الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات 12 يونيو 2009 أو انهزام المشروع المجتمعي

محمد الخمليشي

2009 / 9 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


قبيل منتصف ليلة 12 يونيو 2009، تم إعلان موت السياسة وإعلاء حق المال في السيادة على الشأن العام. استكملت الاستحقاقات الانتخابية المحلية بالمغرب مشاهد ملهاة متخلفة. عَصَف صديق الملك بما تبقى من إرادة التغيير السياسي والاجتماعي، في أفق رسم وترسيخ خارطة الاحتواء المخزني لكل أسماء الجهوية، الحداثة والديمقراطية.. في العهد الجديد.
من الريف إلى الصحراء استكمل "حزب الملك" حلقة التهييء لاستملاك جل المؤسسات التمثيلية (الجماعات المحلية، المقاطعات، المجالس الإقليمية والجهوية والبرلمان بغرفتيه)
وطنياً، تحلقت مجموعة من الفعاليات حول صديق الملك، بداية بصيغة: الحركة من أجل كل الديمقراطيين، وأخيراً بصيغة حزب الأصالة والمعاصرة. فلما كانت الأولى تستعير شرعيتها من مكوناتها التي تمتدُّ إلى تجارب منتقاة من أعيان المال واليسار؛ فإن الثانية، استجمعت نخباً من المحترفين الانتخابويين، من عديد من الأحزاب السياسية التي شكلت محاور الصراع في الخمسين سنة الماضية، وبخاصة تلك التي صنعت من قبل الإدارة أيام إدريس البصري.
فإذا كانت هواجس تلك الأحزاب المسماة إدارية، قد ارتبطت بتوزيع غنائم الريع وتمكين أعيانها من إنتاج وإعادة إنتاج النخب السياسية والمالية، فإن أفقها ظل يرتبط كل الارتباط بذلك الهاجس الأمني للدولة المخزنية. فالأعيان أفراد يمتلكون قوة اقتصادية ومالية لكنهم يعيشون كل الضعف والهشاشة الأخلاقية، مما يسهل على الدولة المخزنية أن تجعل من تبعيتهم ومخدوميتهم لها، صمام أمان تجاه كل مخاطر التغيير الاجتماعي، لفائدة كل الجماهير الشعبية الكادحة.
ومع انقضاء فعالية تلك الوظائف الأمنية، فقد دعت الضرورة إلى ملئ الفراغ من نفس رحم الجهاز الأمني، أي وزارة الداخلية. فكان حزب الأصالة والمعاصرة الذي لا يخرج عن دائرة تلك الثنائية العتيقة التي تستعير مصطلح "الأصالة" للدلالة على النزوع التقليداني، ولو كان متضخماًً بذهنية ومسلكيات المَلَكيات المطلقة، بدءً من استملاك الشرعيات الرمزية والتاريخية.. ، إلى السعي لتملأ كل الفضاء السياسي المغربي المعاصر باحتكار كل الآليات الانتخابية الاحترافية، لها وحدها؛ بقرصنة نشطاء سياسيين من أحزاب أخرى وبانتخاب أعيان المال والمخدرات لخوض غمار المعركة الفاصلة، في أفق رسم معالم الحقل السياسي وتحديد معالم الخارطة السياسية بدءً من 12 يونيو 2009 ( الانتخابات الجماعية) إلى 2012 ( موعد الانتخابات التشريعية).
لم يشذّ الريف عن هذه الأوليات، فقد سبق للأصالة والمعاصرة وأن انتقت ستة أعضاء في مكتبها الوطني من الريف وبالضبط من قبيلة بني ورياغل. فهل هي الأصالة المتحدث عنها؟ أم أن الأمر يتعلق بأجندات وإستراتيجية أمنية للدولة، عندما تم تبويئ الشيخ بيد الله ذو الأصول الصحراوية رئيساً للحزب الجديد وعبد الحكيم بن شماش نائباً له؟
في الحسيمة تم استقطاب محمد بودرا، العضو السابق في الديوان السياسي، لحزب التقدم والاشتراكية، والرئيس السابق للمجلس البلدي في الحسيمة ذاتها، عشية الانتخابات 12 يونيو 2009 . فبالنظر إلى رمزية الانتماء القبلي، ولحرفيته الانتخابية، ولضخامة الميزانية المرصودة للحملة الانتخابية؛ فقد حاز، بواسطته، حزب الأصالة والمعاصرة على 20 من أصل 36 مقعداً، خولت له أغلبية مريحة ، لترأس المجلس البلدي.
لقد عاصرت الأصالة والمعاصرة حزبي التجمع الوطني للأحرار والعهد الذي أضحى ديموقراطياً، لتستعيد الحسيمة أعيانها وتشبّك امتداداتها المصلحية الضيقة، في غياب كل تصور أو برنامج سياسي أو اقتصادي.
خمسون عاماً مضت. فقط نجحت هذه، المسماة دولة في إنجاز تقرير الخمسين سنة الماضية. بل حتى توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة أوصت ببالغ الجدية وبشراكة مع الاتحاد الأوروبي على جبر الضرر الجماعي في الريف بصيغة أنشطة التربية على المواطنة.
فمن الرباط إلى الحسيمة، تبقى طريق الوحدة هي الوحيدة الفاصلة والواصلة بين المركز (بلاد المخزن العتيق) وهذي البلاد : هامش مركز الدولة التي كانت تُنعت ب(بلاد السيبة). لم تعد دلالة طريق الوحدة تشير إلى معنى الوحدة الترابية كوجه مواز لمعنى بناء الدولة المغربية الحديثة، إبان لحظة مغرب الاستقلال.
لقد أضحى والي الجهة، كما الملك، هو من يحكم البلاد ويحدد التوجهات الأساسية ويتخذ القرارات ويصمم هندسات المدينة ويراقب تنفيذها. فهو ظلُّ كل تفاصيل القرار المركزي.. فلا المجالس البلدية أو القروية ولا المجالس الجهوية يمكنها أن تزاحم القرار المركزي.وحدهم أعيان اقتصاد الريع والمال والمخدرات يمكنهم تأثيث قواعد الخضوع لقيود التبعية و الذيلية والمخدومية.
من الرباط إلى الحسيمة، من طنجة إلى الحسيمة، من شمال المتوسط إلى الحسيمة؛ لم تعد الحافلة أو الباخرة أو الطائرة وسيلة النقل العمومية؛ فأمطار السنة الماضية لوحدها، قطعت الطريق الرابط بين فاس والحسيمة عبر تازة. هي ذي عنوان الوحدة الجهوية ! كما أن منطق المردودية والربح، يَحُول، بدوره، كسد منيع ضدَّ أن تقدم الدولة خدمة لمواطنيها. تبقى فقط طريق الوحدة بالتواءاتها المليونية على جبال الريف، تتكفل بإيصال الناس من الحسيمة إلى الجنوب. تتهالك الحافلات وسيارات الأجرة و سيارات الإسعاف في ذلك المَمَرّ الجبلي، المليء بالحفر. أما الناس، فليس بوسعهم سوى خدمة الدولة.
في مجتمع مثل المجتمع الريفي ، المثقل بجراحات الماضي والمطبوع بعلاقة التهميش والحملات التأديبية بغاية الإخضاع والسيطرة والانتقام(حملة بوشتى البغدادي باشا السلطان عبد العزيز1897 ، تصفية الثورة الريفية 1925، تكسير انتفاضة 1958-1959 ، انتفاضة 1984 ..)، تنتصر الدولة على ذاتها، تهزم شعاراتها السابقة؛ نحو الحكامة الجيدة والانتقال الديمقراطي وتخليق الحياة العامة ...ينهزم المشروع المجتمعي الحداثي ليصطدم بالجدار الأصم، ولا يخلي السبيل إلا لشباب يسعى للهروب أو النزوح، عبر سديم البحر، بعيداً في الخواء.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل