الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغنيات ضد المرارة

لهيب خليل

2009 / 10 / 6
سيرة ذاتية


السطح سطح الدار يكون دائما هو المكان الذي نكتشف من على سطحه العالم ،الدنيا ،الناس ،الولد يكتشف ابنة الجيران ،والبنت تتحرى ابن الجيران ،البراءة تكون الهاجس في البداية حتى تكبر فينا الأشواق ونشعر بحرارة اللقاء فنهرب إلى سطح الدار من جديد لكن هذه المرة لانتظار إنسان ما ونختبئ خلف قناع مصنوع بخبرة البراءة مع قليل من الحب والتودد إلى الطرف الآخر لتبدأ أول الأدوار التمثيلية في حياتنا أول كذبة بيضاء نستر بها مشاعرنا التي باتت تفضحنا بين الأهل والطرف والمحلة في تلك اللحظات كان يأتنا صوتها عبر شروخ الجداران من بين فتحات الطابوق خلال ثقب نفعله في الجريدة أو المجلة يأتي إلينا صوتها الناعم كرذاذ المطر في أول زخاته فيروز الشعر فيروز الألحان فيروز الصوت إنها فيروز التي رافقتنا في كل خيباتنا وفشلنا وكبواتنا وما أكثرها ،لن تصدقوا أن قلت لكم أنني وبينما امتطي صهوة الكاز 66 العسكرية(سيارة روسية الصنع ) في إحدى الحروب متوجهين إلى لا ادري أين جنود مستجدين كان معي جهاز راديو صغير هو كل ما تبقى من كوة بحجم ثقب أكرة الباب تنظر إلي الدنيا من خلاله ، كلما ساحت عبره أغنيات فيروز تراني ملتصقا ً به جعلا ً إياه بمثابة فلتر استنشق من خلاله أهات الحب بعيدا ً عن غبار الجبهات ومرارة الخسارة على فتاة مرت سريعا ً وذابت بين زحام السنين ،رافقتنا فيروز منذ أول لحظات العشق الطفولي فأني اكتشفت حنان هذا الصوت ورقته حين اكتشفت السطح كالآخرين المنظار الذي أتاح لي أن أرى صفقات الهيام المعقودة بين عاشقين يكبراني بعدة سنوات لذلك كنت اصعد إلى سطح دارنا بخفة طير كي لا أطير الهناء الذي يرفلى به عشاق محلتنا الجدد لاقف دقائق معدُدة حسدا ً لوعتهما من كل قلبي ممنيا النفس بقصة عشق ٍ أكون أنا بطلها الأمر الذي يدفعني لأدفن راسي في حلم حب فتاة كانت تسكن العكد الذي يقع خلف بيتنا مع أغاني فيروز المطبوعة على اسطوانة بلاستيكية سوداء كانت الوالد قد جلبها معه عندما عاد من ألمانيا حيث ذهب إليها طلبا ً للعلم ومعها عشرات الاسطوانات لكنها كانت الأهم بين كل هذا الكم ومن كثرة استماعي للاسطوانة فقد حفظت أولى أغنياتها {( الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية ، والديك بينده كو كو كو عاالصوبحية ، يلاه بنا يلاه على باب الله يصناعية ، يجعل صباحك صباح الخير يااسطة عطية ، صبح الصباح فتاح ياعليم والجيب مفيهشي ولا مليم باب الأمل بابك يارحيم ، والصبر طيب وعال، وينوار الاحوال أحوال ، يليّ معك المال بردو الفقير له رب كريم )}هذه الأغنية اللازمة والضرورية جدا إذ كانت أحيانا ً تشبه حب البراسيتول المضاد للصداع ,التي لازلت ارددها وسأبقى ما حييت لأنها لم تبخل عليّ ذلك المفعول السحري في أحلك الظروف وأسود هذه الظروف حين وقعت في الآسر حيث لم تكن في ذاكرتي سوى هذه الأغنية التي كنت ارددها لنفسي والآخرين وبعد ذلك اكتشفت أن بعض الأسرى يحفظون أغنيات ُأخريات لذلك تطلب الأمر أن نتشارك معا ً للغناء ونعقد صداقة غنائية ونكوّن أول راديو حي بأشخاصه يبث اغنانيه وموسيقاه بشكل سري تماما ً وبشكل مباشر للمستمع حيث نجتمع بعد التعداد الصباحي بعيدا ً عن الأعين الغبية وابدأ البث بأغنية فيروز وارفع عقيرتي عاليا ً ( الحلوة دي ) وبعد الغداء نجتمع مرة أخرى لنستمع لفلاح الشاب البغدادي الطويل الأسمر وليغني لنا ( فاتت جنبنا ) للرائع عبد الحليم ولينتهي يومنا بعد العشاء وخصوصا ً أيام الصيف ونحن كل ثلاثة أو أربعة مجتمعين على سيكارة وابراهيم المهندس الزراعي من بعقوبة يصيح( الأمل الأمل) لام كلثوم ، الشيء الذي تحسرت عليه كثيرا ً هو أنني لم أكن أحفظ سوى هذه الأغنية لرائعة الصباح والمساء و كل الأماكن والأوقات فيروز .
*الاغنية في الاصل للمبدع الراحل سيد درويش.



كركوك - 9- 2009










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو