الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن العراقي القديم

ماجد محمد حسن

2004 / 5 / 11
الادب والفن


ضرورة البحث والتأكيد على الجانب الإبداعي في الفن وجماليته لدى الإنسان العراقي القديم ومقدار تماسك العلاقة وصدقها الشعوري بين الفنان وموضوعه الفني وقيمته الجمالية، وبين الوظيفة التي يستخدم الفن من اجلها والتعبير عن غايتها، سواء كانت دينية أو دنيوية. لكي نتعرف على مستوى التطور الذي ارتقا اليه الانسان العراقي القديم، من خلال الآثار التي أكتشفها المنقبون، من أعمال فنية وعمرانية تمتاز بقدرة إبداعية وإحساس جمالي عالي. لأن الإحساس بالجمال وإدراكه هي صفة إنسانية يمتاز بها عن غيره من الكائنات الحية في عالمنا الأرضي والتمتع بمكونات الموضوع الجمالي.



أن ما وصلنا من رسوم ونحت تعود إلى فترة ما قبل التاريخ كانت بدايتها الفنية لا تقوم إلا بنازع عفوي يرسم وينحت تلك الأشكال واكثر الأحيان يكون دافعها لما يراود تفكير الإنسان في تلك الفترة من غموض تجاه ظواهر الطبيعة فتكون كما لو إنها طقوس دينية وإشارات سحرية وتماثيل بشكل رموز أو آلهة لتقديسها وعبادتها تصغيراً لها لتقريب رموزها من اجل اكتساب رضاها. ولكي تحميهم من الشرور التي تحيط بهم من ظواهر طبيعية وحيوانات مفترسة.



لم يبدأ الشعور لدى الإنسان القديم بأن هناك قوى لديها عقل، وتملك القدرة على التحكم في مصير الانسان. إلا بعد أن بدأ يزرع النباتات ويربي الماشية. فشعور الإنسان بان حياته ترتبط بالتقلّبات الجوية، وعلى الوباء والمجاعة، وعلى خصوبة الأرض وسبختها، وتوفر المراعي أو ندرتها. أن هذا الشعور قد اقترن بظهور فكرة الجن والأرواح الخيرة والشريرة، التي توزع النعم والنقم، وبفكرة المجهول والغامض، والقدرات العليا، والقوى الهائلة، العالية والخارقة للطبيعة، والتي لا يستطيع الإنسان حيالها شيئاً. فالعالم ينقسم الى نصفين، بل أن الانسان ذاته يبدو منقسما الى نصفين. هذه هي مرحلة الطبيعة وعبادة الأرواح، والإيمان ببقاء النفس، وعبادة المدافن ومبانيها. فقد ظهر حينها تميز بين فن للدين وفن للدنيا، أي بين فن التصوير الديني وفن التزين الدنيوي. فمن جهة نجد آثاراً لأصنام ولفن نحت المقابر، ومن جهة أخرى نجد فناً دنيوياً ذا أشكال زخرفية، كان إلى حد ما امتدادا لروح الحرف اليدوية وأساليبها.



أن هذه الرسوم والأشكال التي كان يستخدمها الإنسان القديم، في تميز الاشياء وتعريفها قد تطورت، مع الزمن وأصبحت الباكورة لولادة الكتابة، الاكتشاف العظيم الذي أدركه الإنسان، من خلال التعايش في الطبيعة والصراع، الذي كان يعيشه مع الظواهر الطبيعية واختلاف أحوالها، والتغيير الذي تمارسه عبر فصول السنة. أن الإنسان بما كان يصادف من هذه الظواهر، وتغير موارده الغذائية وطبيعة تواجدها وتكاثرها، وهذا يحدث مع تغير الفصول، وبما تقدمه من مواد غذائية وعوامل مناخية مختلفة. إن مثل هذه الأمور التي فطر عليها الإنسان، كان يعيش بمواجهتها يومياً فما عليه إلا أن يقاوم ويفكر.



وبما إن الإنسان مفكر ومبدع خلاق بطبيعته، وأن كان يحتاج دائماً إلى ما يثيره، ويدفعه من أجل أن يخطو الخطوة الجريئة في اكتشافه، وحتى اختراعه فكانت الدهشة والسؤال، والحاجة المباشرة والتحفز الجريء الى المعرفة، قد أمده بالقوة لمواصلة حياته، وفي التطور عبر الزمن، خلافا للكائنات الحية التي أنقرض الكثير منها، والآخر تحول عبر فترات تطورية من حيوان بري، الى مائي كما تشير التنقيبات والبحوث العلمية المختبرية الجينية، في حفرياتها المعرفية عن الأصول والجذور لتطور الكائنات عبر مديات زمنية بعيدة في التاريخ.



لقد سعى الإنسان منذ وجوده على الأرض عن طريق الحركة والعمل الذي نشّط قدرته على التفكير عبر حواسه، وردود فعل غرائزه، لاستنباط تصورات بسيطة وأولية تطورت عبر تكرارها وما يحدث فيها من اختلاف وتشابه واتفاق وتناقض إلى أفكار ومعرفة ورؤية وأحكام، ومواقف قائمة على استمرار العلاقة والتأثير المتبادل الذي يحدث بين الإنسان وبيئته بما فيها من ظواهر طبيعية وكائنات حية. ومن هنا حاول الإنسان التكيف دائماً مع الطبيعة، ويسعى لاستثمار ما تقدم إليه البيئة التي يعيش في وسطها لخدمته وتلبية حاجاته. وتفرض عليه البيئة الطبيعية من تضاريس ومناخ، طبيعة الطراز الذي يرسم تكوين خصوصيته المتميز بها عبر تفاعله معها. وعبر هذا التكيف كان يتعرف على نوعية الأرض من خلال التجربة المتكررة والملاحظة التي تعطيه الخبرة. وهذا يساهم في تكوين وبناء خصوصيته، التي يمتاز بها عبر تفاعله مع عناصر البيئة من تضاريس ومناخ.



بعد أن تمركز الإنسان العراقي القديم، وتحول أسلوب حياته من الوضع الطفيلي إلى الحالة الإنتاجية بدأ انتصاره على الطبيعة وغزوه لها الذي حفزه في البحث عن الوسائل الكفيلة في تنظيم حياته. فكان الإنسان يعيش مع وضمن متغيرات الحياة الضرورية بما يظهر من مستجدات وتطور في أساليب الحياة عن طريق ظهور التجارة وازدهار الزراعة والتنظيم الاقتصادي وانتشار الحرف بما تفرضه الحاجة من تقسيم للعمل فكان الفنان يحمل في ذاته استقطاباً بين الثابت والمتحرك، والشكلي البحت والاتجاهات التي تقضي على الشكلية.



لقد ظهرت عبر فترات زمنية متتالية حضارات كبيرة قدمت الكثير ونقلت الإنسان نحو أفاق أوسع وأقدر على التطور والتكيف مع الحياة، مثل حضارة سومر وأكد وبابل، في وسط وجنوب العراق، التي كانت أرضها تمتاز برسوبيتها وكثرت مستنقعاتها المائية.وقد ساعدت هذه المستنقعات والجو الحار في نمو القصب والبردي بكثافة في مناطق مياهها الضحلة وحول ضفافها. فكان القصب والبردي والطين من أكثر المواد التي دخلت في صناعة الكثير من الحاجات مثل الزوارق وبعض الفرش والمقاعد والأّسرة والسلال وفي بناء البيوت، وصناعة الأواني الفخارية والشراب والكؤوس، بل زادوا بما قاموا فيه من رسوم على الأواني التي فاقوا في إنجازاتهم من سبقهم من الحرفين الأوائل. وأن تفوقهم السريع والمدهش في التصاميم المعمارية والزخرفية التي تمت أولاً من خلال تطوير البنية المشيدة في البداية بالطين والقصب ومن ثم بالقرميد والطين المفخور، يشير الى مقدار الأصالة الموروثة عندهم والتي رفعتهم فوق مستوى معاصريهم.



إن شكل الأواني الفخارية يقدم لنا أول متنفس للإنسان العراقي القديم في خلق شيء يمتاز وجوده بجمالية تبعث على الرضا. ومع تطور إمكانيات الحرفي في صناعة الأواني الفخارية، بعد أن بدأ بتصنيع السلال والطواف والطبك منها الكبير والصغير من القصب وسعف النخيل كما ورسم الخطوط وترتيبها بسلسلة من النقاط بأشكال هندسية جميلة على الأواني والسلال، تعطي دلالة على وجود إمكانيات وقدرة على الخلق والإبداع الفني بإنجازه صوراً تشكيلية جميلة. وزاد على ذلك بإبداعاته الفنية في الحياكة والرسم الملون على الملابس وفيها المطعّم بالخرز أو الذهب والفضة.



يرى س. كريمر في كتابه ( طقوس الجنس المقدس )، أن السومريين عرفوا بمهارتهم بالنحت على وجه الخصوص. وكان أقدم نّحاتيهم تجريديين وانطباعيين. كانت تماثيل معابدهم، وملوكهم وآلهتهم تكشف عن شدة بالغة في العاطفة والروح، أكثر مما تبدي عن مهارة في التكوين. لكن تدريجياً أصبح النحاتون أكثر مهارة وتقنية، لكن منحوتاتهم فقدت إيحاءها وتأثيرها.وكان النحاتون السومريون بارعين في حفر الأشكال على الأعمدة والصفائح، وحتى على المزهريات والطاسات. ومن هذه المنحوتات نتعلم الشيء الكثير عن هيئة السومري ولباسه.



كان بعض الرجال حليقاً، وبعضهم الآخر ملتحياً لحية طويلة، ذات حواش في نهاياته، ويرتدون فوقها عباءة من اللبّاد، ثم حل محل التنورة قميص طويل. ويجعلون فوق القميص شالاً بذوائب يغطون به الكتف اليسرى ويطلقون الذراع اليمنى. أما النساء فكن غالباً ما يرتدين من الملابس ما يبدو شالاً بذؤابات يغطين به أجسامهن من فرقهن الى قدمهن ويطلقن الكتف اليمنى. وكن يفرقن شعورهن من الوسط ويضفرنه جدائل يكورنها على رؤوسهن. ربما اعتمرن قبعات أنيقة مؤلفة من أشرطة من الشعر والخرز والقلائد.

لقد لعبت الموسيقى، الآلية والصوتية، دورا كبيرا في الحياة السومرية، فكان لبعض الموسيقيين منزلة هامة في المعبد وفي البلاط. وقد عثر المنقبون في مدافن أور على آلات موسيقية جميلة الصنع ( كالقيثارة بنوعيها الصغير والكبير .) كذلك كان من الأمور الشائع استعمال آلات القرع كالطبل والدف، شأنها في ذلك كشأن الناي المصنوع من القصب والمعدن. أما الشعر والغناء فقد كانا مزدهرين في المدارس السومرية. وكان أكثر الأعمال المكتشفة معدا للاستعمال في المعبد والبلاط. لكن هناك من الأسباب الوجيهة ما يحملنا على الاعتقاد بأن الموسيقى والغناء والرقص كانت مصدرا هاما للتسلية والبسط في البيوت وفي الأسواق العامة على السواء. وكان من أعظم الإسهامات الفنية التي ساهم بها السومريون الختم الأسطواني، وكان يصنع من الحجارة ويحفر عليه تصميم ما يلبث أن يتضح معناه عندما كانوا يفلتونه على رقيم طيني أو يختمون به جرة من طين. وقد أصبح الختم الأسطواني علامة تجارية مميزة في العراق القديم.وكانت الأختام الأسطوانية عبارة عن أحجار كريمة اقتطعت بعناية فائقة وعليها رسوم تمثل الملك في ساحة القتال، أو راعي يذب الكواسر عن قطيعه، أو رتلا من الحيوانات أو مخلوقات أسطورية.



لقد امتازت الفنون وخصوصاً النحتية في العراق القديم باهتمامها بالموضوعات الدينية، خصوصاً في عصر بدأ الكتابة. لكن ندرة الحجر في السهل الرسوبي في وسط وجنوب العراق، أدى إلى عدم تركهم آثار ضخمة، كما هي موجودة في الآثار الآشورية في نينوى، في شمال العراق، حيث تكثر الجبال والصخور، أو الآثار التي تركها الفراعنة المصريون. لقد عثر المنقبون في الوركاء على بعض النماذج. وبينت هذه النماذج على قدرة النحات العراقي على تكييف واستخدام مواد مختلفة في عمله الفني مثل حجر الصوان والمرمر. وتمثل هذه النماذج مسلة رسم عليها مشهد صيد، والآخر يمثل أصيصاً حجرياً طويلاً نقش بشكل بارز في صفوف أفقية تبرز منه صور لطقوس دينية دقيقة. فكانت جميع الأحداث تشير بوضوح الى هدف نصبي، تمثل في اكثر الأحيان أحداثاً حياتيه من حروب وصيد، وبهذا تكون هي البذرة الأولى للتدوين التاريخي. توجد نماذج أخرى لنحت بارز على آواني الزهور يمثل موكب لكهنة عراة إلا من قطعة قماش تسترهم. وآخر لألواح طينية نحت عليها عدة مواضيع منها متضرعاً يقتاده الكهنة إلى معبد الآلهة الأم. ونموذج لرجل يجدف بقارب مزين بالزهور وآخر لراعي يدافع عن قطيعه ضد الأسد. وحين تنظر لهذه الأعمال تبعث فيك الدهشة للحيوية والدقة التي تمتاز بها هذه الأشكال الصغيرة الرائعة والجذابة. وهناك أعمال تعطينا لمحات عن الطقوس والرموز الدينية السومرية. بما نشاهد فيها من احتفال قرب معبد فيه كهنة عراة كالعادة تقدم القرابين، وأخرى لملك يطعم قطيعاً مقدساً من البقر.



كما امتاز العراقيين في بناءهم المعابد الدينية بعضها على شكل زقورات هرمية الشكل، يرتقي اليها عن طريق سلم خارجي الى قمة الزقورة التي يصل ارتفاعها الى مائتين متر تقريباً، وفي القمة توجد غرفة المذبح وصومعة العبادة التي منها يتصل الكهان أو رجال الدين بالأهم.



أن الفن العراقي القديم يمتلك بعض التطورات الفريدة الخاصة به. فعلى سبيل المثال، رأس الفتاة المصنوع من الرخام الأبيض في الوركاء. ويبدو من شكله أن النحات قد واجه صعوبات كثيرة في ذلك الوقت. لأن النحات حينما يريد عمل تمثال بالحجم الطبيعي سيواجه صعوبة كبيرة لندرة الحجارة، مما يدفعه لعمل التمثال من الخشب عدا الأجزاء الظاهرة كاليدين والوجه من الرخام إذا توفر أو من مواد أخرى تكون اكثر صلابة وأكبر قدرة على الصمود، أما الجزء الخلفي من الرأس فيعملها بما فيها تسريحة الشعر المعقدة. باستخدام القار وتغطى بطبقة من الذهب أو النحاس الذي يمتد بشكل موجات مسطحة فوق الجبين. وقد ثبتت بالحجارة بواسطة مسامير معدنية منقوشة نقشاً مناسباً.



كما نجد في بابل الكثير من الآثار الموروثة عن الحضارات البابلية والكلدانية والبابلية الثانية التي توالت عليها، وما تركت من تماثيل للآلهة وملوكهم بأوضاع مختلفة. أحدهم نجده يجلس ويضع كيفي يده على بعض ويرتدي تنوره منحوتة على شكل مدرج أو متوج. وتماثل لملك في عربة يجرها حصانان يحاول فيها اصطياد أسد أو يقاتل في معركة، و نحت اللبوه الجريحة وغيرها من الأواني المرسوم والمنقوش عليها صور مختلفة، ومسلات نقش عليها أعمال الملوك وقوانينهم وأشهر هذه المسلات مسلة حمورابي الذي دوّن عليها جميع القوانين التي كانت معروفة في عصره والتي هو شرعها، بالاضافة للألواح منقوش عليها الإله شمش أو مردوخ يسلم الوصايا الى الملوك حمورابي و نبوخذنصر أو تستلم قوانين تنظيم الدولة والمجتمع منهم. وهناك معبد مردوخ كبير الآلهة البابلية، وباب عشتار رائعة التصميم التي نقش عليها حيوانات أسطورية، وشارع الموكب وتمثال أسد بابل الشهير، والجنائن المعلقة التي تعتبر من عجائب الدنيا السبع. ومراكز العبادة المعروفة بالزقورة التي كانت هرمية الشكل ذات طبقات مدرجة، مكسوة من جوانبها بالقرميد الملون، الذي يرمز كل لون الى برج في السماء، فالمدرج الأول ملون بالأسود رمز زحل، والثاني الأصغر لونها أبيض رمز الزهري، والثالث الأرجواني رمز المشتري، والرابع ازرق رمز عطارد، والخامس قرمزي رمز المريخ، والسادس الفضي رمز القمر، والسابع الذهبي رمز الشمس.



لقد كان الكهنة والحكام أول من استخدموا الفنانين، وظلوا لفترة طويلة ينفردوا باستخدامهم.لأن الفن العراقي القديم كان مقتصراً على أداء الأعمال التي يطلبها هؤلاء. وكان الجزء الأكبر من الإنتاج الفني في ذلك العصر مؤلفاً من هدايا نذرت للآلهة، ونصب تذكارية تهدف إلى تمجيد أعمال ومعارك الملوك. وكان الفنان عاملاً لديهم ينفذ ما يطلب منه. يبدو إن الآثار التي حصلنا عليها الآن من أعمال بما فيها من نحت ورسم وعمران، قد قام بها عمال حرفيون وليس فنانين مختصون كما هو الحال الآن، لكن ما قام به هؤلاء الحرفيون فيه الكثير من لمسات الإبداع والدقة الفنية والجمالية. لأن الفن يعتمد على التشابه والمحاكاة، وإنتاج شيء من لا شيء. وهذه الشروط تعطي لأي عمل تتوفر فيه هذه العوامل صفة الإبداع الفني. وقد أعطى هذا الحرفي المجهول لهذه الأعمال الكثير من مشاعره وأفكاره عبر تفاعله معها خلال تخطيط العمل وتنفيذه. لكن ما نأسف له! أن أي مطلع على تاريخ الفن العراقي القديم لا يجد أي ذكر لأسم الحرفي أو المهندس الذي نفذ هذا العمل، في الوقت الذي نجد مثل هذه الأسماء على الكثير من الأعمال الأثرية لدى الفراعنة وأكثر منهم لدى اليونانيين والرومان، حيث نجد أسم الشخص الذي نفذ العمل أو ألفه أو صنفه. لذلك الآن يصنف الفن العراقي القديم بأنه سومري أو بابلي أو أكدي أو آشوري.



لقد أبدع الإنسان العراقي في الرسم والنحت، وكذلك هو في كتابة الشعر والقصص والملاحم، فقد خلفوا أعظم ملحمة هي ملحمة كلكامش التي تعتبر من أعظم الملاحم في تلك الفترة. من المميزات الشعرية الحسنة فيها، أنها إنتاج يفيض بغنى وعمق المضمون الإنساني المطروح بشكل فني عال، والملحمة تهب القارئ لذة جمالية صادقة وتغنيه روحياً.



حيث نجد ذلك الإبداع الروحي العام، وحيوية الطبيعة قد اتحدت مع المأساوية، لأن المأساة تحيق بكل ما هو حي وغير حي. الكل يبكي ويتألم ويتعذب لموت الإنسان، فرع الطبيعة وغصنها. ونجد فيها المأساوية لا تبرز كقيمة جمالية متميزة فقط. بل إنها لا زالت مصبوبة في الطبيعة والإنسان الذي يرثي موت جزء منه. غير إننا نرى في الملحمة وبكل وضوح اقدم تصورات الإنسان عن المأساة. لقد ظهرت قبل "إلياذة" و"أوديسة" هوميروس بأكثر من ألف عام. كما قدم العراقي القديم الكثير من الاكتشافات العلمية في الطب والرياضيات والهندسة والفلك والاقتصاد وتنظيم الري والزراعة والصناعة والقانون… الخ.



لقد امتازت الآثار الفنية بقدرة إبداعية رائعة للإنسان العراقي القديم وبقيمة أعماله الفنية وبمقوماتها الجمالية التي امتاز الإنسان بإدراكها والإحساس فيها وتحديد معالمها ومزاياها وهذا ما نجده في صياغته الفنية والإبداعية سواء كان في مجال النحت والرسم والنقش والبناء العمراني أو في تدوينه الشعري والقصصي ذلك الإحساس العميق والامتزاج بين الفنان والطبيعة والتفاعل مع ما تقدمه هذه الطبيعة من ظواهر جمالية. أمتد هذا التفاعل المنسجم بين الفنان وبيئته وتداخل مع الوظيفة الملقاة على عاتقه من طلب فرضه الكهنة والملوك في تسخير قدراته لخدمة تعاليم وتخليد أعمالهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع