الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا شئ تم في الخفاء ايها الحالم بعرش اليونسكو

احمد القاضي

2009 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


المندبة التي اقامها وزير الثقافة المصري تكفي في حد ذاتها للتدليل علي انه ليس اهلآ لقيادة مؤسسة ثقافية عالمية من وزن اليونسكو لا علي صعيد الكفاءة المهنية ولا من الناحية الاخلاقية..فبعد ان تمسكن في باريس وتظاهر بالنبل وقدم الاعتذارات والتبريرات وهو يدير حملته للفوز بمقعد المدير متذرعآ بكل الذرائع المتاحة لتبرير تصريحه الشهير بانه سيحرق بنفسه اي كتاب اسرائيلي يوجد في مكتبة الاسكندرية او اي مكتبة مصرية اخري عاد الي بلاده مكشرآ عن انياب صفراء ومهددآ ومتوعدآ الذين اداروا ضده ما اسماه بـــ ( الطبخة ) و ( المؤامرة ) وذهب ابعد من ذلك بالقول انه سيبدأ حربآ ثقافيآ ضد اسرائيل!
وهذه المندبة ليست سوي امتداد طبيعي لثقافة التبريرات التي لفت الحياة المصرية بعمق منذ العام 1952وتمثلت بصورة نموذجية في مقولة جمال عبد الناصر في خطاب استقالته بعد هزيمته في العام 1967:( انتظرناهم من الشرق فجاؤونا من الغرب )..وكانت اكبر اكذوبة لتبرير هزيمة شنيعة و( عنتريات ما قتلت ذبابة ) علي حد قول نزار قباني..وعلي خطي هذه الثقافة التي تجذرت في الوعي المصري علي ما يبدو، ما انفك الوزير يمارس الركاكة بمحاولة الضحك علي الذقون بانه كان ضحية مؤامرة دولية دون ان ينظر في المرآة ويعرف انه كان ضحية شح نفسه التي ارادت ان تلعب علي كل الحبال...حبال موالاة قوي الحداثة وتطييب خواطر السلفيين الاسلاميين في نفس الوقت...حبال المزايدة علي المنادين بـشعار ( لا للتطبيع مع اسرائيل ) بسياسات ومواقف اكثر تطرفآ ثم محاولة تطييب خواطر الاسرائيليين باستضافة موسيقار يهودي واجراء بعض اعمال الصيانة لمعابد يهودية قديمة وكأنه لم يكتشف وجود هذه المعابد الا بعد ان قرر دخول المنافسة للفوز بكرسي مدير اليونسكو...والواضح من كل هذه الحبال التي لعب عليها وزير الثقافة المصري انه كان علي يقين بامكانية تمرير الآعيبه بــ ( الفهلوة ) في عالم يتراكم فيه الوعي ويتحول الي قرية معرفية ومعلوماتية صغيرة.
وكانت ذروة تلك ( الفهلوة ) تصريحه الشهير عن استعداده لحرق الكتب الاسرائيلية بنفسه اذا وجدت في اي مكتبة مصرية وذلك ردآ علي استسفار نائب من الاخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري حول وجود كتب اسرائيلية في مكتبة الاسكندرية...ولاشك ان فاروق حسني قد زاد من عيار المزايدة علي الاخوان المسلمين وربح الجولة في سوق المزايدات بمجلس الشعب واسكت المعادين للتطبيع من السلفيين وبقايا القوميين والناصريين ولكن من المؤكد انه لو كان يعلم ما تخبئه له الايام وان ذلك الكلام الذي اطلقه علي عواهنه سيكلفه امنيته في ان يختم حياته مديرآ عامآ لاكبر هيئة ثقافية في العالم لما تلفظ بحرف واحد من ذلك الكلام الهمجي.
ولا ادري حقآ كيف يحلم رجل بالجلوس علي رأس اليونسكو وهو يتوعد بحرق الكتب الاسرائيلية....والذي يحرق الكتب الاسرائيلية لن يتورع عن حرق غيرها..ولو كان حضرته وزيرآ للثقافة في دولة من الدول المتحضرة وتوعد بحرق كتب ايآ كان جنسيتها لما بقي يومآ واحدآ في منصبه ناهيكم ان يحلم بمنصب ثقافي دولي...لقد اعاد حضرة الوزير المصري الاذهان الي كابوس القرون الوسطي المظلمة..فما ان يذكر حرق الكتب حتي يجفل كل مستنير في العالم.ويستعيد علي الفور شريط اضطهاد المفكرين في تلك القرون وحرقهم وحرق كتبهم معهم..كحرق المفكر جيوردانو برونو في احدي ساحات روما في القرن السابع عشر...وقبله بقرون حرق كتب المفكر العقلاني ابن رشد ابان الاحتلال العربي الاسلامي للاندلس...ووزير الثقافة المصري وهو يستحضر القرون الوسطي المظلمة في القرن الحادي والعشرين عصر الاقمار الصناعية والانترنيت لا يعد معاديآ للسامية فقط بل هو معاد للانسانية والفكر والثقافة في صميم تجلياتها المختلفة.
وتزداد محنة الوزير المصري باعتراف العالم بدور اليهود الثقافي تاريخيآ واسهاماتهم الفزة في تشكيل الوعي العالمي..فعلي صعيد الوعي الاسطوري الطفولي للوجود اثرت (التوراة ) في العديد من الثقافات والمجتمعات علي مدي آلاف السنين وكانت الاساس المرجعي للمسيحية والاسلام...وعلي صعيد الوعي العقلاني للوجود كانت هناك الاسهامات الكبيرة للمفكرين من اصول يهودية في الثقافة الانسانية العالمية الحديثة مثل كارل ماركس واسبينوزا وفرويد وانشتاين وشارلي شابلن وغيرهم في مجالات الفكر والشعر والموسيقي والمسرح...فلو كان الامر في بلد يحكمه العقل لكان السؤال الطبيعي ( لماذا لا توجد كتب اسرائيلية في المكتبات المصرية ؟!)..وليس العكس ( لماذا توجد كتب اسرائيلية في المكتبات المصرية؟)..ليجئ رد الوزير المصري في غياب العقل " هاتوا لي اي كتاب اسرائيلي في اية مكتبة مصرية وسأحرقه بنفسي "
وبعد كل هذا خرج وزير الثقافة المصري متحدثآ دون حياء عن ( طبخة) و(مؤامرة) دوليه اسقطته ..وهذه كذبة بلقاء لانه لاشئ تم في الخفاء..فالمثقف اليهودي الناجي من المحرقة والحائز علي جائزة نوبل ايلي فزيل الذي قاد حملة المعارضة ضد الوزير القائل بحرق الكتب مارس نشاطه علنآ علي صفحات الصحف العالمية وتلفزيوناتها معددآ كل المثالب التي تجعل من فاروق حسني غير صالح لقيادة اليونسكو....فهو لم يبد استعداده لحرق الكتب الاسرائيلية بنفسه وحسب بل ووزير مزمن في نظام استبدادي مزمن يحجرحرية التعبير والرآي ويمارس الرقابة علي الفكر والمطبوعات ومنهمك في الاضطهاد الديني للاقليات..وقد عضد ايلي فزيل في ذلك ممثل الولايات المتحدة الامريكية في هيئة اليونسكو بنشاط علني مكثف لحرمان حسني من الفوز...وتردد في الانباء ان امريكا ابدت استعدادها لدعم مرشح الحكومة المصرية اذا قامت بترشيح اية شخصية اخري غير فاروق حسني...فاين هي اذن ( الطبخة ) و ( المؤامرة) الدولية؟؟!...فلا شئ تم في الخفاء..لقد جرت حملة اسقاطه في وضح النهار..ولا شئ كان يستدعي الخفاء في الظلام ..ولا شئ كان يستدعي قدوم سبعة او تسعة من رجال الموساد سرآ الي باريس لانجاز المؤامرة ضد فاروق حسني كما روج اتباعه في الصحف المصرية في محاولة للضحك علي العقول..فقد سقط لان الجميع قد ادرك انه لا مكان في اليونسكو لرجل يقول انه علي استعداد لحرق كتب.... وكان سقوطه انتصارآ للانسانية والحضارة والتقافة والكتب.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فرخ
مازن ( 2009 / 10 / 2 - 06:17 )
فرخ الدكتاتور رفاس


2 - أنت دوما رائع
muwaffaq ( 2012 / 5 / 26 - 19:17 )
عزيزي الأستاذ أحمد القاضي أنت دوما رائع ومتألق في نقدك العقلاني، وفي إنارة الدرب. تحياتي

اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي