الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستبداد في فكر الدكتور هلال والبابا شنودة

سامر سليمان

2008 / 11 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من حظ الديمقراطية في مصر أن الاستبداد السياسي لم يكن له إلا انجازات قليلة، وغالباً ما كانت مؤقتة. فلا غرابة إذن أن يكون خطاب تبرير الاستبداد هش. هذا الخطاب لا يسيطر إلا لأنه يحتكر معظم الميكروفونات ولأن عصا المستبدين الغليظة تضع بعض الناس في حالة تجعلهم يبتلعون الخطاب المر المبرر للاستبداد. في الأسابيع الماضية كان لنا أن نشنف أذاننا بتصريحين لقيادتين. الأول للدكتور على الدين هلال أستاذ العلوم السياسية وأمين التثقيف السياسي بالحزب الوطني، والثاني لقداسة البابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة المصرية الأرثوذكسية.
أحد النكات التي ظهرت في السنوات الأخيرة تقول أن مواطن تعرض للضرب المبرح من قبل شرطي. وبعد طول الضرب ثار المواطن قائلاً للشرطي.. "إيه، هو كله ضرب في ضرب، مفيش شتيمة خالص". والحقيقة أن مؤلف النكتة عنده حق، فالشتيمة أفضل من الضرب، لأن الشتيمة كلام، والكلام يمكن أن يرد عليه بكلام أخر، أما الضرب، فمن الصعب الرد عليه إذا كنت أعزل وكان من يضربك مسلحاً بالدروع والقنابل والبنادق. اليوم يمكن لنا أن نهنيء أنفسنا لأننا أخيراً وصلنا إلى مرحلة الشتيمة. فالتصريحات التي تقول أننا لا نستحق الحرية والديمقراطية لأننا شعب جاهل وغوغائي تنهمر من القيادات. ووصلات الردح لشعبنا من قبل كتاب على اعتبار أنه خانع بل ومن قوم لوط تتزايد. حسنا فعلوا. فالصراحة راحة.

ماذا قال الدكتور على الدين هلال أخيراً؟ هو صرح بأن مصر ليس بها ديمقراطية لأنه ليس بها طلب على الديمقراطية. قانون العرض والطلب القادم من علم الاقتصاد النيوكلاسيكي يؤكد أن الدينا كلها عرض وطلب. هذا القانون الملعون طبقه الدكتور هلال على السياسة المصرية فوصل إلى النتيجة السالفة الذكر. طالما أن الشعب لا يطالب بالديمقراطية إذن فهو غير محتاج للديمقراطية. كما يقول المثل الأثير لدي التجار في مصر "اللي ما عوش ما يلزموش". وبما أننا لم نذهب إلى السوق لشراء الديمقراطية، إذن نحن لا نريد حقاً هذه السلعة. ولكن انتظر لحظة.. هل بقاء السلع على الرفوف دون بيع هو دليل على أن الناس لا تريدها. أم أنه في معظم الأحيان تكون الناس في أمس الحاجة إليها لكنها لا تمتلك الثمن المطلوب؟ أليس من المحتمل أن يكون الكثير من المصريين في حنين وشوق للحرية وللديمقراطية، لكنهم فقراء أمام ثمن الديمقراطية الباهظ؟ أليس هذا ما يسميه عالم الاقتصاد جون مينارد كينز بالطلب غير الفعال، أي الطلب الذي لا يتملك قوة شرائية؟ هل يصح أن يقف أستاذ في العلوم السياسية لكي يقول للناس "اللي ما عوش ما يلزموش" أم بالأحرى يقف وسط الفقراء في ثمن الحرية لكي يفكر معهم في كيفية العمل على مراكمة ثمن الديمقراطية يوماً بعد يوم؟ وإذا سلمنا جدلاً مع الدكتور هلال بأن المصريين لا يريدون الديمقراطية، ألا يريدون العدل؟ هل هناك طريقة في عالم اليوم لتحقيق أقصى درجات العدل إلا الديمقراطية؟ أليس من وظيفة عالم السياسة أن يرشد الناس إلى الوسائل السياسية الفعالة التي تمكنهم من تحقيق أمنياتهم؟ ماذا تحقق لنا يا دكتور هلال بواسطة الاستبداد حتى نغني له؟ تعليم عظيم؟ طرق ممهدة؟ رصيف انساني؟ قضاء عادل؟ حقوق للأقليات؟ صحافة جيدة؟ تقدم اقتصادي؟ عدالة اجتماعية؟ صورة مشرفة في الخارج؟ ماذا قدم لنا الاستبداد يا دكتور هلال؟ أعطني سبباً واحداً لتفضيله على الديمقراطية؟ ما تحقق في مصر في ظل الاستبداد كان رغم أنف الاستبداد وليس بفضله.

هذا ما قاله الدكتور هلال، فماذا قال قداسة البابا شنودة؟ قال أن من يطالب بانتخاب البابا من قبل كل أبناء الكنيسة لا يعرف جيداً تاريخ هذه الكنيسة ولا لوائحها ولا يدرك تعقيد المسألة. للعلم نظام الانتخاب الحالي لا يعطي حق التصويت إلا للقيادات الدينية (معظم رجال الدين ليس لهم الحق في التصويت) ولما تسميهم لائحة انتخاب الباب بوجهاء الأقباط، أي ذوي الأملاك أو المناصب أو التأثير. حذر البابا في حديثة لخالد صلاح على قناة أو تي في بأن منح حق التصويت لكل أبناء وبنات الكنيسة يمكن أن يأتي بشخصية غير صالحة تدغدغ مشاعر الناس بكلام قوي عن حقوق المسيحيين. للأمانة هذه صياغتي لما قاله البابا لأنني لا أذكر ما قاله بالحرف. وكلام البابا مثير فعلاً للدهشة. فهو يستبعد من التصويت الغلابة وغير المحظوظين مع أن مثل هؤلاء هم الذين يخرجون بالالاف لاستقباله وإبداء الحب والتأييد له. والكلام مثير للدهشة ثانية لأن من المفترض أن يقتدي بابا المسيحيين بالسيد المسيح الذي لم ينتم أبداً لوجهاء اليهود ولم يسع أبداً لأن يحصل على تأييدهم. بالعكس، التأييد الذي حصل عليه كان من الصياد العرقان الذي اتخذ منه أخلص أصدقائه ومن الفقير المسكين الذي أطعمه ومن المريض المتعب الذي شفاه ومن صاحب العرس الفقير الذي صنع النبيذ لضيوفه، ومن العاهرة المفضوحة التي حماها بجسده وبشجاعته من الرجم باعتبار أنها ليست أسوأ ممن كانوا على وشك قتلها. أليس هؤلاء هم من صوتوا لصالح المسيح يا قداسة البابا؟ هل هؤلاء كانوا متعلمين؟ لماذا تحرم أحفادهم إذن من الحق في اختيار راعي كنيستهم؟ الأن هؤلاء سيأتوا بمن يتذكر أن "دخول الغني إلى ملكوت الله أصعب من دخول الجمل من خرم الأبرة"، كما قال المسيح؟ الأن هؤلاء سيأتوا ببطريرك يمسك يد الجلاد الذي يرجم العاهرة لكي يواجهه بالحقيقة المرة وهي أنه ليس أفضل منها؟ تصريح البابا هو اعتراف علني بأن الكنيسة فيها خيار وفاقوس، من له صوت ومن ليس لهم، وهو تأكيد بأنه لو حصل كل المسيحيين على حق التصويت فإن البابا القادم لن يشبه البابا الماضي. نحن نقول أنه لابد وأن يكون أحسن، وهو يقول أنه لابد وأن يكون أسوأ. لماذا يا بابا؟ لأننا شعب جاهل وغير عقلاني. معلش، الشتيمة برضه أحسن من الضرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش