الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سوسيولوجيا العسكر: لماذا لا تبني السعودية أكبر جيش في منطقة الشرق الأوسط؟ الحلقة الأولى

رياض الصيداوي

2009 / 8 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


هذا سؤال قد يبدو محير للوهلة الأولى: فالسعودية بلد كثيف السكان إذ يعد حوالي 25 مليون نسمة ودخله الأول عربيا إذ تجاوز الناتج الإجمالي الخام 400 مليار دولار، أي هو يمتلك المقومات المادية ليصبح من أكبر الجيوش في منطقة الشرق الأوسط: المال الكافي والتعداد البشري اللازم. ورغم ذلك نجده الأضعف في المنطقة أمام القدرات القتالية للجيش الإيراني أو السوري أو المصري بل حتى اليمني. يبدو جيشا استعراضيا أكثر منه قتاليا... ويوجد نقص في أبحاث العلوم السياسية المهتمة بسوسيولوجيا الجيش السعودي. نحاول في هذا المقال مقاربة بعض أسباب ضعف المؤسسة العسكرية السعودية وسنعتمد على فرضية أساسية وهي إرادة العائلة المالكة المستمرة نحو إضعاف الجيش خوفا من تحوله إلى قوة مستقلة تنافسها في الحكم.

الخوف من الانقلاب العسكري

تكررت ظاهرة الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية واستهدفت العائلات الملكية بخاصة ونجحت في بعض الدول في إسقاطها. ومثل انقلاب / ثورة 23 يوليو 1952 في مصر نقطة تحول جذرية في صراع العروش مع المؤسسات العسكرية... حيث لم تسلم ملكية عربية من محاولة القوات المسلحة إسقاطها ونجح العسكر في مسعاهم أحيانا وفشلوا أحيانا أخرى. نجحوا في العراق سنة 1958 في إسقاط الحكم الهاشمي وذلك بالاشتراك مع المدنيين، وفي اليمن سنة 1962 بقيادة المشير عبد الله السلال في إسقاط حكم الإمامة، وفي ليبيا سنة 1969 بقيادة العقيد معمر القذافي في إسقاط حكم العائلة السنوسية... لكنهم فشلوا في بلدان عربية أخرى كالمغرب والأردن... هؤلاء الضباط والجنود الثائرين ينتمون عادة إلى الطبقات الوسطى والشعبية ويتميزون بحس وطني ومعاداة عميقة للاستعمار ويتهمون ملكياتهم بالتواطؤ معه. وتعد ثورة 23 يوليو المرجع الأساسي لهذه "الثورات العسكرية".
تفطنت العائلة المالكة السعودية مبكرا لهذا الخطر وأدركت أن بناء جيش قوي مستعد للقتال يعني انتداب جنود وضباط كثيرين من الطبقات الشعبية الفقيرة والمتوسطة وهي الفئات الاجتماعية التي تعاني من شعور عميق بالحيف في توزيع الريع النفطي. لذلك تبنت إستراتيجية عدم تقوية الجيش عددا وبخاصة عدم تأهيله للقيام بمهمات قتالية حقيقية. إضافة إلى إعطاء قياداته لأفراد من العائلة المالكة لا يمتعون بالكفاءة العسكرية ولكنهم يضمنون ولاءه ومراقبته. وتحويل المؤسسة العسكرية إلى مجال لجني أموال طائلة لقادتها عبر صفقات أسلحة مشبوهة. وفي الآن نفسه تم بناء جهاز عسكري آخر هو الحرس الوطني كمؤسسة منافسة يمكن اللجوء إليها في حالة حدوث ثورة عند العسكر... ولكن الأهم هو تركيز كل هذه المؤسسات على الأمن الداخلي حيث ترك الأمن الخارجي لتحالف العائلة المالكة مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الاتفاق التاريخي بين ابن سعود والرئيس الأمريكي روزفلت وعنوانه: النفط مقابل الأمن. أي أن السعودية توفر النفط بأسعار يقبلها الطرف الأمريكي وفي المقابل تضمن الولايات المتحدة أمن العائلة.

الخوف من توسع قاعدة الجيش

ترصد العلوم السياسية ظاهرة أنه كلما تم توسيع القاعدة الشعبية للمؤسسة العسكرية في دولة ملكية إلا وحاول بعض الضباط القيام بانقلاب / ثورة سواء نجحوا أو فشلوا. والأهم أنه لم يحدث تغيير سياسي دون المرور عبر الجيش. لم يستطع حزب أو حركة اجتماعية إسقاط نظام عربي واحد، فقط المؤسسة العسكرية كانت الوحيدة القادرة عمليا وتنظيميا على إنجاز هذه المهمة.
وعاشت العائلة المالكة في السعودية تجربة تمرد ضباطها على النظام لأسباب إيديولوجية وطنية حيث لم يكونوا راضين على سياستها وشكلت ثورة اليمن أكبر امتحان لها. حيث انحازت مصر الناصرية لحركة الجمهوريين بقيادة المشير السلال ودعمت السعودية الإمام البدر الهارب والمحتمي ببعض القبائل وبالدعم السعودي لإعادة الحكم الملكي وطرد الجمهوريين. يذكر محمد حسنين هيكل في كتابه "عبد الناصر والعالم": "أن السعوديين لم يكونوا جميعا راغبين في إعادة الملكيين إلى الحكم في اليمن. فقد انطلق ثلاثة من طياري سلاح الجو السعودي بطائراتهم إلى مصر طالبين حق اللجوء السياسي في 2 أكتوبر 1962. وكانت الطائرات الثلاث من طائرات النقل طراز فيرتشايلد، محملة بالسلاح والذخيرة في صناديق عليها صورة اليدين المتصافحتين: شعار برنامج المساعدات الأمريكية واحتج عبد الناصر للسفير الأمريكي قائلاً، إن هذه ليست بالطريقة السليمة للمساعدة : وإن هذا النوع من المساعدات ينطوى على تقديم الموت وليس الصداقة .بعد التجاء الطيارين السعوديين الثلاثة إلى مصر شل سعود حركة سلاحه الجوي ومنع تحليق طائراته واستأجر سلاح طيران الملك حسين لتزويد الملكيين بالمساعدات .
لكن الشيء ذاته حدث للأردنيين. ففي ظرف أسبوع وصلت إلى مصر طائرات الهوكرهنتر الثلاث التابعة لسلاح الطيران الأردني والمرابطة في مطار جدة . وكان يقودها طياروها وعلى رأسهم قائد سلاح الجو الملكي الأردني نفسه.
ولما ازداد عدد الطيارين السعوديين والأردنيين الذين لجأوا بطائراتهم إلى مصر. دأب السفير الأمريكى- بادو- على سؤال عبد الناصر كلما رآه في تلك الفترة :
"كم بلغ عدد الحمائم اليوم ؟ "

الإنذار المبكر خوفا من الجيش

مثلت هذه الحادثة إنذارا مبكرا للقيادة السعودية في أن الخطر الحقيقي الذي يهدد ملكها ليس القبائل ولا التنظيمات السياسية المعارضة في الداخل أو في الخارج وإنما يأتي مباشرة من المؤسسة العسكرية التي أنشأتها وتنفق عليها. أدركت مدى خطورتها فعملت على إضعافها وجعلها مجرد مؤسسة استعراضية غير قادرة على القيام بمهمات قتالية. ومن ثمة عدم توسيع عددها وهي القادرة عمليا على بناء جيش يصل تعداده إلى مليوني مقاتل.

حرب الخليج الأولى والثانية والامتحان الصعب للجيش السعودي

بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979 أصبح للشيعة في العالم قاعدة قوية وصلبة يمكنها أن تهدد الأقطار العربية المجاورة وبخاصة المملكة العربية السعودية والعراق وبقية دول الخليج العربي حيث توجد فيها أعداد كبيرة من الشيعة وفي بعض الأحيان يقيمون في المناطق الأكثر غنى بالنفط مثل العراق في البصرة في الجنوب وفي المملكة العربية السعودية في المنطقة الشرقية.
أحست العائلة المالكة بالخطر الشيعي الداهم وسرعان ما استجابت له بخطة محاربته عبر العراق ودعم صدام حسين بالمال والسلاح ليقوم بحربه نيابة عن المنطقة كلها. تجنبت الخوض مباشرة في أي صراع عسكري مع إيران انسجاما مع إستراتيجيتها في عدم إكساب الجيش السعودي تجربة قتالية ميدانية قد تجعل بعض ضباطه يتطلعون إلى الحكم... وأوكلت المهمة للقيادة العراقية التي خاضت حربا شرسة مدمرة مع إيران امتدت لسنوات عديدة... وحينما توقفت انتهى الدعم السعودي والخليجي لصدام حسين فشعر بالغبن وأنه خاض حربا لوحده نيابة عن الآخرين ورد الفعل بشكل خطأ وغير مدروس لانفراده المطلق بالسلطة أولا ولحالة الغضب التي سيطرت عليه ثانيا. فقام بعمل غير عقلاني.

الجيش السعودي يخوض أول تجربة قتالية منذ تأسيسه

عندما غزا صدام حسين الكويت أحست القيادة السعودية بالخطر الجاد وقامت بتفعيل سريع للاتفاقية التاريخية بين الملك سعود والرئيس الأمريكي روزفلت. تم الاستنجاد بالجيش الأمريكي للدفاع عن المملكة من خطر صدام وبخاصة لإخراجه من الكويت. وكان على الجيش السعودي أن يخوض أول تجربة حربية قتالية ميدانية ضد القوات العراقية. وحسب شهادة الجنرال الأمريكي القائد العام لقوات التحالف شوارزكوف فإن أداء القوات المسلحة السعودية في الحرب كان سيئا للغاية فهو يذكر في مذكراته كيف فرت أمام قوات عراقية منهكة من دفاعاتها في مدينة الخفجي السعودية حيث كانت مطالبة بالدفاع عنها وأن المدينة لم يتم استعادتها إلا بفضل تدخل القوات الأمريكية... حاولت العائلة المالكة تفنيد هذه الوقائع عبر نشر كتاب للأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، القائد العام للقوات الجوية وابن وزير الدفاع سلطان بن عبد العزيز عنوانه "أمير من الصحراء" ترجم للغات عديدة وصرفت عليه أموالا طائلة من أجل الدعاية للدور السعودي في حرب الخليج الثانية... لكن المشكل أن الحليف الأمريكي هو الذي انتقد دوره وكشف مدى ضعفه القتالي العملياتي.
اكتفت القيادة السعودية في حرب الخليج الثالثة بتوفير الدعم اللوجيستي للقوات الأمريكية حيث تأكد قيام الطائرات الأمريكية بغارات كثيرة انطلاقا من القواعد السعودية بالرغم من أن القيادة لم تكن ترغب في غزو العراق وإسقاط صدام حسين حتى لا يزداد النفوذ الإيراني ويتوسع في المنطقة. لكن الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس السابق جورج بوش الابن لم تكن مستعدة لسماع حلفائها في المنطقة أو الإصغاء إليهم. فنفذت خطتها في الغزو وأجبرت حلفائها على مساعدتها.
خلاصة هذه الحروب الثلاثة أن المؤسسة العسكرية السعودية غير مؤهلة للقيام بعمليات قتالية رغم الأموال الطائلة التي صرفت عليها لشراء أسلحة لم يثبت يوما مدى فعاليتها.


مدونة رياض الصيداوي
http://rsidaoui.blogspot.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
طلال ( 2009 / 8 / 26 - 15:52 )
شكرا للكاتب, بحث جديد و جيد

اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس