الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من المسؤول عن أحداث القامشلي وسواها

أحمد حسو

2004 / 3 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


هل نحمل الهوليغينز الديري (جمهور فريق الفتوة من دير الزور) مسؤولية ما جرى في مدينة القامشلي الكردية وامتد إلى باقي مدن الجزيرة والمدن السورية التي فيها جاليات كردية كبيرة كدمشق وحلب؟ وهل رفع حوالي ألفي مشجع لشعارات تهتف بحياة الرئيس العراقي المخلوع و"أبطال الفلوجة" يؤدي إلى كل ما حصل؟ الجواب بالتأكيد بالنفي. فهذه ليست المرة الأولى التي يلعب فيها فريق الفتوة في القامشلي والعكس صحيح أيضاً ولم يحصل شيء؛ فالفريقان يلعبان في دوري الدرجة الأولى لكرة القدم السورية منذ سنوات ويلتقيان مراراً، فلماذا كل هذه الدماء هذه المرة؟ وربما الأجدر أن نطرح سؤالاً أدق، ففريق الجهاد ليس فريقاً كردياً مئة في المئة فهو يمثل الفسيفساء القومية والدينية لمدينة القامشلي، فما الذي يدفع بمشجعي الفتوة لشتم الزعماء الأكراد العراقيين قبيل مباراة مع الجهاد ؟ فريق الجهاد فيه اللاعب الكردي وفيه العربي، فيه المسلم وفيه المسيحي، فما علاقته بالفدرالية الكردية في العراق، (والتي ـ للعلم ـ مازالت على الورق فقط) حتى يجوب جمهور الفتوة شوارع مدينة القامشلي ويظهر ولاءه لدكتاتور العراق المخلوع ويشيد "بمقاومي" الفلوجة؟
إنه بالتأكيد أمر يدعو إلى التأمل والبحث. كما أنه ليس وليد هذه المباراة التي اتخذت ذريعة لإشعال هذه الفتنة وبث الأحقاد على الأكراد السوريين لا لشيء وإنما لأنهم أكراد فقط.
وإذا كان معروفاً أنّ المناطق الحدودية السورية القريبة من العراق كدير الزور والبوكمال تتعاطف تاريخياً مع العراق وربما يكون ولاؤها لحكام بغداد أكثر من ولائها للجالس في قصر المهاجرين في دمشق، فإنه لا يفسر هذا الحقد الشوفيني على الأكراد من رجال الأمن السوريين وبعض العشائر العربية التي تعيش مع الأكراد في وئام منذ عقود في المناطق الكردية.
المسألة موغلة في القدم، هي بدأت بتطبيق السياسات القومية الشوفينية ضد تطلعات الشعب الكردي في سوريا من خلال استنكار وجوده وحرمانه من أبسط الحقوق وتعريب مناطقه عبر تطبيق سياسة الحزام الأخضر وجلب الآلاف من العشائر العربية وإسكانها هناك أو ما يطلق عليه بعض الأكراد "بالمستوطنات العربية".
وحين صادرت الحكومة السورية آلاف الهيكتارات من أراضي المزارعين الأكراد وحولتها إلى "مزارع الدولة" من خلال سياسات تأميم الأراضي وسلمتها فيما بعد إلى العشائر العربية التي استقدمتها من مناطق الفرات، كان رد الأحزاب الكردية "أهلاً بالفلاح العربي" ولم تقم صدامات عرقية بين الطرفين، علماً أنه كان واضحاً للأكراد أنّ الهدف من إسكان هؤلاء تغيير الطابع الديمغرافي لمناطقهم، وليس بسبب أنّ المياه غمرت قرى العشائر العربية، وهي سياسة أجاد نظام صدام حسين في تطبيقها في كردستان العراق.
وزاد في الطين بلة، ما رافق الحرب على العراق وإسقاط النظام الدكتاتوري الصدامي من حملة إعلامية شديدة، تحت يافطة مقاومة الإمبريالية والاحتلال الأمريكي للعراق، استهدفت الأكراد بشكل خاص. فالإعلام العربي، بفضائياته وصحفه ومثقفيه، ركز حملته على أكراد العراق فقط وتجاهل أدوار القوى العربية الأساسية من المعارضة العراقية (السابقة) كما لو أنّ الأكراد هم من جلبوا القوات الأمريكية إلى العراق، وصورهم كطابور خامس. وكأنّ دعاة القومية العربية و"الغيارى" على العراق كانوا يتوقعون من الأكراد أن يدافعوا عن نظام صدام حسين؟ ليس هذا فحسب، بل رافقتها حملة من بعض أشباه المثقفين وأبواق الفضائيات العربية تصور كردستان العراق وكأنها قاعدة للموساد الإسرائيلي.
وحين تشكل مجلس الحكم الانتقالي في العراق كان نصيب الزعماء الأكراد من الحملة حصة الأسد، لا بل فإنّ التفجيرين الإرهابيين في أربيل حيث قتل بعض الزعماء الأكراد كان تتويجاً لهذه الحملة.
وبالعودة إلى الوضع الكردي في سوريا فإن المثقفين العرب السوريين يتحملون قسطاً كبيراً من المسؤولية عن هذا الحقد الأعمى على أكراد سوريا. فالأقلام السورية التي أشادت بما يسمى "المقاومة العراقية" ودأبت على تصوير الأكراد وكأنهم مخلب قط للسياسة الأمريكية هي تقف وراء الغوغائية التي أظهرها مشجعو فريق الفتوة. من المؤكد أنهم (المثقفون)لم يدعوا إلى رفع صور صدام، لا بل إنّ بعض الشجعان منهم توجه إلى المناطق الكردية للإسهام في تهدئة الأوضاع، لكن تعامل الغالبية منهم مع المسألة العراقية هو الذي زرع الفتنة. فحين تعرض الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ إلى عملية اغتيال، تساءل أحد المفكرين المصرين قائلاً: من المسؤول عن استهداف محفوظ، هل هو هذا الإسلامي المتطرف الجاهل الذي انقض على محفوظ، أم من هيأ له الأرضية من أساطين الفكر الأصولي المتطرف؟
نحن نعيد السؤال: من دفع بالهوليغنز الديري إلى شتم الأكراد والإشادة بصدام بعد أيام من التوقيع على قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت وما رافقه من سجال حول جملة تعطي الأكراد حق الفيتو على الدستور العراقي المستقبلي الدائم؟ أليست هي الأقلام التي صورت العمليات الإرهابية في العراق كفعل مقاومة وأشادت بمدينة الفلوجة و "مقاوميها" وغيرها وصورت اعتقال دكتاتور العراق وكأنه يوم أسود في تاريخ الأمة العربية.
* صحافي سوري مقيم في ألمانيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست