الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل من روزا لوكسمبورغ

روزا لوكسمبورغ
(Rosa Luxemburg)

2017 / 6 / 26
الادب والفن


[اخترنا في هذا المجال مقاطع من رسائل كتبتها روزا لوكسمبورغ، الثورية الألمانية، التي لقبها لينين بنسر الماركسية المحلق، وقادت مع كارل  ليبنخت الثورة الألمانية عام 1918 –1919 قبل أن يسقطا معاً بنيران الاشتراكيين الديمقراطيين، قادة جمهورية فايمار. وهي موجهة إلى صديقها هانز ديفانباخ، الذي قتل خلال الحرب العالمية الأولى، على الجبهة الغربية، مع مقطع صغير مقتطف من رسالة إلى زوجة ليبنخت، " صوفيا ريس" أو سونيتشكا، كما كانت تسميها، بسبب أصلها الروسي. والرسالة الأخيرة كتبتها لها بعد تلقيها خبر مصرع حبيبها هانز"].
التجمع الشيوعي الثوري

 
إلى سونيا   
 
"آه كم أفهمك حين تقولين إن كل نغمة جميلة، كل زهرة، كل يوم ربيعي، كل ليلة قمراء، توقظ فيك الرغبة والحنين إلى أجمل ما يمكن أن يقدمه هذا العالم. وكم أفهمك حين تقولين إنك "مغرمة" بالحب! بالنسبة لي، كان الحب على الدوام، (ولايزال؟…) أكثر أهمية وأكثر قدسية من الموضوع الذي يحركه. لأنه يمنحنا القدرة على رؤية العالم وكأنه من قصص الجنيات المتألقة لأنه يعملق الأشياء الأكثر تواضعاً وبساطة، ويرصعها بالجواهر؛ ولأنه يسمح بالعيش في النشوة...".
 
إلى هانز
قلعة فرونكة في بوزنانيا 7/1/1917
 
إن مأساة "سيلامب" (*) قد كانت بالنسبة لي طعنة أقسى مما تتصور. طعنة موجهة إلى سلامي الداخلي وصداقتي. سوف تحضني على الشفقة. أنت تعلم أني أتفاعل وأتألم مع كل مخلوق. حين تنزلق نحلة في محبرتي، أغسلها ثلاث مرات بالماء الفاتر وأنشفها على شرفتي في الشمس لأعيد لها شيئاً من الحياة. ولكن قل لي، لماذا لا يتعين علي في هذا المجال أن أشفق على الطرف الآخر، المحروق حياً، والمجبر في كل يوم يمنحه إياه الرب على المرور بالحلقات السبع لجحيم "دانتي"؟ أكثر من ذلك، إن لشفقتي كما لصداقتي، حدوداً واضحة تماماً: إنها تنتهي بالضرورة حيث تبدأ الخسة. إن على أصدقائي بالفعل أن يخضعوا للمتطلبات الأكثر دقة، ليس فقط حياتهم الرسمية بل حياتهم الخاصة الأكثر حميمية. إن إطلاق الجمل الطنانة عن الحرية الفردية ثم في الحياة الخاصة، استعباد نفس بشرية، بهوى مجنون، فهذا ما لا أفهمه ولا أتسامح به. إني ألحظ هنا غياب عنصرين أساسيين من طبيعة المرأة: الطيبة وعزة النفس. يا إلهي! مذ أشعر ولو عن بعد، أن أحدهم لا يحبني، فإن ذهني يبتعد من أفقه، كما عصفور مذعور. وبعدها، يبدو لي مجرد تلاقي أنظارنا، جرأة بحد ذاتها! كيف يمكنهم، نعم، كيف يتمكنون من الاسترسال هكذا؟ سوف تستحضر مبرر الألم الذي لا يطاق. حقاً يا "هانزهن"، إن أعلن لي أفضل أصدقائي: - "خيار وحيد مطروح أمامي، اقتراف دناءة أو الموت من الألم" فإني سأجيبه باطمئنان كامل: - "حسناً مت!". حيالك، لدي الثقة المطمئنة، المريحة، بأنك عاجز عن اقتراف عمل دنيء ولو بالخيال. رغم أن طباعك، طباع الأشقر الباهت، ويديك الباردتين على الدوام، كثيراً ما تغيظني، أقول رغم كل شيء، فلتتبارك برودة الطباع إذا ضمنت لي أنك لن تهجم أبداً، كالنمر، على سعادة وسلام الآخرين. ولكن الأمر هنا لا يتعلق بالطباع. تعلم أني أمتلك منها، مقداراً كفيلاً بإحراق حقل كامل، ورغم ذلك، فإن سلام الفرد ورغبته البسيطة، مقدسان عندي، وإني أفضل الموت من الحزن على إلحاق الأذى بهما. يكفي بهذا الخصوص. عداك، لا أتكلم عن هذه القضية المحزنة مع أي مخلوق.
متى ستنهون أخيراً هذه الحرب، لنتمكن من جديد من الاستماع إلى "فيغارو". مع الأسف! أشك في أنك تتخلى لآخرين سواك عن الانتصارات على الفرنسيين، وتكتفي بانتصارات أكثر سلماً وسكوناً على الفرنسيات، أيها "السافل" الصغير! لذا الحرب لا تتقدم! ولكني أمنعك من جميع "الإلحاقات" أتسمع؟ وإني أصر قبل كل شيء على الحصول على تقرير مفصل وعلى "اعتراف كامل، مليء بالتوبة".
قلبياً
 
 
فرونكة  23/6/17
 
هانزهن، أسعدت صباحاً. ها أنذا من جديد. أحس اليوم أني وحيدة للغاية، ويجب أن أتعزى قليلاً بالثرثرة معك. كنت بعد ظهر اليوم، ممددة على الكنبة للقيلولة كما وصف لي الطبيب، وكنت أقرأ الجرائد. وبما أن الساعة كانت تشير إلى الثانية والنصف، قررت أن وقت نهوضي قد حان. ولكني بعد لحظة، نمت سهواً وحلمت حلماً رائعاً، دافقاً ولكن مبهماً. أذكر فقط أن شخصاً عزيزاً كان بقربي، وإني كنت ألمس شفتيه بإصبعي وأسأل: "- لمن هذا الفم" وكان الشخص المعني يجيب – "إنه لي" "كلا – كنت أصيح ضاحكة – هذا الفم ملكي أنا". واستفقت وأنا أضحك لهذا الهذر. وتطلعت إلى الساعة. كانت لا تزال تشير إلى الثانية والنصف. يبدو أن هذا الحلم الطويل قد دام لمدة ثانية واحدة، ولكنه ترك لي الإحساس بتجربة لذيذة فعدت إلى الحديقة راضية. هناك كنت سأظفر برؤية شيء آخر جميل. حط عصفور "أبو الحن" على الحائط خلفي تماماً، وراح يغني لي لحناً صغيراً. إجمالاً، العصافير الآن منشغلة بهموم عائلية، ولا يسمع أحدها صوته إلا من حين لآخر، كما فعل اليوم فجأة "أبو الحن" الصغير، الذي كان قد زارني في شهر أيار مرات قليلة. لا أدري إن كنت تعرف جيداً هذا العصفور الصغير وغناءه – أنا لم أتعلم التعرف عليه إلا هنا، كما حدث على كل حال مع أشياء كثيرة أخرى – وإني أفضله بلا أدنى مقارنة على العندليب الذائع المجد. إن غناء العندليب الفاقع، يشبه كثيراً غناء "سيدة أولى"، يذكر كثيراً بالجمهور، بالانتصارات المسكرة، بأناشيد المديح الحماسية. "لأبي الحن" صوت خافت رقيق، وهو يغني نغماً غريباً، حميماً، يشبه النداء، يشبه نوبة الصباح. هل تذكر صوت ذلك البوق البعيد والمحرر في فصل السجن من أوبرا "فيداليو" الذي كان بمعنى ما، يبدد ظلمة الليل؟ إن غناء "أبي الحن" يذكر بشيء من هذا القبيل تقريباً، ولكنه ملطف بزغردة في غاية الرقة، لدرجة يبدو معها وكأنه محجوب تماماً، كذكرى حلم متلاش. إن قلبي يرتعش إثارة ومعاناة، لدى سماعي هذا الغناء، فأرى وجهاً جديداً لحياتي وللعالم، كما لو كانت الغيوم تتبدد، ويسطع على الأرض شعاع شمس براق. واليوم، فإن هذا الغناء الرقيق على الحائط، والذي لم يستمر أكثر من نصف دقيقة، قد ملأ صدري بفيض من الحلاوة والحنان. وندمت فوراً على كل أذى أوقعته يوماً ببشر، على كل قسوة أحاسيس، أو خاطر، مارستها. وقررت مرة أخرى من جديد أن أكون طيبة، طيبة بكل بساطة وبأي ثمن. هذا أفضل من أن أكون "على حق"، وأن أحاسب بدقة على كل إزعاج صغير. وقررت كذلك أن أكتب إليك اليوم فوراً، ولو أني قد وضعت منذ الأمس، على طاولتي، لائحة دونت فيها، سبع قواعد للحياة، عنوان الأولى ألا أكتب رسائل. أترى، هكذا أراعي "قواعد الحياة الصحيحة" التي وضعتها لنفسي. إن ضعفي لكبير.
*  "سيلامبوخ" قرب شتوتغارت حيث كانت تقيم عائلة "زتكن". كانت كلارا متزوجة، للمرة الثانية، من رجل يصغرها بعشرين عاما الرسام "فريدريك زوندل" وكانت علاقتهما محطمة ولكن كلارا كانت ترفض الموافقة على الطلاق الذي لم يعلن إلا بعد الحرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في