الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستلزمات النهوض بحركة منظمات المجتمع المدني

جورج منصور

2009 / 5 / 16
المجتمع المدني


منذ مطلع القرن العشرين, شهدت الولايات الثلاث التابعة للدولة العثمانية بدايات نشوء وتطور منظمات المجتمع المدني, سواء أكانت على شكل أحزاب سياسية أو منظمات خيرية أو تجمعات رياضية وادبية وفنية. واتسعت هذه الحركة المدنية مع سقوط الدولة العثمانية وتحررالولايات الثلاث من الهيمنة العثمانيةِ وسقوطها تحت السيطرة البريطانية.
وتنامت هذه الحركة في وسط وجنوب العراق إضافة إلى كردستان. إلا أن هذه الحركات لم يكن في مقدورها أن تنمو وتتطور بشكل طبيعي في ظل السيطرة الأجنبية أو بسبب وجود وهيمنة العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية التي تعززت في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 وحتى إلحاق كردستان الجنوبية بالعراق في العام 1926 وتعمقت أكثر فأكثر بسبب القوانين التي سنها الخبير البريطاني في الزراعة أرنست داوسن خلال الفترة 1932-1933.
ومن الطبيعي ان تحمل المجتمعات الانتقالية من العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية إلى العلاقات الإنتاجية الرأسمالية نشوء مثل هذه المنظمات بسبب النمو الجديد والبطيء جداً للطبقات الاجتماعية الجديدة وخاصة البرجوازية بكل فئاتها الاجتماعية وكذلك الطبقة العاملة. إلا أن الحاضنة الحقيقية لمنظمات المجتمع المدني هي المجتمعات الصناعية والطبقة البرجوازية بكل فئاتها. وخير دليل على ذلك ما نشهده في الدول الصناعية المتقدمة حيث تنتشر منظمات المجتمع المدني وتتسع قاعدة المشاركين في عضويتها ونشاطاتها ودورها كمرافق لدور السلطة التنفيذية وتحت رقابة السلطتين التشريعية والقضائية.
ومن هنا نرى إن من بين أبرز مستلزمات نشوء وتطور وانتعاش حركة منظمات المجتمع المدني هو وجود الدولة المدنية الديمقراطية التي تعمل من أجل تطوير عملية التنمية فيها وخاصة تنمية القطاع الصناعي, باعتباره القاعدة المادية للتنمية الوطنية وتشغيل الأيدي العاملة واشباع الأسواق الداخلية بالسلع المصنعة محليا وزيادة السيولة النقدية, إضافة إلى تنمية وتطوير وتحديث وتغيير بنية القطاع الزراعي بحيث يساهم مع القطاع الصناعي في تطوير التنمية الوطنية. ولا شك في أن يكون القطاع التجاري المساعد الفعلي لعملية تنشيط التنمية الإنتاجية وزيادة الإنتاج والدخل القومي. وفي المقابل فأن غياب الصناعة يعتبر أحد المعوقات الاساسية للانتعاش الفعلي لمنظمات المجتمع المدني وانحسار حركتها وتنشيط دورها في العمل والمبادرة والإبداع وخدمة أعضائها والمجتمع ومراقبة نشاط الدولة وكيفية تنفيذ برامجها. والتجارب الماثلة أمامنا تشير بالكثير من الأدلة إلى أن الاقتصادات الريعية لم تساعد على نشر الأجواء الديمقراطية بل كانت حاضنة للاستبداد والفردية والقسوة وسوء توزيع واستخدام الدخل القومي.
من هنا تبرز أمام منظمات المجتمع المدني في الدول النامية عموماً, ومنها إقليم كردستان- العراق والدولة العراقية برمتها, مهمات عديدة لابد من العمل الجاد والمشترك للحكومة والمنظمات من اجل تحقيقها, نوجز اهم هذه المهمات:

1. ضرورة العمل من أجل إصدار قانون عصري ووفق الدستور الجديد ينظم العلاقة التشريعية بين منظمات المجتمع المدني والمجتمع من جهة والدولة والحكومة من جهة أخرى. وان أهمية تشريع هذا القانون تتأتى من كونه يضع أداة أساسية بيد منظمات المجتمع المدني لممارسة مهماتها بكل حرية وبدعم مباشر وغير مباشر من جانب كل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية لإنجاز المهمات التي كفلها الدستور والقانون وبكل حرية وديمقراطية وشفافية. بمعنى أن هذه المنظمات ليست لها حقوق فقط, بل وواجبات أمام الدولة والمجتمع في آن واحد يجب ان تنفذها دون أن تتدخل السلطة التنفيذية في شؤونها الداخلية.

2. تنشيط عمل المنظمات من أجل تعبئة الجماهير المنظمة إليها أو المحيطة بها والمتأثرة بنشاطاتها حول مهمات السلطة التنفيذية, وخاصة التنموية منها, لتنفيذها والمساهمة الفعالة في الرقابة الديمقراطية على سلامة عملية التنفيذ والحفاظ على مصالح الأعضاء والمواطن بشكل عام.

3. إيلاء اهتمام اكبر بالتغيير الضروري واللازم في بنية الاقتصاد الوطني الوحيدة الجانب وتخليصه من سمات التخلف والريعية وتنمية الصناعة والزراعة وتطوير التقنيات المستخدمة وزيادة الإنتاجية وتحسين النوعية وإشباع السوق الداخلية بالمنتجات الصناعية والزراعية المحلية.

4. وهذا يعني بالضرورة إيلاء أهتمام أكبر بتغيير بنية المجتمع المدني صوب الحاضن الفعلي للمجتمع المدني الديمقراطي الحديث, صوب الطبقة المتوسطة في القطاعات الإنتاجية والخدمية.

5. إيلاء أهتمام أكبر بالمرأة من أجل إعادة التوازن للمجتمع في العلاقة بين المرأة والرجل من جهة وزيادة دور المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتصدي للعنف المنفلت من عقاله ضد المرأة سواء أكان في البيت أو في المدرسة أو في الشارع أو في العمل.

6. العمل من أجل نشر الوعي وممارسة الشفافية في عمل وبنية أجهزة الدولة والإقليم, إذ بدون ذلك ستتوفر الارضية المناسبة لتعشعش القوى الفاسدة والمتخلفة والضعيفة التي تعيق عملية تقدم المستحقين والكفوئين والمخلصين, وينشأ عن ذلك الفساد الإداري ويعقبه الفساد المالي أيضاً.

7. الدفاع عن مصالح أعضاء المنظمات غير الحكومية بما يسهم في تأمين القدوة التي يسعى المواطن للوصول إليها في ما يمس الحقوق والواجبات.

8. إن مهمة منظمات المجتمع المدني هي رفع الوعي لدى الفرد والمجتمع بمهماته وبحقوقه وواجباته, إذ لا يمكن فصل الحقوق عن الواجبات, فمن يسعى إلى نيل الحقوق دون إعارة الاعتبار للواجبات, يسيء إلى المجتمع والدولة والإقليم في آن واحد ويتحول إلى عنصر انتهازي غير مرغوب فيه في منظمات المجتمع المدني, كما انه لا يرقى إلى ان يحمل صفة المواطنة الحقة.

9. وان إحدى مهمات منظمات المجتمع المدني هي مكافحة البيروقراطية المعطلة للعمل أو الكسل والتراخي أو عدم الاهتمام وتراجع المسؤولية في عمل ألاجهزة الحكومية وموظفي ومستخدمي الدولة والإقليم, إذ ان ذلك يؤثر على أعمال ومراجعات المواطنين وعلى السمعة العامة ويعيق تنفيذ المهمات.

10. إن منظمات المجتمع المدني التي تعتمد احيانا على السلطة التنفيذية في تمويل بعض برامجها ومشاريعها وبعض العاملين فيها, يتوجب عليها أن تحافظ على استقلاليتها رغم هذا الدعم, وان تكون مستعدة للتعاون مع السلطة التنفيذية في رسم سياساتها التي تخدم تقدم الدولة والإقليم وتخدم مصالح الشعب بكل قومياته ومكوناته الأخرى.


إن جدية النشاطات والفعاليات التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني, هي التي تساعد في رفع مستواها وتحسين سمعتها وتقييمها إيجابيا وجذب الانظار إليها والاهتمام بها من جانب الدولة والإقليم والمجتمع. وان معالجتها ومكافحة محاولات الانتفاع الشخصي في هذه المنظمات والحصول على مكاسب شخصية في غير مكانها وبطرق غير صحيحة على حساب مهمات المنظمات ودورها ومكانتها, يعزز من مكانتها اكثر. وتقدم دول العالم باستمرار نماذج متنوعة من هذا النمط السلبي مع أنماط إيجابية أخرى غير قليلة.
ولاشك في ان إدراك منظمات المجتمع المدني لمهماتها الفعلية يساعدها على خوض منافسة ديمقراطية سلمية وسليمة في ما بينها لصالح أعضائها والمجتمع ولصالح الإقليم, وهو ما يفترض أن نسعى إليه ونشجعه ونعمل من أجله, وأن نضع الحوافز المادية والمعنوية التشجيعية الضرورية لهذا الغرض, إذ أنها السبيل المناسب لتطوير عمل منظمات المجتمع المدني وتقدمها المستمر وتنشيط مبادرات أعضائها.
وزير شؤون المجتمع المدني في حكومة اقليم كردستان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط