الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الدينية في المغرب تقرير عن عام 2005

أبواللوز عبد الحكيم

2009 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


السياسة الدينية في المغرب سنة 2005
التوجهات وردود الفعل
في سنة 2005 واصلت الدولة عملية تقنين الدين عبر ثلاث مستويات متداخلة مع بعضها البعض ، العقيدة، الطقس الديني، والتنظيم، فقد أصبحت الدولة تحيل في ترسيخ هويتها الدينية على تقليد ديني عام متكون من عناصر ثلاثة: العقيدة الأشعرية، المذهب المالكي، والسلوك الصوفي
لقد نتجت عملية التقنين هذه انطلاقا من الحاجة إلى الاستقرار والاستمرارية، وسط وضع يتسم بالصراع الداخلي، الذي اتخذ أشكالا أكثر وضوحا بعد أحداث 16ماي 2003 وما نتج عنها من تساؤلات حول مع مضامين العقيدة الرسمية، ومدى القدرة على تفسير مضامين الطقوس التقليدية بحيث تجعلها مناسبة للأوضاع الجديدة، وقادرة على مقاومة المؤثرات الخارجية.
في محاولة للاستجابة لهذه التحديات سجلت سنة 2005 اتخاذ مجموعة من الخطوات على المستويين المركزي والجهوي، والتي تدخل جميعها في إطار تطبيق السياسة الدينية التي رسم ملامحها العامة خطاب الملك في30 ابريل2004
تدبير الشأن الديني على المستوى المركزي:
ّ كان ترأس الملك للدورة الأولى للمجلس العلمي الأعلى ( الذي أعيد تنظيمه في عام 2004) مناسبة لاستعادة العديد من المجالات الحقل الديني المنفلتة من تحديدات التوجه الرسمي، "وقطع الطريق أمام من أصبحوا يعرضون الأمن الروحي للملكة للخطر"، من هذا المنطلق، احدث داخل المجلس هيئة للإفتاء " لقطع دابر الفتنة والبلبلة في الشؤون الدينية" وذلك بهدف " تحصين الفتوى التي هي من مقومات الشأن الديني ويجعلها عملا مؤسسيا واجتهادا جماعيا لا مجال فيه لادعاء المعرفة بالدين ولتطاول السفهاء والمشعوذين و لا للمزاعم الافترائية"
ومن جهته، واصل وزير الأوقاف، طيلة سنة 2005، تحديد مواصفات التصور الديني في المغرب من خلال بناء إسلام مغربي يدمج عدة معطيات ثقافية وتاريخية ودينية، في محاولة لإنتاج مرجعية دينية مغربية قطرية. ولكي لا يبدو هذا الإسلام جامدا مترجما للتقاليد المذهبية المغربية، يحاول الوزير، من خلال معالجة تاريخانية، أن لا يجعل من الدين معطى ساكنا بل متفاعلا مع الواقع المغربي .
ومن ابرز الخطوات التي تم القيام بها في هذا الباب ، تحديد وظيفة منتجي الخطاب الديني الرسمي، حيث حسم الوزير في درسه الافتتاحي لسلسة الدروس الحسنية الرمضانية برسم العام الهجري 1424 في الوظيفة الأصلية للعلماء، فحددها انطلاقا من "تخصصهم في علم الكتاب والسنة من جهة التبليغ، أما من جهة التطبيق، فيتمثل في الجانب السياسي المتعلق بتدبير شؤون الدولة والمجتمع وهو راجع على أولي الأمر من الحكام" الذي لا يحق بغيره أن يوجه العمل السياسي باسم الدين، "فعقيدة العلماء تكرست مع مرور القرون لتصبح مبنية على وجوب تقوية الدولة بمسندة أمير المؤمنين لصيانة جادة الدين". ومباشرة بعد الدرس عين الملك احمد الحبابي كاتبا عاما لرابطة علماء المغرب في أول خطوة في اتجاه إصلاح رابطة علماء المغرب الذي سبق للملك أن أعلن عنه في خطاب 30 أبريل 2004.
أيضا، يمكن قراءة توجهات السياسة الدينية من خلال المجهود الذي بذلته الدولة في المجال التعليم الديني ، بحيث واصلت الوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سعيها إلى تحسين جودة التربية التكوين بالتعليم العتيق من خلال مواصلتها تقديم حصص الدعم في العلوم الحديثة والمواد الأجنبية التي استفاد منها ما يفوق الألف من الطلبة والتلاميذ بأربع وخمسين مؤسسة عتيقة خلال 2005 ،
ومن جهتها، واصلت مديرية العليم العتيق بالوزارة عقد دورات تكوينية لشيوخ وفقهاء المدارس العتيقة فانعقدت دورتين: خصصت الأولى لتزويد الفقهاء بمعارف حول التسيير الإداري والمالي للمؤسسات التعليمية، في حين هدفت الثانية ّإلى مدهم ببعض مناهج التعليم العصرية ، وذلك في انتظار القيام بإجراءات أكثر جدية وإصدار المراسيم التطبيقية لقانون التعليم العتيق طبقا لما ورد في خطاب 30 أبريل 2004.
كما أحدثت الوزارة جائزة محمد السادس للكتاب الإسلامي، التي خصصت لموضوع تجديد الفكر الديني، في إشارة منها على أن تأهيل الحقل الديني لا يقتصر على إصلاح المؤسسات التي تعنى بهذا الشأن، بل إنه يمتد ليشمل الاهتمام بتحديد الفكر الديني والفقهي بشكل عام ,
كما شهدت سنة 2005 انطلاق الدراسة للفوج الأول من برنامج تكوين 150 إماما و50 مرشدة في كل سنة، ومعلوم أن المتخرجين والمتخرجات من هذا التكوين سيوظفون بواسطة عقد عمل مع الدولة وسيتقاضون نفس الأجر والتعويضات والمخولة لمتصرف مساعد ( السلم العاشر)
وفي الدار البيضاء، عقدت الوزارة يوما دراسيا حول خطبة الجمعة في محاولة لرسم معالم خطبة الجمعة بمقاصدها وتحديد مواصفات الخطيب وتشجيع الخطباء على الانخراط في خدمة الناس ودعم قوة الدولة وسياستها الدينية العامة
أيضا، تمت إعادة النظر في منظمة التكوين داخل دار الحديث الحسنية التي أصبحت تابعة لوزارة الأوقاف ، وذلك لاستقطاب جيل جديد قادر على القيام بالمهام الجديدة، وأهمها، تنمية قدرات الإبداع والإقناع لدى العلماء المرتبطين بالمؤسسة الرسمية وتأهيلهم من اجل التعاطي مع الواقع الإعلامي ومنافسة تعددية الخطاب الديني وجاذبيته المبثوث عبر قنوات تملك كل إمكانيات الانتشار والإشهار، خصوصا بعد أن تعزز الإعلام الوطني بإحداث قناة محمد السادس للقرآن الكريم بتاريخ 02 نونبر 2005 بهدف المساهمة في "تعزيز الدور التربوي للإعلام السمعي البصري العمومي، وجعله أداة أساسية لصيانة هوية الأمة المغربية وإبراز الوحدة العقائدية للأمة" ، وإحداث موقع للوزارة على شبكة الانترنيت في إطار "الحرص على إبراز الوحدة العقائدية للأمة".
ويتيح انتظام بث برنامجين تلفزيونيين دينيين في القناة الأولى الفرصة للقيام بتقييم أولي لهذه التجربة، إذ يرمز برنامج "من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم" إلى استمرار نمط إنتاج المعرفة التقليدي من خلال تمسكه بالأصالة والإخلاص للمناهج الأصولية في إنتاج المعارف وتوظيف المناهج المحافضة على النص وامتداداته الدلالية بطريقة تجعل المتلقي تنسج علاقة معرفية وأخلاقية من المضمون الديني والمبثوث ومنتجه، في حين يحاول برنامج "بصائر من القرآن" خلق معرفة دينية بديلة أكثر تساوقا مع طبيعة العصر وإيقاعاته وتعدد لغته، وهي مهمة صعبة نظرا لعدم تمكن المتلقي في آليات فك شفرات الإرسال، مما يحول دون إيصال مضمون الرسالة الدينية المبثوثة عبر هذا البرنامج إلى مختلف الشرائح الاجتماعية والثقافية في المغرب .
وفي مجال محو الأمية، توسعت مساهمة الوزارة في الجهود الوطنية لمحو الأمية حيث بلغ عدد المساجد المخصصة لذلك 789 مسجدا، منها 348 بالوسط القروي فيما بلغ عدد المستفيدين 48119 مستفيدا منهم 27618 من الإناث .
إن الدولة، و بإصرارها على ضرورة انطباع الخطاب الديني بالخصوصية المغربية، تضعف من إمكان إنتاج المؤسسات التعليم الديني التقليدية والعصرية لفاعلين قادرين على بلورة خطاب يتجاوز حدوده المحلية، هكذا تبقى مؤسسة الأزهر والجامعات السعودية هي القادرة على بث خطاب ديني على مستوى عالمي بدليل تخرج اغلب الدعاة المشهورين على الصعيد الإسلامي من هذه المؤسسات.
الأكيد أيضا، انه في غياب استقلالية واضحة للعلماء يصعب بناء المصداقية لصالح الخطاب الذي ينتجه العلماء الرسميون، خصوصا وان الجوانب الأخرى من السياسة الدينية (تأميم المساجد تقنين الخطب، تأهيل المدارس العتيقة..) لن تمكن لوحدها من تجاوز أزمة الخطاب الرسمي المتمثلة في فقدان القدرة على إنتاج الرمز الديني، مما يدفع شرائح مجتمعية واسعة إلى تلقي الفتوى مباشرة من القنوات الفضائية والشيوخ المستقلين وغيرها من المسالك غير الرسمية .

تدبير الشأن الديني على المستوى الجهوي:
من جهتها قامت المصالح التبعة للوزارة بإجراءات عديدة تدخل في إطار تطبيق إستراتيجية تدبير الشأن الديني المعلن عنها في خطاب 30 ابريل 2004.
فبالإضافة إلى الأنشطة التي اعتادت المجالس العلمية تنظيمها، قامت هذه الأخيرة في سنة 2005 بأنشطة جديدة تدخل في إطار بث خصوصيات المغرب العقدية والمذهبية والدفاع عنها.
ففي مدينة مراكش استمر المجلس العلمي الجهوي بالإشراف على المدارس القرآنية التي فتحت في المقرات التي كانت تتواجد بها دور القرآن التابعة للجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة ذات التوجه السلفي والتي استولت عليها الوزارة وأصبحت تابعة لها
كما استمر ذات المجلس، وبتكليف من الوزارة، في الاعتناء بفئة من خريجي التعليم التقليدي بحيث خصص لهم تكوين دام سنتين يؤهلهم لممارسة مهنتي الخطابة والإمامة بالموازات مع التكوين الحرفي
وفيما يخص دور العبادة، تم إضفاء المرونة على مسطرة ضم المساجد للتمكن من ضم تلك التي يسجل فيها نشاط كبير "للجمعيات المتطرفة"، على هذا الأساس قامت نظارات الأوقاف التابعة للوزارة بم ضم العديد منها بغض النظر عن توفرها على ممتلكات محبسة لصالحها، وهو الشرط الذي كان يمنع الوزارة من تلبية لطلبات الضم بالنسبة لعديد المساجد التي لا تتوفر على مداخيل مالية، وللإشارة فإن عديد طلبات الضم التي تم قبولها كانت موجهة من طرف السلطات المحلية وليس بمبادرة من الأوقاف أو الخواص. مما يبين الهاجس الأمني الذي تحكم في عملية تأميم المساجد.
وفيما يلي عرض لباقي المميزات التي طبعت الأنشطة التي قامت بها المجالس العلمية المنتشرة عبر التراب الوطني:
- الاستناد على مراجع الأعلام المغاربة في عمليات الوعظ والإرشاد.
- تخصيص مجموعة من المحاضرات والندوات والموائد المستديرة التي تلقى بمقر المجالس أو بالاشتراك للتعريف بالخصوصيات العقدية والمذهبية للمغرب.
- تخصيص رقم هاتفي على مستوى كل مجلس علمي يوضع رهن إشارة المواطنين المستفتين يوميا باستثناء السبت والأحد.
- إشراف المجالس على الحفلات الدينية التي أصبحت تقام بالأضرحة والزوايا إضافة على المساجد في محاولة لبعث الروح في محلات العبادة التقليدية.
ومن خلال التفاعلات التي شهدتها بعض الجهات، تبين أنه وبالرغم مختلف الإجراءات التي اتبعت لمراقبة الحقل الديني وضبطه، فقد تمكنت العديد من الحركات الدينية ذات المذهبية المختلفة علن التوجهات الرسمية، من البروز من جديد، ومن أبرزها الحركات السلفية التي تعمل تحت ستار التنظيمات الجمعوية الدينية، فقد تمكنت هذه الأخيرة من إعادة بناء شرعيتها داخل المجال الديني. فبعد توقيفها في عام 2004، ظل زعيم جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة (محمد المغراوي) يطرق أبواب السلطة، إلى أن تمكن من الحصول رخصة ضمنية لممارسة العمل الدعوي من خلال سماحها له بفتح مقر جديد للجمعية وبشروط جديدة، علما أن التوقيف لم يكن له اثر على حضور هذا التيار السلفي التقليدي في المجال الديني-الاجتماعي، فقد تمكن هذا الأخير عبر 30 سنة من العمل الدعوي من في توسيع حركة التدين بين قطاعات واسعة من السكان وخصوصا الشباب منهم، وطرح نفسه كوسيط لا مناص عنه بين السلطات العمومية والمجموعات الاجتماعية المهمشة. ومن خلال هذا الدور، استطاعت هذا التيار من طرح نفسه كمؤسسات دينية تستوعب هذه الطاقات الدينية وتوجهها في اتجاه مسالم للسلطة، من خلال لامتصاص حركة التدين التي كان يمكن أن تستفيد منها الحركات الإسلامية المعارضة، ويدل هذا الوضع أن هام جزء من السلطة لا يزال يرى في التزمت الشعائري أو الطقوسي، الذي يتلخص في تطبيق تعليم الدين بحرفيتها وتكريس الذات للعبادة، احتياطا كبيرا من الطاقات والحماسة التفاني التام الذي يمكن أن تواجه به الدولة خصومها الدينيين، وذلك ما ضمن للفاعلين السلفيين وحضورا عند السلطة، رغم كل ما قيل ويقال عن محاربة السياسة الدينية الرسمية "للخوارج عن مذهبية البلاد" .
يوضح ذلك، درجة التفاوت الموجودة بين الخطاب الرسمي الذي شدد على ضرورة محاربة "الخوارج" عن مذهب البلاد، والممارسة السياسية التي يحكها التوافق مع ما يوجد على الساحة المغربية من اتجاهات دينية متنوعة، ولعل طفور التيارات السلفية التقليدية من جديد هو السبب الدفع رابطة علماء المغرب بعقد مناظرة وطنية لتفعيل الإصلاحات التي أمر بها الملك حتى تخرج إلى حيز الوجود، والحيلولة دون ترك الحبل على الغارب .
نستنتج من ذلك، أنه رغم وضوح الأسس التي بنيت عليها السياسة الدينية الجديدة فإنها تحتوي، كما هو شان كل سياسة، على جوانب غير مصرح بها ، وأحيانا مصرح بها بلغة دبلوماسية قد تخفي أكثر مما تظهر، فمما أظهره تطبيق الإستراتيجية تدبير الحقل الديني أننا لا نعرف بوضوح من المكلف بتطبيق الإصلاح في المجال الديني، فكما هو معروف يتم تقديم وزارة الأوقاف باعتبارها الجهة التي تتولى صياغة السياسة الدينية وتطبيقها، في حين الوزارة المذكورة ليست في الحقيقة سوى مؤسسة من بين مؤسسات أخرى تشرف على ترجمة السياسة الدينية أو جزء منها، ومن خلال الإجراءات التي واكبت جدت 16 ماي، اتضح جليا أن السياسة الجديدة لتدبير الشأن الديني تركت هامشا كبيرا لتدخل وزارة الداخلية والأجهزة المخابراتية بمختلف أدرعها لضبط الحقل الديني وإحصاء أنفاسه، لتحقيق أهداف غير معبر عنها في الخطاب الرسمي، ولذلك نفهم لماذا ضل تدبير ملف الحركات السلفية حكرا على هذه الأجهزة دون تدخل من وزارة الأوقاف التي ترجع إليها تدبير ملف الجمعيات الدينية من حيث المبدأ خصوصا تلك التي يعتبر التعليم الديني أبرز أنشطتها.
في نفس الاتجاه ، وبالرغم من أن السياسة الدينية ربطت العضوية في المجلس العلمي الأعلى والجالس العلمية المحلية بشرط الإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها، لكنه في سنة 2005 برزت، في الصحافة الوطنية وعلى هامش الانشطة التي ذات الطابع الديني التي رعتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، اتجاهات تعيد تفسير هذه الثوابت في اتجاه الإقرار بها، لكن بدون أن تتنازل عن انتمائها المذهبي والعقدي الخاص بها، مستغلة بذلك الدرجة العالية من العمومية التي يكتسيها الحديث عن الثوابت الدينية في التوجهات الرسمية ،فإذا اعتبرنا مثلا العقيدة الأشعرية ثابتا، فإن هؤلاء يحيلون على عقيدة الأشعري السلفية التي أظهرها في كتابه الإبانة، وبالتالي، فالإحالة على عقيدة الأشعري لا تنهض معيارا للتمييز بين العلماء من حيث إخلاصهم لثوابت الأمة. في حين يدفع البعض بان الاشعرية لا تمثل في الواقع سوى عقيدة النخبة الدينية ولا تترجم يسود في المجتمع المغربي من عقائد مختلفة ومتباينة متنوعة.
الاستنتاج ذاته يصدق على ثابت المذهب المالكي، الذي تتنازعه العديد من الاتجاهات ليصبح معبرا عن توجهاها العقدية والمذهبية الخاصة، فمن ناحية، لا يبدي هؤلاء أي حساسية من قبول المقولات الفقهية لمالك، لأنها تعتبر في رأيهم اجتهادات، و الأصل في الاجتهاد احتمال الخطأ والصواب. بل يحيل هؤلاء إلى الجوانب العقدية وليس الفقهية عند الإمام التي تعتبر سلفية التوجه، مما يخول لهم اتهام السياسية الدينية بعدم الوفاء لهذه المذهبية . والاستمرار في خدمة اتجاهتهم العقدية والمذهبية من داخل المؤسسات الرسمية ممثلة في المجالس العلمية الجهوية والمحلية .
إن هذه التحفظات تجاه تعامل الدولة مع المذهب المالكي هو الذي دفع العديد من العلماء المغاربة للارتباط بجهات إسلامية خليجية ( دولا كانت او مراكز بحوث تابعة لها) أبدت رغبة جادة في تجديد المذهب المالكي باخراجه للناس مخدوما بالدليل لفروعه خصوصا كتب الفقه المالكي الصادرة في العصور المتاخرة والتي نحت منحى التجريد البعيد عن الدليل .
ودائما في ارتباط بالاتجاهات السلفية، حضيت الاضطرابات التي خاضها معتقلو ما سمى "بالسلفية الجهادية" والبيانات التي أصدروها باهتمام بالغ، إذ قامت هذه الصحف بتتبع المفاوضات التي أجروها المعتقلون مع السلطات العمومية ممثلة في مستشاري وزير العدل، وقامت بنشر بياناتهم الصادرة من داخل السجن وأهمها البيان الصادر بمناسبة حرمانهم من العفو الملكي الذي صدر بمناسبة الذكرى الخمسينية للاستقلال، والذي حمل المسؤولية لمن يسمونهم " أصحاب المقاربة الأمنية"، بحيث اعتبروا أن عملية حرمانهم من عفو خص به ملك البلاد 10 آلاف سجين لم تكن عفوية، وإنما وفق خطة مدروسة .
لقد بينت تجربة الاعتقال التحولات التي عرفه هذا التيار ، فقبل اعتقال أعضائه عقب أحداث 16 ماي، كان لا يتوفر على وحدة في المنهج والتصور، وفي فترة الاعتقال، بدأ هذا التصور في التبلور ليعبر لأول مرة عن موقف سياسي واضح في آخر بيان لنشطائه، حيث قالوا إنهم يستلهمون " الأمل من الله تبارك وتعالى ثم من قناعة ملك البلاد التي لا شك أنها أصبحت راسخة بمظلوميتنا، والضرر الذي لحقنا ولحق عائلاتنا..."
كان من نتائج هذا الحراك، إمكانية وضع تصنيف جديد للمجموعات التي تكون التيار السلفي الجهادي إذ يمكن التمييز بين المجموعة التي اقتنعت بالأفكار الجديدة للشيوخ الأربعة (محمد الفيزازي، أبو حفص، الكتاني، الحدوشي)،وتدعوا إلى نبد العنف والدخول في مفاوضات جادة مع السلطات. ثم مجموعة يتزعمها زكرياء الميلودي وتضم 14 فردا اعتقلوا على خلفية الإجرام العادي، وأخرى أصغر منها تتحدد في أربعة أشخاص بزعامة الميموني الذي بدا أكثر تشددا في تصريحاته ومواقفه.
التفاعلات داخل الحركات الإسلامية:
طيلة سنة 2005، ظلت قضايا الإسلاميين تحتل صدارة الاهتمام في جرائد المغرب اليومية والأسبوعية إذ لم يخل لا المعربة منها أو المكتوبة بالفرنسية من مقال أو تعليق أو تحقيق أو صورة تشير على مواقفهم مما يتفاعل داخل الحقل الديني والسياسي المغربي.
فقد تميزت سنة 2005 بحدثين كانت جماعة العدل والإحسان المعارضة من ورائهما، يتمثل الأول في الرؤيا التي بشر بها عبد السلام ياسين ابتاع الحركة بحدث سيطبع عام 2006 وسيكون له اثر جيد على الجماعة بأكملها. لقد أوضح هذا الحدث التضخم المتزايد التي تحتلها الرؤيا في بعث نوع من الديناميكية داخل الجماعة بغض النظر عن تحقق موضوع الرؤيا من عدمه، ذلك أن للجماعة قدرة كبيرة علة التأويل والاستدراك وإعادة التفسير مما يجعلها قادرة على عدم رهن مستقبلها بحدث 2006 المتوقع . ولقد أصبحت الرؤيا شأنا عاما بعد أن تداولتها العديد من والمواقع الإلكترونية ووسائل العلام المكتوبة وأقلام العديد من الخبراء في الحركات الإسلامية المغربية.
أثار هذا الحدث حفيظة حركة التوحيد والإصلاح، بحيث صادق مكتبها التنفيذي على قرار نشر رسالة النصح التي سبق أن وجهها أعضاء مجلس إرشاد الجمعية إلى جماعة العدل والإحسان حول موضوع الرؤى ، وتكمن أهمية رد الفعل إلى كون رسالة النصح المذكورة لم تصدر عن ما تعتبرهم العدل والإحسان خصومها، بل عن حركة إسلامية تقاسمها الكثير من التوجهات والأفكار، َإضافة إلى أنها كانت كونها رسالة علنية بعد أن ظلت طوال 20 يوما شأنا خاصا بقيادتي الجماعتين .
تمثل الحدث الثاني في التصريحات التي أدلت بها نادية ياسين لفائدة أسبوعية الجريدة الأخرى حول الملكية ومستقبلها وكررت فيها ما صدر عنها أثناء الزيارة التي قامت بها لجامعة بيركلي بالولايات المتحدة الأمريكية بحث قالت معلقة على نلك التصريحات "لقد قلت فعلا بالجمهورية، لكن في سياق آخر، حينما التقيت مع أحد الباحثين في الجامعة المذكورة، وهي قناعة شخصية لا تلزمني إلا أنا، وأتكلم بصفتي مثقفة أحلل حيثية معينة، غير أنه حينما نقول بأن الملكية لا تناسبنا فإن هذا يفرض الإتيان ببديل، ما حدث هو أنني وضعت في موقع الاختيار بين الملكية أو الجمهوري" وحين سئلت عن الجهورية زادت بالقول" بالطبع اختار الجمهورية، وهذا رأي أكاديمي، ذلك أنه في الاختيار بين الأثوقراطية أو الجمهورية فإنني أختار هذه الأخيرة، وهذا ما قلته في إطار جامعي ولا يلزمني إلا أنا، فلست ناطقة رسمية للجماعة، بل لدي قناعاتي أعبر عنها بصراحة، وأنا لم أقل بذلك في أمريكا وكأنني أحتمي بالخارج لأعبر عن رأيي، بل كان الأمر في السياق الأكاديمي الذي ذكرته، وما نشر في الموضوع ليس نوعا من البريكولاج الخبري، مع أنني قلت نفس الرأي منذ سنوات في الصحافة الوطنية"
لقد اعتبرت هذه التصريحات جرأة زائدة عن قدرة النظام على التحمل، خصوصا وأنها تأتي من جماعة لا تنافسه حول كيفية تدبير الشأن العام وما يرتبط به من قضايا سياسية، وإنما في شرعية الأسس الدينية التي يقيم عليها النظام شرعيته، ذلك أن فالعدل والإحسان تطرح نفها وبشكل متزايد كبديل لقيادة المشروع الإسلامي وفق تصورات أطنب مرشدها العام في شرحها وتبيان معالمها، وهو ما قلص من قدرة النظام على التحمل ليدفع في اتجاه محاكمة نادية ياسين المس ب" المؤسسات المقدسة للأمة" قبل أن تدفع وزارة الخارجية الأمريكية نحو طي الملف والحد من الضجة والآثار التي خلفتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صدقووا---
السيدة الحرة ( 2009 / 10 / 19 - 01:57 )
نعم, الدين في خدمة السياسة لهدا هناك سياسة دينية
ابنة الشيخ ع ياسين زعيم العدل والاحسان الاسلامية في ضيافة راعية الارهاب العالمي ,
اسامة بن لادن واستاده عبد الله عزام هما ايضا كانا في ضيافة ماما امريكا
الدين افيون الشعوب والعلمانية هي الحل....

اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء