الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعدام طير !

هادي الحسيني
(Hadi - Alhussaini)

2009 / 5 / 16
كتابات ساخرة


القطة التي تمكنت من اعدام الطير واكله داخل العاصمة بغداد قبل ايام اثارت شجون صاحبه ( عمار )الذي يعشق تربية الطيور ويحدثها منذ صغره ، ولعل ما مّر به العراق من مراحل مظلمة كثيرة تجعلنا لا نذكر مثل هذه الحوادث البسيطة في نظر البعض إلا انها ذات قيمة انسانية كبيرة معكوسة تماماً على حياتنا نحن البشر وقد عانى الشعب العراقي من البطش والظلم الكثير وكان الاشد وقعا على النفوس عمليات الاعدام التي استمرت لعقود طويلة من الزمن على ايدي جلاوزة حزب البعث الذي حكم العراق بالحديد والنار ، وما ان تهاوى النظام بطريقة مروعة حتى دخل العراق بصفحات جديدة مزقت ارثه التاريخي والوطني عبر الطائفية والتفرقة بين ابناء الشعب الواحد الامر الذي ادى الى القتل الجماعي في شوارع بغداد وامام انظار المارة بطريقة هستيرية ذهب ضحيتها الآلاف من الابرياء على مدى السنوات التي تلت سقوط النظام السابق ، لم يسلم من الارهاب في العراق حتى الطير الوديع الجميل الذي يبعث داخل النفس الطمانينة والهدوء والجمال ، فقد وصلت ايادي الشر الارهابية الى سوق الغزل ببغداد لتفجره وتحيله الى حطام بما فيه من البشر الذين يهتمون بتلك الطيور على مّر السنين ، وامتدت يد الارهاب الى شارع المتنبي لتحيله الى حطام متناثر وقد تفنن الارهابيون داخل العاصمة بغداد ومدن عراقية اخرى بعملياتهم الارهابية وكان ما كان .

الانسان العراقي يمتاز بخصائل كثيرة اهمها الكرم والطيبة والشفقة والحزن الذي لا يفارق ابناءه فكيف به مشاهدة جرائم القتل الجماعي امام بيته ! هذا ما حدث في السنوات الماضية ، وكيف لقلب الانسان ان يتقبل هذه المشاهد المروعة ؟ الامر الذي انعكس سلباً على نفوس الناس واصبحوا في ليلة وضحاها بلا طيبة ولا قلب يحزن !

وقد استوقفتني حادثة طير ( عمار ) قبل ايام قليلة حين اقام الدنيا واقعدها من منفاه الاوربي الذي يقطنه منذ عقد من الزمان ، عمار الذي تمكن قبل شهور قليلة من الذهاب الى العاصمة بغداد لزيارة اهله واصدقاءه ومحبيه بعد ان غادرهم وهو شاب يافع لم يكمل العشرين من عمره وبعد وصوله وسط فرح الاهل والاحبة تذكر برج الطيور الذي كان فوق سطح بيتهم وطيوره التي كان يعتني بها في تلك الايام ، فلم يعثر الا على بقايا اخشاب قديمة وبضعة بلوكات ، فهم مسرعا الى سوق الغزل ليشتري اجمل الطيور واغلاها ثمناً ومن ثم ليعود ليبني بيتاً جديداً لطيوره الجديدة ، وظل طيلة فترة سفرته تغمره الفرحة باهله واصدقاءه وجيرانه وبطيوره التي يخاف ان يؤذيها احد .

وانتهت اجازة سفرته عاداً الى اوربا موكلا اخيه الاصغر ( علي )الاعتناء بطيوره وبخاصة طير يدعى ( المستكي ) وهذا المستكي المسكين الذي نجا باعجوبة من تفجيرات سوق الغزل الارهابية قبل اعوام كان الموت بانتظاره داخل برجه العاج الذي شيد له داخل حديقة منزل صاحبه عمار ، فبعد سفره بايام كان علي الاخ الوكيل قد تناسى في ذلك الصباح اغلاق باب البرج الذي فتحه ، حتى هجمت واحدة من القطط السمينة على الطير المستكي لتلتهمه بطريقة هستيرية ، خاصة وان القطط في العراق تعيش في حصار مزمن ! وكان عمار قد اشترى هذا الطير بمئة دولار او ما يعادلها ، لكن الخبر وصله عبر الهاتف حيث يقيم في اوربا ، وقد اقام الدنيا واقعدها باتصالاته مستفسراً عن قتل طيره بهذه الوحشية الهمجية ، كما وصلته العشرات من الرسائل عبر الايميل والموبايل تأسف لقتل هذا الطير ، لم يهدأ غضبه على المتسبب إلا وقد اجرى عدة مكالمات هاتفية مع افراد عائلته واصدقاءه وفيها صرف اكثر من سعر الطير اضعاف المرات !

هذه رقة الانسان العراقي الذي يحزن على طير رباه في بيته فكيف به حين يفقد عزيزاً ؟ الدرس بسيط جداً للسياسيين العراقيين الذين اوغلوا بميليشياتهم بقتل الناس الابرياء في شوارع بغداد لتصفية الحسابات القديمة او الصراع على السلطة وفي الوقت الذي تنشغل الكتل الساسية واحزابها بالمحاصصة وسرقات ثروات البلاد فقد ضربوا عرض الحائط قيمة الانسان الذي كان في زمن النظام السابق لا يساوي شيء ليجعلوا منه اتفه شيء بنظرهم ، ولو تمعنوا بحادثة طير عمار والقطة التي اعدمته لجوعها لا لشيء آخر لكانوا قد استوعبوا الدرس جيداً ، لكنهم من الغباء ان يفهموا حقيقة واحدة مفادها انهم قد حولوا البلاد والعباد الى مستنقع للقتل والتفرقة والظلم والطائفية والعنصرية !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار