّمه اللجنة. وقد سبق لها أن نظمت في نفس الإطار وحول نفس الموضوع لقاءات مع السادة خميس الشماري، المناضل المستقل وعضو "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" وخليل الزاوية القيادي بـالتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وأحمد نجيب الشابي وعياشي الهمامي، الأول بصفته مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي للرئاسية القادمة والثاني بصفته من داعمي هذا الترشح ضمن مبادرة صادرة عن شخصيات مستقلة. وتنوي اللجنة تنظيم لقاءات أخرى مع ممثلي حركة النهضة [1] وحركة التجديد، قبل أن تدعو كافة الأطراف للجلوس مع بعضها البعض في ندوة مشتركة لم يحدد تاريخها بعدُ.

وقد ترأس لقاء 4 مارس، الذي حضره عدد هام من ممثلي الأحزاب والجمعيات التونسية بالهجرة وكذلك بعض الشخصيات والصحافيين الفرنسيين، السيد كمال الجندوبي الحقوقي والمناضل المستقل المعروف. وبيّن في كلمته الافتتاحية أن الهدف من اللقاء مع حمه الهمامي هو الاطلاع على موقف حزب العمال الشيوعي التونسي من انتخابات 2009 الرئاسية والتشريعية ومناقشته. وذكّر كمال الجندوبي، قبل أن يحيل الكلمة إلى الضيف باللقاءات السابقة واللقاءات المبرمجة في المستقبل مؤكدا أهمية الحوار والنقاش في توحيد صفوف المعارضة في تونس من أجل التقدم بالقضية الديمقراطية.

شكر وترحيب

شكر حمه الهمامي في بداية كلمته "اللجنة" على استضافته ورحب بفكرة عقد مثل هذه اللقاءات مذكرا أن التونسيات والتونسيين بالهجرة معنيون مباشرة بما يجري في بلادهم وأثنى على الدور الذي قامت به اللجنة وغيرها من الهيئات والتنظيمات في التشهير بالاستبداد في تونس والدفاع عن ضحاياه. كما شكر ممثلي الأحزاب والجمعيات والشخصيات المستقلة الذين لبوا الدعوة وحضروا الاجتماع وهو ما يدل على متابعتهم للحياة السياسية ببلادهم. وأخيرا شكر بعض الشخصيات الفرنسية التي جاءت للندوة ومن بينها Mgr Jacques Gaillot الذي كان وما يزال متضامنا مع الحركة الديمقراطية في تونس (حضر سنة 2003 ذكرى اغتيال نبيل البركاتي بمقبرة قعفور).

موضوع اللقاء

وعند التطرق إلى موضوع اللقاء أشار حمه الهمامي إلى أن انتخابات 2009 بدأت تحتل حيزا هاما في الحياة السياسية بالبلاد. وذكّر في هذا الصدد بأن السلطة بدأت حملتها لإعادة ترشيح بن علي لولاية خامسة منذ ما يزيد عن العام. وقد اتخذت هذه الحملة صيغة "مناشدات" صادرة عن أجهزة الحكم وعن أجهزة "التجمع الدستوري" تطالب بن علي بالترشح أو بالأحرى بالبقاء في الحكم، بدعوى"مواصلة مسيرة الإصلاح". أما أحزاب الديكور فإنها عبرت بعدُ عن مساندتها لـ"ترشح" بن علي، الذي وصفه "زعيم" أحد هذه الأحزاب بـ"بونابرت" تونس. وهي تنتظر ما سيأمرها بالقيام به مثل الترشح للقيام بدور "التياس" في الانتخابات الرئاسية لإضفاء طابع تعددي زائف عليها.

وتعرّض حمه الهمامي بعد ذلك لمواقف أحزاب المعارضة المستقلة فلاحظ أنها بدأت تتطارح الموضوع وتتخذ المواقف. وذكّر في هذا الصدد بأن الحزب الديمقراطي التقدمي قرّر بعدُ المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية ورشح أمينه العام السابق، الأستاذ أحمد نجيب الشابي، للانتخابات الرئاسية في انتظار ما سيسفر عنه القانون الذي سيسنه بن علي في القادم من الأيام والذي سيحدد بمقتضاه من "يحق له الترشح لمنافسته". وبرّر الحزب الديمقراطي تمشيه هذا بأنه يريد استغلال عامل الوقت للقيام بحملة للضغط على السلطة والتأثير في القانون الذي سيُسَنُّ حتى لا يكون كسابقاته وحتى يشمل مرشحين من المعارضة المستقلة. أما بقية الأحزاب فإن بعضها مثل المؤتمر من أجل الجمهورية أعلن من الآن "مقاطعة المهزلة" واعتبر بعضها الآخر (التكتل، حركة التجديد...) أن الوقت لم يحن بعد لاتخاذ موقف نهائي وأن الأولوية الآن للنضال من أجل توفير الشروط لانتخابات حرة حتى وإن كان من بينها من هو أميل للمشاركة وفق موقف تقليدي. وتعتبر "حركة النهضة"، وفق ما صرح به ممثلوها في الداخل، بأنه "لا أوضاع الحركة الذاتية ولا الواقع الموضوعي يحتم عليها اليوم اتخاذ موقف من الانتخابات. فالنقاش داخل الحركة ما يزال جاريا. والمدة التي تفصلنا عن الانتخابات ما تزال طويلة نسبيا، ومهما كان الموقف الذي ستتخذه الحركة مشاركة أو مساندة لطرف معين أو مقاطعة فإنه سيكون موقفا نشطا". وما تزال أطراف أخرى مثل حزب العمل الوطني الديمقراطي أو الحزب الاشتراكي اليساري لم تفصح بعد عن موقف حتى وإن كان بعضها اتخذ موقفا معاديا لترشح أحمد نجيب الشابي (الحزب الاشتراكي اليساري).

غياب تمشّ مشترك

بعد أن استعرض حمه الهمامي مواقف مختلف القوى السياسية خَلـُصَ إلى أن المعارضة لم تتوفق إلى حد الآن إلى بلورة تمش مشترك لمواجهة الاستبداد والمهزلة التي يريد تنظيمها سنة 2009، وعبّر عن خشيته من أمرين اثنين، داعيا المعارضة إلى تجنبهما:

أولا: طغيان الحسابات الحزبية الضيقة على حساب المصلحة المشتركة للحركة السياسية وللشعب التونسي عامة، وهو ما سيستفيد منه نظام الحكم. إن الحزب الجاد هو الذي يبذل قصارى جهده من أجل توحيد الحركة، حول ما يمكن أن يكون مشتركا ويكرّس في لحظة من اللحظات مصلحة الحركة ككل ويسمح لها بالتقدم نحو أهدافها حتى وإن كان دون السقف الحزبي الخاص، أو مختلفا بهذه الدرجة أو تلك عن الأهداف الحزبية الخاصة.

ثانيا: انحصار النقاشات والصراعات السياسية في بوتقة ضيقة، معزولة عن واقع الشعب، عن همومه ومشاغله، وهو ما سيؤدي إلى بقاء الحركة السياسية في واد والشعب في واد آخر والحال أن نجاح الحركة السياسية سيقاس بمدى نجاحها في إقناع الشعب بأن المعركة من أجل الحرية السياسية هي معركته وأن أيّ تغيير جوهري في أوضاعه مرتبط بمآل هذه المعركة بالنظر إلى ارتباط الاستغلال والنهب والفساد الذي تتضرر منه الطبقات والفئات الشعبية بالاستبداد.

وأكد حمه الهمامي أن ما يشغل حزب العمال في الوقت الراهن هو "إيجاد تمش مشترك للمعارضة السياسية حتى تكسب وزنا في مجرى الأحداث في القادم من الأيام والأشهر وتقدر على التأثير فيها". ولئن توقع المتدخل ظهور مبادرات أخرى في المستقبل القريب، فإنه عبّر عن أمله في "أن تدرك قوى المعارضة في نهاية المطاف أن لا مصلحة لها وللشعب في التشتت". وأضاف "أن العمل السياسي المشترك محمود في كل الظروف، فما بالك في ظروف الاستبداد وضعف قوى المعارضة الذي يجعل مواجهتها له محدودة وغير حاسمة".

اتفاق على تشخيص الوضع

لاحظ الناطق الرسمي باسم حزب العمال أن المعارضة متفقة إجمالا على تشخيص الوضع وعلى أن هدف السلطة من انتخابات 2009 لا يعدو أن يكون "التمديد في الرئاسة لبن علي من جهة وتجديد الديكور الديمقراطي من جهة ثانية وبالتالي إعادة إنتاج نظام الاستبداد وضمان استمراره". كما أنها متفقة في مستوى الخطاب على الأقل، على ضرورة رفض ذلك ولكن المعارضة، ليست متفقة على كيفية التصدي لمشروع السلطة، بسبب تباين أهداف فصائلها المختلفة. وهي إن لم تتجاوز هذه العقبة وبالتالي إن لم تتوحّد حول مشروع ديمقراطي وحول طريقة إنجازه فإنها ستبقى مشتتة ومحدودة الفاعلية.

مرتكزات المشروع الديمقراطي

بيـّن حمه الهمامي أنّ "المعارضة إذا كانت تناضل فعلا من أجل إقامة نظام ديمقراطي، فمن البديهي أن هذا النظام سيكون بالضرورة نظاما جديدا، له دستور جديد ومؤسسات جديدة نابعة من إرادة الشعب، الذي يُدعى إلى انتخاب مجلس تأسيسي تشارك فيه كل القوى الفاعلة في المجتمع لصياغة ذلك الدستور وبناء تلك المؤسسات".

وتساءل المتدخل: "كيف سيتحقق الانتقال الديمقراطي المنشود؟" وأجاب عن هذا السؤال قائلا: "إن الديمقراطية في تونس لن تتحقق لا عن طريق النظام البوليسي الحالي ولا بمساهمته أو بالتعاون معه ولكن بالنضال ضده وعلى أنقاضه، باعتباره المستهدف من النضال الديمقراطي، لأنه هو الذي يعوق قيام الديمقراطية في تونس" ولاحظ في نفس السياق أن "مصالح كبار الرأسماليين المحليين والأجانب، تكمن في استمرار نظام الاستبداد حتى يتمكنوا جميعا من مواصلة جني الأرباح وتكديس الثروات على حساب الشعب والوطن. إن الشعب التونسي بمختلف طبقاته وفئاته هو صاحب المصلحة في التغيير الديمقراطي، ومن واجب القوى الديمقراطية أن تتوجه إليه وتعمل على تعبئته، آخذة في الاعتبار مطالبه ومصالحه في مختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأنه هو الوحيد القادر على قلب موازين القوى ووضع حد للاستبداد".

وواصل حمه الهمامي مداخلته قائلا: "وعندما يكون هذا واضحا ومتفقا عليه أو على الأقل عندما تكون الفكرة الرئيسية الواردة في هذا الكلام واضحة ومتفقا عليها وهي أنّ النظام الحالي يمثل هدفا لأي تغيير ديمقراطي جدي وليس شريكا فيه فإن التكتيكات السياسية ستصبح واضحة باعتبارها ستندرج كلها في إطار مراكمة القوى بهدف وضع حدّ للاستبداد وليس بهدف ترميمه أو إطالة أنفاسه".

وأضاف: "أنه على المعارضة الجدية أن تحسم نهائيا مع التوجه الذي بيّن مجرى الأحداث فشله وقصوره عن تلبية المطالب الدنيا للشعب التونسي وهو التوجه القائم على الوفاق مع الدكتاتورية والتعاون معها في الحدود التي تفرضها بدعوى "الواقعية" أو "اجتناب القصووية" maximalisme وهو ما ألحق أضرارا فادحة بالحركة الديمقراطية وبالشعب التونسي خلال العشرين سنة الأخيرة وحوّل المدافعين عن ذلك التوجه الانتهازي إلى ديكور لنظام الاستبداد".

إطار الانتخابات

أوضح الناطق الرسمي باسم حزب العمال أن إدراج المعركة القادمة من أجل انتخابات حرة في هذا السياق أي في سياق إعداد الظروف للانتقال أو التغيير الديمقراطي ببلادنا تقتضي أن "تعطي المعارضة اليوم الأولوية في نشاطها للنضال من أجل فرض الشروط الدنيا لمثل تلك الانتخابات حتى لا تكون مهزلة شبيهة بسابقاتها وحتى تنجح المعارضة في ذلك فهي مطالبة بتحويل المعركة من أجل هذه الشروط إلى معركة عامة للشعب التونسي وذلك بالانصهار فيه وتبني مشاغله وهمومه حتى يدرك ما له من مصلحة في القضاء على الاستبداد".

وعند حديثه عن شروط الانتخابات الحرة عرّج في البداية على المناخ السياسي معتبرا أنه "من دون مناخ سياسي تتوفر فيه تعدية إعلامية وتعددية حزبية، لا يمكن للمرء أن يتصور إجراء انتخابات حرة". والتعددية الإعلامية تعني في نظره ضمان حرية التعبير والإعلام بشكل عام وهو ما يقتضي اليوم وضع حدّ لاحتكار السلطة لوسائل الإعلام العمومي ورفع القيود عن الصحف والصحفيين وعن وسائل الاتصال ومن بينها "الأنترنت" وتمكين طالبي إصدار الصحف والمجلات وبعث إذاعات وقنوات تلفزية جديدة من ذلك الحق. دون أن ننسى إلغاء مجلة الصحافة... وبالنسبة إلى التعددية الحزبية وحرية التنظم بشكل عام، فالمطروح هو إلغاء قانوني الأحزاب والجمعيات والاعتراف بكل الأحزاب والجمعيات الراغبة في التواجد القانوني ورفع الحصار عن الأحزاب والجمعيات والهيئات المعترف بها وفي كلمة وضع حدّ لسياسة الديكور الديمقراطي ولهيمنة الحزب الحاكم على الحياة العامة وتداخله مع الإدارة والدولة.

ولا يمكن الحديث عن مناخ سياسي ملائم لانتخابات حرة دون "إطلاق سراح المساجين السياسيين والسماح للمغتربين بالعودة إلى وطنهم دون قيد أو شرط وإصدار عفو تشريعي عام يعيد إلى الآلاف من ضحايا الدكتاتورية حقوقهم المدنية والسياسية حتى يتمكنوا من المشاركة في الحياة العامة". وأكد حمه الهمامي أهمية حياد الإدارة واستقلالية القضاء لضمان انتخابات الحرة، واعتبرهما جزءا من المناخ العام الذي ينبغي أن يتوفر. ولإبراز أهمية المناخ السياسي فقد اعتبره عنصرا محددا في طبيعة أي انتخابات لأن الانتخابات حسب رأيه "هي مناخ سياسي قبل أن تكون إجراءات قانونية". وأضاف أن الانتخابات الرئاسية يمكن أن يترشح لها حتى عشرة من المعارضة ولكن ترشحهم سيتحول إلى ديكور كما حصل في الماضي، لا لشيء إلا لأنهم سيكونون عاجزين عن إيصال برامجهم ومقترحاتهم للناس، لأن بن علي يحتكر كل شيء ويتحكم فيه. ومن هنا تأتي ضرورة النضال أولا وقبل كل شيء من أجل تغيير المناخ السياسي".

وواصل حمه الهمامي مداخلته بالحديث عن الضمانات القانونية التي اعتبرها الشرط الثاني للانتخابات الحرة. وفي هذا السياق أكد "أن لا انتخابات رئاسية حرة دون إلغاء الرئاسة مدى الحياة أولا وضمان حق الترشح للجميع دون إقصاء أو استثناء ثانيا". واعتبر أن هذين الشرطين متلازمين ولا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض موضحا أن إلغاء الرئاسة مدى الحياة معناه تحديد عدد الولايات ومن ثمة وضع حد لحكم بن علي المستمر منذ ما يزيد عن العشرين سنة بعد أن تلاعب بالدستور. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن ضمان حق الترشح معناه إلغاء كل العراقيل القانونية والمادية التي تحول دون ترشح أيّ تونسية وتونسي للرئاسة. إن بن علي يحاول بكل الطرق أن يُنسي الناس أن ترشحه لولاية خامسة غير شرعي، وأن فيه انتهاكا لأبسط قواعد النظام الجمهوري ويحصر الجدال في مسألة فرعية تهم من يحق له الترشح إلى جانبه، وكأن ترشحه شرعي ومفروغ منه، وبالتالي ينسى المشكل الأصلي الذي يحُول فعليا دون انتخابات رئاسية حرة وهو الحكم الفردي المطلق الذي يتخذ شكل الرئاسة مدى الحياة.

وعلى هذا الأساس دعا حمه الهمامي المعارضة إلى عدم السقوط في هذا الفخ، مؤكدا أن المعيار الحقيقي للحكم على طبيعة الانتخابات الرئاسية إن كانت حرة أم لا، ليس السماح لممثل هذا الحزب أو ذاك بالترشح، وإنما هو إلغاء الرئاسة مدى الحياة وضمان حرية الترشح للجميع. ففي مثل هذه الحالة، يكون للمشاركة معنى. وذكّر حمه الهمامي في هذا السياق بترشح السيد محمد علي الحلواني عن حركة التجديد في عام 2004 مبيّنا أن هذا الترشح لم يغيّر طبيعة تلك الانتخابات، بل إن السلطة استغلته لتضفي طابعا تعدديا زائفا على المهزلة التي نظمتها، فالمسألة ليست مسألة نوايا أو رغبات ذاتية، بل إن الذي يحدد طبيعة هذه المشاركة أو تلك هو ميزان القوى الذي تندرج فيه والأهداف التي يخدمها موضوعيا، في نهاية المطاف.

واستخلص حمه الهمامي أنه ومن أجل أن تكون المعارضة في مستوى ما هو مطروح عليها ومنتظر منها "عليها أن تخوض المعركة بشكل واضح وجريء ضد الرئاسة مدى الحياة ضد ترشيح بن علي لولاية خامسة، من أجل حرية الترشح دون إقصاء أو استثناء، في مناخ سياسي تتوفر فيه تعددية إعلامية وحزبية حقيقية. وإذا لم تتوفر مثل هذه الشروط، فإن المشاركة في الرئاسية لن يكون لها معنى، بل ستتحول إلى ديكور وهو ما لا يمكن أن تقبله معارضة جدية".

وتطرق حمه الهمامي في ما بعد إلى الانتخابات التشريعية، فلاحظ أن المطروح في هذا المجال هو "النضال من أجل مراجعة المنظومة الانتخابية مراجعة جذرية سواء ما تعلق منها بالنظام الانتخابي (نظام القائمات) أو كيفية الترسيم في القائمات الانتخابية أو طريقة سير العملية الانتخابية، إلخ." كل ذلك بهدف أن تكون الانتخابات حرة بالفعل. وذكـّر في هذا الصدد بمطالب المعارضة وهي: "التمثيلية النسبية والتسجيل الآلي في القائمات الانتخابية والترشح الاسمي بدل الترشح في قائمات والزيادة في عدد الدوائر، والتخفيض في عدد مكاتب الاقتراع وتكليف هيئة مستقلة بالإشراف على الانتخابات وتجريم التزوير". وبيّن حمه الهمامي أن الهدف من مراجعة المجلة الانتخابية هو "تحويل المعركة إلى معركة فعلية من أجل التمثيل الشعبي، من أجل كسب الانتخابات في مستوى الدوائر". وأضاف أن المعارضة الديمقراطية الحقيقية ليست معنية لا بالخمس ولا بالربع الذي يمثل رشوة سياسية، منة من بن علي توزعها وزارة الداخلية حسب درجة الولاء. وتساءل: "ماذا فعل ممثّلو الأحزاب الديكورية في البرلمان عدا أنهم أضفوا عليه طابعا تعدديا زائفا مقابل رشاو في شكل امتيازات؟". وقد أعطى حمه الهمامي أمثلة على الطريقة التي نجح بها بعض ممثلي هذه الأحزاب الذين اختارتهم وزارة الداخلية ليكونوا في البرلمان وذكّر بالإهانات التي يتعرضون لها من قبل "نوّاب" الحزب الحاكم الذين يذكرونهم دائما بأنهم في البرلمان بفضل بن علي لا بفضل صندوق الاقتراع حتى أن أحد التجمعيين لم يتورع ذات مرة عن الردّ على أحد نواب "حركة التجديد" الذي انتقد بعض سياسات الحكومة بالبيت الشهير لأبي الطيب المتنبي: "وإن أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا".

إن المعارضة الجدية، التي تقدم نفسها بديلا للاستبداد لا يمكنها إلا أن ترفض القيام بدور "التياس" في الرئاسية و"الخمّاس" أو "الربّاع" في التشريعية، وتخوض المعركة من أجل تمثيل الشعب. وأكد المتدخل أن ضمان النجاح في المعركة من أجل تغيير المناخ السياسي الحالي وتوفير الضمانات القانونية لانتخابات حرة يقتضي ربطها بمشاغل الشعب وهمومه. وفتح هنا قوسا للحديث عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور ملاحظا ما تعانيه الطبقات والفئات الشعبية من بطالة وفقر وتهميش وتدهور للمقدرة الشرائية جراء غلاء المعيشة وضعف الأجور والمداخيل وتردّ للخدمات الاجتماعية (صحة، تعليم، نقل، سكن...) وتدهور للبيئة والمحيط وانتشار للأمراض الخطيرة (سرطان...) في الوقت الذي يشتد فيه احتكار الثروة من قبل حفنة من العائلات المتنفذة والشركات والدول الأجنبية ويستشري فيه الفساد في كافة المجالات. وأعطى حمه الهمامي أمثلة ملموسة على النهب الذي تمارسه العائلة الحاكمة ومحيطها لثروات البلاد وممتلكات المواطنين.

وعرّج الناطق الرسمي باسم حزب العمال على الوضع بالحوض المنجمي بڤفصة مبينا أن الانتفاضة الشعبية التي تشهدها هذه المنطقة وخصوصا مدن الرديف وأم العرائس والمظيلة تمثل دليلا واضحا على فشل اختيارات النظام ذات الطبيعة الرأسمالية التابعة والمتوحشة. كما أنها تمثل "بروفة" لما يمكن أن يحدث في مناطق أخرى من البلاد لأن المشاكل التي يعيشها سكان الحوض المنجمي هي نفسها التي يعاني منها السكان من أبناء الطبقات والفئات الشعبية في مختلف أنحاء البلاد وخصوصا في الشريط الغربي منها وفي الأحياء الشعبية في العاصمة وفي كبرى المدن الأخرى. لذلك ليس من المستبعد أن تحصل انفجارات اجتماعية كبيرة في المستقبل. واعتبر أن المعارضة مطالبة بالإعداد والاستعداد لمثل هذه الحالة وذلك بالالتحام بالشعب والرفع من وعيه حتى يدرك الارتباط بين الاستبداد من جهة والاستغلال والبطالة والفقر والفساد من جهة أخرى وهو ما يجعله يهتم بالمعركة السياسية ويقدم على خوضها من أجل تغيير نظام الحكم، فمن دون مشاركة الشعب الواعية والمنظمة لا أمل في التغيير، بل إن نظام الحكم سيجد نفسه دائما في وجه معارضة ضعيفة ومشتتة ومعزولة عن الشعب، وهو ما سيمكنه من إجهاض كل تحرك شعبي وجماهيري، عفوي وغير قابل للدوام، ومن التمديد في أنفاسه وإعادة ترتيب بيته في كل مرة.

وخلص حمه الهمامي إلى أن الأرضية التي يمكن أن تتفق عليها المعارضة من أجل تغيير المناخ السياسي الحالي وتوفير الشروط الدنيا لانتخابات رئاسية وتشريعية حرة على طريق إضعاف الاستبداد هي تلك الأرضية التي تشمل النقاط المذكورة في بعديها الاجتماعي والسياسي. وبيّن أن على المعارضة أن تستغل ما تبقى من وقت من أجل أن تتقدم نحو تحقيق أهدافها. وعليها أن تقوّم في كل مرحلة الوضع وتحدّد في الوقت المناسب الموقف العملي المطروح واتخاذه: فإذا تبيّن لها أنها حققت ما يجعل من مشاركتها فرصة لزعزعة أسس الدكتاتورية وفتح ثغرات فيها فما عليها إلا أن تختار المشاركة، وإذا تبيّن لها أن الأوضاع بقيت على حالها وأن الانتخابات ستكون كسابقاتها، مهرجانا تهريجيا، فما عليها إلا أن تختار المقاطعة. المهم أن لا تكون المشاركة مشاركة ديكور.

وهنا تطرق حمه الهمامي إلى موضوع المشاركة والمقاطعة، فبيّن أنهما شكلان من أشكال النضال وأن حزب العمال لا يتبنى هذا الشكل أو ذاك بصورة مطلقة، لأنه يعتبر أن الأوضاع هي التي تملي على أيّ حزب من الأحزاب أيّ الشكلين أنسب لتحقيق الأهداف المرجوة. وأضاف أن حزب العمال لا يتخذ من الآن موقفا محددا، وذلك حفاظا منه على العمل المشترك، وهو يركّز جهوده على النضال من أجل توفير شروط الانتخابات الحرة من مناخ سياسي وضمانات قانونية خصوصا وأنه ما يزال أمام المعارضة متسع من الوقت للتأثير في مجرى الأحداث، وتحديد الموقف المناسب في الوقت المناسب، أي قبل الانتخابات بمدة قصيرة.

وانتقد حمه الهمامي الذين يدافعون عن المشاركة بصورة مطلقة مؤكدا أن نظرتهم أحادية الجانب وضيقة الأفق، لأن المشاركة في غير وقتها تستحيل إلى ديكور للدكتاتورية وتنم عن عجز قاتل عن العمل من خارج منظومة الاستبداد. كما انتقد الذين يدافعون عن المقاطعة بشكل مطلق، لأنهم يفوّتون على أنفسهم فرصة الاتصال بالشعب وتربيته وتنظيمه حين تكون أسباب المشاركة متوفرة. وأوضح أن حزب العمال لئن قاطع الانتخابات إلى حد الآن فذلك بسبب غياب أدنى الشروط التي تعطي للمشاركة معنى وتكسبها جدوى سياسية واستشهد بما قاله كل الذين شاركوا بعد انتهاء مشاركاتهم، من أن الانتخابات كانت غير حرة وغير نزيهة وأن النتائج الناجمة عنها لا تعكس إرادة الشعب وهو ما جعل الناس يسألونهم عن سبب مشاركتهم فيها.

وأشار حمه الهمامي إلى أن الشعب التونسي، ما انفك يقاطع المهازل الانتخابية ولا يشارك فيها لأنه يدرك أن نتائجها محسومة مسبقا وأن صوته لن يكون له وزن. ولاحظ أن الشعب التونسي شعر مرتين بإمكانية اختراق الاستبداد وذلك سنة 1981 و1989، اللتين اضطر فيها نظام الحكم إلى تقديم بعض التنازلات، لذلك شارك في الانتخابات بنسبة كبيرة، ولكن النتائج زُوِّرَتْ كما هو معلوم.

ومن هذا المنطلق بيّن المتدخل أنه على المعارضة أن تعمل بجدية في صلب الشعب لتعبئته من الآن لتغيير المناخ السياسي، ووقتها سيكون من السهل دعوة الشعب إلى المشاركة. أما أن تنتظر المعارضة النصف شهر الأخير السابق للانتخابات لتدعوه إلى المشاركة في مهزلة لا يؤمن بجدواها فذلك خطأ فادح. فلا المشاركة ولا المقاطعة مجديتان إذا لم يتم الإعداد لهما مسبقا، فالأولى ستكون ديكورا والثانية انعزالية، لا تسهم في الارتقاء بوعي الشعب وتنظيمه.

وختم حمه الهمامي مداخلته بأن حزب العمال إذا قاطع الانتخابات فإن مقاطعته ستكون نشيطة أكثر من أيّ مرة سابقة.

أسئلة ونقاش
بعد أن أنهى حمه الهمامي مداخلته، فتح السيد كمال الجندوبي الباب للنقاش. ونقدم في ما يلي حوصلة لأهم ما أثير من الأسئلة.

1 – طرح السيد الحبيب المكني، القيادي "النهضوي" سؤالا على المتدخل حول كيفية مواصلة العمل المشترك في ظل الاختلافات الحالية حول الموقف من الانتخابات.

فأجاب أن إمكانية العمل المشترك ما تزال متوفرة، خصوصا في إطار "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" ذاكرا الأسباب التالية:

أ – حرص أهمّ مكونات "الهيئة" على التمسّك بالعمل المشترك على قاعدة الأرضية المتفق عليها والتي تتضمن مطالب أساسية، للجميع مصلحة في تحقيقها مهما كان الموقف العملي من الانتخابات، مشاركة أو مقاطعة.

ب – ضغط الواقع الموضوعي الذي سيقرّب من جديد مختلف الأطراف بعضها من بعض. فنظام الحكم استبدادي، دكتاتوري، وهو ليس من النوع الذي يقدم تنازلات ذات بال أو يقوم بإصلاحات، بل هو يتجه نحو سدّ الباب أمام أي مشاركة جدية في الانتخابات وهو ما من شأنه أن يدفع بمختلف القوى إلى تكتيل صفوفها لمواجهة الأوضاع المستجدة، وليس من المستبعد أن تتفق جل الأطراف على المقاطعة إذا لم تتوفر الشروط الدنيا لانتخابات حرة.

2 – طرح الأستاذ حسين الباردي على حمه الهمامي السؤال التالي: إذا كانت المشاركة لم تترك أثرا إيجابيا في الساحة، فهل تركت المقاطعة أثرا مغايرا؟

وقد أجاب مبيّنا أنه لا بدّ من الإقرار بأن المشاركة في مختلف المهازل الانتخابية التي أجريت في عهد بن علي منذ 1989، تمت دائما من داخل المنظومة الرسمية سواء تحت شعار "الوفاق الوطني"، أي الوفاق مع الدكتاتورية أو تحت شعار "دعم المسار الديمقراطي" أي دعم الديكور الديمقراطي وذلك بقطع النظر عن النوايا والإعلانات، وقد ساندت الأحزاب المشاركة ترشح بن علي للرئاسة في انتخابات 1989 و1994 و1999 وتقدمت بقائمات للتشريعية بنيّة الحصول على "نصيب" من الـ 20 بالمائة المخصصة للمعارضة في شكل رشوة سياسية. وهذه المشاركات لم تستفد منها الحركة الديمقراطية ولا الشعب التونسي بل استغلها النظام للادعاء بأن الانتخابات تعددية وأن هيمنة "التجمع الدستوري" نابعة من "قوّته" و"التفاف الشعب حوله". وفي سنة 2004 لما أراد "الحزب الديمقراطي التقدمي" المشاركة خارج مظلة النظام اضطر إلى الانسحاب لأنه استنتج أن المشاركة بصورة مستقلة غير ممكنة. أما السيد محمد علي الحلواني، الذي ترشح باسم "حركة التجديد" للانتخابات الرئاسية فقد حوصر في زاوية ضيقة ناهيك أنه لم يتمكن من توزيع بيانه الانتخابي ومن القيام بحملة عادية ولا حتى شبه عادية ومنح في النهاية نسبة أقل من واحد بالمائة. واستعملت مشاركته منذ ذلك الوقت من قبل أبواق النظام للادعاء بأن "الانتخابات الرئاسية كانت تعددية". وخلاصة القول إن ما نستنتجه من مختلف المشاركات أنها لم تعزز الحركة الديمقراطية بل أضعفتها وقسّمتها.

أما المقاطعة، فإنها انبنت على انعدام الشروط الدنيا لانتخابات حرة، ولا يمكن لأحد أن يزعم أن تلك الشروط توفرت في أيّ مرة من المرات ولو بصورة نسبية، فالمقاطعة إذن كانت سليمة من الناحية السياسية. ومن ناحية ثانية فإن المقاطعة لم تكن معزولة عن بقية أشكال المقاومة الأخرى للاستبداد بل كانت جزءا منها وكان هدفها فضح هذا الاستبداد وعزله والرفع من وعي الشعب. والمقصود بالأشكال الأخرى، كل الأنشطة التي كانت تقوم بها "جيوب المقاومة" السياسية والنقابية والحقوقية، التي ظلت قائمة رغم بطش نظام الحكم. ومن ناحية ثالثة فالمقاطعة لم تكن بالنسبة إلى حزب العمال مقاطعة سلبية و"وقوفا على الربوة" أو استقالة، بل كانت نشيطة، وفقا لإمكاناته وللحالة الموضوعية للبلاد. وليس أدل على ذلك من أنه ما من مهزلة انتخابية رئاسية وتشريعية وبلدية لم يتعرض فيها حزب العمال منذ تأسيسه إلى القمع. ففي عام 1986، اعتقل عمار عمروسية ورفاقه بڤفصة بمناسبة "الانتخابات" ولم يمرّ وقتها على تأسيس الحزب عام. وفي سنة 1989 و1990 تعرض العديد من مناضلات ومناضلي الحزب إلى الإيقاف والتعذيب. وكذلك في سنة 1994 و1995 (البلديات) ومن بين الحاضرين - بشير عبيد - من دخل السجن بسبب توزيعه مناشير تدين المهزلة الانتخابية وتدعو إلى مقاطعتها.

وأوضح حمه الهمامي: "أنه كثيرا ما يقول المدافعون عن المشاركة إنها توفر لهم فرصة للقيام بالدعاية والاتصال بالشعب. ونحن نعتبر هذا الكلام مبالغ فيه بل غير سليم إذ أننا نعرف جيد المعرفة محدودية الدعاية المسموح بها والتي لا تترك للمشاركة أثرا. فالبيانات تخضع لمراقبة وزارة الداخلية. وكذلك المداخلات في الإذاعة والتلفزة. ولا يوزع أو يبث منها إلا ما يرضي السلطة. والاجتماعات وإذا استثنينا ثلاثة منها وهي تلك التي عقدها السيد محمد علي الحلواني عام 2004 فإن الحاضرين فيها يعدّون أحيانا على الأصابع نظرا للضغط البوليسي المسلط على المواطنات والمواطنين بالإضافة إلى عدم إيمانهم بجدوى المشاركة في مهازل معلومة النتائج مسبقا". وأضاف حمه الهمامي قائلا: "وبالمقابل فإن المقاطعة على الأقل التي مارسناها نحن في حزب العمال، قامت بما قامت به المشاركة ولكن بشكل أفضل. فكما بيّن ذلك أحد المتدخلين فحزب العمال وزّع البيانات مع فارق هام وهو أن بياناته لم تخضع للمراقبة وقال فيها ما أراد أن يقول للشعب دون نقص أو مساحيق. كما أنه عقد اجتماعات سرية بالنشطاء في الجهات وكان عدد الحاضرين فيها يتجاوز أحيانا عدد الذين يحضرون في القاعات رغم المخاطر الأمنية التي تتهددهم. وإلى ذلك فإن العمل الدعائي لا يمكن أن يكون مناسباتيا، أي مرة في الخمس سنوات، فمن يريد تعبئة الشعب عليه أن يتوجه إليه باستمرار وفي كل القضايا المستجدة، فمنشور مرة في الخمس سنوات ليس هو الكفيل بتحريك الناس، فالمناسبات السياسية يقع الإعداد لها قبل مدة". وأنهى حمه الهمامي رده على هذا السؤال بالقول إن من الآثار الإيجابية للمقاطعة هو أنها أولا: حافظت على جذوة النضال متقدة، وثانيا: أسهمت في تجذير الخطاب السياسي والمواقف السياسية للمعارضة الديمقراطية وبالتالي جعلتها تطرح قضية الديمقراطية من جذورها، لا بصفة سطحية وانتهازية. وفي هذا السياق أشار المتدخل إلى الخطاب الموحد اليوم للمعارضة حول الاستبداد والدكتاتورية والديكور الديمقراطي والحكم الفردي المطلق والرئاسة مدى الحياة، وحول ضرورة التحول الديمقراطي الجذري، والمجلس التأسيسي، وهو خطاب كان في وقت من الأوقات محصورا في مكونات الحركة السياسية المقاطعة والداعية إلى قطيعة جذرية مع الاستبداد.

وأكد حمه الهمامي في خاتمة ردّه على هذا السؤال أن حزب العمال لم يطرح اليوم مقاطعة الانتخابات وذلك حرصا منه على ضرورة وحدة المعارضة من جهة وإيمانا منه بأن معارضة موحدة بإمكانها خلخلة موازين القوى وفرض تنازلات على السلطة يمكن استغلالها سواء للمشاركة إذا تراجعت السلطة أو للمقاطعة وخلق أزمة سياسية من جهة أخرى. وأضاف أنه مقتنع تمام الاقتناع بأن المعارضة إذا تخلت عن الحسابات الضيقة وقاطعت الانتخابات بصورة نشيطة فإنها ستخلق الحدث وتعمّق عزلة الدكتاتورية وتوضّح الرؤيا للناس.

3 – طرح السيد إياد الدهماني (الحزب الديمقراطي التقدمي) على المتدخل سؤالا حول ما إذا كان ينبغي انتظار تحقيق النظام الديمقراطي حتى يشارك المرء في الانتخابات؟ وأضاف أن الديمقراطية كانت في مختلف التجارب، نتيجة للانتخابات، وبالتالي فإن المشاركة عنصر أساسي للتقدم بالحركة نحو الديمقراطية.

وقد أجاب المتدخل على هذا السؤال الاستنكاري بأن وضّح أنه "من الخطأ أن يضع المرء نفسه بين احتمالين لا ثالث لهما، إما أن "يكتّف يديه" ويبقى ينتظر حلول الديمقراطية وكأنها ستَحُلّ بعصى سحرية ليتمتع بمزاياها أو يشارك في انتخابات لا تتوفر فيها أدنى الشروط الديمقراطية بدعوى أن المشاركة أفضل من الفرجة. في الحقيقة لا هذا الموقف ولا ذاك صحيح". فحزب العمال عندما يتحدث عن ضرورة توفر الشروط الدنيا للمشاركة في الانتخابات إنما يقصد أنه ينبغي النضال من أجل توفير هذه الشروط ينبغي العمل بشكل ملموس لتغيير موازين القوى وفرض الانتخابات الحرة، وإلا تحولت المشاركة إلى مجرد ديكور مهما كانت النوايا.

من جهة أخرى بيّن حمه الهمامي، أنه ليس صحيحا أن الديمقراطية كانت دائما نتيجة للانتخابات، بل العكس هو الصحيح، ففي التجارب التي عشناها خلال العقود الأخيرة تمّ أولا تغيير ميزان القوى السياسي في الأرض، وبعد ذلك إما أن الأنظمة الدكتاتورية أذعنت بعد مقاومة عنيدة، لحكم ميزان القوى وفسحت المجال للتغيير بما في ذلك إجراء انتخابات حرة نسبيا أوصلت قوى جديدة إلى السلطة، أو أنها سقطت تحت ضربات الشارع. هذا بالطبع دون الدخول في مناقشة طبيعة التغيير الحاصل والقوى التي قادته أو دعمته من الخارج.

4 – أثار السيد حمادي عوينة غياب البعد الاجتماعي في خطاب معظم القوى السياسية واعتبر ذلك ثغرة أساسية في برامجها وذكّر بما يجري في منطقة الحوض المنجمي بڤفصة من تحركات شعبية تمثل ردّا على اختيارات النظام، وانتقد لامبالاة العديد من القوى السياسية والمدنية تجاه هذه التحركات.

وقد ردّ حمه الهمامي بأنه يتفق تمام الاتفاق مع المتدخل على أن لا ديمقراطية سياسية دون ديمقراطية اجتماعية وفي هذا السياق بيّن أن حزب العمال إذ يناضل من أجل الحرية السياسية فلكي يتمتع بها العمال وعموم الشعب ويستعملانها سلاحا للتخلص من الاضطهاد بمختلف أشكاله. ومن هذا المنطلق فإن حزب العمال يرفض أن تكون الديمقراطية إطارا سياسيا لاستغلال العمال والكادحين ونهب ثروات البلاد وخيراتها في إطار التبعية للامبريالية وبالتالي يرفض أن تكون الديمقراطية شكلية، ولكنه يناضل من أجل أن تكون الديمقراطية الإطار الذي يحقق فيه الشعب سيادته على الدولة ومؤسساتها فتكون نابعة منه وفي خدمة مصالحه وتحت مراقبته كما يحقق فيها سيادته على خيرات البلاد وثرواتها ليستغلها لتحقيق حاجاته المادية والمعنوية والنهوض بوطنه. وهنا أكد حمه الهمامي أن حزب العمال لا يعارض نظام الحكم في اختياراته السياسية الاستبدادية فحسب، بل يعارض أيضا نهجه الاقتصادي النيوليبرالي وما يعنيه من انخراط في العولمة الامبريالية وخوصصة وتخريب للخدمات الاجتماعية وغلاء للأسعار وفتح البلاد أمام النهب الخارجي، إلخ. بعبارة أخرى فإن هدف حزب العمال لا يتمثل في "لبرلة" (libéralisation) النظام السياسي الحالي مع الحفاظ على قاعدته الاقتصادية والاجتماعية الحالية، وإنما هو تغيير القاعدة الاقتصادية تغييرا جوهريا بما يخدم مصلحة الشعب والبلاد وهو ما من شأنه أن يوفر القاعدة المادية لديمقراطية سياسية حقيقة. وفي كلمة فإن حزب العمال يرفض أن تكون الدولة، كما يدعو إلى ذلك البعض، جهازا في خدمة الخواص من الرأسماليين المحليين والأجانب، يهيء لهم ظروف استغلال العمال والكادحين التونسيين، بل يريدها جهازا ديمقراطيا نابعا منهم وفي خدمتهم.

وعبّر المتدخل عن اختلاف حزب العمال مع كل من يدافع عن اقتصاد السوق والخوصصة... أي عن النمط الاقتصادي الحالي لأنه هو المسؤول عن كل المآسي التي يعاني منها الشعب التونسي من بطالة وتهميش وفقر وتفاقم للفوارق الطبقية والجهوية، ولا يمكن الاعتقاد أنه من الممكن "أنسنة" الرأسمالية المتوحشة السائدة اليوم أو صبغها بصبغة اجتماعية.

وهنا أكد المتدخل أن حزب العمال لا يبحث عن تداول (alternance) على السلطة لتصريف شؤون البورجوازية الكبيرة والتابعة. بل إنه يناضل من أجل بديل (alternative) ديمقراطي، وطني، يترجم عن مصالح الشعب التونسي وطموحاته، وبالتالي بديل مغاير تماما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وديبلوماسيا لما هو موجود اليوم.

ومن الملاحظ أن عددا آخر من الحاضرين تدخّل للتعبير عن وجهات نظر تدعم آراء المتدخل في ما يخص الوضع السياسي أو أهمية التمشّي المشترك للخروج بالمعارضة من حالة التشتت التي هي فيها (فاطمة قسيلة) أو ضرورة إقدام المعارضة على مقاطعة المهزلة الانتخابية إذا لم توفر الشروط الدنيا للمشاركة، إلخ. كما اقترح لطفي الهمّامي في ختام اللقاء ترويج عريضة ضد الرئاسة مدى الحياة ومن أجل حرية الترشح للانتخابات الرئاسية.
[1] تم هذا اللقاء يوم 14 مارس 2008 مع السيد عامر العريض رئيس المكتب السياسي للحركة.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا