الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنقذوا السعودية قبل أن تحترق

نذير الماجد

2009 / 2 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


في السعودية تنعدم الخيارات، تضيق الحرية، إذا كان هنالك ثمة حرية أصلا، فلكي تصبح مواطنا صالحا فليس لك سوى أن تكون سلفيا وإلا فانت متهم ومنفي في وطنه. من هنا يميل البعض ممن لا تنقصهم الجرأة في تعرية الواقع إلى توصيف الواقع السعودي بزنزانة على شكل وطن، وطن لا يتسع إلا لكي تتسع مساحة الطوق، هذا الوطن الذي بات حاضنة للتشرذم، للتشظي الطائفي، هو كوطن ممسوخ يفتقد كل أبجديات التعايش الذي من دونه لا يمكن أن يستقر أي انتماء وطني أو أن تسود أي ثقافة وطنية.

لا شيء يضمن بقاء الوطن كبوتقة تنصهر فيها كل الهويات المتنازعة وكل الثقافات المحلية سوى ذلك الاندماج الإرادي في هوية جامعة "وطنية" تذوب فيها كل هوية مناطقية أو مذهبية، تذوب فيها الطائفة والقبيلة وكل الثقافات المحلية. ولا يقود هذا إلى التلاشي والانمحاء الكلي بقدر ما يعزز حالة الاندماج والتعايش التي بدونها ينهار كل إطار وطني، وههنا تماما يتبدى التمايز بين الانتماء الوطني المرتكز على إرادة واعية وتوافق قائم على أساس اختياري صرف وبين ما عداه من انتماءات قائمة على الإكراه بصفتها انتماءات منجزة كالقبيلة أو الطائفة، وهي الانتماءات التي تشكل أطر ما قبل الدولة.

وعليه هل تمكنت السعودية من تشكيل هذا الإطار؟ ما جرى في المدينة الجمعة الفائتة من حدث يهتز له ضمير من يؤمن بحق كل إنسان في ممارسة ما يعتقد وما تلته من احتجاجات واشتباكات قابلة للتصعيد والانفجار يستلزم إعادة فتح هذه الإشكالية حتى وإن كانت صادمة جارحة للوجدان الوطني، هذه الأحداث المؤسفة لا تكشف فقط عن استفحال الحس الطائفي والإستئصالي عند فريق كان يفترض به أن يكون شريكا فاعلا في الوطن، بل ساهمت بشكل جلي جدا في تعرية ما بات يعتور الواقع برمته، وهو انسداد أي أفق للإصلاح والتغيير، وهو انسداد ناجم بشكل أساسي عن غياب الإرادة الجادة في لملمة التشرذم في الهويات المتنازعة بإيجاد صيغة ملائمة للتعايش، وهو ما رشح عنه تكريس حالة التشاحن والإقصاء المتبادل.

فعندما تغيب الهوية الوطنية تطفح إلى السطح الهويات النقيضة، وعندما تنحاز السلطة لفريق دون آخر تصبح بالضرورة طائفية، لتلجأ عندئذ الجماعة التي تشعر بالاضطهاد والغبن لتعزيز الجبهة وتماسك الجماعة المهددة إلى استخدام نفس اللغة، وهي قاعدة سيسيولوجية تمثل في الأساس آلية حماية ودفاع ضد تهديد يستجمع القوى ويستحث الإحساس بالهوية على الظهور مجددا كمارد كان ينبغي أن يلجم ويبقى حبيسا في قمقمه، وبالتالي نحن أمام ردة فعل واستجابة، وليس مجرد رغبة غوغائية في إحداث الشرخ.

الانتماء الطائفي لا يجتمع ولا ينسجم مع الانتماء الوطني، كلما حضر الأول غاب الثاني، ولا يستقر أحدهما إلا على حساب الآخر، نعم، فالطائفة أو القبيلة نقيض للوطن، لأن المواطنة هوية مدنية في الأساس بخلاف القبلية أو الطائفية التي هي انتماء بيولوجي قهري.

ألا يقودنا هذا إلى الاعتقاد بفشل كل الحلول إلا الدولة المدنية؟ والتي هي وحدها بإمكانها احتضان كل الجماعات المتصارعة والتي تتقاذفها الخصومات الناتجة من الخصوصيات الثقافية؟ والتي لا يمكن أن تنشأ إلا بعد تحييد كامل للسلطة؟ القفز على هذه الحقيقة والتغني بإصلاح منتزع من كل سياق ومقتلع من كل محاولة للتجذير والتبيئة هو ما يفسر هذا التصعيد المفاجئ والذي يأتي بالطبع كمحاولة لعرقلة كل التوجهات الإصلاحية ووأدها في المهد، فالتعديلات الوزارية الموسعة التي أجراها الملك عبد الله والتي هي ليست بأكثر من مقدمات وخطوات أولية سترشح عنها بالتأكيد خطوات أكثر أهمية على صعيد التغيير والتحديث السياسي في طريق بناء الدولة والمؤسسات والمجتمع المدني، لا يبدو أنها حظيت بما يكفي من الترحيب من الجماعات السلفية المتزمتة الأكثر تأثيرا بين غيرها من التيارات الصاعدة في المجتمع.

هذه الخطوات التي هي كما ما يراها الكثير من المراقبين مجرد بدايات أولى للشروع بمشروع إصلاحي تحديثي أكثر بنيوية، هي التي ستمهد لحلحلة المسألة الطائفية والحد من تفاقم التزمت والتطرف المعشش في واقعنا الاجتماعي، ولكن شريطة توفر العزيمة على مواصلة طريق الإصلاح أيا كانت المعوقات، لأن الإصلاح يتطلب الوقوف بحزم ضد كل الفئات المتضررة التي فقدت بفعل هذه الإجراءات امتيازاتها وهيمنتها.

هذه الخلفية هامة جدا لفهم حقيقة ما جرى في باحة الحرم في المدينة، فهذا التصعيد السلفي ليس أكثر من مجرد رد فعل على التعديلات الوزارية الأخيرة، وهي خطوة خطرة تجعل الإصلاح برمته على المحك، فليس خافيا مدى الحنق والغضب الذي انتاب قطاعات واسعة من التيار الديني المتزمت الذي لم يعد مهيمنا على مؤسسة حيوية جدا هي هيئة كبار العلماء كما كان سابقا، ولم يعد بتلك السطوة والحضور الطاغ بعدما تسنمت أول امرأة سعودية منصب وزاري كان حكرا على التيار السلفي. هذه التغييرات أحدثت ولا شك جرحا نرجسيا عند المتزمتين أنبأتهم بقدوم رياح إصلاح وتغيير لن تكون في صالحهم كما يبدو.

ونتيجة ذلك ثمة تصدع لم يكن من السهل ترميمه إلا من خلال إعادة التماسك بإحياء نزعة الكراهية تجاه الآخر، رغم أنها –مع الأسف- لم تضمر أصلا. وهو أمر لا يثير الدهشة فالكراهية والشيطنة والإقصاء وكل ممارسة استئصالية تستهدف الآخر هي بالأساس ميكانيزمات للدفاع تلجأ إليها عادة كل الاتجاهات والتيارات التي تجنح لتزييف الواقع وتأبيده. والأضعف والأقل حضورا هو من يدفع الفاتورة بالطبع، لهذا نفهم استهداف المواطنين الشيعة، ليس فقط لأنهم يمثلون الطرف الذي تسقط عليه كل آليات الإقصاء ولعنات "التكفير" بل لأنهم وبشكل أساسي لا يحظون بحماية وطنية ليس لشيء إلا لأنها غير موجودة أصلا!

المرجح أن من كان وراء هذه الأحداث والتجاوزات لا يشعر أنه يلعب بالنار، كل المؤشرات تدل على تصعيد ساخن للأحداث مادامت هنالك نية مبيته تدفع بالوضع لمزيد من التوتير الطائفي، وهو ما تؤكده هذه الأحداث نفسها، فالشحن الطائفي لم يتوقف، ولم يكف المتزمتون عن إثارة النعرات المذهبية باستخدام كل مفردات التكفير والإبادة المعنوية النفسية للآخر، هذا فضلا عن حالة الاحتقان الناجمة عن الاقتتال الطائفي الذي حدث في أكثر من بلد عربي والذي سينعكس داخليا على شكل اصطفافات حادة ومزيد من القطيعة بين شركاء الوطن.

هذه العوامل إذا ما اقترنت مع حالة الانسداد في أفق الإصلاح والتغيير المنشود وغياب أي صيغة للتعايش عبر اتفاق وطني فإنها ستجعل المناخ مهيئا تماما لأي تصعيد محتمل وهو ما يلقي بمزيد من المسؤولية على كاهل السلطات والنخب والفاعلين الاجتماعيين، ولكن حتى هذه اللحظة لم نشهد تلك المبادرات الجادة التي تتصدى لهذا المارثون الجهنمي في تفاقم الصراع والتصفية المعلنة على ما يبدو من التيار المتزمت، بل أسوء من ذلك، حيث لم تتردد بعض الأبواق الإعلامية في صب الزيت على النار بتزييفها ما حدث أو اختزاله في بعد جنائي لا نعرف المتهم فيه، وهي كليشيهات كتبت بالخط العريض تحاول إدانة الضحية من دون أي تحقيقات تكشف حجم الالتباسات في الواقعة.

إن كل شيء إذن مرشح لتصعيد محتمل، فالمناخ مهيأ تماما للانزلاق في أتون حرب طائفية تحرق الأخضر واليابس، وتجرف في طريقها كل أمل في الإصلاح، وتقوض كل دعائم المشاريع التغييرية المزمعة، ولا أظن أحدا يجد في كلامي شيئا من التهويل، لأن كل حرب فعلية لا تندلع إلا بعد حدوث سلسلة من الانشطارات والتعبئة المعنوية، وفي ظني أن شيئا واحدا فقط يحول دون ذلك هو السعي لتغيير مسار هذا الحدث نحو تأكيد المطالب الحيوية والمدنية لكل الجماعات بما فيها طبعا الطائفة الشيعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السعودية تحترق منذ 1400 سنه
rema bassam ( 2009 / 2 / 26 - 00:12 )
السعودية تحترق منذ 1400 سنه !!!


2 - السعوية الى مانتمنى
سالم ( 2009 / 2 / 26 - 08:18 )
في السعودية هناك ارادة خيرة من بعض من هم في السلطة السعودية وهناك كتاب ومثقفين مرموقين كذلك نزعة لدى الكثير من ابناء الشعب السعودي في التخلص من سيطرة وصطوة رجال الدين المتزمتين والمتشددين الذين يجرون باذيال الثوب السعودي من الخلف والى الخلف نتمنى ان تنجح الهوية الوطنية السعودية في احتواء الجميع ومواكبة العصر وما يجري بالعالم من تطورات على كافة الصعد


3 - أنقذوا السعودية
محمد الخليفة ( 2009 / 2 / 26 - 08:58 )
كلامك ياسيدي يلامس الجرح ، فالسعودية في الوضع السياسي الراهن وبروز ايران كفاعل مؤثر في المنطقة وارسالها بعض الرسائل العدائية لدول المنطقة واستعراض عضلاتها العسكرية بين حين وآخر كان يجب على السعودية العمل الجاد والسريع في احتضان الشيعة واعطائهم حقوقهم الوطنية كمواطنين لهم وعليهم مسئوليات أي مواطن يحتضن وطنه ويحتضنه وطنه بتشريعات مدنية تغيب فيها الطائفية والقبلية، كنت أتوقع ضمن هذه التغييرات التي جرت في السعودية فيما يتعلق بالجانب الديني أن تتبنى المذهب الجعفري إلى جانب المذاهب الأربعة مما سوف يكون له عظيم الأثر على الأخوة الشيعة ، ولكن للأسف لم يحصل ذلك متمنياً أن يدرك جلالة الملك عبدالله أهميته لإحتواء الشيعة وأبعادهم عن إيران التي تلعب على نغم الطائفية مستغلة مواطني مجلس التعاون من الشيعة. الوضع خطير إذا لم تتدارك الحكومة السعودية ذلك فالوطن للجميع ...

اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان