الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل عراقٍ خالٍ من ألتَعذيب

اسماعيل داود

2008 / 6 / 26
حقوق الانسان


بالنسبة لنا وللكثير من المهتمين بقضايا حقوق الانسان فان السادس والعشرين من حزيران يوم ليس كبقية الايام، ففي عام 1986 سَجَل هذا اليوم دخول اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة حيز النفاذ.هذه الاتفاقية التي تعتبر تتويجا للجهود الدولية للمناضلين من اجل الكرامة الإنسانية في مواجهة جريمة التعذيب ،وهي تلخص مسيرة 38 عاما مُنذ تأسيس الأمم المتحدة، تخللتها محطات مهمة منها إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبروتوكوله الملحق الثاني ومن ثم اعتماد ( إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة والذي اعتمدته الجمعية العامة في 9-12-1975 والذي حدد فيه تعريف للتعذيب على انه :" أي عمل ينتج عنه ألم أو عناء شديد، جسديا كان أو عقليا، يتم إلحاقه عمدا بشخص ما بفعل أحد الموظفين العموميين، أو بتحريض منه، لأغراض مثل الحصول من هذا الشخص أو من شخص آخر علي معلومات أو اعتراف، أو معاقبته علي عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، أو تخويفه أو تخويف أشخاص آخرين. "
ومن ثم استمرت المسيرة وتطلب الانتقال من صيغة الإعلان إلى صيغة الاتفاقية ودخولها حيز التنفيذ 11 عاما وتأكيدا لأهمية هذا الموضوع تستمر الجهود في تطوير الآليات الدولية الفاعلة وأخرها البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والذي دخل حيز النفاذ في 22تموز2006 .
و السادس والعشرين من حزيران هو اليوم الذي اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة ومنذ عام 1997 يوما عالميا لمناهضة التعذيب .وبهذه المناسبة نود أن نطرح من خلال هذا المنبر ضرورة تجديد جهودنا كمناضلين ومهتمين بحقوق الإنسان في العراق في سبيل عراق خال من التعذيب ، ولنا ان نقترح بلورة هذه الجهود في ثلاثة اتجاهات:
الاول : العمل من اجل مصادقة العراق على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو للاإنسانية أو المهينة وبرتوكولها الإضافي وبدون تحفظ
يكتسب هذا الامر اهمية خاصة خصوصا وان معظم الدول العربية قد صادقت على هذه الاتفاقية فمن مجموع 21 دولة عربية انضمت17 دولة للاتفاقية ،وللأسف مازال العراق من بين الدول الاربعة التي لم تنظم ليومنا هذا لهذه الاتفاقية الأساسية .
منذ سنين يناضل الناشطون في مجال حقوق الإنسان في العراق من اجل انضمام العراق لهذه الاتفاقية وبالرغم من الوعود الكثيرة التي قدمت من قبل، ما تزال مسودة قانون الانضمام المقدمة للبرلمان العراقي غير مقرة بالرغم من انجاز القراءة الثانية لها في أيار الماضي .
ومن الامور المثيرة للقلق هو عدم وجود أي ذكر للبروتكول المضاف على الاتفاقية في مسودة قانون الانظمام بل ان هنالك ، والاخطر من ذلك وجود بند يحض على التحفظ على المادة 20 من الاتفاقية نفسها، والتبرير الذي قدمته الحكومة العراقية ووزارة الخارجية العراقية على الأخص هو إن المادة تعتبر تدخلا في سيادة العراق. بامكان أي متفحص لنص تلك المادة وفقراتها الخمسة ان يستنتج بان القلق على ((السيادة الوطنية)) غير مبرر بتاتا ،حيث ووفق هذه المادة تم التأكيد على إنها موجهه للتعذيب الذي يمارس بشكل منظم ، والذي في حال وجوده وكما أشارت الفقرة واحد من هذه المادة فأن اللجنة الدولية ((تدعو الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات، وتحقيقا لهذه الغاية إلى تقديم ملاحظات بصدد تلك المعلومات)) وحتى في حالة قيام اللجنة بتحقيق سري فإنها وكما نصت المادة 3 تلتمس ((تعاون الدولة الطرف المعنية. وقد يشمل التحقيق، بالاتفاق مع الدولة الطرف، القيام بزيارة أراضى الدولة المعنية)) و عند إحالتها للنتائج تقوم اللجنة بإرسالها إلى الدولة الطرف ((وعلى اللجنة، بعد فحص النتائج التي يتوصل إليها عضوها أو أعضائها وفقا للفقرة 2 من هذه المادة أن تحيل إلى الدولة الطرف المعنية هذه النتائج مع أي تعليقات واقتراحات قد تبدو ملائمة بسبب الوضع القائم))
هذا بالإضافة إلى الفقرة 5 والتي تؤكد على سرية كل تلك الإجراءات في جميع مراحلها.

وبالرغم من هذا القلق المبرر ، هنالك بعض المؤشرات الايجابية على رغبة معظم أعضاء البرلمان العراقي (على الاقل كافراد) بتأييد الانضمام إلى هذه الاتفاقية وبدون تحفظ وهم يؤكدون على أهميتها وينطلقون من كونهم جزء ممن عانوا من هذه الجريمة الفتاكة في ظل النظام السابق، وهو عامل يجب استثماره في عملية المناصرة من اجل الانضمام إلى هذه الاتفاقية.

الثاني: مواجهة الادعاءات التي تبرر جرائم التعذيب

بالرغم من أهمية الإطار القانوني في مكافحة هذه الجريمة الحاطه من كرامة الإنسان إلا انه وللأسف لوحده أمر غير كاف، ففي معظم البلدان العربية وضمنها تلك التي صادقت بدون تحفظ ، ما تزال جريمة التعذيب متفشية فيها وبشكل ملحوظ ،والسبب قد يكمن في النظر إلى التعذيب كوسيلة لحماية ((الأنظمة السياسية)) و((امن مواطنيها)) من التهديد خصوصا تلك الدول التي تعاني من وضع امني استثنائي ، وللأسف يحضا هذا الادعاء بقبول، بالرغم من إن حضر التعذيب هو حق أساسي لا يمكن تجميده أو تعطيله حتى في ظل أي من الظروف ومنها ظروف الحرب أو الطوارئ وهو ما نصت عليه المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وفي العراق الذي صادق ومنذ العام 1971 على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الملزم والذي نصت الفقرة 7 من على عدم جواز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطه بالكرامة والذي حدد دستوره الجديد المقر في تشرين الاول من عام 2005 موقفه الرافض للتعذيب ومبرراته، ماتزال وللاسف تساق نفس المبررات التي سمعناها في ضل الانظمة السابقة للتغطية على جرائم التعذيب. او ببساطة يتم وصفها على انها تصرفات فردية.

وبينما يبرر هذا السلوك الشائن لطالما كونه وسيلة لاستخراج المعلومة فأننا نشير الى العكس من ذلك تماماً ،بالطبع من تقيد يديه ومن تستخدم ضده الة قلع الاظافر او من يسلط نحو ركبتيه المثقب الكهربائي او من يسلط نحوه اجهزة الصعق الكهربائي ويتم تهديده بالاغتصاب سيتكلم باي شئ سيضمن له الخلاص من يدي جلاده ،لكن هنالك فرق كبير بين ما يقوله وبين الحقيقة ، اثبتت التجارب ان المعلومات التي تجمع بهذه الطريقة هي في الاغلب زائفة كما ان التعذيب الممنهج سيكرس وجود شرخ في نظام العدالة وسيجرد النظام السياسي القائم من أي مشروعية وسيؤدي إلى انهيار الثقة بين المواطن وبين النظام القائم ،
بينما يمكن اعتبار المشروعية التي يمكن أن يحضا عليها النظام من إتباعه الأساليب القانونية والإنسانية العادلة في تطبيق القانون مصدر مهم لبناء الثقة وهو مايوفر كم واسع وحقيقي للمعلومات حول أي خطر ممكن أن يواجه الدولة أو المواطن ، ونحن العراقيين وبعد كل ما خبرنها طيلة الفترة الماضية لا يجب ان يكون لدينا ادنا شك بذلك
إن وجود إرادة سياسية حقيقية هو أمر حاسم لمكافحة هذه الآفة لذا يجب المطالبة بموقف سياسي واضح ضد هذه الجريمة يتمثل برفع الجهاز الحكومي أي نوع من أنواع الحصانة عن كل من يعطون أمرا أو ينفذون أو يسكتون عن جريمة التعذيب، وان يتم احالتهم الى القضاء على ان يكون التعامل مع نتائج التحقيقات والمحاكمات التي تتعلق بهذا النوع من الجرائم علني ،واملنا من القضاء العراقي تاكيد الالتزام المطلق بما جاء بالدستور العراقي الجديد وخصوصا الفقرة ج من المادة 35 والتي تنص
((يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقاً للقانون.))
وان يتم التعامل مع حالات التعذيب بشكل شفاف يضمن اطلاع الرأي العام حولها، ان وجود حالات نقضت فيها المحكمة اعترافات المتهمين بسبب شكها بان هذه الاعترافات قد اخذت عن طريق اخضاع المتهمين للتعذيب هو بالتاكيد مؤشر ايجابي ويجب التاكيد ليصبح الحالة السائدة كما ويجب ان ترافقه حملة للتعريف بتلك الحالات والتاكيد على حق القضاء المستقل في التحري عن جرائم التعذيب وانصاف الضحايا ومحاسبة الجلادين. عندها يصبح وصف بعض جرائم التعذيب كنوع من السلوك الفردي لهذا المحقق أو ذاك الضابط أمر ممكن ، وعدا عن ذلك تبقى حجة إن التعذيب هو سلوك فردي حجة غير واقعية ألبته.

كما ومن المؤكد إن من حق الافراد الذين تعرضوا للتعذيب بشكل خاص والشعب العراقي بشكل عام و ،إن يطالب بمحاكمة عادلة وبتعويضات من الادارة الأمريكية عن ما انتهجته قواتها المحتلة من تعذيب مُمنهج في السجون التي إدارتها في العراق وحق التعويض عما أنتجه هذا السلوك من ضرر بدني ونفسي وعوامل عنف وحقد راح ضحيتها مئات الألوف من المدنيين العراقيين. في مقابلة مع احد السجناء السابقين في سجن ابي غريب قال (( هل تريدون حقا ان ادلكم على معسكرات لتدريب الانتحاريين ، زورا السجون التي تديرها قوات الاحتلال)) وهو وصف مختصر وواضح لما تنتجه سياسة التعذيب والاذلال الممنهج.

الثالث: إحداث ثورة في مناهج التحقيق والبحث الجنائي في العراق
من ناحية المفاهيم السائدة ومن ناحية تحديث أدوات وتقنيات التحقيق والبحث الجنائي و التي يمكن استخدامها وبشكل يتلاءم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.وذلك مهم وممكن عن طريق المطالبة برسم استراتيجية واضحة في هذا المجال وبتخصيص الميزانية المالية اللازمة لتطوير هذا الميدان وتوفير الخبرات التي اثبتت احترامها الكرامة الانسانية

ان العمل على مناهضة التعذيب هو عمل مباشر لصيانة مبدا سيادة القانون وصيانة العدالة ،هي دعوة باسم ضحايا جريمة التعذيب في العراق طيلة تاريخه السياسي ان يساهموا بجهودهم لمواجهة هذه الافة القاتلة ،كما قال الدكتور لوران سوبيليا، المشرف على مركز "فحص ضحايا التعذيب والحروب" في جنيف و رئيس المركز الذي يعالج الضحايا والجلادين أيضا، "يجب أن ندرك أن المجتمع الذي يستخدم أساليب التعذيب هو مجتمع مريض ومصاب بخلل".
اسماعيل داود-ناشط في مجال حقوق الانسان









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال