الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الحذاء!!

مهدي سعد

2008 / 12 / 22
المجتمع المدني


مشهد الأحذية المتطايرة باتجاه الرئيس الأمريكي جورج بوش تحوّل إلى حدث تاريخي كبير فسح المجال أمام ملايين العرب للشعور بنشوة "انتصار" كاذبة على "عدو" أمريكي مفترض. هذه الحالة الهستيرية التي تلف العالم العربي في أعقاب المشهد المذكور لا تدل إلا على حالة من التخلف الفكري تطفو على المنطقة العربية بأسرها. ليس من الطبيعي أن تحدث ردة فعل كهذه في مجتمع حضاري راقٍ، ولا شك أن الدونية التي يعاني منها العرب بالمقارنة مع بقية شعوب العالم هي التي تدفعهم إلى تحويل صحفي قام بتصرف همجي عابر إلى "بطل قومي" تُدفع ملايين الدولارات مقابل الحصول على حذائه!!

إن تحوّل حذاء متطاير إلى رمز عزة العرب القومية ما هو إلى دليل على المستوى الفكري والثقافي المتردي الذي وصل إليه العالم العربي. على عكس ما تظن شريحة واسعة من العرب بأن هذا الحادث أعاد لهم شيئًا من كرامتهم المهدورة، فإنه يمثل تعبيرًا عن جهلهم وتخلفهم. "الانتصار" على الولايات المتحدة لا يكون إلا عن طريق نشر الديمقراطية وتثبيت سلطة القانون وتعزيز دور المؤسسات الدستورية في الدول العربية، بالإضافة إلى إشاعة ثقافة التسامح وقبول الآخر ورفض التطرف والإرهاب، كذلك فإن رفع مكانة المرأة يعتبر من الأسس الهامة لأمة تريد أن ترى نفسها منتصرة على الآخرين.

أعتقد أننا بحاجة ماسة للطم أنفسنا بالنعال لكي نستفيق من السبات العميق الذي نعيش فيه. نحن أمة تعيش خارج التاريخ فاقدة لأبسط مقومات المجتمع المدني العصري، وذلك راجع إلى أننا لم نتلقف بعد ثمار الحداثة التي بدأت صيرورتها في الغرب منذ مئات السنين. إن العالم العربي بأمس الحاجة إلى فكر تنويري حديث يُنتج نهضة ثقافية متجددة يكون لها الضلع الأكبر في إحداث تغيير مجتمعي حقيقي يمهد الطريق أمام تطور نوعي في الحياة السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية.

للخروج من "ثقافة الحذاء" لا بد للعرب أن ينزعوا من أنفسهم العقلية القبلية التي تسيطر عليهم وتشكل المحرك الرئيسي لتصرفاتهم. وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على الدور المحوري الذي يلعبه الإسلام الأصولي في إبقاء الشعوب العربية في أسفل سلم الحداثة، إذ يشكل نشاط الحركات الدينية الأصولية في صفوف المسلمين مع كل ما تحمله من فكر ماضوي متخلف عائقًا في وجه بناء الإنسان الحضاري الحديث الذي يمثل أساسًا متينًا في نهضة مجتمعية وسياسية مرجوة.

كان من الأجدر بالصحفي الذي رمى الأحذية أن يوجّه نقدًا صريحًا للرئيس الأمريكي على سياسة إدارته في العراق يستطيع من خلاله إيصال رسالة واضحة من الشعب العراقي لرئيس الدولة التي تحتل بلاده. وبذلك يكون قد أدى أمانته كمراسل يسعى لنقل ما يختلج في صدور الناس إلى مسامع المسئولين وصانعي القرار.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشباب الحقيقي
وائل إلياس ( 2008 / 12 / 22 - 02:46 )
مقال رائع يا مهدي، شئ جميل أن نرى شباب مثلك على هذه الدرجه من الوعي و الفهم للواقع العربي المريض

اخر الافلام

.. وزير الخارجية الأيرلندي: 100% من الفلسطينيين بغزة يواجهون شب


.. ثورات في الجامعات الأمريكية.. اعتقالات وإغلاقات وسط تصاعد ال




.. French authorities must respect and protect the right to fre


.. تحقيق مستقل: إسرائيل لم تقدم إلى الآن أدلة على انتماء موظفين




.. البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل يتيح ترحيل المهاجر