الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاتر السجن - القسم الثاني : ملاحظات حول السياسة

انطونيو غرامشي

2012 / 8 / 29
الحركة العمالية والنقابية


مدخل

يتضمن هذا القسم بعض الملاحظات الحاسمة في فهم فكر غرامشي السياسي. فهي تعالج طبيعة الفاشية، وإستراتيجية الثورة الملائمة للغرب (أو في العصر الذي كان يكتب فيه غرامشي (أنظر الصفحات التالية)، ونظرية الدولة. وقد يكون أفضل سبيل لتناول هذه القضايا، من خلال ثلاثة مفاهيم مترابطة هي: القيصريةCaecarism ، وحرب المواقع War of position، والمجتمع المدني Civil Society.


-------------------------------

ولا يقتصر تطبيق مفهوم «القيصرية» عند غرامشي على الفاشية، بل يتسع ليشمل على سبيل المثال: الحكومة القومية البريطانية عام 1930... الخ. فهو إذن لا يتطابق مع مفهوم ماركس لـ«البونابرتية» Bonapartism، وإن كان من الواضح أنه يتصل به.

وتمثل القيصرية تسوية conpromise بين قوتين اجتماعيتين «أساسيتين» ولكن، 1- «المشكلة هي معرفة أيهما له الغلبة في دياليكتيك «الثورة/إعادة الوضع السابق»... revolution/restoration، الثورة أم إعادة الوضع السابق» 2- سوف نرتكب خطأ منهجيا إذا اعتقدنا أن القيصرية... كظاهرة تاريخية جديدة ترجع برمتها إلى التوازن بين القوى «الأساسية». فلا بد أيضا أن ندرس التفاعل في العلاقات بين الجماعات الرئيسية... بين الطبقات الأساسية، والقوى الاحتياطية التي تقودها وتخضع لنفوذها المهين».

لذلك كانت المشكلة في نظر غرامشي، في حالة النظام الفاشي في ايطاليا بالتحديد هي: 1- تحليل «الثورة السلبية» التي قد تمثلها الفاشية. 2- تحليل خصوصية القوى الاجتماعية التي أنتجتها –أي الرفض المطلق للمعادلة الساذجة: الفاشية = الرأسمالية.

لقد حاول غرامشي أن يربط في ملاحظته المعنوية «مفهوم الثورة السلبية»، بين مفهوم «الثورة السلبية» ومفهوم «حرب المواقع». وترجع صعوبة هذا المفهوم الأخير، إلى أن غرامشي كان يستخدمه بمعنيين متضاربين إلى حد ما: فأحيانا تكون «حرب المواقع» الشكل الوحيد الممكن للنضال السياسي في فترات الاستقرار النسبي للتوازن بين الطبقات، أي عندما يكون الهجوم المباشر frontal attack أو حرب الحركة war of manœuvre مستحيلا. وعن هذه الفترات يطرح غرامشي السؤال الآتي: هل هناك تطابق مطلق بين مفهوم حرب المواقع ومفهوم الثورة السلبية؟ أو على الأقل هل توجد أو يتصور أن توجد مرحلة تاريخية كاملة، ينبغي أن يعتبرا فيها مفهوما واحدا –عندما نصل إلى النقطة التي تتحول فيها حرب المواقع الثابتة مرة أخرى إلى حرب حركة؟» والآن، من الواضح أنه في لحظة معينة من التطور التاريخي، سوف تحل حرب الحركة محل حرب المواقع، وعندئذ يمكن مرة أخرى، شن «هجمات مباشرة» على الدولة. ومع ذلك، نجده في ملاحظته: «النضال السياسي والحرب العسكرية» يربط حرب المواقع بالغرب، حيث يوجد توازن سليم بين الدولة والمجتمع المدني، على خلاف الشرق (روسيا)، حيث تكون الحركة هي الملائمة.

ولا نجد توافقا بين هذين المفهومين لـ«حرب المواقع» إلا في فقرة وحيدة، ومع كثير من التحفظات، وهي الفقرة التي يرى فيها غرامشي أن في الغرب مجتمع مدني يقاوم، أي لا بد من التغلب على مقاومته، قبل شن الهجوم المباشر على الدولة.

ويمكن بالطبع، أن ننسب هذه الفكرة إلى أطروحته الواردة في ملاحظته «قضايا القيادة السياسية». سالفة الذكر حيث يقول:

«يمكن لجماعة سياسية أن تمارس «القيادة» (أي أن تصبح مهيمنة) بل ينبغي أن تكون قد مارستها بالفعل قبل أن تظفر بسلطة الحكم (وهذا في الحقيقة هو احد الشروط الرئيسية لكسب مثل هذه السلطة)».

من الواضح أن هذه الأطروحة تحتمل تأويلات إصلاحية، تنطوي على التقليل من شأن الدولة في إستراتيجية الثورة. غير أنه ليس هناك ما يبرر أن ينسب مثل هذا الوهم إلى غرامشي بالذات. فاهتمامه أكثر من أي مفكر ماركسي ثوري عظيم آخر بمجال «المجتمع المدني» و«الهيمنة أو القيادة hegemony»، لا يمكن دليلا على إهمال لحظة المجتمع السياسي moment of political Society أي لحظة القوة moment of force. بل بالعكس، فسجله كله يدل على أن هذا غير صحيح، وأن شغله الشاغل هو تجنب الفصل غير الجدلي بين الجانب الأخلاقي-السياسي في علم السياسة أو في نظرية الهيمنة/القيادة، أي جانب القبول/الرضاء Consent، و«جانب القوة والاقتصاد».

غير أن غرامشي لم ينجح في الحقيقة في التواصل إلى مفهوم واحد مرض لـ«المجتمع المدني» أو لـ«الدولة». وليس هذا المكان المناسب لمحاولة مناقشته نظريته في الدولة (ويمكن للمهتمين بالموضوع أن يطلعوا على الأخص على الحوار الهام بين نوربرتو Norberto Bobio وجاك تكسييه Jacques Texier في: Gramsci e la cultura contemporena Ed.Riuniti, 1969).

ومع ذلك لا بد من إشارة موجزة إلى محاولاته المختلفة لصياغة وجهة نظره.

في الفقرة المشار إليها أعلاه، المجتمع المدني يقاوم قبل الوقوع الهجوم المباشر على الدولة. ومع ذلك، نجد غرامشي يصف الدولة في الغرب، في إحدى ملاحظته المجمعة تحت عنوان «النضال السياسي والحرب العسكرية»، بأنها أشبه بـ«خندق» تنتصب وراءه شبكة قوية من الحصون والمتاريس، وهو بالتحديد عكس الوصف السابق. وفي موضع آخر، يعرف الدولة بأنها توازن بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني.

وهو في موضع آخر، يعرف الدولة بأنها «المجتمع السياسي + المجتمع المدني»، ثم يعود مرة أخرى فيعرفها بأنها توازن بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني. غير أننا نجده يؤكد في فقرة أخرى، على «أن المجتمع المدني والدولة هما في الواقع الملموس شيء واحد».

هذا التباين في مفهوم غرامشي للدولة يقابله تباين مماثل في مفهومه للمجتمع المدني (أنظر الملاحظات: 4، 5، 49، 71).

كتب غرامشي:

«ينبغي التمييز بين المجتمع المدني كما تصوره هيغل وكما نستخدمه في هذه الملاحظات (أي بمعنى الهيمنة السياسية والثقافية لجماعة اجتماعية على المجتمع كله، باعتبارها المضمون الأخلاقي للدولة) من جهة، وبين المجتمع المدني كما يتصوره الكاثوليك، فهو عندهم المجتمع السياسي للدولة، الذي يقابله مجتمع الأسرة ومجتمع الكنيسة».

وعند استخدام مفهوم المجتمع المدني بالمعنى «الهيغلي»، توضع الدولة/المجتمع السياسي في مقابل المجتمع المدني باعتبارهما لحظتين في البنية الفوقية as moments of the Superstructure، بل يشمل المجتمع المدني في فلسفة الحق لهيغل العلاقات الاقتصادية. وهذا هو المعنى الذي استخدم به ماركس هذا المصطلح في المسألة اليهودية مثلا. وغرامشي أيضا، يستخدمه أحيانا بهذا المعنى، وعلى سبيل المثال في ملاحظة حول كتاب المادية التاريخية وفلسفة بنيدتو كروتشه 1949 IL materialismo Storico e la filosofia di Benedetto Croce, 1949.

ص 266 –ص 276 التي يقول فيها:

«إن لكل تشكيل اجتماعي إنسانه الاقتصادي its homo oeconomocus، أي نشاطه الاقتصادي الخاص به. والقول بأن فكرة الإنسان الاقتصادي ليس لها قيمة علمية، إنما يعني القول بأن البنية الاقتصادية والسلوك الملائم لها قد تغيرا تغيرا جذريا، أي أنها تغيرت لدرجة أنه يتعين أيضا، أن يتغير السلوك الاقتصادي ليلاءم البنية الاقتصادية الجديدة. وهنا بالتحديد، يكمن الخلاف، وهو ليس خلافا موضوعيا وعلميا، بقدر ما هو خلاف سياسي.

فماذا يعني –على أي حال- التسليم علميا بأن البنية الاقتصادية قد تغيرت، وأن السلوك الاقتصادي لا بد أن يتغير ليتلاءم مع البنية الجديدة؟ إنه سيكون حافزا سياسيا، لا أكثر. وبين البنية الاقتصادية والدولة بتشريعاتها وقهرها، ينتصب المجتمع المدني، الذي لا بد أن يتغير في الواقع الملموس لا في التقنيات والكتب العلمية. والدولة هي أداة تكييف المجتمع المدني ليلاءم البنية الاقتصادية. ولكن، لا بد أن تكون الدولة «راغبة ومستعدة» أن تفعل ذلك، أي لا بد أن يكون ممثلو التغيير الذي حدث في البنية الاقتصادية مسيطرين على الدولة.

أما أن نتوقع أن المجتمع المدني سوف يتكيف مع البنية الجديدة نتيجة للدعاية والإقناع، أو أن «الإنسان الاقتصادي» القديم سوف يختفي قبل أن يدفن مع كل ما يستحقه من التكريم، فليس إلا نوعا من الخطابة التي تستخدم لغة الاقتصاد، وشكلا جديدا من الوعظ الأخلاقي الاقتصادي economic moralism الفارغ الذي لا طائل من ورائه. المجتمع المدني هنا، مرادف لـ«أسلوب السلوك الاقتصادي».











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غرامشي
جاسم الزيرجاوي-مهندس أستشاري ( 2012 / 8 / 30 - 20:39 )
شكراً وشكراً جزيلاً للذي بادر وترجم ونشر الدفاتر
لحد الان, لحد هذه اللحظة, الأدارة الامريكية بشقيها الجمهوري و الديمقراطي , ترتعش خوفاً من أطروحات غرامشي حول المجتمع المدني

اخر الافلام

.. طلاب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يعتصمون احتجاجا على الإبادة


.. ا?ضراب لعاملين بالقطاع الصحي في المستشفيات الحكومية المغربية




.. فيديو: مظاهرات غاضبة في الأرجنتين ضد سياسات الرئيس التقشفية


.. احتجاجا على الخريطة .. انسحاب منتخب الجزائر لكرة اليد من موا




.. كالامار: في غزة سقط عدد هائل من الضحايا وقتل أكبر عدد من الص