الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب: الديمقراطية قطرة - قطرة أو المأزق التاريخي للدولة المخزنية

محمد امباركي

2008 / 9 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كثيرا ما يتم الحديث عن الانتقال الديمقراطي في بلادنا من منطلقات سياسية تقوم على أرضية دستورية و قانونية و مؤسساتية قوامها الدستور الديمقراطي صياغة و محتوى و ملاءمة التشريعات المحلية مع المواثيق و الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
طبعا، بقدر لهذا المدخل من أهمية استراتيجية و حاسمة في معالجة إشكالية السلطة السياسية و طبيعة النظام السياسي، و أي انتقال ديمقراطي نريد في العلاقة بهذين المعطيين: السلطة السياسية و طبيعة النظام السياسي، جدلية القطع و الاستمرارية داخلاهما..؟، فانه لابد من استحضار و بشكل دينامي الأرضية الاقتصادية و الاجتماعية و الاديولوجية لأي انتقال ديمقراطي و بالتالي الوعي بالعلاقة المترابطة بين المضامين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية لأي تحول نحو الديمقراطية.
من هنا، فإذا كان خطاب الانتقال الديمقراطي في بعده السياسي قد تأسس على بعض الإشارات و المبادرات الداعمة لمصالحة الدولة مع المجتمع من قبيل حكومة التناوب، هيئة الإنصاف و المصالحة، العهد الجديد و المفهوم الجديد للسلطة، انتخابات نزيهة...، مما ولد هامشا من الحريات العامة ظل محروسا بامتياز، فان الآلة القمعية سرعان ما عاودت الاشتغال بقوة : مصادرة العمل الصحفي و محاكمة الصحفيين و الحقوقيين و قمع الحق في التظاهر و الاحتجاج...الأمر الذي كشف عن الأهداف الحقيقية لشعارات و مبادرات الحكم و سعيه الحقيقي إلى الحفاظ على مصالح مكوناته المخزنية التي لامصاحة لها في الديمقراطية، و بالتالي التغطية على ألازمة الاقتصادية و الاجتماعية المستفحلة على مستوى التدهور المستمر للخدمات العمومية و الزيادات المهولة في الأسعارو غلاء المعيشة و التقهقرالسوسيو اقتصادي المفضوح للمغرب في تقارير المؤسسات الدولية في مجال التعليم و التنمية البشرية و الرشوة ....، في ظل خطاب حول المشروع الديمقراطي الحداثي و مبادرة التنمية البشرية و ممارسة يؤطرها القمع العنيف و الشرس لكل الحركات الاحتجاجية القائمة على مطالب اجتماعية بسيطة من قبيل الشغل و الماء و الكهرباء و الطرق و المستشفيات و كرامة العيش: بوعرفة، صفرو، بومالن داداس، سيدي افني.....، و كذا بروز" تناقضات" وسط مؤسسات "استثمارية" عملاقة قريبة من المخزن تعكس تنامي اقتصاد الريع و المخزن الاقتصادي القائم على نهب المال العام و الرشوة و الفساد...
إن هامش الحرية المحروس و الذي أصبحت أية محاولة لانتقاده و كشف خلفياته و حدوده و المستفيد الحقيقي منه، هي بمثابة عرقلة للانتقال الديمقراطي و تآمرا ضده في تقدير جزء من النخبة ( حالة ذ. أحمد حرزني) التي نظرت لهذا الانتقال و أصبحت من أشرس المدافعين عنه و لو تطلب الأمر تبرير
و شرعنة القمع و مصادرة حرية الرأي و الحق في التعبير و ضمنها حرية الصحافة.
ان تغييب الجوهر السياسي و الأثر الاقتصادي و الاجتماعي و الأرضية الفكرية للانتقال الديمقراطي، هو بمثابة تضليل اديولوجي يؤسس لما يمك تسميته ب " الديمقراطية –قطرة-قطرة ".-Démocratie goûte à goûte-، فإذا كان من غير المقبول الحديث عن هذا الانتقال في مرحلة تشهد تمركزا حقيقيا للسلط و تهميش الحكومة و تعطيل المؤسسة التشريعية، فإلى أي حد بمقدور خطاب الانتقال الجمع بين دولة هي من جهة دولة اتقراطية "مقدسة" و الكلام الصادر عنها مقدس و بالتالي كل مساس بها أو بكلامها هو ضرب للمقدسات ، و من جهة ثانية تدعي لنفسها احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا؟ كيف يمكن لهذا الخطاب أن يولف بين دولة هي في ذات الوقت مركزية غير مستعدة لاقتسام القرار السياسي مع غيرها و ديمقراطية أو على وشك أن تكون ديمقراطية و بالتالي فما علينا إلا الانتظار و أي سلوك غير ديمقراطي صادر من جهة محسوبة على الدولة ما هو إلا انفلات أو تردد و خوف مصدره الحرس القديم و جيوب مقاومة الانتقال الديمقراطي؟.

انه بقدر ما يستحيل الانتقال إلى الديمقراطية بنفس الوجوه، و نفس الأدوات و النصوص و في ظل نفس البنيات السياسية و الاديولوجية ، و من ثمة ليس من الممكن القطع مع مرحلة الاستبداد السياسي و الاقتصادي و التأسيس لمرحلة الديمقراطية بنفس رجالات مرحلة الاستبداد و أسلوب الحكم المركزي بدعوى بناء التحول من داخل الاستمرارية لان الحقل السياسي غير مؤهل و في حاجة إلى قوى جديدة، نعتقد أن المعطيات المرتبطة بالواقع السياسي و منها انتخابات 7 شتنبر 2008 من حيث طبيعة المشاركة و الخريطة الانتخابية و الحكومة، و قبل ذلك عدم تفعيل توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة بل و الاتجاه التدريجي نحو إقبار تلك التوصيات من خلال تسييد مناخ من القمع و الترهيب و توسيع جغرافية انتهاكات حقوق الإنسان إزاء أي فعل احتجاجي على تردي الأوضاع المعيشية و كذلك التستر و حماية المفسدين و لصوص المال العام ...، كل هذا يعكس مازقا بنيويا للدولة المخزنية التي تقتضي مصالح مكوناتها العداء التاريخي للديمقراطية الحقيقية، هذا العداء الذي يتطلب في أحيان كثيرة حمل شعارات ديمقراطية !..

إجمالا، إذا كان الانتقال الديمقراطي الحقيقي هو في عمقه تعبير عن عملية تحول عميقة تشمل الجوانب السياسية و الاقتصادية و و الاجتماعية و الثقافية بالشكل الذي يستفيد من عملية التحول هاته معظم الفئات الاجتماعية بل و هدفها تقليص الفوارق الاجتماعية و تسييد مناخ من الثقة تحكمه قواعد مؤسساتية ديمقراطية واضحة قوامها المشاركة الواسعة في صنع القرار السياسي كمرحلة أساسية للديمقراطية الحقيقة، فان خطاب أو أطروحة الانتقال في بلادنا بناء على بعض المعطيات السياسية الهشة العاجزة عن التأسيس فعلا لما يسمى ب"العهد الجديد"، تحتاج إلى كثير من الصدقية و المصداقية لان بدلا من صنع هذا الانتقال انطلاقا من مشاريع حقيقية تحكمها إرادة سياسية حقيقية يتم اللجوء أحيانا إلى بعض الصيغ
و المبادرات الخجولة و التي سرعان ما تخبو، و أحيان أخرى إلى بعض " الصدمات" الفوقية التي يحملها رجالات المخزن و في أفواههم ملاعق من ذهب المخزن نفسه..و هنا مكمن المأزق التاريخي للدولة المخزنية التي لا يمكن أن تكون دولة مخزنية و ديمقراطية في نفس الوقت، و من الأصح في رأينا نعتها بالدولة التلفيقية لان التاريخ و التجارب البشرية أثبتا الفشل الذريع لدعاة التلفيق سواء في الفكر أو السياسة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم