الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالداً في ذاكرة عشتار

بسام البغدادي

2009 / 12 / 22
الادب والفن


الوقت, الثانية و النصف فجراً, كانون الثاني 1991, المكان بغداد
صوت الشبابيك التي تهتز من وقع الانفجارات, أتلمس طريقي في الظلمة متجهاً الى الطابق السفلي. الظلمة تحيط كل شئ الا حين يشق برق الانفجارات الضلمة و تهتز له أركان البيت كله. العائلة الكبيرة كلها تركض او تمشي الى الطابق الاسفل, أنا أتوجس خطواتي بهدوء فوق درجات المرمر في الظلمة و أبحث بتردد عن سياج الدرج المعدني الذي كان بارداً كالصقيع. قبل أن أدخل الغرفة (الملجاً) أنظر من خلال نافذة المطبخ بأتجاه بيتها, و ملايين من الاسئلة تدور في داخلي, هل هي خائفة الآن؟ هل تبكي؟ ماذا تفعل؟ من يمسح العرق البارد المتصبب من جبينها و حول عنقها العاجي؟ من سيحميها من هذا الظلام الخطير المحيط بنا؟ من سيعانقها بقوة؟


و تمر الايام التي تصبح شهوراً

الوقت, الثالثة و النصف فجراً, آذار 1991, المكان, الحدود العراقية السورية.
الصمت يحيط كل شئ في قلب الليل, الشوارع فارغة و سيارتنا تسير بهدوء بين تلك القرى الطينية المتناثرة هنا و هناك. الاضواء الخافتة للشبابيك الطينية بدأت تختفي خلفنا وصوت المحرك بدا خافتاً شيئاً فشيئاً كلما أصبحت الشوارع طينية أكثر. بعد دقائق قام المهرب بأطفاء اضواء السيارة منعاً لأكتشافنا و امتدت الضلمة كي تختلق فضاء لا متنهاي من النجوم و صورتها المنعكسة بالطين تحتنا. كل شئ بدا صامتاً الا صوت واحد كان يخترق حاجز الخوف في داخلي, أسمها, و وعد اكيد قطعته على نفسي بأنني سأعود اليها. سأعود اليها مهما طال الوقت. سأعود اليها مهما طال هذا الجنون الذي يجب ان نمر كلانا فيه.

و تمر الشهور التي تصبح سنيناً
الوقت السابعة و النصف فجراً, شباط 1999, المكان, بغداد, كلية الفنون الجميلة
كنت أحد اول الطلبة الذي جائوا هذا الصباح, شعرت بأنني كنت أحتاج وقتاَ أضافياً كي اقوم بتوديع كل تلك الاركان و الزوايا و السلالم التي شهدت مالا تستطيع ان تنطق به يوماً. الكافتريا, الساحات, الممرات, المسرح وقفت عليه ممثلاً و خلفه مخرجاً, صالة العرض التي عرضت فهيا فلمي الممنوع. المكتبة, و أم حسين الطيبة, و العمادة و قسم الفنون التشكيلية, قسم الموسيقى. كلهم شهود خرس على ماكان, وعلى ماسوف يكون عندما أكون بعيداً, بعيداً جداً تماماً كالموت.

و تمر الدقائق لتصبح ساعات.
الوقت الثانية و النصف ظهراً, نفس اليوم و نفس المكان
بين يدي مجموعة من الكتب و القصائد التي عملت على تجميعها الليل بطوله دون أن أذوق طعم النوم في دفتر صغير احببت ان اتركه أرثاً يشهد عن وجودي بين يدي حبيبتي. الخوف و الحزن يسلبني قدرتي على وداعها, الخوف عليها و الخوف منها يجعلني غير قادراً على فهم ما حدث فيما بعد. أرسلت لها كتبي و دفاتري من خلال صديقة لها. و هربت, هربت من كل شئ, من نفسي و من خوفي ومن حياتي و من جنتي التي كانت لي معها. هربت لأنني لم أقدر على وداعها, و هربت حتى من فشلي المرير معها و للحظة ما تصورت بأنني نجحت الهروب فعلاً. شعرها المتلامع في صيف بغداد و قميصها السمائي و تنورتها الزرقاء كانت آخر ما شاهدته منها حتى اليوم.

و تمر الثواني بطيئة جداً كأنها قرون, و تمر السنين ثقيلة, ثقيلة جداً, و تأتي حبيبة, و تذهب حبيبة, و تلد حبيبة في قلب اللاشئ و تختفي حبيبة الى قلب اللاشئ. مشكلة الحب أنه لا يموت, لكنه يكبر معنا, وكلما كبرنا يزيد هذا الحب غرابة و تتغير أسمائه و صفاته و الافراد المرتبطين بهِ. يتغير شكلها و يتغير أسمها لكن وجهها يبقى في ذاكرتي لا يغيب. شعرها المتلامع و قميصها السمائي, ضحكتها و دموعها, رغبتها و كبريائها.

و ستمر السنين دون ان ندري.. و دون أن نشعر سنكبر و سنموت بصمت و هدوء كما مات غيرنا و عندما نموت, سيبقى الحب خالداً في قلوب كل من أحبونا. وقد أبقى, قد أبقى خالداً في قلبها ربما, أن كنت لا أزال موجوداً في قلبها أو في قلب أي إنسان آخر. فطوبى للعشاق ثم طوبى و طوبى لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - هل الفنان محمد علاء هيكون دنجوان الدراما المصري


.. كلمة أخيرة - غادة عبد الرازق تكشف سر اختيار الفنان محمد علاء




.. كلمة أخيرة - الفنانة سيمون تكشف عن نصيحة والدها.. وسر عودتها


.. كلمة أخيرة - محدش باركلي لما مضيت مسلسل صيد العقارب.. الفنان




.. كلمة أخيرة - الشر اللي في شخصية سامح في صيد العقارب ليه أسبا