الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيارة بوش الأخيرة للعراق

خالص جلبي

2008 / 12 / 16
السياسة والعلاقات الدولية


ودع العراقيون بوش بفردة حذاء؟ ولكن ليس كل العراقيين..
وحين تجرأ الصحفي العراقي أن يرشق بوش بسفل حذائه فهو مؤشر خير وليس كما هلل العرب الأشاوس..
وذاكرة الشعوب قصيرة، ونفوسهم بئيسة، والحقد له مرتع، ولكن ثقافة بوش تسمح بحدث مثل هذا، وكانت نظرة من صدام لأحد الرفاق كافية أن تصيبه بداء الرجفة بقية حياته، أو تذهب بصاحبها إلى قصر النهاية أو الرحاب، وما أدراك ما هي؟
ولذا وجب تأمل قصة الحذاء المرشوق من زاوية مختلفة هي التعبير وعدم الخوف حتى بالصورة القميئة.
إننا نضل حين نظن أننا نلنا من بوش بهذه الطريقة، بل هي شهادة له أنه لن يسحل في شوارع الكوفة والبصرة، ذلك الذي تجرأ فسمح لعقله بالتفكير ويده بالضرب..
وهذه هي جدلية التعبير أن تعرف كيف تعبر وتغضب حسب المنطق الأرسطي في المكان المناسب من الشخص المناسب للسبب المناسب..
إننا نفرح بتصرفات الحذاء وننسى أنه نقلة للعراق إلى عصر التعبير ولو برشق الأحذية ولكن أكثر الناس لا يعلمون..
إن ضخامة الأشخاص عندنا وتورمهم إلى حد التأله، وضغطهم إلى حجم حذاء في الثقافة الغربية مأساة للعقل العربي والثقافة العربية، وجائزة للثقافة الغربية التي لا تسمح للتأله.. وليس من مجال
وهذا إعلان رائع للتوحيد السياسي نسيناه من أيام المتوكل..
إنني أذكر قصة شاعر أحضروه إلى الخليفة متهما بكلمة، فلما أصبح رأسه بين السيف والنطع والجلاد ألقى أبيات من الشعر حاصلها أنه لا يأسف على نفسه أن يطير رأسه مثل ديك رومي، ولكن الصبية الصغار الذين سوف يصرخون ألما حين ينعى إليهم الأب، الذي سمح لعقله بالحركة، ولسانه المعقول بكلمة..
نعم إنها ثقافة العقل المعتقل.
فهل يمكن أن نسجل لأمريكا نصرا جديدا أن أعظم شخصية تعرضت لإهانة ـ من وجهة نظرنا ـ فلم يسحل صاحبها على الطريقة العراقية، ولم يشنق فيطير رأسه بمعاليقه كما فعل أخوة برزان التكريتي ببرزان..
العراق يستحم في الدم منذ أيام الحجاج وقبل الحجاج، ولعل إهراق الدم في ذكرى الحسين تصب في نفس الاتجاه الدموي.
والآن بعد أن طار صدام ودخل جنود أمريكا إلى العراق، بدئوا في التعبير والاجتماع وتشكيل الصحافة والتمتع بالانترنت والجرأة على الاعتراض وإنشاء مجالس الصحوة والخروج في مظاهرات ومسيرات، والصراخ والزعيق ولو ذما وشتما وقدحا وبغضا ورميا للأحذية في وجوه الرؤساء، وكانت في أيام الراحل المصدوم جرائم يحاكم عليها صاحبها ويوضع على الخازوق..
هل يمكن أن نفهم من حادثة حذاء بوش أننا في مكان الحذاء ننتج الأحذية، وأن بوش في مكان تحمل الأذى يرده بيده بدون جاندرما ومخابرات وتعذيب واستخراج للحقائق كما يريد عسس المخابرات؛ على أي شكل ونحو ومظهر.
فإن أرادوا خرج متآمرا للصلب، وإن أحبوا بدا حيوانا وديعا يدب على أربع، أو زاحفا صحراويا على بطنه يزحف، أو مشوها يجرجر قدميه بلحية منتوفة محروقة، أو عميلا لأي جهة عالمية..
إن ما حدث في زيارة بوش الأخيرة أفضل شهادة يمكن أن يخرج بها للتاريخ، أنه تلقى الحذاء فلم يرد عليه بالمثل، بل كان أفضل منه، في حوار بين الحذاء والكلمة، فهذا هو الفرق بين الثقافتين..
إنه يوم فخر لأمريكا ونصر جديد لمن يفهم الدلالات
ولكن بيننا وبين هذا الفهم مسافة ثلاث سنوات ضوئية بالضبط؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
ماجد ( 2008 / 12 / 16 - 09:03 )
تحيات كبيره لهدوء وحكمة الدكتور فالقلم اصدق انباءا من السيف مع الاعتذار لقول الشاعر

اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل