الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما شعور رسامي الكاريكاتير في العراق في هذه الفترة؟

صائب خليل

2008 / 12 / 11
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


تتكاثر "الأشياء" التي "لايجب أن تستعمل كموضوع إنتخابي" في العراق, وكأن الإنتخاب عملية طاهرة مطهرة يجب أن لايمسها إلا....إلا ماذا؟ لا أدري...لكن المزيد من الناس والأماكن يجب أن لاتمسها...

بدأ الموضوع بمشروع عدم السماح باستعمال "صور المرجعيات" و "الرموز الدينية" في الإنتخابات، وكان هذا الأمر فيه وجهة نظر رغم أن عليه علامات استفهام عديدة مثل حالة أن يكون الرمز الديني المستعملة صورته قد دعم فعلاً الحزب الذي يستعملها وسمح شخصياً باستعمالها، أو حتى قد يكون منتمياً إلى الحزب الذي يستعملها...الخ. وهنا يتبادر سؤال أيضاً: لماذا الرموز الدينية فقط؟ ألا تظلم هذه النقطة ألأحزاب الدينية؟ يعني كيف تضع قانوناً لايميز بين الدينية وغيرها، ولماذا يسمح باستعمال صورة علاوي مثلاً (باعتباره رمزاً سياسياً!) ؟

لكن كما قلت، أرى أن في هذا الإجراء وجهة نظر معقولة في العديد من الحالات العامة. إنما كيف نفسر منع استعمال الجوامع والحسينيات للدعاية السياسية والإنتخابية؟ الناس يذهبون إلى هذه الأماكن من أجل الإستماع إلى رأي الشيخ أو السيد أو الإمام الذي يثقون به، في مختلف القضايا التي تهمهم، فلماذا وكيف يمنع الإمام من قول رأيه في موضوع يعتبره مهماً, وكيف ولماذا يمنع الناس من سماع رأي من يثقون به ويناقشونه في الموضوع الذي يهمهم؟ ألا يشبه هذا بشكل شديد نظام البعث في الموضوع؟ وكيف سينفذ مثل هذا غير بأن تضع الحكومة رجال أمنها ومخبريها في كل جامع وحسينية ليكتمل الشبه بين الشبيهين؟

من أظرف ما قرأت عن الموضوع هو تقرير صدر عن المركز الحكومي الهولندي للبحوث قبل بضعة سنوات عن صلاحية الدين الإسلامي للتعايش مع الديمقراطية (وكانت النتيجة إيجابية على عناد كل من ينزعج من مثل هذه النتيجة) جاء فيه أنه من الإيجابيات في الدين أنه يوصل التعابير السياسية الديمقراطية إلى أسماع الناس الذين لم يتعودوا سماعها وليس لديهم أية فرصة أخرى لسماعها ومناقشتها وذلك في الجوامع!!

إذن ما يعتبره هذا التقرير "أفضلية" للدين بالنسبة للديمقراطية، حاولت "الديمقراطية" العراقية منعه، رغم أن من كتب التقرير ليس من "المتطرفين الإسلاميين" و من "الطائفيين" وليس حتى من "قوى الظلام".

بعد هذا تكاثرت دعوات غريبة لمنع تداول السياسة في الجامعات والمدارس!! طبعاً هناك فرق بين فرض أجندة سياسة معينة وبين مناقشة وتداول السياسة في المدارس. كان يجب أن يكون الهدف هو منع احتكار جهة ما لوجهة نظرها في المدارس (حتى إن كان هدفاً بعيداً) وليس منع السياسة فيها، بل في تقديري أن من الواجب تدريس السياسة وبالذات الديمقراطية في المدارس، واعطاء فكرة للطلاب عن الإتجاهات السياسية المختلفة في بلاده والعالم بأكبر قدر ممكن من الموضوعية حتى يأتي الزمن الذي تتكامل فيه هذه الموضوعية. وفي الوقت الذي يصعب فيه ضمان موضوعية التعليم، فيمكن إلى حد كبير ضمان حيادية وموضوعية الكتب التي تدرس.
في كل الأحوال يجب أن يشجع الطلاب على فهم السياسة واتخاذ مواقف منها وليس العكس، على أن يتكامل الأمر مع الزمن ويتم بناؤه تدريجياً. أما المنع فيعود بنا إلى "المربع الأول" على مقولة السيد رئيس الوزراء.

أما آخر إبداعات الديمقراطية في العراق في سلسلة استنكارها لإستعمال "كذا" في السياسة والإنتخابات فهو تصريح السيد رئيس الوزراء الذي اتهم فيه "البعض" (تلك الكلمة الجبانة التي اصبحت داءً في التراث السياسي العراقي) يتجرأ و " يشوش على اذهان العراقيين ويتحدث عن الاتفاقية بتنافس انتخابي"!! (1)
يا للعجب! أي شيء إذن يجب أن يستعمل من أجل "التنافس الإنتخابي" إن كان استعمال الموقف السياسي لكتلة أو نائب من قضية سياسية يعتبر "عملاً غير مقبول" ؟ لماذا ينظر المواطنون إلى ممثليهم كيف يصوتون على القرارات؟ وكيف يحاسبونهم على وعودهم الإنتخابية ومواقفهم السياسية؟ ولماذا لا تجعلوا التصويت كله سرياً إذن حتى لا "يتجرأ" مثل هذا "البعض" على ارتكاب مثل هذا العمل الشائن مستقبلاً؟

عزيزي القارئ ، مواطني العزيز العراقي...أخي...والله هناك من يتآمر على سلامة رأسك... ويريد أن يصيبك بالجنون وعليك أن تنتبه لذلك وإلا وجدت نفسك في الشماعية عاجلاً أو آجلاً!

كيف يمكن أن يفهم المرء مثل هذه العجائب؟ إنها تكرار للرعب الذي انتشر بين الكتل المؤيدة قبل التصويت على المعاهدة حيث كانوا يخشون رد فعل الناس عليهم إن صوتوا بالموافقة فيخسرون أصواتهم الإنتخابية، وهو دليل رائع على "قربهم من جماهيرهم" و"إخلاصهم لتمثيلهم لها"، وهاهم الآن يحتجون أن يستعمل الموقف من المعاهدة "للتنافس الإنتخابي"!
على ماذا يجب أن يبني العراقي موقفه في الإنتخابات إذن أيها المالكي العجيب؟ الطائفية؟ القومية؟ القبلية؟ المواقف الإيديولوجية وحدها؟ لون الشعر أو لون البشرة؟
كيف يجب أن يحدد العراقيين مواقفهم وكيف يصوتون إذن؟ هل سمعتم بالمثل: "گرصة خبر لا تثردين باگة فجل لا تحلين واكلي لمن تشبعين"؟ أتحداك أن تذكر لي سبباً واحداً أفضل أو أكثر وجوباً لإستعماله في الإنتخاب من موقف الناخب أو الكتلة من قضية سياسية، خاصة تلك التي يتم التصويت عليها في البرلمان!

لايترك المالكي الأمر عند هذا الحد بل يحاول في نفس الحديث أن يزيل الإنطباع بأنه ربما يكون "خجل" من دوره في المعاهدة فيقول: "يوم اقرار الاتفاقية يستحق أن يكون يوما وطنيا للعراق"! لماذا أنت منزعج إذن من استخدامها إنتخابياً؟ الست أكثر من يجب أن يفخر بهذا "اليوم الوطني"؟ أولا يحق للشعب أن يقدم أصواته لمن كان له الفضل في الإنجاز الذي سيصير "يوماً وطنياً"؟ اليس للرجال والنساء الذين أسهموا في هذا الإنجاز، أن يحصلوا بدل تعبهم و إنجازهم هذا بشكل اصوات مواطنيهم؟ أي شيء آخر يحق للسياسيين أن يطمحوا للحصول على اصوات ناخبيهم به أكثر من تقديم "الإنجازات الوطنية"؟

ثم اليس قولك أن “يوم اقرار الاتفاقية يستحق أن يكون يوما وطنيا للعراق الذي استطاع ان ينتزع السيادة الكاملة.." هو بحد ذاته دعاية إنتخابية؟ لماذا يكون امتداح الإتفاقية مسموحاً به كدعاية إنتخابية وانتقادها مرفوضاً؟

في هولندا جاء "القدر" بحكومة "فورتان" المكونة من "عجائب وغرائب" بكل معنى الكلمة كما يعرف من يعيش في هولندا، وسقطت الحكومة خلال اقل من شهرين أو ثلاثة على ما أذكر. حينها كانت هناك مسابقة لأفضل كاريكاتير صحفي في البلاد، ومما قاله الفائز أن تلك الفترة كانت فترة "الجنة" بالنسبة لرسامي الكاريكاتير لأنه يكفي أن تفتح الصحيفة وتقرأ تصريحاً أو أثنين من تصريحات تلك الحكومة حتى تتقافز الكاريكاتيرات في رأسك.
....اود أن أسأل رسامي الكاريكاتير العراقيين عن شعورهم في هذه الفترة!؟


(1) المالكي: البعض يتحدث عن الاتفاقية كتنافس انتخابي
http://ar.aswataliraq.info/?p=114614










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - على فرض انهم سمحوا بذلك
محمد ( 2008 / 12 / 14 - 09:01 )
العراقيون بحاجة الى معرفة الديمقراطية والسياسة من خلال المدرسة والجامعة والمسجد والحسينية ولا شك ان مثل هذه الاماكن يمكن ان توصل الفكرة بشكل افضل وانقى خصوصا بالنسبة لدور العبادة ومن قبل رجال دين بوعي جيد وهذه ميزة للدين لكن هل هذا ممكن في العراق ؟ اليس هذا هو السؤال الذي الجدير بالطرح , اذا كان المالكي يرفض ان يتحدث الاخرون عن الاتفاقية كتنافس انتخابي ليس لحرصه على نزاهة الانتخابات فهو والجعفري كانا اول من قاما بخرق لقوانين المفوضية العليا للانتخابات حيث نشرا اسم القائمة ورقمها وعلى القنوات التابعة لهما وفي معظم شوارع بغداد قبل الموعد الرسمي لبدأ الحملة باكثر من اسبوع , لكن رفضة يأتي من رغبته باحتكار المعاهدة وتسجيلها بأسمه على نهج صدام الذي ابتدع رمز -ص ح- لتسمية الاشياء وحتى الجدران باسمه اما لو تم السماح باستخدام المدارس ودور العبادة للدعاية الانتخابية لوجدت امام المسجد نفسه وقد خرج على الناس وقد فصل دشداشة وعباءة مطبوع عليها صورة واسم رئيس الحزب الذي يدفع له وهذا وارد جدا بل من اللمكن ان يمتحن المصلين قبل دخولهم للجامع لمعرفة انتمائهم واحقيتهم في الصلاة في ذلك المسجد


2 - لايمكنك ان تطالب بالمثالية
صائب خليل ( 2008 / 12 / 14 - 12:04 )
أخي العزيز محمد،
أنت تعترف بأهمية هذه الأماكن للإطلاع على الديمقراطية لكنك تتساءل إن كان ذلك ممكناً في العراق ، وتشكك بأن -رجل الدين- سيكون واعياً بشكل كاف. بالطبع لاينتظر من رجل الدين أن يكون بالوعي الذي يطالب به الديمقراطي المثالي، وربما كان واعياً لكنه يتكلم بشكل يخالف ما يريد هذا الديمقراطي أو العلماني او رجل الدين من طائفة أخرى وهذا شيء طبيعي ويجب أن يكون مقبولاً لأي شخص يفكر بالديمقراطية.
ما يذكره البحث الذي أشرت إليه هو أن هذه الأماكن من جوامع وحسينيات ألخ, ستقدم للمستمع من المؤمنين بالدين او المذهب لأول مرة ربما، مفاهيم سياسية وديمقراطية حتى وإن كان بشكل خاطئ أحياناً وغير دقيق غالباً. ويكون فضلها الأساسي أن المناقشات بشكلها السياسي ستدخل إلى وعي وتفكير المستمعين الذين سيستمعون لأول مرة إلى كلام بمقاييس وحجج سياسية. فمثلاً عندما يدعو الإمام للإنتخاب لحزبه فأنه لابد أن يتحدث عن ميزات هذا الحزب ووعوده الإنتخابية لجماهيره, ولابد أن يقارن مع الأحزاب الأخرى فتصل فكرة تلك المقارنات إلى أذهان لم تتعودها قبلاً وتصبح لديها قياسات جديدة هامة لممارسة الديمقراطية، إضافة إلى حقيقة أن مجرد دعوة هؤلاء المستمعين إلى الإنتخاب يعطيهم فكرة جديدة بأن من حقهم أن يقرروا من يحكمهم وان يكون

اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش