الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحول الجامعات العراقية الى جوامع

نعيم مرواني

2009 / 12 / 22
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


الطالبة دانيا قاسم من محافظة بابل تدرس للسنة الثانية في كلية علوم الحاسبات في جامعة ذي قار, وهي كغيرها من طالبات العالم الاسلامي لاترتدي حجابا الامر الذي دعى الطالب المتنفذ زيدون من سكنة البصرة وهو احد طلاب الكلية المذكورة بالتحرش بها ظانا ان من لاتلبس حجابا مباحة للطلبه لانه وطلبة آخرين وبعض الاساتذه الذين لم يستطيعوا التخلص من سيطرة الاعراف العشائرية البائدة "كالدكتور" محمد عجة يرفعون شعار "من لاحجاب لها لاشرف لها".
بدأ زيدون يعد العدة لطرد دانيا قاسم من الجامعة او على الاقل ترقين قيدها لانها لم تخضع لابتزازه فاستمال "الدكتور" محمد عجة معاون عميد الكلية للشؤون الادارية لينضم الى الحملة التي ولسوء حظ دانيا قاسم استقطبت أيضا رئيس الاتحاد الاسلامي لطلبة وشباب العراق الطالب "الشيخ" عابر فيصل وهو في السنه الثانية كلية العلوم قسم البايولوجي والذي وعد بالقيام بتظاهرة طلابية لاعضاء اتحاده للضغط على عميد الكليه كي يطرد دانيا قاسم من الكليه بسبب "تشويه سمعة الطالبات الأخريات واثارة غرائز الطلبة الذكور" على حد تعبيره. (حسب طلبه في الجامعة المذكورة, فان هناك زمر من الطلبه الشيوخ الملتحية تضايق الطالبات الليبراليات بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاتستطيع الجامعة كبحهم لعلاقتهم باحزاب اسلامية متنفذة).
انبرى محمد عجة لدانيا فمنعها من دخول بناية الكلية فعادت لتعتكف في غرفتها بالقسم الداخلي وحرمت من اداء بعض الامتحانات كي تفشل ويرقن قيدها حتى العام القادم. لم يكتف أبو جاسم (اي محمد عجة) بهذا كله فطاردها حتى خارج الجامعة ومنعها من دخول مدينة العاب الناصرية اثناء سفرة ترفيهية للطلبة لكنه اضطر للتخلي عن قراره بعد ان هدد الطلبه بعدم دخول المدينة تضامنا مع دانيا.
بعد ان يأست من اصلاح الأمر, قدمت دانيا طلبا للانتقال الى جامعة الكوفة لتكمل دراستها قريبا من أهلها في محافظة بابل لكن طلبها قوبل بالرفض بحجة انه جاء بعد انتهاء المدة القانونية المحددة لتنقلات الطلبة بين الجامعات.
وعندما استفحل الأمر أخبرت دانيا أباها بمشكلتها فأتى الى مدينة الناصرية للتحدث الى العميد ومن ثم ليستصحبها معه الى بابل ولكن موظفي الاستعلامات وبأمر من محمد عجة منعوه من مقابلة العميد وردوه ردا قاسيا وعنفوه قائلين " عد من حيث أتيت فانت فاشل لانك لم تستطع تربية ابنتك".
وفي رده المنشور على أحد المواقع الألكترونية العراقية, ينفي الدكتور نجاح رسول الجابري عميد كلية العلوم في جامعة ذي قار التهمة ويقول ان سبب طرد الطالبة دانيا هو عدم ارتدائها للزي الموحد (انتهت القصة).
لايتسع المجال هنا لذكر الاعتداءات المتكررة على البنات السافرات في الجامعات العراقية دون تدخل أي منظمة حكومية أو غير حكومية لوضع حدا لها بالرغم من تجاوز عدد منظمات المجتمع المدني التي تم تاسيسها بعد عام 2003 ال 10000 منظمة, ولم يرف جفن لناشط واحد في منظمة واحدة من آلاف المنظمات التي ترفع شعارات الدفاع عن حقوق المرأة لمحنة دانيا قاسم وطالبات جامعيات أخريات في العراق.
اتعرفون لماذا؟ لان هذه المنظمات هي أولا منظمات مجتمع فقط اي ليست منظمات مجتمع مدني وهي تاليا تجسد قيم وتقاليد المجتمع نفسه فلا تعمل لتصحح الخاطيء منها لانها لاتعتقد أصلا ان هناك تقاليد اجتماعية خاطئة في العراق وثانيا ان أغلب هذه المنظمات أسسها مسؤولون عراقيون الغاية من تأسيسها هي حلب المؤسسات العراقية والامريكية الداعمة لمنظمات المجتمع المدني وثالثا فان قسم كبير من هذه المنظمات تم تأسيسها من قبل اناس احتلوا مبان حكومية بعد عام 2003 وتاسيس منظمة مجتمع مدني كان العذر القانوني الوحيد الذي يسمح لهم بالاحتفاظ بها ورابعا تغلغل وسيطرة الاحزاب المتنفذه على هذه المنظمات او ضمها الى المنظمات الحزبية الاسلامية الخاصة كمنظمة شهيد المحراب وشهيد الله وغيرها من المنظمات التي تكرس اضطهاد وقمع المراة بحجة الشرف والدين.
وحسب اعتراف رئيس المفوضية العامة لمؤسسات المجتمع المدني "سيد" عباس النوري فان اغلب قادة منظمات المجتمع المدني في العراق هم اسلاميين معتدلين ومتطرفين وعشائريين وقليل من الليبراليين, ورغم فشلها في تحمل مسؤولياتها واستشراء الفساد فيها, فهو يعتقد ان الحديث عن كثرة المنظمات خاطيء حيث (والحديث له) يحتاج العراق الى مليون منظمة للنهوض بواقعه الاجتماعي.
الدولة بمفهومها المعاصر لديها تعريفات لتفاصيل حياتية دقيقة وهذه التعريفات تستوحي منها القوانين شرعيتها لكن العراق ليس واحدا من هذه الدول فلاتعريف رسمي للاحتشام فحاله حال كثير من الامور يعتمد على القوانين العرفية وهذه القوانين تختلف من مدينة لاخرى تبعا لمستوى التعليم ومدنية المجتمع.
كذلك لاتعريف لمن له السلطة على من, ولا تحديد لسلطة المتسلط على المتسلط عليه حيث تغيب القوانين التي تحدد صلاحيات أرباب العمل والاساتذه والآباء وفي أحايين كثيرة ونتيجة لجهل بعض الآباء فانهم يسمحون لآخرين بالقيام بتأديب وتربية ابنائهم كالمدرس والامام وشيخ العشيرة وغيرهم فكونت هذه الظاهرة وعيا اجتماعيا خاطيء وهو"مشاعية التربية" اي حق مشاركة فئات اجتماعية كثيرة لتنشئة الأجيال وتوجيهم تربويا الأمر الذي يتعارض بشكل صارخ مع مفاهيم حقوق الانسان في الديمقراطيات المعاصرة اذ ليس لاحد سلطة على الأبناء غير الأبوين والحكومة.
ليست هناك قوانين تحمي المرأة والطفل من اضطهاد الاب والمدرس وشيخ الجامع أو شيخ القبيلة. فالنساء تقتل في العراق كالجراء مرة من قبل رجال العشيرة البررة ومرة من قبل فدائيي عدي صدام حسين ومرة من قبل عناصر مليشيا المهدي, فالتطور السياسي في العراق بعد 2003 صحبه تخلف في مجال حقوق المرأة .
علما ان العراق كان من اكثر دول الشرق الاوسط ليبرالية في خمسينيات القرن المنصرم لكنه عاد القهقرى خلال العقدين الماضيين وازداد الوضع سوءا عند تسلط الاحزاب الاسلامية التي حاول بعضها الغاء حقوق وحريات تمتعت بها المرأة منذ الخمسينيات كقانون الاحوال المدنية العراقي.
ورغم انتصار المجتمع العراقي لمسالة "تسفر" المراة منذ ثلاثينيات القرن الماضي متجسدا بقصائد الشاعرين العراقيين جميل صدقي الزهاوي ومعروف عبد الغني الرصافي لكن ارتداء الحجاب عاد ليفرض على المرأة اجتماعيا رغم كونه تقليد اجتماعي اكثر منه ديني فلا يمكن اعتباره مقياسا لشرف او احتشام المراة لأن ممارسات البغي في العراق هذه الايام يرتدين الحجاب كي لايتعرف عليهن ابناء مناطقهن لانهن يقفن لساعات طوال بجانب الطرقات بحثا عن زبائن.
لعل السيد نوري المالكي يعتبر هكذا مواضيع ترف فكري بسبب انشغال الرجل بمشاكل داخلية جمة أهمها أمن بغداد والاعداد للانتخابات القادمة اضافة الى التحديات الخارجية والأعتداءات المتكررة من دول الجوار, لكن الموضوع غاية في الاهمية ليس لانه يخص طالبة واحدة بعينها بل لانها ظاهرة خطيرة انتشرت مؤخرا في الحرم الجامعي العراقي.
اننا اخوان وآباء الطالبات الجامعيات لانعول على منظمات المجتمع المدني في التدخل للاسباب التي ذكرنا اعلاه لكنا نطالب الأخ وزير التعليم العالي الدكتور عبد ذياب العجيلي والاخ رئيس جامعة ذي قار الدكتور علي اسماعيل المعروف بتواضعه ودماثة خلقه والأخ عميد كلية العلوم الدكتور نجاح رسول الجابري بانصاف ابنتنا دانيا قاسم واخواتها وحمايتهن من قطعان الطلبة الشيوخ التي تجوب الجامعات هذه الايام ووضع القوانين الكفيلة بردع هذه الزمر المنفلته من عقالها الاخلاقي لتأمين الاجواء المناسبة لبناتنا كي يكملن دراستهن الجامعية ويرفدن مؤسساتنا بكوادر نسوية قادرة على فعل التغيير الذي نحن بامس الحاجة له وكي نؤكد للعالم اننا شعب حي رؤوف يرحم شيوخه ويحنو على ضعفاءه ويعد أبناءه لمستقبل أفضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كتاب حكايتي شرح يطول


.. الدكتورة علوم عودة




.. الدكتورة المختصة بالأحياء الفرع الأول في كلية العلوم سلام نص


.. من داخل السجن.. نرجس محمدي تدعو للاحتجاج ضد الحرب على المرأة




.. تقرير: إيران تستعمل التعذيب والاغتصاب ضد المتظاهرين المعتقلي