الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد المعاهدة 1- إنتصار أعرج وتبييض أموال

صائب خليل

2008 / 12 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عبرت مقالتي السابقة :"إذن لقد هزمنا..." عن تقديري لخسارتنا، نحن رافضي المعاهدة، لمعركة هي الأولى بلا شك في حرب مازالت بعيدة عن النهاية. اردت في المقالة تقديم تهنئة للمنتصرين دون تفاصيل، وها نحن نعود ثانية لمراجعة ما حدث ونقرر ما يجب، ونتوقع ما سيكون.

نحن خسرنا بلا شك، وكثيراً، لكن من الذي انتصر عدا الأمريكان؟ لأنني أعتقد أن المعاهدة شديدة الخطر والضرر بالعراق ففي تقديري أن من انتصر من العراقيين عدد محدود جداً هم ممن يريد علاقة بأميركا بأي ثمن. أما الباقين الذين رأوا فيها أملاً للتخلص من الإحتلال أو للإقتراب من اليابان والمانيا او صدقوا رواية كونها خطوة لإستعادة السيادة وحتى الذين اعتبروها "أهون الشرور"، فهؤلاء بتقديري خسروا معنا جميعاً، لكنهم لم يدركوا ذلك بعد، وآمل أن أتمكن من تغيير رأي البعض في شكل "إنتصاره" وقيمته، وتحديد شكل خسارتنا وحجمة من خلال مجموعة المقالات التالية، وأن ينضم ألى الرافضين مجموعة من المؤيدين الحاليين للمعاهدة، فالعراق بحاجة ماسة لجميع الطيبين ولا يصح أن نقف في خنادق متقابلة دون بذل المزيد من الجهد لمحاولة وضع النقاط على الحروف.

أما اصدقائي الرافضين فأشد على أيديهم. لقد خسرنا المعركة لكننا انتصرنا بلا شك في كسب الشعب في الشارع بجهود وتضحيات ودماء المتظاهرين والسياسيين، وفي معركة الكلمة بجهود المثقفين.
أرسل لي أحد الأصدقاء هذه العبارة لإينشتاين:"جزء كبير من التاريخ مفعم بالكفاح من أجل حقوق الانسان، وهو كفاح أزلي، ولن يتكلل بالنصر النهائي أبدا. ولكن أن تتعب وتكل من هذ الكفاح فهذا يعني انهيار المجتمع ".وأنا أهديها بدوري إلى رفاق رفض المعاهدة لنهتدي بها ونستمر بوحيها ووحي الكثير من أمثالها من الحكم الإنسانية الجميلة.

ما قصرنا في كشف كل العورات التي في المعاهدة ووضعها على الطاولة أمام الناس. ولو كان مقياس المعاهدات بعورات نصوصها وطرق فرضها، لحصلت معاهدة "سحب القوات" أو...لا أعرف آخر أسم لها، لحصلت على جائزة كبرى على مستوى العالم. لم يكن للمؤيدين سوى التهرب من أسئلتنا والإعتماد على الأجوبة الغامضة والتخويف والأسماء المقلوبة المعاني لمجابهتنا.

لكني أعترف أنهم اختاروا الطريق الوحيد الممكن للكسب وأن مهمتنا لم تكن "شاقة" كمهمة المؤيدينن أو مفاوضات زيباري، فلم يكن علينا سوى كشف الحقائق الموجودة أمامنا، أما الجانب الآخر فقد كان بحاجة إلى أن يكون "مبدعاً" في "الحقائق" التي يقدمها, ومبدعاً في الأسماء التي يبتكرها ومبدعاً في تلافي الأسئلة المحرجة ومبدعاً في قلب الآمور وكان بحاجة إلى الكثير من الوقاحة في طرح ما هو ليس معقول أيضاً. لقد كانت معاهدة لايمكن الدفاع عنها إلا بالكذب وقلب الحقائق وقد كانوا مبدعين في هذا.

لكن انتصارنا لم يقتصر على "معركة الكلمات" وجهودنا لم تذهب هباءً رغم كل شيء. فكل سنتمتر تحقق من التقدم في نصوص هذه المعاهدة، كان بفضل الرافضين والرافضين وحدهم ومن يدعي غير ذلك يعلم أنه يكذب على نفسه! هم الذين خاضوا "المفاوضات" الحقيقية ضد الأمريكان بل وضد فريق الحكومة معهم. لقد كان قائد الفريق زيباري سعيداً بالمعاهدة منذ أول نص فيها ولم يكن يخف ذلك ولم يتحدث عن أي مساوئ (لكنه قال "حساسيات" أحياناً) وكان يدافع عن نصوصها الأولى في كل لقاء صحفي وفي البرلمان وكلنا يعلم أن مثل هذا الموقف لـ "المفاوض الشاق" لايمكن أن يتقدم خطوة واحدة في أية مفاوضات. الطريقة الوحيدة هي أن يذهب للشكوى إلى الأمريكان قائلاً: "أنظروا إلى الرافضين...أنهم يهيجون الشعب ويكسبونه...إن لم تقدموا لنا بعض التنازلات سوف نكون في مشكلة". وعندها يغيرون له نصاً ما نحو الأفضل، وبقدر ما يعتقدون أنه قد يكفي لإسكات الناس وليس للحصول على موافقة المفاوض المضمونة مسبقاً.
بالطبع فأن زيباري والحكومة ينسبون هذا الإنجاز إلى انفسهم. بل أن زيباري فعل ذلك حتى قبل توقيع الإتفاقية فقال في مقابلة صحفية مع الشرق الأوسط بعنوان(زيباري: كعراقي أطالب بالتوقيع على الاتفاقية) بتاريخ 11 سبتمبر(!) ناسباً لجهوده الشاقة الفضل في تأخر توقيع الإتفاقية وليس للتظاهرات والإحتجاجات فيقول:
"وكان السقف الزمنى لتوقيع هذه الاتفاقية شهر يوليو واليوم وصلنا الى شهر سبتمبر ولم نوقع بعد نظرا لاهتمامنا بالمستوى الذي يتناسب مع ما نريد لان الاتفاقية سوف تعقد بين بلدين سياديين وليس بين طرف قوي وطرف ضعيف ولا بد من مراعاة السيادة العراقية والمصالح العراقية"

يقال: "يا كذوب كن ذكور"، أي أن من الضروري على من يكذب أن يتذكر ما قال فلا يناقضه. لكن لأن المقابلة كانت طويلة بعض الشيء، فقد نسى زيباري في نهايتها كذبته في بدايتها، ونسب تأخر التوقيع إلى "المزايدين السياسيين...وإزدواجية المواقف":
"والمشكلة ان هناك مزايدات سياسية عالية بسبب الانتخابات القادمة وبسبب الازدواجية في المواقف اى ما تسمعيه ويطرح في العلن وما يتحدثون به مع الاميركيين هما مسألتان لذلك هذه الاتفاقية محكومة بعامل الزمن ايضا وهو مهم جدا لاننا كنا نتوقع التوصل الى صيغة نهائية في نهاية شهر يوليو ( تموز ) ونحن الان في شهر سبتمبر."
العزيز زيباري لايضطرك أن تبحث في اقواله السابقة واللاحقة بل يكفي أن تقارن ما يقول من كلام في بداية مقابلة ونهايتها لتعرف مدى "صدقه". الم اقل لكم ان مهمتنا كانت سهلة جداً؟

لكن هذه هي سنة الحياة، وقد قالوا "المعركة يربحها الشجعان ويستفيد منها الجبناء".

بالطبع هذا كله ليس سوى إضاعة وقت لمن من لايرى في العلاقة بين أميركا والعراق علاقة إجبار وابتزاز وضغط، بل علاقة "صداقةً". لكن موضوع "الصداقة" هذا سيكون موضوع المقالة القادمة، حيث سأحاول أن ابين أن أميركا لن ترغب في علاقة ودية مع العراق لأنها لن تكون الخيار الأفضل لتحقيق مصالحها في هذا الظرف وأن ذلك ليس سوى "تفكير أماني" حالم.

نبهتني قارئة عزيزة بأنني أتحدث عن الهزيمة بينما:"الفريق المؤيد ..اصبح يتحدث عن ( انتصار الارادة الوطنية !!!! )". وهناك أيضاً مقالة كتبها أحد أشد المتحمسين للمعاهدة بعنوان:" وأخيراً انتصر العقل...!!" (1) وغيرها العديد من مثل هذا. لكن متى كانت "الإرادة الوطنية" تنتصر بالإستسلام لضغوط المحتل؟ بل كيف يمكن لأية "إرادة" ان تنتصر عن طريق الرضوخ لمخاوف ما بالتوقيع لجهة تحميها منها؟ ومنذ متى كان المحتل يضغط على النواب والحكومة من أجل انتصار "الإرادة الوطنية"؟
لقد تم الإنتصار فعلاً في تلك المعركة ولكن ليس "للإرادة الوطنية" بل على "الإرادة الوطنية"، وانتصر الخوف على العقل الذي أرهبوه بالطوفان والعفاريت والقراصنة، وليس العكس. فمن يخشى أن يكلفه عمله أصوات الناخبين لايعمل مع "الإرادة الوطنية" بل بالضد منها.

لا تذكّر هذه التعابير سوى باسم المقالة المعكوس المعنى، ولا تشير هذه المقالات إلا إلى منتصرين بالغش يأملون إلصاق أسباب مشرفة به. لقد تمت السرقة ولم يبق سوى "تبييض الأموال". .

أحد الأصدقاء كتب لي: " لاأعتبر الأتفاقيه لا عيدآ ولا نصرآ بل هي خطوه ربما ,أكرر ربما ، لتخليصنا وليس لدينا شيئآ لنخسره مادام العراق محتلآ والأرهاب يوغل في دماء أبنائه ".
وطبعاً واضح من سهولة الرد على هذا المنطق أنه نتيجة تفكير مرهق و"تفكير أماني" خالص.

لكن هذا المنطق لايصمد لسؤال بسيط واحد: "تخليصنا" ممن؟ اليس من نفس الجهة المقابلة في الإتفاقية؟ فكيف تتحمس نفس تلك الجهة (الإحتلال) لخطوة تعمل لـ "تخليصنا" من نفسها؟ لقد خسرنا موضعاً دفاعياً أفضل وضعته ظروف سياسية غير اعتيادية تحت اقدامنا صدفة، ولم يكن الحماس الأمريكي الشديد لتوقيع الإتفاقية بدلاً من التمديد, إلا دليل على أنهم كانوا قلقين من أن يدرك الشعب العراقي فرصته، فلا يكون لديهم القدرة على منعه من الإفلات.

يقيني أن نسبة المؤيدين للمعاهدة كانت ضئيلة() وأن نسبة عالية من هذه القلة قد تصرفت بقناعة حقيقية ناتجة عن تقديرات خاطئة بتقديري أهم اسبابها الخوف الشديد الغامض من جهة، و"تفكير التمني" الخطر المصاحب له كالعادة في مثل هذه الحالات من الجهة الأخرى.

هل كان هناك خطر في حالة رفض المعاهدة؟ نعم ولكن ليس من العفاريت والجن بل من الأمريكان انفسهم وما اعدوه من مؤامرات وما دربوه من إرهاب في سجونهم وقواعدهم خلال السنوات الماضية.

لم يكن الموقف سهلاً لكنا صرنا بموقف أصعب، فقد صار لهم إتفاقية ولديهم الآن ما لايقل عن ثلاث سنوات ليثبتوا المزيد من ألغامهم في البلاد.

الموقف أشبه بموقف من يتعرض من الناس للتهديد المسلح فيجد نفسه بين خيار إطاعة المهاجم الذي يطلب منه ان يسير معه إلى مكان مجهول وخيار رفض ذلك وإغضاب المجرم بما في ذلك من خطر. ليس بين خياراته أي خيار مضمون طبعاً ومع ذلك تنصح الشرطة الهولندية لمن يجد نفسه في مثل هذا الموقف أن يرفض الذهاب مع المجرم إلى مكان آخر، مهما بدا هذا الموقف خطراً. ومنطق النصيحة هو أن المجرم يريد أن يسحب ضحيته إلى منطقة أنسب لتنفيذ جريمته، كأن تكون أكثر بعداً عن مناطق السكن. لذا فعلى الضحية أن ترفض، لأن المخاطرة بالقبول أكبر دائماً من الرفض وكل ما يستطيع المجرم أن يفعله في المكان الأول، فأنه يستطيع أن يفعل أكثر منه في المنطقة الثانية التي يختارها والتي يشعر فيها بالحرية. أي ان الضحية تنتقل ألى موقف اصعب.
فحتى وجود فتاة صغيرة قريبة قد يجعل المجرم يتردد في القتل مثلاً خوفاً من شهادتها لاحقاً، أو أن وجود بيوت قريبة قد يسمع سكانها الصراخ. لقد كانت الأمم المتحدة التي حرص الأمريكان على إبعادها، هي هذه "الفتاة الصغيرة" بالنسبة لنا، فقبلنا بالإبتعاد عنها بالمعاهدة. أما مسألة الإحتفاظ بالوثائق لدى الأمم المتحدة فهو ما لا يفيد بشيء، واسألوا نيكاراغوا فلديها وثائق اوضح بكثير ولديها حكم من المحكمة الدولية محفوظ في الامم المتحدة منذ ربع قرن ضد الولايات المتحدة.

يتساءل المرء: لماذا لم تدرس الحكومة المشاكل التي سيحميها الأمريكان منها بأعجوبة ما، وكأنها البلسم الشافي لكل الأمراض، فلا يحتاج إلى فحص وتشخيص؟ لماذا لم تحاول الخروج بنفسها من الفصل السابع، على الأقل لتبرهن للشعب استحالة ذلك دون أميركا؟ أليس من المثير للإنتباه أن زيباري يبادر الآن بعد أيام فقط من توقيعه الذي سبق البرلمان لإهانته، إلى الحديث مع الروس عن الفصل السابع ويطلب مساعدتهم أو عدم عرقلتهم لخروج العراق منه؟ لماذا لم يتحرك حركة واحدة مثل هذه قبل الآن ليرينا إن كنا بحاجة فعلاً إلى "أهون الشرين"؟ أنا اقول لكم لماذا، لأنه كان يخشى أن يتبين أن ليس هناك أية مشكلة في الفصل السابع ليحلها الأمريكان لنا!
وما الذي يفعلونه الآن؟ إنهم يناقشون توقيع اتفاقية ثانية مع بريطانيا، وكأن جيش أقوى دولة في العالم لايكفي بل يجب أن تأتي كل حثالات الأرض لحمايتنا من العفاريت. لم يبق سوى أن يكتبوا إعلاناً في الأمم المتحدة لتشغيل كل من لديه مرتزقة عاطلين في العراق!

ليس في هذه المعاهدة أي شيء واضح! لا الأسباب ولا الحلول ولا تصرفات الحكومة العراقية ولا البرلمان، وكل ما له علاقة بالمعاهدة مريب ومثير للشك والقلق: أسئلة يتم تجاهلها، أسماء معكوسة المعاني، ضغوط، قتل، دستور يفسر كما يناسب الأمريكان، أستعجال مجنون، رفض شديد لمناقشة أي بديل، وزير دفاع وداخلية ورئيس وزراء يشكلون فريقاً لتهديد الشعب وتخويفه، إضافة إلى كل الأكاذيب التي ملأت قصة المعاهدة منذ بدأت وحتى توقيعها.

الإمريكان يدركون الآن أن عليهم أن يعملوا بكل جد من أجل أن لاتكون الظروف بعد ثلاث سنوات من الآن بشكل يسمح للعراق أن يفلت منهم، وإنهم إن اضطروا للخروج عسكرياً، فسيبقى لهم من العملاء في الجيش والأمن والسياسة ما يكفيهم لتسيير العراق عن بعد كما يشاؤون، لا كما يشاء هو، وأن يعيدوه إلى الحظيرة إن هو تجرأ على الخروج منها. ومن أجل ذلك لن يترددوا كما لم يترددوا في الماضي مع أية دولة تعاملوا معها، من استخدام كل الأساليب بضمنها العنف والمؤامرات والدسائس والإنقلابات العسكرية وقصف المدن. وبالطبع فأن مهمة الشعب العراقي إن أراد تجنب هذا المصير، أن يعمل على العكس من ذلك تماماً. ولعل أول خطوة في ذلك هي التصويت بشكل كبير للجهات التي رفضت المعاهدة دون غيرها، فالتصويت السليم يفترض أن يعتمد على قناعة المواطن بالمواقف السياسية الأساسية لمرشحه وليس لإنتماءاته المختلفة الأخرى، كما يصوت القبليون والقوميون والطائفيون. على الشعب أن لايسمح أن تكون هناك في العراق سلطة موالية للأمريكان بدلاً من الولاء لشعبها بعد ثلاث سنوات، وأن يبدأ بالتصويت لها منذ الإنتخابات القادمة للمحافظات. على الشعب أن يعد البلاد بشكل جيد لتتمكن من إختيار الدرب الذي يناسب مصالحها في مفترق الطرق القادم.

(1) (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=154774 )











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي