الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوحش والتوحش المضاد في المجتمع السعودي (1)

وجيهة الحويدر

2009 / 8 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


ليس من نزعة المبالغة حين يُـقال أن ثمة نسبة لا بأس بها من السعوديين من أكثر الناس اغتراباً عن أنفسهم، واشد الناس توحشاً تجاه الآخر سواء بسبب هويته أو عرقه او طائفته. لماذا ياترى وصل الأمر بالسعوديين الى هذا النفق المظلم من الإغتراب والتوحش والريبة؟

في البلدان التي تعنى بشؤون شعوبها تهتم كثيرا في إجراء الدراسات والبحوث الأكاديمية من اجل فهم الظواهر الاجتماعية السلبية التي تطفو على السطح وتطرح اقتراحات وتوصيات لحلها أو للتقليل من تبعاتها، وحيث أن ذلك لا يحدث في السعودية بالدرجة المرجوة، سنقوم بمحاولة لفهم الحال التوحشي السعودي الذي يعيشه فئة من الناس، ومعاينة التركيبة الاجتماعية التي ساهمت في تشكيل وتنمية ذهنية التوحش منذ ان هطلت على المجتمع السعودي أموال النفط الهائلة، وحتى تسلمت أفراده الأيادي المتصلبة دينيا من الطائفتين السنية والشيعية.

البحث في ظاهرة التوحش والتوحش المضاد التي ظهرت في اماكن مختلفة في داخل البلد وخارجه عبر العقود يحتاج أيضا إلى استيعاب للقوانين والأعراف القاسية وفهم آلية تدرجها وتشددها عبر الزمن، وحصر القوانين الأخرى الأكثر صلابة والتي اُستحدثت مع مرور السنين، وسُلطت على رقاب الناس من نساء ورجال واطفال، والتي تفسر الى حد بعيد مدى تغلغل التوحش في جميع مؤسسات المجتمع وبين سائر فئاته.

في الحقيقة أن الإنسان السعودي منذ الصغر يتجرع القسوة والتوحش جرعة تلو الاخرى الى ان يشب ويشتد عوده، فيتصلب قلبه، وتجف روحه، ويتجمد عقله، فإذا فلت وهو صغير من قسوة الأسرة، وتعسف الوالدين وانتهاك حقه في التعبير عن ذاته ومصادرة احلامه بحجة انه جاهل ولا يفقه، بالتأكيد لن يفلت من قسوة المدرسة والمسجد اللذين يحتضنان بين حيطانهم شتى أصناف الثقافات التي تعزز القهر والاستبداد. تتخرج أجيال من المدارس والجامعات والمساجد وهي لا تفهم سوى لغة التهديد والوعيد، ولا تتعامل سوى بسلوك التوحش والريبة.

السعودية بلد فسيح وفيه فئات وطوائف واعراق مختلفة، لكن لا يوجد مكان فيه لتعزيز الحوار الحقيقي البناء، ولا انشطة لغذاء الروح، ولا مساحة لتهذيب النفس وترويضها على قبول الآخرين واحترام معتقداتهم.

قسوة المناخ وقسوة الطبيعة تحالفتا على الناس مع قسوة التركيبة الاجتماعية والأعراف الموروثة والقوانين البدائية الفجة. من المؤكد ان القوانين والضوابط ازدادت صرامة خلال الثلاث العقود الماضية، فمنذ الثورة الإيرانية ونهوض الملالي في إيران وبالمقابل ظهور الجهاديين في أفغانستان هبت رياح التشدد على بلدان الشرق الأوسط وتفشى الفكر الاخواني والسلفية وتشيع ولاية الفقيه، وعلى وجه الخصوص في الجزيرة العربية وفي ايران وأتباعها.

الثمانينات في السعودية تميزت بالبطش في صفوف كل من هو ليس سلفيا أو اخوانيا أو جهاديا. اُختطفت مؤسسات التعليم والإعلام ولغمت بدعاة لا يحسنون سوى لغة العنف والزهد في الحياة. زادت الرقابة على الناس، ومُنعت سبل التواصل، وقُمعت مظاهر التقارب بين الطوائف، وتفاقمت قوانين الفصل العنصري بين الجنسين، وتضاعف قهر الاقليات والنساء.

ربما اعظم انجاز قام به دعاة الجهاد انذاك هو اجهاض التجربة الاولى للنهوض بالدولة السعودية من ظلام التخلف والرجعية، حيث ضربوا بيد صلبة افواج الخريجين السعوديين المتنورين الذين تلقوا تعليمهم في الخارج، وقدِموا الى بلدهم وهم يحملون معهم أحلاماً وآمالاً لتطوير المجتمع والدفع بحركة التقدم الى الامام. تربص المناهضون للتغيير بتلك الفئة المتعلمة، وقاموا بإبعادهم عن مراكز السلطة، وضيقوا عليهم في عيشهم، وأحبطوا جميع محاولاتهم للإصلاح والتغيير. دمروا خطط تطويرية صرفت الدولة عليها أموال طائلة تحت ذريعة تغريب المجتمع ونزع خصوصيته.

الجدير بالذكر هنا انه في حقبة الحرب الباردة تلك العالم الغربي وقف مساندا لتلك الفئات المتشددة بطريقة او بأخرى لصد اي تحرك فعلي للتحرر الوطني بحجة ايقاف الزحف الشيوعي.لم يكن تحالف العالم الغربي ضد الحركات التحررية مقتصرا على دول الشرق الاوسط، بل طال دول امريكا الجنوبية وبعض دول شرق اسيا.

الدولة السعودية وجدت من صالحها ان تنضم لصفوف ذلك التحالف الغربي، لذلك لم يكن يهمها كثيرا ما كان يجري آنذاك للفئات المختلفة من المجتمع، والتي تعرضت للقهر والإقصاء بشكل وحشي، بل على العكس بعض أجهزة الدولة ساهمت في تطبيق اجندة المتصلبين دينياً ممن يطلقون على أنفسهم بالصحويين، لأن أفعالهم كانت تصب في مصلحة الدولة، حيث مكنتها في الوقت نفسه من بسط سلطتها على شرائح كبيرة من المجتمع، وتخلصت من الصوت المطالب بالتطوير والاصلاح والمشاركة السياسية.

وللحديث بقية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين الخلل؟
اياد ( 2009 / 8 / 31 - 20:21 )
سيدتي سلمت انامل يداك فيما كتبت و احييك على شجاعتك .. فأنت امرأة بألف رجل لأن اغلبنا معشر الرجال نكتب تحت اسماء مستعارة خوفا و نفاقا بينما انت رفعت صوتك من اجل التغيير و اين ؟ في السعودية! .. سيدتي انا على يقين بأن التغيير قادم و لكن ما يحز في نفسي هو ان من هم في عمرنا ربما لن تتاح لهم الفرصة لكي يعيشوا ذلك التغيير
الجميل في مقالك هو انك شخصت مواطن الخلل و اسبابه , و احدى هذه الاسباب هي امريكا التي تدعي نشر الديموقراطية و الدفاع عن حقوق الانسان و لا ادري كيف يتفق هذا مع التحالف مع انظمة دكتاتورية و رجعية ؟


2 - ذكريات متوحشة
علي السعيد ( 2009 / 8 / 31 - 22:03 )
لاأزال اتذكر ماكنا ندرسه في المدارس الابتدائبة والثانوية ونحن تلاميذ من معالم التاريخ القديم . كنا لانفهم من التاريخ سوى أعمال الملوك , وننظر في آثارهم الباقية فنعجب بما فيها من بذخ وزخارف ثمينة . وكان علينا ان نحفظ اسماء الملوك واسماء البلاد التي فتحوها دون ان نسأل عن المشاعر المكبوته التي كانت الشعوب المفتوحة تعانيها عند الفتح . بعد أن شب عودنا بدأنا نشعر بشيء من الصراع النفسي فبدأ روح التمرد لدينا وفتحت شهيتنا لان نفهم ونتقصى ماوراء البلاط وماوراء الفتح من بلاء .بعضنا قد تطرف نحو الوجودية , والبعض الاخر اتخذ ونهل من المعارف التي كانت تطرحها كم هائل من الكتب والابحاث , حيث كان العراق في الستينيات وبداية السبعينيات قد فتحت ابوابه على مصراعيها لعناوين واسماء ماكنا نعرف عنها شيْ من الثقافة وعقولها .اليوم ليس كما هو الامس , فقد عادت الامور لسنوات الظلام , حجب الكتاب العلمي , وفي الطريق ستحجب مواقع ثقافية عديدة .وخطوات التهديم في الطريق . أقول الحرية لاتهدى ولاتقدم بطبق زاه انما تسترد ..لاننا جأنا الى الدنيا كما ولدتنا امهاتنا أحرارا .شكرا للاستاذة وجيهة فقد تفتح كتاباتك شهيتنا لان نتذكر ..الحلو والمر من حياتنا العربية الزاخرة بالمفاجآت والقمع والكبت والاستعباد والحرمان .


3 - السيدة وجيهة مثال للمرأة الحقيقية
ياسمين يحيى ( 2009 / 8 / 31 - 23:23 )
سيدتي الغالية على قلبي جدا استاذة وجهية : انا على يقين لو أن يسمح لك بأن تتولي تربية هذا المجتمع وتنشأة ابنائه من خلال مناهج تعليمية وتربوية تخطيها بأناملك الطاهرة فسوف نكون من افضل وأرقى وارق المجتمعات في الدنيا .
وتأكيدا على كلامك الصادق سأعطيك هذا المثال على التوحش السعودي القبلي وهو : أن بعض العوائل لاتسمح لبناتهم او زوجاتهم بأن يقمن بزيارة صديقاتهن او جيرانهم والسبب انهم ليسوا من نفس العائلة او القبيلة أي أنهم غرباء. والغريب في نظرهم وحش يريد افتراسهن وليس انسان عادي مثلهم . هذا نموذج واحد ولدي الكثير لكني لا أريد أن اطيل عليك أيتها الغالية _ أنت مثال المرأة الحقيقية يااستاذة وجيهة لأنك تصمتي على جرح واهانة انوثتك ولم تصمتي على الظلم الواقع على بنات جنسك في مكان في العالم وليس بلدك فقط وهذه صفات المرأة الحقيقية . شكرا لك ياقدوتي . حبي واحترامي الشديدين لك.. ياسمين يحيى


4 - أفكار جريئة في النقد البناء
ج ح ( 2009 / 8 / 31 - 23:48 )
إلى الأمام أيتها الصوت الصارخ في وجه كل من يُسيء إلى غيره بإسم قوانين وشريعة ظالمة(( كما تفضٌلْتِ)) تقتل إنسانية الإنسان


5 - تصحيح
ياسمين يحيى ( 2009 / 9 / 1 - 08:04 )
عذرا ظهر في تعليقي السابق جملة ناقصة وهي : (لأنك تصمتي على جرح واهانة انوثتك) والصحيح هو : (لم تصمتي على جرح واهانة انوثتك). انا متأكدة من أن السيدة وجيهة تفهم أنه نقص بسبب السرعة في الكتابة او بسبب أن بعض الحروف تحذف من نفسها اثناء الارسال ولكني أحب الدقة جدا وادقق في كل شيئ يهمني وهذا متعب جدا . ياسمينا


6 - الدين هو السبب
حامد حمودي عباس ( 2009 / 9 / 1 - 15:38 )
مهما عانينا من أمر البحث والتقصي عن أسباب ظواهر انتكاس حياتنا بشكلها العام والتفصيلي ، فاننا ، لو توخينا الحياد والموضوعيه ، سوف لن نجد غير ذلك الأرث المقيت مما سموه لنا دينا هو الذي ارتد بحياتنا الى ما هي عليه الآن .. وما الأبتعاد عن تشخيص السبب الحقيقي وراء تخلفنا الشامل والمطلق عن بقية شعوب الارض ورده الى اسباب ثانوية اخرى ، الا مداعبة للمشاعر وخوفا من سطوة اولي الأمر وردة فعل هي طبيعية في غالب صورها لقساوة ما يسلطه رجال الدين من عقاب لمن يقف منهم موقف الضد . . وعلى كل حال ، ستبقى وجيهه حويدر واحد من الاصوات التميزة بقوة التأثير ، ينطلق من عوالم بالغة الخطورة من حيث ردود الافعال لهكذا اصوات ، الأمر الذي يجعلني انحني لها مبديا خالص تقديري لجهودها النضالية الفذه من أجل احلال التغيير المنشود في بلداننا وبين صفوف شعوبنا المظلومه


7 - تعليق رقم2
adam arabi ( 2009 / 9 / 1 - 17:03 )
هل يعتقد الاخ المعلق او الكاتبه المحترمه ان امريكا مكلفه ايضا بنشر الديموقراطيه انا ارى ان الديموقراطيه الحقيقيه هي براءة اختراع من حق الدوله لا يجوز اهداءها لاحد

اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل