الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما يكون لون جواز السفر زفتيا ؟!

خالص جلبي

2008 / 9 / 3
حقوق الانسان


فهل هو قدر الزفت لمواطن منكود ووطن منكوب؟ أو لا قيمة للون بل الانتماء؟
لون جواز السفر (الباسبورت) الكندي قاتم معتم، ولون جواز السفر الأوربي أحمر زاهي، وهناك من الجوازات ما هو أخضر فاقع أو كحلي غامق، ولكن هل يلعب لون الجواز أي دور؟
وأنا أعرف مشكلة (جواز السفر) منذ أن وعيت؛ فقد حيل بيني وبين العديد من الوظائف، مع أحقيتي في بلدي، ولكن العلم آخر ما به يفكرون والمهم الولاء الحزبي والتعصب المذهبي؟ فاضطررت أن أبحث عن أرض ألجأ إليها تؤمن لي الرزق والأمان، بعد أن لم يبق أمان لطير وبطة، ويعسوب ونحلة، في الشرق المنكود المنكوب.
وأعرف من صديقي (شكري) أنه لجأ إلى الأرجنتين في أقصى الأرض حيث طاف ماجلان، فبذل العظيم من الأموال في أراضي الجنرالات، وفاز بجواز سفر أرجنتيني ومواطنة، وهو لم يجلس في البلد ساعتين أو ثلاث؟ وكان هناك من يعمل على تهجير المساكين من وطنهم كما فعلت تلك اليهودية النشيطة من مونتريال، بتهجير اليهود من الشرق لمدة خمس وعشرين سنة، وكان أكثر ما يثقلها هو طلب رؤوساء الفروع الأمنية طلبات صعب تحصيلها؟ مثل الدولار الكاش في بلد ليس فيه كش وكاش؟ أو عاهرة بيضاء سمينة شقراء؟ وهذه تحتاج للاستيراد؟
نشرت كل هذا الكلام صحيفة (مونتريال جازيت) وقرأتها أنا بحزن وقرف ولكن لا جديد تحت الشمس؟
أما صديقي (زايد) فقد لجأ حيث وصل كولومبس إلى جزيرة أسبانيولا؛ ففاز بجواز سفر من الدومينيك، بمبلغ خمس وعشرين ألف دولار، ما يقترب من ميزانية الجزيرة المنكوبة بالفقر والفوضى.
ولا يهم ... والمهم هو الفوز بجواز سفر ينجو فيه من قبضة العصابة ورجالها إذا زلزلت الأرض زلزالها؟
والرجل ودع البلد وهو من خيرة الأدمغة، لأنه لم يبق وطن وأدمغة بل غابة وعصابة؟
قلت له: ضيع جواز السفر قاصدا!! ثم اذهب لسفارتهم الفقيرة، أو من يمثلها، وانظر هل تمنح جواز سفر (بدل فاقد) أم ذهبت الدولارات في جيب عصابة جديدة؟
و(أبو كمران) العراقي صديقي هرب من صدام المشنوق قبل أن يشنق، فلما حان وقت تمديد الجواز، مدّده بنفسه، بخط يده؟ فدخل منطقة الحرام بعد أن لم يبق حلال بيد الديكتاتور والجلاوزة!
كما كان يقول صديقي أبو كمران؟
ثم حدثت له واقعة ودع بعدها أرض العروبة تماما، فلأنه يحمل جواز سفر الأتراك (العصملية) ولكنه ينطق اللهجة العراقية، فقد سال لعاب الرفاق في بلاد الشام لاستضافته إلى الدولاب والفلق، هو وزوجته المصونة، بعد أن لم يبق صيانة وكرامة، فانتبهت زوجته الذكية أن تراجع السفارة التركية؟ فكان يوما مشهودا، طرد فيه السوريون من كوة التأشيرات بدون كرامة، عقوبة لهم، وجرى اتصال على أرفع مستوى، وهدد الأتراك كعادتهم أن يحيلوا البلاد نارا إذا نالوا من مواطنهم التركي، فطوقوا الحالة، وخرج العراقيان بسلام وهما ينفضان غبار الموت عن أحذيتهم؟ بعد أن صمتت شهريار عن اللسان العربي، وأصبح كلامهم كله: جوزال جوزال ...إيشك أوغلي إيشك؟
وأنا شخصيا جرت لي واقعة التمديد، فاتصلت بالسفير الهمام، وكنت راجعا من بلاد الجرمان، أشعر بالكرامة والأمان فأخطأت التقدير؟ فطلبت التمديد، فبدأ يتكلم معي بطريقة حركت عندي مخاوف المنعكسات الشرطية القديمة كلها؛ من فزع وقرف ومهانة وامتهان، ولم يكن بد من التمديد، فجاء رجل من جدة فقال إنه يعرف رجلا من القراصنة المرتشين في السفارة من يقبض 500 ريال ويمدد؟ لاكتشف لاحقا أن أرقام وأختام تجديد الجواز مركبة خيالية، وختم بلاستكي معمول في بلاد الأسبان بخمس ريالات، ولكن حصدت العصابة مئات الآلاف من الريالات، من جيوب المنكوبين المغضوب عليهم من أمثالي، الذين غسلوا اليد من الوطن سبعا إلى المرافق بالتراب أحدها بزيت الكاز... إلى الأبد إلى الأبد... كما هي شعارات الرفاق؟
وحاصل الكلام أن لون الجواز ليس بأهمية؟ ولكن بأي دين يدين الجواز ومن صاحبه؟ هل هو عربي مخيف؟ أم فلسطيني مشرد؟ أم يعربي هارب؟ أم كردي لاجيء؟ أم آشوري شارد؟؟
وحين كتبت مقالتي حول تحولي إلى (بدون) بإرادتي، كما هو حال صديقي محمد عزيز ظاظا الكردي الذي سحبت منه الجنسية، فلجأ إلى براغ ثم حطت به الرحال في أربيل، أرسل لي أخ غاضب، كيف أصف لون جواز بلده بأنه زفتي؟! وبأنه نكران للوطن! وبأنني كردي حاقد (ولست بكردي وأنا أحترمهم وأتعاطف مع قضيتهم في العدالة)؟ وأنني أنكرت جميل الوطن؟ كذا؟
وأنه سيرفض كتاباتي، ولن يطالع بعد اليوم كلماتي، وأنه تبرأ مني ، كما فعلت يهود بإعلان براءتهم من سبينوزا، مع إضافة طعنة في رقبته، فلم يكتب له الموت بالطعن والطعان؟
والحقيقة أن جواز السفر من البلد المنكوب، ويلحقه الكوري بفارق حرف، والكوبي بفارق حرفين، هم سود مثل الغربان المنحوسة، ولحامله كالليل البهيم، والحلم السقيم، والكابوس الغادر، فهو في الداخل لعنة، ومن الخارج لعنتين؟!
يقبض عليه في الداخل داخل الدولاب والفلق، ومن الخارج لا يعطى تأشيرة لبلد؟ فهو محجوز مرتين، مسجون ثلاث مرات في لعنة لا تنتهي ظلالها، لا بارد ولا كريم...
وفي يوم دخلت مطار فرانكفورت بالجواز الزفتي، وكنت مع كوكبة من الأوربيين؛ فأفردوني مثل إفراد البعير المعبد (الجربان)؟
قلت معهم حق، لأنه قبل يومين كان أحد المجرمين المحترفين، قد قتل بنان الطنطاوي في بيتها بسبع رصاصات فجر بها جمجمتها، بعد أن اختبأ خلف جارتها الألمانية، بغدارة وطبنجة وخنجر الحشاشين!!
ولكن هل لو كان لون جواز السفر البلد المنكوب متعدد الألوان كان سيدخل البهجة للقلب؟ أم الرعب؟ وأن لا يشهق المواطن على الحدود، تدور أعينه كالذي يغشى عليه من الموت حين يبطأ الإفراج عنه؟
فلا تعلم نفس ما أخفي لها، أن تستدعى لأي فرع أمني، من أذرع التنين التسعة عشر، إلى سقر وما أدراك ما سقر؟ لا تبقي ولا تذر..
لون جواز السفر إن كان زفتيا، أو أحمرا فاقعا، أو أخضرا سندسا، لا يعني شيئا، وإنما الانتماء لوطن فيه مقومات البقاء؛ من الرزق والكرامة والأمن..
والبلد المنكوب لا يبق فيه رزق وكرامة وأمن، بدليل وجود الملايين من الهربانين؟ لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوّا إليه وهم يجمحون.
ولست أنا الوحيد ممن فروا من هذا الجحيم، بل يهرب منها المواطنون في كل اتجاه، مثل الزق المثقوب فلم يبق وعاء ولا سمنا..
كما جاء في الإنجيل
قد تصلح جمهورية الخوف والبطالة أن تكون مدفنا كما دفن نزار القباني، حين عاد للوطن في كفن، ولكن ليست وطنا بحال بل حبسا كبيرا، لمواطن مسكينا ذليلا ويتيما وأسيرا وفقيرا وحبيسا وقتيلا.. ..


لو (صح) لكل واحد من مواطني جملوكيات الرعب والفقر، جواز سفر كندي (زفتي اللون)، وسنحت له الفرصة أن يصبح مواطنا كنديا كريما، لهرب باتجاهها، وودع الوطن...
ولكنهم لا يعترفون؟
وطن يجب على من دخله، أن يخلع عن اليمين قبل الدخول كرامته، وعن الشمال عقله، ثم ينحني 90 درجة لأن السقف لا يسمح بغير ذلك، ثم يفتح كتاب النبات، فيقرأ وظائف النبات جيدا، ويحفظها عن ظهر قلب، أكثر من الذكر الحكيم، لأن نسيانها فيها الفلق؟!!
ونسيان الآيات فيها مغفرة رب الفلق !! وقل أعوذ برب الفلق!!
في الواقع الجواز الزفتي هو مهر عبودية لقوم عبدوا الطاغوت، ختم بالذل داخل الوطن وخارجه، ليس لها من كاشفة، حتى يأذن الله بالفرج، لقوم مسخوا قردة وخنازير، انحصرت مهمتهم أن يزعقوا في مواكب الكذب هتافا للرب:
بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم..
إن كندا التي أصبحت من رعاياها بكل فخر وانتماء، هي وطني أنا، وعائلتي وذراري من بعدي، وأتمناها لكل مواطن في الفلق!!
كندا ليست أرضا ولا (جوازا زفتيا) بل أمنا وكرامة وحرية وعدالة وبعدها الرزق الوفير والضمانات الاجتماعية...
وجمهوريات الخوف والبطالة فلق وحبوس، وجيوش من المخبرين السريين، وظلما وظلمات بعضها فوق بعض، وفوضى وموظف مرتشي، وقضاء فاسد، وتعليم قاصر، وطرقات لم يتعرف مهندسوها بعد على الشكل القياسي؟ ولم تدخل العصر بعد..
وطن كتب فيه على واجهة سجونه وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين، في سخرية لتسخير الذكر الحكيم في قضية فرعون وحبسه ومحبسه..
ومعظم حبوس الفرعون زرناها، ليس لجريمة فعلناها، بل لاتجاه آمنا به، فقال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم..
ولعل الجيل الجديد، لم يعاصر الكارثة، ونشأ مع جيل الطغيان، كما نشأ بنو إسرائيل في ظل فرعون، فلم يعرفوا طعم الحرية التي جاء بها موسى، فذوقهم فسد، كما يحصل مع المريض الذي يظن الماء القراح مرارة علقم.
وحين عبروا البحر عكفوا على أصنام قوم فورا، فقال إن هؤلاء متبر ما ماهم فيهم وباطل ما كانوا يعملون..
وأنا من الجيل الذي عاصر الكارثة بهولها، فقد بلغت من العمر عتيا، واشتعل الرأس شيبا، وطار الشعر؛ فأصبحت صلعة تلمع تحت الشمس، مثل صلعة سقراط ، الذي بسم الشوكران سمموه، وبالإعدام حكموه، ولو كنت بين أظهرهم لنالني ما نال سقراط؟؟
فهذه بلادي التي ولدت فيها ما لم يأذن الله بالفرج؟؟
والفرج موعد مع غمامة صيف لإطفاء حريق هائل؟؟
وهيهات هيهات لما توعدون..
فمن دخل النفق وتاه، وولج الصحراء وضاع، ليس كمن يمشي سويا على صراط مستقيم..أو بيده خريطة وبوصلة ويعرف الاتجاهات..
إننا بنو إسرائيل الجدد كتب الله علينا الضياع، فنحن جيل الهولوكوست العربي، جيل التيه والخوف والمحرقة والضياع..
وليس من رجع إلى عصر المماليك مودعا عصر النور، مثل من عاش في العصر، فلا يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لايعلمون..
وأما من كان داخل السجن الكبير فليس عليه سوى ثلاث مصائر:
ـ حبس مفتوح أو انفرادية سبع عشرة عاما، يحمد فيها الله أن خرج بعقله، فهناك من خرج بربع عقل، أو سرطان دماغ، أو سكري عليل، ساقه للقبر في أسابيع..
ـ أو الانسحاب إلى قرية نائية يعيش فيها المرء من بقرة حلوب ونحل دءوب، كما فعل بعض الناسكين رضي الله عنهم وأرضاه..
ـ أو النفاق والمراء والكذب وبيع الضمير في سوق للنخاسة والدهلزة والخوف والغباء والعناء والشقاء والوباء والغلاء حتى حين..
أو ربما مصيرا أبشع في قتل وتصفية، وجلد ودولاب، ولو زعم أنه من الرفاق، وحج إلى قبر الرفيق الأعظم، وطاف سبعا في سبع فروع أمنية، مع الهدي والقلائد، ورمى الجمرات على قبر الرفيق الخائن.
مع ذلك فالوطن يعني رفع قانون أحوال الطوارئ، ذلك الذي أعلنته كندا في تاريخها الحديث لمدة ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، في قصة برد مونتريال الشهيرة، وقام رئيس الوزراء يومها وشرح للناس أن معناها اعتقال أي إنسان في أي لحظة بدون مذكرة قضائية..
أما بلادنا العزيزة فقد تحولت إلى أرض ثمود كما وصف النبي (ص)، يدخلها العاقل باكيا، آية للمتوسمين، كيف تحول المكان إلى سجن ومقبرة يصفر فيها الهواء، يتجول فيها حفار قبور، وعزرائيل لقبض الأرواح إلى بلاد التعس والأتراح؟؟
فلا يعتز أحد ببلاد من هذا النوع كما فعل الشيطان فولج إلى اللعنة الأبدية، وليبك على خطيئته، وينتسب للتقوى أيا كانت الجنسية.
نحن عباد الله، والله رب العالمين، والأرض وضعت للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام فبأي آلاء ربكما تكذبان..
والرسول ص هاجر إلى المدينة، وكان يمكن أن يهاجر إلى الهند، كما فعل يسوع حين وصل إلى حافة المصلبة فرفعه الله إليه.
فلم يبق وطن مع صلب ومصلبة واضطهاد ومظلمة.
وأنا تلامذتي أكثرهم مغاربة، ومن استفاد مني في أغادير أكثر ممن استفاد مني في حلكو وعامودة ونصيب وسمنين ونينوى وقنسرين..
ولندع عنا العنتريات العربية وأشعار الشنفرى، والله أمرنا بالقسط ولو على أنفسنا أو الأقربين، أن يكن كرديا أو عجميا أو يعربيا؛ فالله أولى بهم فاعدلوا..
فلو ولد أحدنا بين الأكراد في قرية خزنة لصرخ: بيجي بيجي كردستان..
ولو ولد في كردستان لوقف في إجلال للطالباني جلال، وأنصت بأشد من الجن، لأخبار عمليته في أمريكا، فلم يسلم نفسه للأكراد، بل للأمريكان الذين يصلحون قلبه وعرشه على حد سواء.
ولو ولد في الناصرية لكان من أتباع المقتدى والمهتدى والطاباطبائي، ولو ولد في جنوب لبنان لخرطش السلاح، وزعق مع الزاعقين من حزب الله والإيرانيين عجل الله فرجه.
ولو ولد في شنغهاي لربما حمل الكتاب الأحمر وهتف لماو.
ولو ولد في طرابلس لربما تبرك بالكتاب الأخضر، واعتبره الحل النهائي لكل مشاكل الجنس البشري، أكثر من الزبور والتوراة، والعهد القديم والجديد ورسائل بولس..
وحين يسمع أخبار تعويضات إيطاليا لليبيا بخمس مليارات دولار عن فترة الاستعمار الفاشي، فلا شك أن سيقدس القذافي ويعترف له بالمعصومية مثل آل البيت والبابا في الفاتيكان؟
ولو ولد في الفاتيكان لاعتبر أن الله ثالث ثلاثة..
الوطن وجواز السفر هي رحلة سدرة المنتهى إلى العدل والكرامة والحرية والأمن ..
وليكن لونه أسودا مربادا مثل الليل البهيم...
سألوا أردنيا لماذا أنت مكشر؟
قال: بحرنا ميت؟.. وخليجنا عقبة؟... وقهوتنا مرة؟... وأكلتنا مقلوبة؟ وأسماؤنا زعل ومهاوش وخصاونة وبلاونة؟... ومغنينا متعب؟... وأغنيتنا: ياويلو اللي يعادينا يا ويلو ويل !!
فهل هناك شعب أنكد من هذا ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط