الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلسلة فهم سيكولوجية الإنسان...لنحيا حياة ًافضل1

ريم الربيعي

2009 / 10 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل تؤذي نفسك ؟
Do you hurt yourself?

إيذاء الذات Self Harm احد السلوكيات الشاذة و الخطرة التي تظهر عند بعض الأفراد ، و لاقى اهتماماً كبيراً على مرِّ العصور . ظهر هذا السلوك الشاذ في قديم الزمان من خلال إيذاء الناس لأنفسهم عند موت احد المقربين و خاصةً النساء و برز في بعض قبائل آسيا و في أوربا عند الإغريق و اليونان ، و في قبائل افريقيا و الهنود الحمر في القارة الأمريكية و عند عرب الجاهلية الأولى . و لا زالت بعض من مظاهره متواجدة حتى اليوم.

يعد هذا السلوك شاذا من حيث إيذاء الفرد لذاته ، و هو مألوفا في مرحلة المراهقة حيث التأزم النفسي و الوجداني فيها.

يرتبط إيذاء الذات دوماً بالمعاملة الوالدية القاسية و بالحرمان من العطف و اللجوء إلى الضرب و القسوة في العقاب مع الأبناء و التعرض لصدمة نفسية أو جنسية خلال مرحلة الطفولة أو مرحلة المراهقة . و ينتج عنها بعد ذلك إلقاء اللوم أو عقاب النفس على هذا الحادث المؤلم ، و كأن الفرد يعاقب نفسه لأنها جعلته يكون بهذا الموقف أو تأنيباً للضمير.

كما يرتبط كسلوك بمجموعة من الاضطرابات النفسية و السلوكية الخطيرة كاضطرابات الأكل Eating Disorders ، واضطرابات الشخصية Personality Disorders كالشخصية التجنبية او الشخصية الحدّية ، واضطرابات سلوكية Behavioral Disorders ، كاضطراب السلوك التفككي Disruptive Behavior Disorder الذي يمتاز بالعدوانية و التمرد و ينتشر بين المراهقين عموما.

و لإيذاء الذات نمطين في التعبير :فهناك إيذاء للذات متعمد Deliberate Self harm و يُقصد به ان يلجأ الفرد لإيذاء ذاته بصورة واعية و عن قصد . و هناك إيذاء ذات غير متعمد In deliberate Self harm و هو عن غير قصد و لاشعوري.

و يتخذ الإيذاء أشكالاً مختلفة فهناك :
1. جرح الذات Self – Injury و يتضمن الحروق و الخدوش على الجلد.
2. تسميم الذات Self – Poisoning و يتضمن تناول العقاقير الدوائية بإفراط و دون حاجة أو استنشاق المواد الكيماوية و المواد المخدرة.

و نجد ان إيذاء الذات المتعمد يشعر به الفرد المصاب برغبته في إلحاق الأذى بنفسه بوسائل عديدة أهمها :
أ. قطع الجلد / إحداث جروح في الجلد و ما تحته كقطع الشرايين و الأوردة و العضلات بآلة حادة أو جارحة و هو أكثر الأساليب إنتشاراً لسهولة إحداث الأذى.
ب. حرق الجلد / حرق الجلد بالنار أو السجائر المشتعلة أو استعمال مواد كيماوية و صبها على الجلد أو استعمال المياه المغلية.
ج.سحب الشعر من جذوره / و تجدر الإشارة هنا لوجود حالة مرضية لنتف الشعر مرافقة للدرجات القصوى من إيذاء الذات و تسمى بالمصطلح الطبي Trichotillomania و هي الهوس بنتف الشعر طوال اليوم.
د. ضرب الرأس بالأشياء الثقيلة.
ه. رمي الجسم من مكان عال لإحداث كسور خطيرة أو رضوض ويلجأ إليها عادة بعض المنتحرين.

أما السلوك غير المتعمد منه فيتخذ طرق أيضاً للتعبير عنها مثل :
أ. التدخين المفرط Smoking
ب. تناول العقاقير و الكحول Substance Abuse
ج.اضطرابات الأكل ( شهية مفرطة ، فقدان شهية )
د.الوشم Tattoo
ه.إهمال العناية الشخصية Negligence of Body Health

و يجب التفريق بين مفهومي إيذاء الذات و تدمير الذات ، فالأول يشمل كل سلوك يلحق الأذى بالجسد كالتي ذكرت سابقا لكن بلا نية لقتل النفس أو الموت ، أما تدمير الذات Self Destruction فهو مصطلح عام يتضمن كل المحاولات لإلحاق الهلاك بالنفس سواء بإيذائها أو بقتلها ، إذ يشمل التدمير : الانتحار Suicide و محاولة الانتحار Suicide Attempt بالإضافة لإيذاء أو إيلام الذات.

و هنا نستطيع القول ان تدمير الذات هو المصطلح الاشمل لهذه المفاهيم والذي تنتشر ظواهره وفقاً لمجموعة من العوامل أهمها :
1. العمر Age : إذ يزداد السلوك المدمر للذات بين المراهقين بين عمري (15-18) عاما و بين (20-24) عاما أي في بداية الشباب و يقل نوعا ما في الأعمار المتقدمة.
2. الجنس Gender : و يزداد الانتحار بين الذكور أكثر من الإناث ، لكن محاولات الانتحار تزداد بين الإناث أكثر . كما تزداد سلوكيات إيذاء الذات عندهن أيضاً . و يميل الذكور لاستعمال وسائل أكثر عنفا في إيذاء ذواتهم من الإناث كالسلاح أو الانتحار من أماكن مرتفعة بينما تميل الإناث لاستعمال الأدوية المنومة أو المخدرة في الانتحار.
3. الفروقات الاجتماعية Social Class : يزداد السلوك التدميري للذات بين الأغنياء و المطلقين و عند طلبة الجامعة .
4. المعتقدات الدينية Religion : يزداد الانتحار عند الطوائف البوذية و الهندوسية و في الطائفة المسيحية عند البروتستانت و يقل عند الارثذوكس و الكاثوليك و ينخفض في المجتمعات الإسلامية كما أشارت لهذا الدراسات الأجنبية.
5. العـِرق Race: يزداد الانتحار و إيذاء الذات بين الأقليات العِرقية في مجتمعٍ ما ، و عند البيض أكثر من السود.
6. العوامل الاجتماعية Social Factors : و يظهر سلوك تدمير الذات عند الأفراد المتعرضين للاعتداء الجسدي و الجنسي ، أو من يعانون من مشكلات أسرية ، طلاق الوالدين أو موت احدهما ، و يظهر عند الأفراد الذين يعانون من انخفاض تقدير الذات و الفشل على المستوى المهني و الأكاديمي .
7. العوامل البيئية Environmental Factors : أشارت بعض الدراسات ان العوامل البيئية كارتفاع درجات الحرارة لها صلة بازدياد حالات الانتحار .
و في دراسة قام بها باكلي و زملاؤه Buckley et.al.1993 لدراسة حالات انتحار لمجموعة من الأفراد المنتحرين ، وجد ان ساعات الانتحار حدثت بين السادسة عصرا إلى التاسعة صباحا ، و بالأخص في فترات المساء حيث يكثر سلوك إيذاء الذات بعد تناول الكحول . و توصلت دراسة بلينكيرون Blenkiron 2003 إلى انخفاض السلوكيات التدميرية في المناسبات الدينية كأعياد الميلاد Christmas Days ، عيد الفصح Easter Day ، و في شهر رمضان Ramadan ، و هذا دليل على حدوث تفاعل بين الفرد و بين العوامل البيئية المحيطة به.

و عموما تمتاز الشخصية المدمّرة لذاتها بحساسية مفرطة للرفض أو النبذ ، و بالغضب المكبوت ، و الميل إلى العزلة ، و قلة الثقة بالنفس ، و عدم وضع خطط للمستقبل و التهور و الاندفاعية ، و بتجنب الآخرين ، و المعاناة من الكآبة و القلق.

و يشعر الفرد المؤذي لذاته بالخزي و العار Shame نتيجة الضرر الذي وقع عليه من اعتداء سابق مما يدفعه لإيذاء ذاته للشعور بالراحة النفسية إذ يطلق الجسم مادة المورفين المهدئة للآلام بعد الجروح و الحروق فتكون راحته مؤقتة نسبيا يعقبها ضرر بدني كبير.

و أفضل طريقة لمساعدة الشخص المؤذي لنفسه يتم بواسطة نفس الفرد ، رغم انعزاليته و شعوره بالخوف و عندها يمكن الاستعانة بالمرشد النفسي أو تقديم العون من داخل الأسرة خاصةً إذا كانت البيئة الأسرية غير ملائمة للفرد ، و العمل على تغيير الأجواء المحيطة به يخفف إلى درجة كبيرة من الآم الفرد المصاب . كما ان الكشف عن حالات الأذى الواقعة عليه يساعد كثيرا في العلاج و تدريب الفرد على تقوية ثقته و منحه الفرصة للتعبير عن شعوره كلها تساعد في تخفيف الحالة و في تقديم العلاج بمشورة المرشد أو المعالج النفسي و ترك هذه الحالة بلا علاج قد يجعلها تتطور تاركة الفرد المراهق ضحية للانتحار أو الألم النفسي الذي لا تطمح إليه أية أسرة محبة لابناءها .

و في دراسة أجريت عن المراهقين ، وجدت ارتفاع سلوكيات إيذاء الذات و محاولات الانتحار بين الأفراد الذين لا يمتلكون علاقات أسرية متينة أو المُهمَـلين من قبل آبائهم و أمهاتهم مما يجعلهم عرضة للتقلبات النفسية التي تعصف بهم أكثر من غيرهم دون وجود معين لهم أو ناصح في هذه الفترة . و إذا عرفنا ان نسبة انتشار إيذاء الذات بين المراهقين في الولايات المتحدة لوحدها وصل إلى 13% عام 2002 بعد ان كانت نسبة انتشاره لا تتجاوز 4% عام 1993 لأدركنا مدى السرعة التي يتفشى بها هذا السلوك الشاذ في المجتمعات المعاصرة.

و مهما اختلفت الآراء و النظريات بشأنه فإنها تتفق على خطورته على الصحة النفسية و وجوب اتخاذ الوسائل للحدّ منه و إنقاذ الفرد المصاب به من خطره و العمل على التخلص من العوامل التي تشجعه ليحيا الشبان و المراهقون حياة نفسية أفضل و أسمى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة