الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعتذارعن جرائم الانفال والابادة الجماعية مسؤولية اخلاقية وخطوة باتجاه ازالة الفوارق القومية

صلاح كرميان

2004 / 1 / 24
القضية الكردية


بالرغم من كون الرئيس الامريكي السابق بيل كلنتون ولد في عام 1946 اي بعد مضي 14 سنة علىتجارب " معهد توسكيجي " التي بدأت عام 1932، الاّ انه وبتاريخ 16/3/1997 قدم اعتذارا صريحا نيابة عن حكومة  الولايات المتحدة الامريكية امام " هيرمان شو " الامريكي الاسود الذي كان يبلغ من العمر 95 عاما في تلك السنة وكان احد ضحايا تلك التجارب اللاإنسانية، ومن خلاله الى أسر جميع الضحايا الذين تعرضوا الى تلك التجارب بالكذب والتحايل والخداع. وقد القى كلنتون كلمة في تلك المناسبة جاء فيها:

" لقد اقدمت حكومة الولايات المتحدة على عمل يعتبر خاطئا بكل المعاني وخاطئ اخلاقيا، وكان ذلك اعتداءا على التزامنا بالوحدة والمساواة لكافة مواطنينا. بأمكاننا ان ننهي الصمت. ونوقف ادارة رؤوسنا باتجاه آخر. بأمكاننا النظر اليك محدقا في عيونك وفي الختام نقول بالنيابة عن الامريكيين ان ما اقدمت عليه حكومة الولايات المتحدة الامريكية كانت مخجلة، وانني آسف."

دعمت تجارب معهد توسكيجي من قبل الحكومة لاجراء الابحاث حول تأثيرات مرض السفلس بين الامريكيين السود حيث بدأت سنة 1932 واستمرت الى سنة 1972. وقد خضع 399 امريكيا اسودا من "مقاطعة ماكون في ولاية الاباما" لاجراء تلك التجارب عليهم ولم يقدم اي رئيس امريكي باستثناء كلنتون على تقديم الاعتذار للضحايا واسرهم.

قامت المانيا و كطريقة لتقديم الاعتذار لضحايا الهولوكوست ضد اليهود في المانيا بأصدار طابع تذكاري بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لميلاد " آن فرانك ". وكذلك قامت سويسرا بالاعتذار عن اليهود لدورها في تعليق ممتلكاتهم. وفي سنة 1995 قام الرئيس الفرنسي جاك شيراك باعتراف متأخر ولكنه كان ضروريا حول دور فرنسا في معاملة اليهود اثناء الحرب، حيث كان له دور في انهاء نصف قرن من التملص.

وفي استراليا وفيما يتعلق بمسألة " الجيل المسروق " التي تعتبر جريمة لاأنسانية ارتكبها المحتلين الانكليز بحق سكان أستراليا الاصليين " الابورجنيين " وذلك بسرقة الفتيات الصغار من ذويهم واستخدامهن لاغراضهم وخدمة نواياهم. ورغم عدم قيام رئيس الوزراء الاسترالي "جون هاورد" بتقديم اعتذار صريح الاَ انه اعرب عن ندمه للسكان الاصليين نيابة عن الحكومة الاسترالية.

الغرض من التطرق الى الحالات الواردة اعلاه ليس اضفاء صبغة العدالة على تلك الحكومات او الانبهار بالمساواة والديموقراطية التي تدعيها حيث لاتخفى ماهية النظم التي تتحكم فيها. وانما لكي نقطع الحجج و المبررات التي قد يلجأ اليها البعض للتهرب من المسؤولية كونهم غير معنيين عن ما قام به الطاغية المهزوم صدام ولم يكونوا ضمن اركان نظامه اثناء تنفيذ الجرائم الوحشية التي ارتكبتها اجهزة النظام القمعية وبالتالي ليسوا ممن عليهم تقديم الاعتذار لضحايا النظام المباد.

اذا ما قورنت الجرائم التي اسلفنا ذكرها وعلاقة المسؤولين الحاليين في تلك البلدان بالمسؤوليين المباشرين على ارتكابها والفترة الزمنية التي مضت على وقوعها بالاعمال البربرية التي نفذت بحق الشعب الكوردي نتيجة سياسة التمييز العنصري وبالاخص جرائم مذابح الانفال الغنية عن التعريف، من حيث اسلوب تنفيذها وعدد ضحاياها، فأن الاعتذار لاتكفي فقط من المسؤولين العراقيين الحاليين بل يجب على كل رؤوساء العرب والامين العام للجامعة العربية والدول الاخرى التي ساهمت في دعم نظام صدام بتزويده بالاسلحة والمعدات وكل انواع المساندة وكذلك جميع الاحزاب والمنظمات التي ايدته وشجعته في المضي في تنفيذ تلك الجرائم، يجدر بهم جميعا تقديم الاعتذار الصريح لضحايا جرائم الانفال البربرية وأسرهم.

ان عمليات الانفال الفريدة في وحشيتها تعتبر اكبر الجرائم مأساوية نفذت بحق الجماهير الفقيرة في كوردستان، وان قيام النظام بأجراء تجارب الاسلحة الكيمياوية واختبار مدى قوتها التدميرية على الاطفال والنساء والرجال المؤنفلين قد نفذ بأمر من الطاغية المهزوم صدام بصفته رئيسا لدولة العراق العضو في جامعة الدول العربية وبصفته احد الرؤساء العرب ونفذ جرائمه باسم الامة العربية والدفاع عن وحدة اراضيها. وكان صدام ولحين ارتكاب حماقته في غزو الكويت مبعث فخر واعتزاز للدول العربية حكاما وشعوبا، ولم يبدر احد من المسؤولين العرب الى هذا اليوم ورغم اكتشاف حقيقة جرائم النظام للعالم كلمة ادانة او استنكار او اعتذار لضحايا جرائم النظام. وحتى ان امريكا اشارت الى قصف مدينة حلبجة بالقصف الكيمياوي على لسان الرئيس الامريكي ووزير خارجيته بصورة رسمية كدليل على وجود اسلحة الدمار الشامل لتبرير احتلاله للعراق ولكنها لم تعترف رسميا بجرائم الانفال كجرائم الابادة الجماعية.

ان ما يدعو الى الاستغراب والتساؤل هو عدم ايلاء الاهتمام بضحايا مذابح الانفال من قبل الاطراف المتواجدة على الساحة السياسية العراقية الذين ينادون بالاخوة العربية الكردية في عراق موحد حتى ولو بكلمة الاعتذار عن ما تعرضوا له من المآسي، كلمة قد تخفف من الالام التي خلفتها هول الجرائم وتخلق مناخا من الثقة والاطمئنان بمستقبل جديد خالى من الافكار العدائية الشوفينية ويخلق شعورا نفسيا للشعب الكوردي بانهم يقدرون معاناتهم ويؤيدون عمليا مساواتهم وشراكتهم ضمن العراق.

يبدو ان الاعتذار ليس محط اهتمام او لربما لم تتخذ كظاهرة حضارية لدى السادة المسؤولين الذين يتبوأون المناصب والمواقع العليا في عراق ما بعد صدام. هل يعقل ان لايكون لمجلس الحكم الانتقالي صلاحية من هذا النوع الاّ بالرجوع الى الحاكم الامريكي بول بريمر. فيما نرى الاهمال المتعمد لقضية حيوية كهذه، نلاحظ ان مجلس الحكم يتسارع الى اصدر قراره المرقم 137 المنافي لحقوق المرأة العراقية وكخطوة كبيرة نحو استعباد المرأة من قبل الرجل.
 هل يعقل ان يجهل السيد جلال الطالباني مدى ضرورة الاقدام على خطوة كهذه اثناء دورة رئاسته لمجلس الحكم الانتقالي، والاّ لماذا لم يقدم عليه ويجعله واقعا مفروضا، اوما الذي ابداه الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي يتزعمه من خطوات في هذا المضمار، ونفس السؤال يوجه الى الحزب الديموقراطي الكوردستاني ونحن بانتظار دورة رئاسة السيد مسعود البارزاني لمجلس الحكم الانتقالي لنرى مدى الاهتمام الذي سوف تلقاه هذه المسألة الاخلاقية المهمة من قبله.

لقد حان الوقت لان يصار الى العمل من اجل تقديم الاعتذار بصورة رسمية الى ضحايا مذابح الانفال والقصف الكيمياوي لمدينة حلبجة وجرائمه الاخرى في قتل وتشريد الالاف من الكورد الفيليين والبارزانيين وغيرها من الجرائم،  من قبل كل من رئيس مجلس الحكم الانتقالي باسم الشعب العراقي والامين العام للجامعة العربية باسم الدول الاعضاء فيها، وذلك باعتبارها تلك الجرائم جرائم الابادة الجماعية المنظمة خططت لها ضمن سياسة التميز العنصري التي انتهجها النظام المباد والامثلة التي اوردت في مقدمة هذه السطور يفند كل الحجج التي قد تتخذ كمبررات لعدم الاقدام على مثل هذه المبادرة الحيوية التي لابد منها لازالة اي شكل من اشكال التمييز بين ابناء الوطن الواحد الذي ينشدونه. وان مثل هذه الخطوة كفيل باعتبار تلك الجرائم جرائم الابادة الجماعية والاعتراف بها دوليا وتعويض اسر الضحايا على ضوءها.

24/1/2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال


.. ماذا ستجني روندا من صفقة استقبال المهاجرين غير الشرعيين في ب




.. سوري ينشئ منصة عربية لخدمة اللاجئين العرب