الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة تحليلية للنظام الامريكي من الداخل

نجم الدليمي

2009 / 11 / 23
العولمة وتطورات العالم المعاصر


نظرة تحليلية للنظام الاميركي من الداخل
ترجمة وإعداد
د. يوسف سلمان
د. نجم الدليمي
مقدمة :
نشرت جريدة (روسيا السوفيتية )في عدديها الصادرين بتاريخ 14و16/8/1997 دراسة البروفيسور (اوليغ أورين) الذي عمل فترة من الزمن في جامعة فانكوفر الكندية ونظرا لما تتضمنه هذه الدراسة المستفيضة المتعددة الجوانب التي تسلط الضوء فيها على جوانب المجتمع الأميركي المتعددة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها ولما تحتويه من وجهات نظر وتحليلات مفيدة فقد رأينا أن ننقلها إلى القارئ العربي لعلنا نكون بذلك قد قدمنا بعض الفائدة .

ما هي التحديات التي تواجه الرأسمالية المعاصرة في الولايات المتحدة الأميركية ؟ لنبدأ من أكثر التحديات خطورة وحدة ونعني بذلك مشكلة الديون .

اولاً: مشكلة الديون

بادئ ذي بدء لابد ان نستند في هذا الصدد على وثائق اعدها اشهر خبيرين اقتصاديين من مستطلعي الاراء وطارحي التنبؤات في الولايات المتحدة الاميركية هما (جيمس دافيدسون ) رئيس تحرير النشرة الاقتصادية الدورية (التوظيف الاستراتيجي) و (دوغلاس كيزي) رئيس تحرير مجلة (ازمة التوظيفات ) وقد اشتهر هذان الخبيران الاقتصاديان بتحليلاتهما وتنبؤاتهما لافاق التطور الاقتصادي في الولايات المتحدة الاميركية وكندا وحسب ما يورده دافيدسون (فانه لاينبغي ان تكون محافظا او ليبراليا حتى ولا مولعا بالسياسة كي تدرك ان امريكا الشمالية يتهددها خطرا مميت ومن اجل ان نثبت صحة هذا الاستنتاج الخطير كما يقول المحللان الاقتصاديان لابد من تناول الديون المترتبة على كل من امريكا وكندا بالدراسة والتحليل وهاكم الصورة على حقيقتها :
في عام 1994 قدر الدين الفدرالي الرسمي للولايات المتحدة الاميركية (4,6)تريلون دولار اميركي وهذا الرقم بحد ذاته يعادل قرابة 70%من الناتج الاجمالي المحلي للولايات المتحدة الاميركية الامر الذي يثير الذعر والهلع في اوساط السياسين ورجال الاعمال الاميركيين لذا فان اوسع حرب تدور رحاها الآن بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الاميركي على كل نسبة مئوية من الميزانية الحكومية ويعتبر تحليل البرامج المختلفة والمتنوعة المتعلقة بتقليص العجز في الميزانية الهدف الرئيس لكل اجهزة الاعلام الاميركية واذا ما اتم اقرار برنامج الجمهوريين فان العجز الحكومي في الميزانية سيحقق كما هو مفترض التوازن مع نهاية عام 2000 لكن حتى في هذه الحالة فان الدين الفدرالي للعام سيصل عندئذ الى 6 تريلون دولار اميركي مع بداية القرن المقبل.
ومما يزيد الامر خطورة هو ان هذا الرقم لايمثل الا الجزء الظاهر فقط من الجبل الجليدي العائم أي من الديون اذ توجد ديون تسمى Of the book أي تلك التي ليس لها تغطية من جانب مصادر التمويل وحسب معطيات الاتحاد القومي لدافعي الضرائب في الولايات المتحدة الاميركية فان الدين الاجمالي يصل اذا اخذنا بعين الاعتبار الديون غير المغطاة الى 17 ترليون دولار اميركي أي ما يعادل ضعف الناتج القومي الاجمالي الداخلي للولايات المتحدة الاميركية وهذا يعني ان كل مواطن اميركي مدين لخزينة الدولة ب 145 الف دولار تقف الولايات المتحدة الاميركية وكندا كما يفترض الخبراء على حافة انهيار اقتصادي لان هاتين الدولتين قد انفقتا واستدانتا ورتبتا على نفسيهما ديونا بحجم وصل الى درجة يستحيل فيها تسديد هذه الديون المتراكمة وبما ان هذه الارقام تتجاوز كبيرا متوسط دخل المواطن الاميركي والكندي فان هذا يعني استحالة تسديد هذه الديون لهذا السبب (فان الولايات المتحدة الاميركية وكندا حسب رأي بعض الخبراء لاتسيران نحو الافلاس ) مادامتا غير عازمتين على تسديد هذه الديون لكن حقيقة الامر تقول عكس ذلك تماما فامريكا وكندا بلدان مفلسان لكن دون ان يتم التصريح عن ذلك .
ولمزيد من الاطلاع على جوهر المعضلة الاقتصادية الاجتماعية التي تواجة امريكا وكندا فاننا نورد المعلومات التالية :
جوهر المشكلة يكمن في ان (الفوائد المركبة لا الدين بحد ذاته هي التي تدمر الاقتصاد الاميركي وتفيد المعطيات المتوفرة بان هذه الفوائد المركبة تنمو بمعدل 8% سنويا بينما لاتتجاوز نسبة النمو الاقتصادي من 2-3% سنويا الامر الذي ينجم عنه ان تسديد هذه الفوائد يستهلك من الدين الفيدرالي العام في كندا على سبيل المثال نسبة 35% من دخل البلد وستصبح بعد سنوات نسبة تسديد الفوائد الى الديون بمعدل 100% من مجموع العائدات الضريبية لكندا برمتها لكن بما ان العجز في تزايد مستمر ولانه لامناص من تسديد ولو جزء يسير من مستحقات الديون فان الدخل العائد من الواردات الضريبية برمته لن يكون قادرا على تسديد الفوائد المستحقة .
من اين يمكن تحصيل النقود لتغطية الديون ؟
كانت تتم الاستعانة باليابان في اغلب الحالات بيد ان هذا البلد لم يعد قادرا على تقديم قروض جديدة لان 21بنكا من اكبر البنوك المالية اليابانية تعاني من مشكلة القروض التي يصعب استردادها والتي تقدر قيمتها باكثر من 200 مليار دولار اميركي وحسب تقديرات خبراء اخرين فقد وصل حجم القروض التي يصعب استرداها الى 600 مليار دولار اميركي وهناك تقديرا اخر يؤكد على 700 مليار دولار اميركي وبكلمات اخرى فان هناك خطرا يتهدد اليابان الان يتمثل في ان ثلاثة ارباع القروض صعبة التحصيل لن ترد الى اليابان وهي ما يمكن تسمية بالديون المعدومة .
بيد انه بصرف النظر عن الديون المستحقة على الولايات المتحدة وكندا فان الوضع على المستوى الماكرواقتصادي يبدو ليس سيئا تماما ففي عام 1995 تطور الناتج القومي الاجمالي في الولايات المتحدة الاميركية وكندا بنسبة 3,3% و2% على التوالي بيد ان الخبراء يعتقدون انه يتم التغافل عن مسالة مهمة جدا وهي مسالة عدم توفر الاموال فهم يذكرون ببعض القانونيات الاساسية التي توصل اليها ميلتون فريدمان والتي استحقا عليها في حينة جائزة نوبل فعندما يزداد عرض النقود ( أي حجم الكتلة النقدية) فان البورصة والاقتصاد يعملان دائما وتقريبا بصورة جيدة لكن عندما يزداد عرض النقود وبسرعة فائقة فان هذا الازدياد يصبح سببا للتضخم وعندما ينخفض عرض النقود(أي حجم الكتلة النقدية) بشدة يبدا الركود الاقتصادي الذي يمكن ان يتحول الى كساد وهذا الوضع بالذات هو ما يعاني منه الاقتصاد الغربي منذ نهائية الثمانينات اما الخبير المالي المعروف جيمس غولد سميث فقد عبر عن الخطورة الاوضاع الماثلة في اوروبا بقوله تتوفر الان في اوروبا جملة من العوامل الخطيرة التي ينذر بحدوث انفجار وتحول اجتماعي عميق وحالة من عدم الاستقرار السياسي على المستوى العالم باسره وستصل الامور حسب رايه الى درجة من الخطورة (تبدو معها ثورة اكتوبر البلشفية في عام 1917 اقل اهمية بالقياس لما يمكن ان تسفر عنه هذه التحولات من نتائج ).

ثانيا : البطالة

تكتسب البطالة اهمية فائقة بالنسبة لتحليل الاوضاع السائدة الآن في العالم الرأسمالي ويشير جيمس غولد سميث الى ان نسبة البطالة في غرب اوروبا تصل الى 20% من بينهم 35مليون عاطل عن العمل يتلقون مساعدات بسبب ظروف البطالة وتشير معطيات اخرى الى ان مستوى البطالة في اوروبا قد بلغ عام 1995 نسبة 11% من مجموع العاملين علما انه يتفاوت من بلد الاخر ففي انكلترا مثلا نراه يصل الى 7,6% وفي المانيا الى 13%وفي ايطاليا وفرنسا 12% وفي اسبانيا اكثر من 20% وتشير منظمة العمل الدولية الى ان نسبة البطالة في العالم تصل الى اكثر من 30% من قوة العمل الدولية أي قرابة 820 مليون عاطل عن العمل وهو اعلى رقم وصلت اليه لبطالة منذ الازمة الاقتصادية الكبرى في الثلاثينات اما في امريكا فتشير المعطيات الاحصائية الى ان نسبة البطالة فيها هي في مستويات ادنى ففي عام 1990 كانت 5,5%وفي عام 1994 وصلت الى 6,1% وفي عام 1995 بلغت 5,2% والخبراء الاميركيون يعتقدون ان هذه النسبة لاتعكس حقيقة الواقع وحتى لو سلمنا بصحة هذه المعطيات فان هذه النسبة ستزداد بسرعة فائقة بعد انقضاء بضع سنوات نظرا للتحول الذي سيرافق عملية انتقال المجتمع وتحوله الى مجتمع العلم ولابد ان نشير في هذا الصدد الى ان عملية الانتقال النوعية هذه التي يطلق عليها تسمية (التدمير الابداعي) ستؤدي الى نتائج كارثية حيث ستصبح بمقتضاها نسبة 80% من مواطني امريكا خارج اطار النشاط الاقتصادي زد على ذلك ان هذه النسبة لن تكون مقتصرة على قطاع الصناعة فحسب بل وعلى قطاع الخدمات ايضا .
اجرى رجل الاعمال الاميركي انطوني هاريفان تحليلا استقصى فيه اسباب البطالة في امريكا وتاثيره على اقتصاد البلاد فتوصل لعاملين اثنين هما التنظيم العلمي للانتاج أي الاتمتة وتقليص عدد العاملين ويرى ان العامل الاول مرتبط بتطور المجتمع ما بعد الصناعي" نتيجة تعميم الكومبيوتر والتقنية عالية التطور" اما العامل الثاني فمرتبط بنقل الاستثمارات الى البلدان ذات اليد العاملة الرخيصة من مثل (تايلاند واندونيسيا وباكستان ) وغيرها اما فيما يتعلق بالمشكلة الاخيرة فتفيد معطيات الخبراء بان ثمن قوة العمل في الساعة الواحدة في المانيا تصل الى 25دولارا وفي امريكا 16 دولارا وفي كوريا الجنوبية 15دولارا وفي المكسيك 2,4 دولارا وفي بولونيا 1,4دولارا وفي الصين والهند الى حوالي 50سنتا وفي روسيا الى اقل من 50 سنتا وهكذا يصبح واضحا لدينا الان سبب شغف البزنس العالمي واهتماماته بالسوق الصينية ويضيف هاريفان قائلا ان النتائج الاخرى المترتبة على تصدير الاستثمارات الى بلدان العالم الثالث تتسم بالخطورة (فالنتائج لاتقتصر على فقدان الكثير من فرص العمل فحسب بل تنعكس ايضا بصورة غاية في الخطورة تؤدي الى تدمير المنشأت الصناعية والزراعية المحلية الصغيرة الى القضاء على نشاط رجال الاعمال الصغار (البزنس الصغير ) والى ربط اقتصاديات هذه البلدان بالعامل الخارجي وبمناورات البورصة في الاسواق العالمية الامر الذي ينجم عنه فقدان السيادة والاستقلال في هذه البلدان .
هناك حقيقة لابد من ابرازها نظرا لما تتسم به من اهمية فائقة وهي العلاقة الوثيقة القائمة بين مستوى البطالة ومعدل النمو الاقتصادي وهو الامر الذي ركز اهتماماته عليه كثيرا بول كروغمان الاستاذ في جامعة ستانفورد فمن خلال تحليله للفترة الممتدة من 1975 الى عام1994 توصل الى استنتاج يقول ان من مصلحة رجال الاعمال ان يعملوا على تقليص حجم البطالة لكن هذا الامر يستحيل تحقيقة عمليا في ظل الرأسمالية فعميلة الانتقال الى ما يسمى بـ (مجتمع العلم والاتمتة ) وما تفرضه بالضرورة من استبعاد الاغلبية العظمى من العاملين في المؤسسات الصناعية والخدمية بسبب استخدام وتعميم الكومبيوتر على نطاق واسع واستخدام احدث منجزات العلم والتقنية الحديثة يجعل من المستحيل حل معضلة البطالة في النظام الرأسمالي الحديث.

ثالثا : الاغنياء والفقراء

هناك اسطورة تتعلق بالرأسمالية وخاصة الاميركية لاقت رواجها في روسيا خلال فترة من الزمن مفادها ان الطبقة الوسطى ستزدهر وكذلك بعض الشرائح الدنيا من المجتمع بيد ان الرأسماليين انفسهم وعلى الاقل القسم الواعي منهم لايتفقون مع هذا الرأي بتاتا وحتى الملياردير (جورج سورس) نفسه يعترف في كتابه الذي نشره منذ امد غير بعيد تحت عنوان (الخطر الرأسمالي) قائلا تمثل ايديولوجية السوق خطرا يتهدد المجتمع المفتوح والديمقراطي لان السوق يصبح مقياسا ومعيارا لكل شيء وبالتالي فان المصالح الخاصة تسود وتحقق الغلبة على الرخاء الاجتماعي والمصلحة الاجتماعية ومن المثير للفضول والاهتمام ان الرأسماليين انفسهم صاروا يؤكدون ويكررون تقريبا اراء ماركس التي طرحها من مائة عام عن حتمية انقسام المجتمع الى اغنياء وفقراء .
وفي التقرير الذي اعدته اللجنة الدولية لادارة الاعمال التي ضمت 28خبيرا يبدو القلق واضحا عندما تقول (ان الاقتصاد العالمي في خطر نتيجة ازدياد الهوة بين الاغنياء والفقراء) وحسب معطيات البنك الدولي فان هونغ كونغ التي يبلغ متوسط الدخل فيها عام 1995 اعلى معدل له (23)الف دولار للفرد الواحد يظهر فيها في المقابل بوضوح التناقض الصارخ بين الشرائح الغنية من جهة والطبقات الفقيرة من جهة اخرى وفي احد التقارير لهذا البنك يرد ما يلي:
اثبتت الاستقصاءات على مدى ثلاثين عاما ان المستوى المعاشي ل1,5 مليار انسان ما يشكل ربع سكان الكرة الارضية لم يحقق أي نمو اطلاقا لا بل انه انخفض الى مستوى بداية هذه الفترة موضع الدراسة وهذا لا يتعلق بالاقتصاديات (الديناميكية ) لبلدان شرق اسيا فقط بل يتعدى الامر ذلك حسب بول كروغمان ليطال الولايات المتحدة الاميركية حيث يستأثر 20% من الاثرياء فيها باكثر من نصف الدخل(51%من الدخل العام)فيما يحصل 20%من الفقراء على نسبة 0,9% فقط من الدخل أي اقل من 1% وهو اسوا بكثير مما هو عليه الحال في هونغ كونغ وتفيد المعطيات الرسمية ان 33,6 مليون انسان في الولايات المتحدة كانوا يعيشون تحت خط الفقر في عام 1990 (أي مايعادل نسبة 13,5%من السكان) وفي عام 1993 وصل هذا الرقم الى 39,3 مليون انسان (أي ما يعادل نسبة 15%من السكان ) بيد ان الاحصاءات صمتت في السنوات اللاحقة بسبب لابد انه مفهوم من قبل القارئ.

رابعا : الجريمة

صرح زعيم الجمهوريين في الكونغرس الاميركي نيوت غينغريتش في احدى خطبه بمايلي:-
(ان البلد الذي يلد فيه اطفال من هم في سن الثانية عشرة والبلد الذي يقتل فيه بعضهم بعضا من هم في سن الخامسة عشرة والبلد الذي يصاب فيه بمرض الايدز (فقدان المناعة ) من لم يتجاوز السابعة عشرة والبلد الذي يضم اناسا بلغوا الثامنة عشرة دون ان يتعلموا القراءة والكتابة ان بلدا كهذا لايحق له ان يقود احدا ) وهذا القول ليس فيه أي مبالغة اطلاقا لنعد الى الاحصاءات نشرت مجلة (التايم ) احصاءات على غاية في الاهمية كل 16 ثانية تحدث في امريكا جريمة مترافقة بالعنف وكل 3 ثوان تتم عملية سرقة ممتلكات وكل 48 ثانية تتم عملية سطو وكل 4 ثوان تحدث سرقة وكل 11 ثانية تتم عملية سرقة مصحوبة بالعنف وكل 20 ثانية تحدث سرقة سيارة وكل 5 دقائق تحدث عملية اغتصاب وكل 20 دقيقة تحدث عملية قتل .
من بين المشكلات العديدة التي يعاني منها المجتمع الاميركي تبرز الجريمة لتحتل المرتبة الثانية او الاولى وهو امر يعود لاسباب جدية كامنة في الواقع الاجتماعي وها نحن نورد بعض الاحصاءات الرسمية التي تعود لعام 1995 لكنها نشرت في تشرين اول 1996 في عام 1995 بلغ مجموع الجرائم في الولايات المتحدة 13,9 مليون جريمة أي ما يعادل 5278 جريمة لكل مائة الف من السكان وهذه النسبة اقل بـ 1% من عام 1994 لكنها اعلى نسبة 5%عن معدل 1986 اما الجرائم المترافقة بالعنف (كالقتل والاغتصاب والسطو المصحوب بالعنف ) فقد بغلت 1,8مليون جريمة (وهو معدل يزيد على معدل1986 بنسبة 21%) وخلال عام 1995 سرقت ممتلكات تقدر قيمتها بـ15,6 مليار دولار اما جرائم القتل فقد بلغت 21597 جريمة (أي بمعدل 8 جرائم قتل لكل مئة الف من السكان ) اما جرائم الاغتصاب فبلغت 97464 جريمة (أي بمعدل 72 جريمة اغتصاب لكل مئة الف امراة ) فيما بلغت عمليات النهب 580545 عملية (أي بمعدل 221 عملية لكل مئة الف من السكان ) اما عمليات السرقة المصحوبة بالعنف فبلغت 2,6 مليون جريمة (أي بمعدل 988 جريمة لكل مئة الف من السكان ) فيما بلغت عمليات السرقة العادية 8 ملايين عملية منها 1,5 مليون عملية سرقة سيارات .
لقد تم اعتقال 15,1مليون انسان دون ان يدخل هذا العدد الحوادث والعمليات التي جرت على الطرقات والتي تعود نسبة 44% منها لمن هم دون سن الخامسة والعشرين بينهم 80% رجال و67%منهم من البيض واستكمالا للمعلومات لابد ان نذكر انه قد تم تجنيد 586756 شرطيا و226780مستخدما مدنيا لتدعيم النظام الاجتماعي العام وقد ازداد عدد المعتقلين من 200 الف انسان عام 1970 الى 1,1مليون انسان في عام 1995 فهل يمكن والحال هذه ان تتفق المعطيات والاحصاءات الرسمية مع الاسطورة التي تتحدث عن ثقافة الاميركان وتدينهم ؟

خامسا : التعليم والدين

يتميز نظام التعليم الثانوي في امريكا الشمالية بشدة عن غيره من انظمة التعليم الاخرى وبما ان وعي الامة يتكون بصورة رئيسة على مقاعد الدراسة فقد كان طبيعيا والحالة هذه الوقوف على طبيعة الكتب المدرسية المقررة في امريكا الشمالية التي يدرسها الاطفال منذ سنين الدراسة الاولى .
لكل مدرسة برنامجها الخاص بها حيث يتحدد تبعا لميول التلاميذ وامكاناتهم فهو يتسم بالخصوصية والفردية وللوهلة الاولى تبدو هذه الظاهرة صحية تماما لكنه اتضح لاحقا ان هذه البرامج الخاصة مقتصرة فقط على اولئك التلاميذ الذين يتمكنوا من استيعاب البرنامج العام أي على التلاميذ المتخلفين كما اتضح ايضا غياب الحكايات والقصص المعممة على اطفال امريكا وكندا في سن ما قبل المدرسة فالامر هنا يمكن اخذه من جهة على محمل ايجابي لانه يفسح المجال لتفتح الشخصية الفردية نموها وابراز ظاهرة التنوع لكنه من جهة اخرى يفتقد كليا لذلك الاساس التوحيدي الذي يضطلع فيه الادب وهذا ما يمثل بحد ذاته مشكلة حقيقة يعترف بها رجال الثقافة والتربية الذين يبذلون جهدا حثيثا لتعميم كتب مدرسية على مستوى البلاد باسرها لكن النجاح لم يحالفهم بعد وهذا ما سنتأكد منه عندما نطلع على النتائج لاحقا .
بداية اجد نفسي مدفوعا لان اعرض تجربتي في مجال التدريس في جامعة كولومبيا البريطانية بفيانكوفر حيث زاولت مهنة التدريس هناك فترة من الزمن كنت القي محاضرات تتعلق ببلدان منطقة المحيط الهادي الاسيوية اما الطلبة الذين سجلوا لحضور هذه المحاضرات فقد جاؤوا من كليات انسانية مختلفة (التاريخ والاقتصاد وعلم السياسة ) ومن صفوف مختلفة تتراوح بين السنة الثالثة والخامسة واعتمدت على تجربتي الطويلة في مجال التدريس الجامعي في روسيا منطلقا من مستويات طلبتنا الروس في السنوات المماثلة لكنني اكتشفت اثناء سير المحاضرات ان اغلبية الطلبة (ماخلا استثناءات قليلة جدا ) لم تكن تملك ادنى تصور حتى ولو كان بسيطا عن الموضوع مثار البحث والمناقشة مما اضطرني لاقلص حجم المادة الى مستوى متدن جدا وكم راعني المستوى المتدني لفهم الطلبة واستيعابهم للمادة عندما طلبت منهم اعداد بعض اوراق العمل بمواضيع محاضراتنا ووجدت ان نصف الطلبة كحد ادني يستحقون علامة الرسوب لكني علمت ان نسبة الرسوب لاينبغي ان تكون متدنية جدا لان الجامعة تعتمد على الاموال التي يدفعها الطلبة مقابل دراستهم عندها ادركت بوضوح طبيعة النظام التعليمي مدفوع الاجر الذي يتحكم فيه الطلبة باختيار الاساتذه الذي يضمنون لهم النجاح بدرجة جيدة فتحصيل المعارف هو اخر ما يهتم به النظام التعليمي مدفوع الاجر وهذه سلبية قاتلة يعاني منها النظام التعليمي في امريكا .حيث النقود لاتحصيل المعارف هي التي تحدد السياسة التعليمية .
ان هذه السياسة التعليمية لابد ان تنعكس على مستوى اداء الاستاذة انفسهم وهذا ما تأكدت منه شخصيا عندما استمعت الى محاضرات عديدة لاساتذة اميركان وكنديين وعندما قمت بدوري بالقاء محاضرات عليهم في ندوات بحث وحلقات مناقشة فقدت بعدها كل احترام تجاه العديدين منهم فالاغلبية الساحقة منهم لاتعرف شيئا خارج موضوع الاختصاص الضيق فالمهمة الاساسية بالنسبة لهم تتلخص في اعطاء الطلبة معارف ومعلومات تطبيقية اما تعليم الطلبة طرائق التفكير والتأهيل فهذا اخر مايهتمون به وهذا ينعكس بالضرورة على المقدرة العلمية للاساتذة انفسهم .
ولكي تصبح الصورة اكثر وضوحا نأخذ حالة اخرى تتعلق باحدى اهم الجامعات الكندية وهي جامعة (يورسك) في تورنتو فقد اجرت الاستاذة جوان يورغيس التي تدرس في الجامعة المذكورة استقصاء في اوساط طلبة السنة الاولى في كليات انسانية الذين يفترض بهم انهم انهوا المرحلة الثانوية بدرجة امتياز فتبين لها من خلال الاستقصاء المذكور ان 95% ممن استطلعت ارائهم لم يستطيعوا ذكر اسماء اخر خمس رؤساء وزارة الى كندا و61% منهم لم يعرفوا اسم اول رئيس وزارة منهم ناطق بالانكليزية و83%منهم لم يعرفوا اسم اول رئيس وزارة منهم ناطق بالفرنسية وبالمناسبة فقد اجاب البعض ا ن اول رئيس وزارة ناطق بالانكليزية من بينهم هو ونستون تشرشل (تكتسي هذه الاسئلة اهمية فائقة بالنسبة للاغلبية ساحقة من الكنديين الناطقين بالانكليزية والفرنسية ومدى بقائهم في الحكم تلك هي الطبيعة الخاصة لكندا ). وتضيف الاستاذة يورغيس قائلة ان 55% من الطلبة لم يستطيعوا تذكر تاريخ نشوء كندا (1867م) و59% لم يستطيعوا ذكر اسم رسام كندي واحد و62% لم يستطيعوا تسمية كاتب كندي واحد و81% منهم لم يستطيعوا ذكر اسم مخرج كندي واحد .
تلك هي نتيجة السياسة التعليمية العامة التي تحول الشبيبة الى اناس عديمي الاهتمام بالثقافة العامة .
اعلن هيرش احد كبار المختصين بشؤون التعليم في اميركا عن دهشته وذهوله بالنتائج التي اسفرت عنها استطلاعاته عندما اتضح له ان متوسط القراءة والكتابة للأميركيين وفي مطلع القرن كان اعلى مما هو عليه الان وفي مطلع عام 1992 اعتبر رجل السياسة الياباني المشهور اسيو ساكوراوتي ان الاميركيين شعب امي تقريبا مما اثار سخطاً واستياءً شديدين في الولايات المتحدة الأميركية لكن حقيقة الامر تؤيد على وجه التقريب ما قاله السياسي الياباني فقد اشتكى احد رجال الادارة الأميركان من ان 95% ممن تخرجوا من الكليات الأميركية لا يستطيعون ان يكتبوا بصورة صحيحة نصاً باللغة الانكليزية وان نصفهم لايستطيع صياغة جملة بسيطة وذا ما يذكره بعهود الظلام في القرون الوسطى عندما اختفى التعليم والثقافة من اوروبا وهذا لايمثل أي نوع من المبالغة والتطرف فخبراء التعليم ما قبل الجامعي يسجلون الارقام التالية 25% من اصل خمسة ملايين تلميذ يتكلمون الانكليزية بصورة سيئة لدرجة انهم لايفهمون الموضوع الذي يشرح في الصف وتفيد المعطيات ذاتها ان 78% من تلاميذ ضاحية من ضواحي لوس انجلوس لاتوفر فهم الحدود الدنيا من المتطلبات التعليمية الاميركية ويورد البروفسور الكسندر بنيامين على سبيل المثال ان احد العمال قد انهى المدرسة العليا التأهيلية في واشنطن لكنه لا يستطيع القراءة بصورة مقبولة تتلائم ومستواه المهني .

سادساً: الثقافة

يمكن تحديد مستوى الثقافة وتطورها استناداً الى طبيعة المواضيع و المشكلات التي تناقشها المؤسسات الثقافية الاميركية وتبرز هذه المشكلات والمواضيع بصورة خاصة على شاشة التلفزيون الاميركي والكندي (اغلبية البرامج التلفزيونية في كندا هي امريكية ) .
يمكن تلخيص اهم المواضيع التي تتم مناقشتها بما يلي : البيئة ,الجنس,الجمال (جمال المرأة طبعا) الصحة ,الاسرة ,الشباب, والاحداث , والتعليم ... كل هذه المواضيع يتم الحديث عنها من خلال عروض يؤديها اشهر نجوم امريكا الاذاعيين مثل (اويرفين فري) و(فيل دوناهيوا) و(موري بوفيج) و(ريكي لايك) و(سالي جيسي) و(جين بيرني) ويتم عرض البرامج بالصورة التالية يحضر بعض الناس المشهورين الذين يتولون عرض المشكلة بحضور حشد من المشاهدين اضافة الى وجود خبراء مختصين ومحترفين طبعا تكون اراؤهم واحكامهم حاسمة في الموضوع مثار النقاش .
وهاكم على سبيل المثال احد هذه البرامج كيف يمكنكِ ان تصبحي جميلة ؟ تعرض شاشة التلفزيون امراة قبيحة الشكل سرعان ما يتم تحويلها الى امراة جميلة حيث تعرض في هذا السياق كل وسائل وادوات التجميل المستخدمة واخر معطيات الطب في هذا المجال ثم تشرح للمشاهدين كيف تتم ازالة التجاعيد والندبات والاخاديد والخدوش من على الوجه وكيف تصبح العيون براقة كالوان قوس قزح وتعرض ايضا الكيفية التي يجب ان لا تفارق الابتسامة الوجه أي يمكن باختصار فعل كل شيء على شاشة التلفزيون كما تعرض بعض الفتيات اللائي تشبه طريقة مشيهن المشية العسكرية وكيف يتم تحويلها الى مشية انسيابية ناعمة مثيرة واخيرا وليس اخرا يتم عرض الطريقة التي تبدو فيها المراة حسنة المنظر جميلة في اناقتها ومظهرها .
يخصص لموضوع الصحة برامج عديدة نذكر منها على سبيل المثال برنامج كيف تنحف؟مثيرة للفضول ايضا تلك البرامج التي تعرض اناسا شاذين في اذواقهم ونظرتهم الجمالية حيث تركز هذه البرامج على تصويب وتعديل وجهات نظرهم وبسبب ارتفاع اقساط الجامعات الاميركية تبرز مسالة اخلاقية على غاية من الاهمية كموضوع للجدل والنقاش في هذه العروض تاتي فتيات مفلسات يرغبن في الدراسة الجامعية في احدى الجامعات الاميركية الهامة باهظة التكاليف ويردن تامين الاقساط عن طريق ممارستهن للدعارة والسؤال هو هل من المناسب يا ترى الحصول على الشهادة الجامعية عن طريق ممارسة هذا النوع من البزنس ؟
تحتل مشكلة الجنس مكان الصدارة في كافة البرامج تقريبا و يتم تحويل كافة البرامج سواء كانت موقوفة اصلا عن الجمال او الصحة اوغيرها الى برامج جنسية متخصصة .
تحتل السينما الاميركية مكانة هامة في تكوين نموذج الوعي بالنسبة للمواطن الاميركي فهي تعرض في اغلب الحالات الافلام والبرامج التي تدمر بنية الوعي حيث تركز على تمجيد العنف والقوة والرياضة وخاصة العنيفة منها وعلى الجنس وتكاد الافلام الاميركية تلتقي جميعها تقريبا ما خلا استثناءات قليلة جدا على فكرة واحدة تمجد القوة المصحوبة بالعنف كسبيل وحيد يؤدي الى تحقيق مايصبو اليه المجتمع الاميركي .

سابعا : كلمتان عن الدين

تعتبر الولايات المتحدة الاميركية وكندا من وجهة نظر السمات الشكلية بلدين متدينتين يعتنقان بصورة رئيسية الكاثوليكية والبروتستانتية بيد ان نسبة التردد على الكنائس قد انخفض من 60% عام 1945 الى 20%عام 1990 ومما يثير الاهتمام والفضول حقا هو ان الغالبية الساحقة من هؤلاء المتدينين لا تعرف شيئا عن الدين وقد اجرى (كولين ميرفي) عام 1994 استطلاعا شمل 1200 شخص يتراوح اعمارهم ما بين 15-35 سنة اكتشف من خلاله اغلبية من تم استطلاع ارائهم لم تستطيع ان تذكر الا وصيتين فقط من وصايا الكتاب المقدس واضاف قائلا لم يبد من استطلعت اراؤهم الارتياح عندما تلوت على مسامعهم بقية الوصايا وهذا ما يمكن ان يبدو امر طبيعيا لان وصية لا تسرق تتعارض جوهريا مع اسس النظام الرأسمالي التي عبر عنها (برودوت)في حينة بصورة صائبة عندما قال لا ياتي الثراء الا من خلال السرقة .
ثامناً : الصحافة والرقابة
عندما يكون الشعب امياً او شبه اميا فان ممارسة الديمقراطية للأسف الشديد بصورتها الصحيحة تبدو ضربا من المستحيل وخاصة في ظل سيطرة منطق واحد يحكم سياسة اجهزة الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية يمجد الرأسمالية ويتستر على اثامها وعيوبها وعلى الية استغلالها ويعمل الساسة الاميركان على ممارسة الارهاب الديمقراطي وتعميم النموذج الاميركي تتلازم مع حرية السوق الرأسمالي فهما يمثلان وجهين لعملة واحدة انها نموذج فرض وتعميم المصالح الاميركية الاقتصادية والسياسية والمالية والعسكرية على كافة ارجاء المعمورة أي فرض سلطة الاقلية على الاغلبية عالمنا المعاصر .
يحتاج كل عالم الى اسم وشهرة وهو ما يمكن الحصول عليه عبر الصحافة فقط لاعبر المجلات العلمية التي يتداولها اناس محدودين لكن ليس سهلا ان يشق هذا العالم او ذاك طريقة الى الصحافة والجماهيرية ذات الانتشار الواسع فالامر مرتهن بمدى انسجام وجهات نظر هذا الكاتب او ذاك مع المفاهيم الرأسمالية الاميركية فالصحافة تخصص صفحاتها لمن يمجدون اقتصاد السوق والخصخصة وتقويم العملات ورفع الدعم عن السلع الاساسية ذات الاستهلاك الشعبي وعولمة الاقتصاد اما المقالات التي تنتقد هذا التوجه وتشكك فيه فالرقابة دائما لها بالمرصاد فهي تحول دون نشر أي دراسة او مقالة تتعارض والنموذج المعمم من قبل الطغمة المالية الاميركية الحاكمة ومما يلفت الانتباه حقا هو سيادة نزعة الاستعلاء في الولايات المتحدة الاميركية من جانب الطغمة الحاكمة على الشعوب والدول الاخرى في العالم بما فيها الدول الحليفة وتجري اكبر عملية تزييف في التاريخ لشعارات من مثل( حقوق الانسان ,الديمقراطية , والعلنية والارهاب , واقتصاد السوق ) حيث توظف هذا الشعارات في خدمة الطغمة المالية والاوليغارشية الاميركية الحاكمة فحقوق الانسان تقتصر بالنسبة لها على مروجي الافكار الذين يهدفون لترسيخ التبعية في بلدانهم للولايات المتحدة الاميركية والذين يشكلون نواة مايسمى ب (الطابور الخامس )اما الشعوب التي تواجه نهج الهيمنة والارهاب الديمقراطي والاستعلاء القومي وتعارضه وتناضل من اجل الحصول على حقوقها المشروعة فانها سرعان ما تتهم بممارسة الارهاب أي ان نضال الشعوب من اجل حريتها واستقلالها السياسي والاقتصادي يتحول في نظر الديمقراطية الاميركية الى نوع من ممارسة الارهاب انه منطق متهافت لا يصمد امام ابسط نظرة تحليلية وموضوعية للامور قد يعترض احد ويقول ان العديد من الكتب في الولايات المتحدة الاميركية تنتقد فيها الحكومة كما تنتقد ايضا سياسة المخابرات المركزية الاميركية لكن هذا يجب ان لايخدع احدا اطلاقا فاغلبية هذه الكتب لا تدحض الاساس النظري الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للنظام الراسمالي بل تدعو الى تطور هذا النظام ليصبح اكثر مرونة وتكيفا مع الظروف المستجدة أي بكلمات اخرى ليتمكن بصورة اكبر من فرض هيمنته على الشعوب واستغلاله لثروتها وفي هذا السياق لابد ان نشير الى كتاب (المنظر الصغير فوكوياما )الذي اعتبر فيه ان الراسمالية هي نهاية التاريخ لكن حقيقة الواقع والحياة سرعان ما كذبت ادعاءات هذا الايدلوجي الصغير وغيره فلوحة الاضطرابات والاضرابات المتعاظمة في دول اوروبا الغربية الراسمالية وازدياد معدل البطالة فيها وعمليات الانهيار المالي المتلاحقة لما يسمى بالنمور الاسيوية وكذلك اللوحة القائمة المروعة من البطالة والفقر والجوع والجريمة والانتحار وتجارة الجنس في رابطة الدول المستقلة ودول اوروبا الشرقية التي كان الاعلام الغربي يروج لها بان الرخاء سيعمم قريبا فيها بمجرد اسقاط النظام الاشتراكي قد جاءت بالضد من مزاعم اليمين الرجعي فحقيقة الحياة والتطورات اللاحقة في هذه البلدان اثبتت العكس تماما فازمة النظام الراسمالي حتى قلاعه الاكثر تطورا آخذة بالتفاقم دون ان تلوح في الافق أي امكانية لايجاد حل او مخرج لها وصار اكثر من ثلث مواطني الدول الاشتراكية السابقة خلال فترة قصيرة يعيشون تحت خط الفقر والازمة مرشحة لمزيد من التفاقم ولا غرابة في هذا مطلقا لان من طبيعة الراسمالية ان تكون مصحوبة بالازمات التي لا فكاك منها يعتقد كثير من العلماء والخبراء الاميركان ان المجتمع الاميركي مقبل على تغيرات جوهرية تطال اسس هذا المجتمع ذاتها وجاءت ثورة الكومبيوتر واستخداماته الواسعة في مختلف ميادين العمل والانتاج والخدمات لتعزز النزعة الفردية للمواطن الاميركي الذي صار يحس بفعل تأثيرات الكومبيوتر انه معزول عن المجتمع ويدرك المجتمع الاميركي اكثر من أي وقت مضى ان عهد الرخاء قد ولى وإنه مقبل على تغيرات جوهرية تطال أسس النظام .


تاسعاً : الكومونات في اميركا

ظهرت في السنوات الاخيرة مقالات وكتب تعبر عن التيار الاجتماعي الفلسفي والسياسي الجديد الذي يعتبر الاساس ٍالايديولوجي لحركة الكومونات في استراليا واوروبا والولايات المتحدة الاميركية ولم يترسخ هذا التيار بعد كقوة مؤثرة في المجتمع الاميركي لكنه اخذ يشق طريقة اما اشهر ممثلي هذا التيار في الولايات المتحد منهم (امياتي اشيوتي) والفلاسفة (الاستدير ماكينتاي) و(مايكل ساندل) و(كريستوف لاش) وعالم السياسة (بنيامين باربر) اما في كندا فان اشهر ممثل لهذا التيار هو (تشارلز تايلور) وفي استراليا (روبرت سيمونس) و(اندرونورتون)
يحتل مفهوم الكومونة المكانة الاهم في تصوراتهم النظرية فعلى اساسه يتعين اعادة بناء الاسس الاجتماعية والاخلاقية للمجتمع عن طريق اعادة بعث واحياء الكومونات دون ضغط او قسر او تعصب ويرى الناطق باسم هذا التيار ان افلاس نظرية اقتصاد السوق اللبرالية هو الذي ادى الى ظهورهم كحركة بديلة حيث عبر (روبرت سيمونس) عن وجهة نظر هذا التيار قائلا (ان مفهوم الحرية والديمقراطية المقترن بإقتصاد السوق اللبرالية سيدمر بلا ريب حرية وديمقراطية المجتمع باسره ) ويعتبر ممثلوا هذا التيار ان النظام الاقتصادي الرأسمالي قد حول الفرد الى ما يشبه (الالة الحاسبة ) ويكتب (مايكل بيوساي) احد منظري الاتجاه الكوني الجديد قائلا (يعتبر اقتصاد السوق العدو القاتل للمجتمع باسره فالنظام السياسي المبنى على اساس تعزيز النزعة الفردية سيؤدي بالضرورة الى تمزيق المجتمع كما يرى منظرو الحركة الكومونية لذا فان انهيار النظام الرأسمالي وافلاسه قادم بالتاكيد) ومما يلفت النظر حقا كون هذا التيار الكوموني ذي النزعة الدينية في منطلقاته وتوجهاته ويعرض احد ابرز ممثلي التيار الديني رئيس الاساقفة (بطرس هولينغفورد) مبادئه الاساسية التي عممها على رؤساء الكنائس في نيوزيلندا الجديدة المتضمنة مبادئ العدالة التي لخصها بما يلي: تحقيق الكرامة الانسانية وترسيخ المشاعية الجماعية والرخاء العام واعلاء راية العمل والانحياز للفقراء ويضيف حرفيا (ينبغي ان يحتل الفقراء والمعوزون الاهتمام الرئيس في السياسة الاجتماعية) وكرد على (الامبريالية الاقتصادية ) يطرح التيار الكوموني مفهوم (السوق الاجتماعية )ويشرح (هيو ايمي) مفهوم السوق الاجتماعية بانه تركيب يجمع اللبرالية الانجلوسكسونية بنبرتها المؤكدة على تعزيز دور الشخصية الفردية وصيانة حقوقه الشخصية مع عناصر النظرية الاوربية الاجتماعية والحفاظ على دور قوي للدولة كضامن للنظام والتطور ومثل هذا السوق الاجتماعية بوصفة قطاعات مستقلة عن الاقتصاد يمارس نشاطه وفعله في العديد من بلدان الرأسمالية المتطورة بما فيها الولايات المتحدة الاميركية وحسب ما افادت مجلة (تايم) الاميركية فان عدد الكومونات في الولايات المتحدة الاميركية قد ازداد من (10)عشرة الاف كومونة في عام 1970 الى 150 الف كومونة في عام 1993 واصبح الان كل مواطن اميركي من اصل ثمانية عضوا في احدى الكومونات ويفسر علماء الاجتماع هذه الظاهرة التي تنمو في قلب الرأسمالية العالمية بصورة مختلفة من التأويلات اما ممثلوا التيار الكوموني فيرون ن هناك ثلاث اسباب ادت لظهور الكومونات وانتشارها وهي :
1- الدفاع الذاتي ضد الجريمة (انشئت خصيصا لهذه فصائل حماية شعبية).
2- يرجع دعاة التيار الكوموني السبب الثاني لنشوء الكومونات الى موقف الازدراء والاهمال الغربي تتخذه الحكومة الفيدرالية الاميركية وحكومات الولايات من حاجات المواطنين البسطاء ومطالبهم .
3- غياب قيم العدالة والمساواة ومفاهيمها في امريكا ويتعين على الكومونات الجماعية ان تتحول الى شكل جديد من اشكال الادارة الذاتية المحلية (فشعارها يتجسد في الاعتماد على القوى الذاتية التي تنظم وتحمي مصالح وحقوق اعضائها ) ذلكم هو بتكثيف شديد المشهد الاميركي الراهن واحتمالات تطوره .




• تم ترجمة وإعداد هذه الدراسة ونشرها في عام 1999 م في جريدة نضال الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب إسرائيل وإيران... مع من ستقف الدول العربية؟ | ببساطة مع


.. توضيحات من الرئيس الإيراني من الهجوم على إسرائيل




.. مجلس النواب الأمريكي يصوت على مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرا


.. حماس توافق على نزع سلاحها مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود




.. -مقامرة- رفح الكبرى.. أميركا عاجزة عن ردع نتنياهو| #الظهيرة