الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيناريو التراجع الإنهياري المحتمل لمعارضي المعاهدة

صائب خليل

2008 / 10 / 28
السياسة والعلاقات الدولية


التوتر الذي تسبب به مشروع المعاهدة الأمريكية في العراق ليس حالة شاذه في العالم، فلطالما خلقت المشاريع الأمريكية الشقاق في البلدان المعنية بها، وكثيراً ما يكون الشقاق بين الشعب والحكومة التي تتعرض لضغط الأمريكان لتمرير مشاريعها. ولا يقتصر ذلك على بلدان العالم الثالث التي لاحول لها، فمن الأمثلة التي لاحصر لها، أذكر ما جرى في هولندا إثر الطلب الأمريكي من الحكومة الهولندية إرسال قوات إلى أروزكان للمساهمة في الحرب الأمريكية في أفغانستان. كان الإعتراض الشعبي الهولندي كبيراً جداً، فلا أحد يرى مبرراً للمشاركة في مهمة أمريكية لايرون فيها مصلحةً أو سبباً يدعوهم للمخاطرة بجنودهم وصرف أموالهم، كما أن الهولنديون لم يعودوا يحبون الأمريكان ولايثقون بهم إثر تتالي الأخبار السيئة عن السجون السرية في أوروبا وسجن أبو غريب وغيرها. ورغم التعتيم الإعلامي فلا شك أن الكثير منهم يذكر أن بوش قد أصدر عام 2001 قانوناً في غاية الوقاحة يتيح لقواته الإنزال العسكري في العاصمة الهولندية لاهاي إن حاولت المحكمة الجنائية الدولية (في المدينة) محاكمة جنود أمريكان بتهمة جرائم ضد الإنسانية، رغم أن الحكومات الهولندية المتتالية دعمت حملات بوش بالضد من رغبة شعبها، ومازال القانون ساري المفعول.

عودة إلى موضوع تجهيز حملة أوروزكان، أعلن حزب الـ (VVD) لدهشة الشعب الهولندي الشديدة، أنه لن يوافق على إرسال القوات الهولندية دون تحقيق في أمر المهمة التي ستقوم بها ودون ضمانات محددة وواضحة لسلامة هذه القوات وطبيعة عملها، وأن عهد "الموافقة الإوتوماتيكية" لهذا الحزب على المشاريع الأمريكية قد ولى!!
وسبب الدهشة هو أنه لم يسبق لهذا الحزب الليبرالي الذي أسسه كبار أصحاب الشركات لمجابهة المد اليساري في هولندا سابقاً، أن وقف ضد أي مشروع أمريكي، لا عملياً ولا إعلامياً وكان سباقاً إلى الدعم "ظالماً أو مظلوماً".

وحين جاء وقت تقديم الأمريكان "ضماناتهم"، جاءوا بكلام إنشائي لايعني شيئاً في معظمه، مصحوباً بمجموعة من الحركات المكشوفة مثل ندوة لرؤساء الأحزاب حول الموضوع، تمت دعوة شخص واحد معارض بين عدة مؤيدين لشرح الموقف، وكان هو الوحيد الذي كان يقاطع ويعامل بخشونة غير معتادة من قبل رئيس الجلسة الشديد الوقاحة، كما أظهر فلم وثائقي عرضه التلفزيون الهولندي بعد ذلك. لكن هذا "الضمان" المهزلة كان كل ما يحتاجه حزب الـ (VVD) وبعض المتظاهرين بالإعتراض من حجة، فأعلن الحزب عن اقتناعه ودعمه للمشروع وقال رئيس كتلته البرلمانية إنه وجد بعد "التعديلات" و"الضمانات" الأمريكية أن المشروع أصبح مقبولاً وفي صالح هولندا.
وتبع ذلك حملة إعلامية قوية لصالح المشروع وتتابعت تمثيلية التنازلات من السياسيين "الرافضين" وقدم الجميع قناعتهم، إلا حزب واحد بقي مصراً على الإعتراض وقال أن الضمانات ليست كافية واحتج على طريقة سير الأمور، وهو حزب "الديمقراطيين 66" (D66) (الرقم يشير إلى سنة تأسيس الحزب). وكان موقفه يعني أن عليه أن ينسحب من الحكومة مما يجعلها معرضة للسقوط أو الإستمرار بالحكم بشكل حكومة ضعيفة ليس لها أغلبية في البرلمان! وهو بالفعل ما حدث، وتحملت الحكومة الهولندية خطر إسقاطها من أجل دعم المشروع الأمريكي وإرسال عدد من الجنود إلى أفغانستان لأغراض "الإعمار"!!!
مقابل هذا الإحراج الشديد للحكومة والامريكان، شنت حملة إعلامية شعواء على الحزب وقيادته، واستغلت بعض أخطاء زعيم كتلته البرلمانية التكتيكية في طرح الموضوع للتشهير به وبالحزب، ولم ينته الأمر إلا بتحطم الحزب وتوقع الجميع ان يتم حله، لكن بعض قيادته قررت البقاء فيه، وعلى أية حال فقد كانت الضربة القاضية علي ذلك الحزب من الناحية العملية حيث أصبح موضوع سخرية الإعلام، وكان يعاني أصلاً من تراجع في شعبيته.

كان من الواضح لأي مراقب سياسي، أن الأحزاب اليمينية والليبرالية الهولندية كانت تمثل مسرحية كبيرة لإمتصاص انزعاج الشعب من تبعيتها للقرار الأمريكي, فتضاهرت في البداية بالوقوف موقف الشعب, وزايدت قياداتها على الشروط على أميركا، وازداد التوتر السياسي بشدة، وحين جاءت لحظة القرار قال الجميع "آمين" في "تراجع إنهياري" سريع لجميع الأطراف عن رفضهم السابق واعتراضاتهم، يكتسح من يقف بوجهه بعنف، تاركين (D66) وحده يواجه الريح العاتية ممزقاً!
وفي العراق تبدو اليوم العلامات الأولية التي تسبق "التراجع الإنهياري" ظاهرة: مصالح أمريكية شديدة الأهمية، ضغط شديد على على الحكومة والسياسيين في البرلمان، في المقابل ضغط شعبي رافض شديد وصامد في مكانه!

ونلاحظ أيضاً بدء العلامات الثانوية للسيناريو أيضاً والتي تتمثل بتظاهر الفريق المؤيد لأميركا، أو جزء هام منه، بالإنظمام إلى المعارضين، ولكن بطريقة تترك المجال للتراجع في اللحظة المناسبة، حيث كانت معظم الإعتراضات قد وضعت بصيغة يمكن تقديم تنازل أمريكي ولو شكلي، ليبدو أستجابة لها، وليظهر أصحابها كأنهم انتصروا في المعركة، وحصل الشعب على شروطه وأنه لم يعد هناك داع للعناد، وسيتولى الصدريين هجوم إعلامي مخيف من جميع الجهات المعروفة منها وما لم يكن معروفاً.

كان الحزبين الكرديين الرئيسيين كما قال الناطق الرسمي علي الدباغ:"الأكراد هم الوحيدون الذين قبلوا بمسودة الاتفاقية الامنية دون تحفظات"، ورغم ذلك لم يخل موقفهم من تراجع "ظاهري" عن التأييد المطلق الأعمى المعتاد، فقد أضاف بعض فراد هذا التكتل الكردي بعض "الملاحظات" لكي يبدو لقبولهم بالمعاهدة بعض الإستقلال عن الموقف الأمريكي مثل اشتراط (فارغ) أن الإتفاق بأن المعاهدة "يجب أن تكون لصالح العراق" (مسعود البرزاني للحياة 20.10.2008) و قوله أن "صيغة الاتفاقية حاليا ليست مطلوبة تماما ولكن لا يوجد بديل آخر لها" (البارزاني خلال زيارة طهران 22 – 10)، وملاحظات مماثلة أو أقوى للنائب محمود عثمان.
لكني لا أتصور أن أحداً، حتى داخل الشعب الكردي قد أخذ مثل تلك الملاحظات بأية جدية، فلا اعتقد أن أحداً سيصدق أن عثمان سيشترط "ضمان السيادة الوطنية" كما يدعي لأن التكتل الكردي لم يترك لدى الناس أي انطباع بأن الساسة الأكراد يجدون في سلطة الأمريكان أي تهديد لتلك "السيادة العراقية"، بل يجدون في سلطة حكومة المركز مثل هذا التهديد لسيادتهم. فالخط السياسي الكردي يأتي مكملاً للخط الأمريكي في الضغط باتجاه توقيع أية معاهدة وبأي ثمن، ولن أستغرب إن كشف التأريخ أن بعض القادة الأكراد كان يضغط على الأمريكان ليحثهم على المزيد من التشدد، مادام لديه شعور بالأمان اكثر كلما كانت سلطة الأمريكان أكبر مقابل سلطة "العرب".

في هذه الأثناء كان هوشيار زيباري قد تحول إلى مذيع للتهديدات والإرهاب الأمريكي للشعب والساسة العراقيين، فكان ينقلها كما يطلب منه دون أي احتجاج أو استنكار أو أية ملاحظة عابرة ولو من أجل التظاهر بتمثيل العراق باعتباره وزير خارجية له. ولم يختلف موقف «الاتحاد الوطني الكردستاني» عن البارزانيين قيد شعرة فأوضح أزاد جندياني مسؤول الإعلام في الحزب لـ «الحياة» قبل أيام أن موقف الاكراد من الاتفاق "مطابق لما صرّح به الرئيس بارزاني".
بالمقابل، وكما هو متوقع كان موقف "ألإتحاد الإسلامي الكردستاني" معارضاً وكان وحده مشابهاً للموقف الشعبي العراقي العام حيث طالب سامي الأتروشي الرئيس جورج بوش “بالكف عن الضغط” على السياسين العراقيين من اجل توقيع الاتفاقية الأمنية طويلة الامد، لأنها لايمكن أن توقع خلال الفترة الباقية من حكمه.

ورغم تلك التفاصيل فقد كان البرزاني محقاً في أن يفخر بوضوح موقف كتلته، حيث قال للصحفيين بمطار اربيل أن "موقف الكرد إزاء الاتفاقية الأمنية كان الأوضح بين مواقف الجهات العراقية، وهو تأييد توقيعها". ونظن أن البرزاني يقصد الأوضح "بين الجهات المؤيدة"، ففي الجانب الآخر كان هناك من يبزه وضوحاً. وكان البرزاني دقيقاً بشكل خاص حين وصف مواقف الأطراف العراقية الأخرى قائلاً أن "بعض الأطراف مترددة وأخرى خجولة من إعلان موقفها وثالثة خائفة من إعلان موقفها ورابعة معارضة للاتفاقية".

فإذا استثننينا المجموعة الرابعة والتي تمثل الصدريين وجهات متفرقة، فما على الأمريكان للنجاح بتمرير المعاهدة إلا أن يتعاملوا مع الخجولين والخائفين والمترددين، ويحرصون على إزالة ذلك الخجل والخوف والتردد لضمان أصواتهم. فأما الخوف فيجب أن يطمئن هؤلاء إلى أن أميركا هي المخيف الأكبر، تماماً كما كان الجنود العراقيون يقاتلون في إيران معارك طاحنة لامصلحة لهم بها، لأن كتائب الإعدام في الخلف كانت أكثر إثارة للخوف من المعركة نفسها، ولعل مقتل النائب صالح العكيلي كان محاولة (فاشلة) في هذا الإتجاه. وأما الخجولين فيجب طمأنتهم إلى أن عدداً كبيراً من الآخرين سيفعل مثلهم (أنظر:منطق العاهرة المستجدة) وأنهم لن يتحملوا العار لوحدهم، وأما المترددين فيجب اكتساح ترددهم بتسونامي إعلامي وسياسي إنهياري لايدع لهم مجالاً للتردد. وعندما يبقى المعترضون لوحدهم، سيمكن تحطيمهم إعلامياً وإظهارهم كأنهم المعرقلين لما يريده غالبية العراقيين، إضافة إلى وسائل محتملة أخرى أكثر عنفاً لتحطيم إرادتهم أو بعضهم.
مقابل موقف زيباري الحيادي الناقل، كان علي الدباغ يحتج بشدة على تلك التصريحات والتهديدات والإتهامات للساسة العراقيين بالرشاوي، فقال ان الحكومة تلقت "بقلق بالغ" تصريحات الاميرال مولن، وان "مثل هذه التصريحات ليست موضع ترحيب في العراق"، وقال انه "لا يجب أن تفرض طريقة قسرية على حرية اختيارهم، كما انه من غير المناسب التخاطب مع العراقيين بهذه الطريقة".
لكن لا احد يجب أن يخدع بموقف علي الدباغ "شديد العراقية". فهو في تصريحاته الأخرى يكاد يتوسل بالأمريكان لكي يقبلوا تلك "التعديلات التي لاتؤثر على مقاصدهم" ليوفروا الأحراج الشديد عليه وجماعته ممن يرغبون بشدة في توقيع المعاهدة. فموقف الدباغ موقف دفاع عن ماء وجهه أكثر مما هو موقف عراقي.
ويمكن التأكد من موقف الدباغ من خلال تعليقه على تصريحات وزير الخارجية الروسي حول موافقة روسيا على تمديد التفويض الأممي للقوات متعددة الجنسيات في العراق. فيفترض أن يعتبر هذا التصريح نصراً كبيراً للعراق لأنها تفتح له باباً هاماً وتقدم له خياراً قوياً وورقة رابحة في "المفاوضات" مع الجانب الأمريكي، لكننا نرى أن الدباغ عامل هذا التصريح بعدائية غريبة كمن كان يرى أن الموقف الروسي تسبب بخسارته لحجة هامة كان ينتظر أن يستعملها لتبرير التوقيع على المعاهدة، فحرمهم الوزير الروسي منها. وبدلاً من إبداء سعادته وشكره لتفهم روسيا، بادر الدباغ بالقول: "نشعر أن الروس يوجهون رسالة غير مباشرة لنا، أنا أتصور أن هذا التصريحات لا تؤثر في صنع القرار بشأن قبول الاتفاقية أو حتى رفضها".!!
هذا الإنزعاج الفاضح المفضوح يذكر بإنزعاج الوزير زيباري عندما بادر سياسي عربي إلى سؤال مجلس الأمن إخراج العراق من البند السابع، الحجة الأساسية حينها لإقناع الشعب بضرورة توقيع المعاهدة! (1)

كذلك لايجب تصديق مبدئية رفض المجلس الأعلى للمعاهدة، وأن "موقف المجلس مبني على ثوابت اساسية" كما صرح زعيم كتلة المجلس الاسلامي الاعلى في البرلمان جلال الدين الصغير، فهو يشرح اعتراضه على بضعة نقاط مؤكداً وكأنه يعتذر، بانه لا يوجد موقف مسبق بالرفض او القبول للاتفاقية، ويقول: "وما نريده ان يتحقق اجماع وطني، فلا يمكن لفريق سياسي واحد ان ينفرد عن بقية العراقيين بشأن الاتفاقية لانها تهم جميع العراقيين ومستقبل الاجيال القادمة"، وفي هذا ما يبين أن موقفه لايستند إلى أية ثوابت، وإنما ينتظر تراجع الآخرين معه بحجة "الإجماع الوطني"، بينما الطبيعي لمن يتحدث عن "ثوابت" أن يقول بأنه سيبقى معترضاً ما لم تعدل النقاط التي يراها خطأً، حتى لو بقي وحده في المعارضة! فالمجلسيون مستعدون للتوقيع، شرط أن يشترك الآخرون معهم في تحمل وزر مسؤولية الموافقة، فهو غير مستعد أن يترك الصدريين، أعداءه اللدودين، ينعمون بلقب البطولة على حسابه. لذا فالمجلس الأعلى ينتظر إنهيار معارضة الأخرين ليخرج من "تردده" ويشاركهم.

إن كان رفض المجلس الأعلى بعيد عن "الثوابت" فأن النائب محمد الجبوري من كتلته لـ "الحوار الوطني" قدم ما قد يكون أحد أسخف الأسباب الممكنة لرفض المعاهدة فقال بلا حياء تأريخي نادر وببلاهة منقطعة النظير:"نعتقد بأن الاتفاقية تدعم الحكومة، ونحن كتلة معارضة داخل البرلمان، ونرى بأن توقيع الاتفاقية يعطي للحكومة دفعا وقوة للامام، وهذا عكس توجهاتنا".!! إنه يعترض نكاية بالحكومة وليس له رأي في المعاهدة ونتائجها على البلد. أي لو أنه فهم أن المعاهدة مضرة بالحكومة لوافق عليها. البلاهة طبعاً في أنه لم يدرك معنى أقواله ولم يحاول إخفاء نواياه.

وأسوأ من هذا، الموقف المثير للقلق من نفس جبهة التوافق للنائب ازهار السامرائي, والتي أكدت في تصريح لـ «الحياة» ان «بنود الاتفاق تضمنت نقاطا ايجابية تحسب لصالح البلاد لكنها تضمنت ايضا فقرات مبهمة ومريبة». أما هذه "المريبة" فهي برأي أزهار إن «الاتفاق لم يشر مثلا في اي بند الى قضية التوازن السياسي في العراق خصوصا ان الاميركيين وعدوا في وقت سابق بإحداث توازن»!! أي أن أزهار تأمل أن تستلم القوات الأمريكية توزيع السلطة في البلد وأن تعطيها حصة أفضل! وإن لم تعطها القوات الأمريكية تلك الحصة الأفضل فهي ستتخلى عن المعاهدة التي "تتضمن نقاطاً إيجابية لصالح البلاد"! من الصعب أن يجد المرء موقفاً سياسياً أكثر فضائحية من هذا الموقف!

يقول النائب حارث العبيدي أن مواقف الجبهة من المعاهدة تغيرت نحو الرفض بعد أن كانت تميل إلى التأييد في البداية (نذكر القراء أن التوافق بنت "شعبيتها" على المزايدات الوطنية الرافضة لكل ما جلبه الإحتلال، لكنها كانت من أول المنقلبين لتوافق على المعاهدة كما هو متوقع من مثل هذا اللملوم) لكنهم اكتشفوا فيما بعد أن في المعاهدة نقاط تمس السيادة فاعترضوا!! وهذا هو الكذب بأزهى صوره، فالنسخ السابقة المهربة التي لابد أن الجبهة بنت موقفها عليها، كانت تمس السيادة أكثر بكثير من تلك الأخيرة بعد أن اضطر كاتبوها إلى تعديلها لتكون مقبولة على الأقل من الناحية اللغوية!

لكن لعل أكثر المواقف المثيرة للإهتمام هو موقف أياد علاوي. فهو يتخذ اليوم موقفاً معارضاً صريحاً وقوياً أثار أنزعاج بعض المتحمسين للمعاهدة والذين كانوا يعولون على دعمه في هذه اللحظة الحرجة على ما يبدو.

فعلاوي، وعلى العكس من الإعتراضات المضحكة المبكية لجبهة التوافق وجماعة الحوار و"ملاحظات" الساسة الأكراد وجماعة المجلس، قدم اعتراضات جدية بعضها لم يطرحه غيره بهذه القوة. فقد أشار علاوي إلى وجود فرق خطير في الترجمة بين النسختين العربية والإنكليزية, كما لاحظ أن الغموض يكتنف بعض الأهداف المعلنة مثل "محاربة الخارجين على القانون" وتساءل: من هم؟ وماذا يُقصد بتلك الكلمة؟ وشدد علاوي أيضاً على ضرورة اطلاع الشعب العراقي على المعاهدة، والذي حرم منها بدون وجه حق، وأكد على ضرورة طرح الاتفاقية بمحتواها الحقيقي الذي كتب باللغة الانجليزية!! وقال ان التحجج بإحالة القضية إلى المجلس السياسي للأمن الوطني لا يعفي الحكومة من مسؤولياتها في إخفاء القضية عن الرأي العام العراقي. (2)
بل ذهب علاوي إلى انتقاد عدم إطلاع الدول المجاورة للعراق على عقد الاتفاقية مع واشنطن، مشيرا إلى أن هذا الأمر دفع بتلك الدول إلى اتخاذ مواقف متشنجة تجاه الاتفاقية، حسب تعبيره! (3) وهو يرى فوق ذلك بضرورة "إعطاء فسحة من الوقت أمام العراقيين والقوى السياسية العراقية لمناقشة مسألة الاتفاقية الأمنية."
يجدر بنا أن نحتفل بهذا الموقف المعارض الصريح من رجل أميركا الأول، لكن أياد شخص يصعب تصديقه. فمن الصعب أن ننتظر موقفاً مستقلاً عن الأمريكان، ممن كان خيارهم الأول ليكون رئيساً لوزراء العراق مع سبق إصرار شديد لم يترك مجالاً للإعتراض. كذلك ليس من السهل تصديق من يتحدث عن "السيادة" وهو الذي طالما جاهر بعلاقته بالمخابرات الأجنبية وباستمرار تلك العلاقة. وليس خيار السيادة الوطنية مقنعاً أيضاً حين يأتي ممن تسبب في أكبر ضرر لتلك السيادة حين ذهب مع كولن باول لإقناع الأمم المتحدة بترك العراق تحت تصرف أميركا بدون شروط، وقد كتبت عن الموضوع سابقاً (4) وكتبت الصحفية بيداء كريم في جريدة الصباح (5) وكتب الأستاذ فؤاد الأمير في إفتتاحية جريدة "الغد" في 12/6/2004 تحت عنوان "تخاذل الحكومة المعينة أضاع فرصة تأريخية في الحصول على قرار من مجلس الأمن لتحديد زمن الإحتلال والحصول على سيادة حقيقية!!" وأعاد نشرها في كتابه "مقالات إقتصادية سياسية..".
كذلك تصديق الحماس الديمقراطي الشديد المتمثل بالمناداة بضرورة إطلاع الشعب على الأمور، من كانت "دكتاتورية قراراته" السبب الرئيسي في انفضاض الجهات التي توافقت تحت قيادته، مشتكية أنه لم يكن يشركهم في مناقشة القرارات، بل كان يبلغهم إياها بالتلفون من مقره في الخارج!

نلاحظ أن أياً من هؤلاء السادة لم يطرح التساؤل عن الضامن القضائي للمعاهدة، لأن طرح مثل هذا الموضوع وسيجبر صاحبه على الإستنتاج بأن المعاهدة يجب أن ترفض مبدئياً، ولن يترك مجالاً له للتراجع وهذا ما حاول هؤلاء تجنبه بأي ثمن، لذا لن تجد هذه الحقيقة مطروحة للنقاش لدى هؤلاء، وهو ما يؤكد ان رفضهم لم يكن عن قناعة، بل إتقاء غضب الشارع العراقي، وإن الكثير منهم ينتظر الفرصة الأمينة ليعلن تراجعه.

الفرصة الأمينة قد تأتي باعتقادي من خلال سيناريو يبدأ "تراجع" أمريكي لاقيمة عملية له، لكنه سيصاحب بقصف إعلامي شديد للذهن الشعبي والسياسي العراقي، وعندها، وتحت هذه التغطية الإعلامية، ستقدم وجبة أولى من هؤلاء المتظاهرين بالإنظمام للمعارضة، اوراق تراجعهم ويدعون أن ما قدمته أميركا يستجيب لمطالبهم ويزيل مقالقهم وأنه لم يعد هناك أي داع لرفض المعاهدة، ثم ستليها وجبة أخرى وسيبلغ الضغط الأمريكي أقصاه لإعطاء التراجع زخماً سريعاً. هذا "الإنهيار" الظاهري في جبهة الرفض يجب ان يكون صادماً لايتيح الوقت للتفكير والقرار المنطقي، وغالباً ما سيكون مصحوباً بلغة خشنة وتهديدات لتليين الرفض وتخويف الرافضين، لكنه لن يكون مصحوباً بعمليات إغتيال محرجة، كمثل ما حدث للدكتور صالح العكيلي قبل أيام، لأنها مكشوفة أكثر من اللازم وتسبب إحراجاً شديداً لمن ينوي التراجع عن رفض المعاهدة.
أما الذين لن يتمكن الإنهيار من تغيير موقفهم علناً فيؤمل منه على الأقل أن يدفع بهم إلى الصمت، فيتصور الآخرون أنهم تركوا معارضتهم للمعاهدة، فيحبط هؤلاء ويتشجع المؤيديون أكثر فأكثر، وستعمل أجهزة الإعلام بكل طاقتها لإبراز وتضخيم أي اتجاه للقبول وتكرار تصريحات الموافقين في التلفزيون والصحف والتعليق عليها، وبالمقابل سيتم تحجيم وتصغير الأصوات المعارضة لإعطاء إيحاء بأغلبية (مزيفة) مؤيدة، وبالتالي يتم تشكيل صورة إنهيارية لمعارضة المعاهدة، ليكتمل "لولب الصمت" (6) ويتسبب بانهيار معارضة الإتفاقية وبالتالي توقيعها، تماماً كما وقع الهولنديون على مشاركتهم في أوروزكان رغم المعارضة الشعبية الشديدة!

إنه مجرد سيناريو، لكنه يستحق الوقوف عنده والإستعداد له، فليس للأمريكان ومؤيديهم الكثير من الخيارات الأخرى!


(1) الإتفاقية الأمريكية العراقية: وزير الخارجية وقضية لاتجد سوى الكذب للدفاع عنها
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=123378
(2) http://arabic.people.com.cn/31662/6503685.html
(3) http://www.eyeiraq.com/show/13008.html
(4) دور علاوي في فقدان سيادة العراق على العمليات العسكرية ووجوده تحت الفصل السابع
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=128701
(5) http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=53756
(6) دعوة لتذوق متعة أن تفقأ فقاعة!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=136463








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران