الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلاموفوبيا :محنة و فرص

إقبال الغربي

2010 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


في استفتاء شعبي ديمقراطي ونزيه أغضب جماهير المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها عبرت 57 في المائة من الكتلة الناخبة بسويسرا عن تأييدها لقرار كان تيار اليمين قد نجح في طرحه للاستفتاء على الشعب ويقضي بمنع بناء المآذن فوق التراب السويسري، قرار المنع المطروح للتصويت لم يشمل المساجد بل اقتصر على المئذنة التي اعتبرها حزب الشعب السويسري اليميني الذي أشعل هذه المعركة لا شكل معماري إسلامي بل شعارا حربيا كما يزعم
و في الحقيقة يعتبر هذا القرار غريبا ذلك أن الوجود الإسلامي في سويسرا غير مؤثر حيث يبلغ تعداد المسلمين 400 ألف مسلم يمثلون 4 % من عدد السكان و 10% فقط يمارسون الشعائر ويذهبون إلى المساجد ( 3 مساجد فقط في سويسرا لها مآذن بما في ذلك مسجد جنيف الكبير التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة).
و تعتبر حادثة منع المآذن حلقة من سلسلة حلقات تعكس عقلية جديدة سادت السنوات الأخيرة في بعض البلدان الغربية تضيق بالآخر المسلم و تسقط علبه عدوانيتها و في بعض الأحيان ساديتها .
و قد تأججت هذه السلوكيات البغيضة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر الأليمة.
و صنفت هذه الأحداث في إطار مصطلح جديد هو "الاسلاموفوبيا" وهو كلمة مركبة تعني الخوف الغير المبرر من الإسلام.

المطلوب اليوم من النخب هو محاولة تفكيك أسباب موجات الاسلاموفيبا التي سادت أوروبا و أمركا في السنوات الأخيرة ووضع النفس مكان الآخر لفهمه و لتفهم وجهة نظره و تحويل محنة الاسلاموفوبيا إلى فرص لإعادة بناء ذواتنا و علاقاتنا بالعالم.
فهي مناسبة للمراجعة والتأمل واستخلاص الدروس والعبر و لمساءلة القناعات إعادة النظر في المسلمات فالاسلاموفوبيا تعبر أيضا عن مخاوف الشعوب الغربية من التيارات الإسلامية المتطرفة، والتي ينبغي أخذها على محمل الجد.
و اقترح ثلاثة محاور لمقاربة ظاهرة الاسلاموفوبيا:

- تفكيك التأويلات الجوهرانية التي لا ترى في الغرب سوى ملة واحدة جامعة مانعة وريثة ارويا الصليبية المتآمرة علينا على مر العصور حيث تحلل الاسلاموفوبيا كعودة لأشباح الماضي البعيد التي تعيد إلى الأذهان صراع الأديان البغيض.

-مسالة الأقليات

فقضية الاسلاموفوبيا تحيلنا ضرورة إلى مسالة الأقليات في ارويا و في ديار الإسلام.
إذ لا يحق لنا أخلاقيا الاعتراض و الاحتجاج على منع المآذن في سويسرا في حين تعجز الدول الإسلامية عن إتاحة حرية العقيدة لمواطنيهم الأقباط و الشيعة و الاباضيين و المسيحيين.

-بناء علاقة سليمة مع الغرب
ذلك أن محنة الاسلاموفوبيا يمكن تجاوزها و تحويلها إلى فرصة لصياغة هوية مرنة واسعة الأفق تساعدنا على تجاوز التنميط الثقافي الذي يهدد التعددية و الاختلاف و كذلك تجاوز الانغلاق و التقوقع على الذات

تفكيك التأويلات الجوهرانية المعادية للغرب و لقيمه

أصبحت موجات الاسلاموفوبيا تعلة للتشكيك في القيم الكونية و لفضح "الحداثة الغربية المزيفة" و للتشفي من مفاهيم العقلانية و الديمقراطية و للشماتة من الحداثيين و من العلمانيين الذين تبنوا هذه القيم المستوردة
و في هذا السياق من الضروري اليوم وضع هذه المفاهيم و القيم في إطارها التاريخي
فهذه القيم تعكس طور صعود الرأسمالية في الغرب هذه الحقبة التي كانت العقلانية عمادها المعرفي و الديمقراطية عمادها السياسي و التقدم و الرفاهة الاقتصادي عمادها الاجتماعي.
و كل نمط إنتاج يمر بثلاثة مراحل:
الصعود
الانحطاط
الاندثار أو التفكك
خلال فترة صعودها ثورت البرجوازية علاقات الإنتاج و أدواته و طورت كل الروابط الاجتماعية و صنعت المواطن الحديث فتبلور مفهومي الفرد و الفردية و ظهر مفهوم حقوق الإنسان ثم حقوق المرأة و الطفل و الأقليات.

و لكن ما إن وصلت الرأسمالية اللبرالية إلى قمة نطورها حتى بدا مسار انحطاطها لاستنفاذ قدرتها على توسيع سوقها فدشنت مسار الأزمات الهيكلية الدائمة.
و مع استمرار الأزمة العالمية و غياب المخرج منها تحول الانحطاط إلى تفكك وأصبح الغرب يعيش حقبة التفكك.
فالتنمية الاقتصادية لم تعد تؤدي إلى الرفاهة ورغد العيش و التصنيع أنتج البطالة الدائمة ( 18مليون عاطل في أوربا قلعة الرأسمالية )و تدمير البيئة و تفشي الأمراض النفسية و الجسدية التي لا عهد للإنسانية بها.
سيطرة المركب الصناعي العسكري أدى إلى تآكل القيم الإنسانية والى ابتلاع الدولة للمجتمع المدني (قوانين الحرب على الإرهاب في أمركا و أوروبا)
اقتصاد الحرب و المشهد الطفيليين يستنزف ثلثي الموارد البشرية و المادية ميزانية الأسلحة وهي تناهز ألف مليار دولار في سنة 2005 تتساقط أرباحها على سماسرة الموت و الدمار).

هذا التفكك الاقتصادي انعكس اجتماعيا فأنتج فصاما معمما -على حد تعبير جيل دلوز -و صنع على المستوى النفسي جماهير خائفة من الغد المشحون بالكوارث البيئية و الصحية و النووية افتقدت والمعالم الهادية و الثوابت المطمئنة و فأصبحت فريسة لليأس و لانسداد الأفق.
ارتمت في أحضان أقصى اليمين الذي تكفل بالتلاعب بمخاوفها و باحباطاتها
فأصبحت تلهث وراء الهوية الوطنية والتقوقع العنصري و المفهوم الشعبوي للوطن و الوطنية.
وفى ظل العداء المتصاعد حاليا في معظم الدول الغربية ضد الإسلام والمسلمين خوفا واحتسابا من ازدياد إعداد المسلمين فيها واحتمال حصولهم على حقوقهم التي يكفلها الدستور والقانون في كل دولة ديمقراطية ،تعمل بعض الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في هذه الدول الغربية في إطار "صناعة الآخر"على تشويه صورة الإسلام والمسلمين لتحويلهم إلى كبش فداء.
إذن تنكر أوروبا الأنوار لقيمها الكونية و مبادئها الإنسانية التي طالما تماهينا معها و أعجبنا له تفسير تاريخي فلحظات الصعود و الارتقاء و المد الحضاري هو الذي يسد المنافذ على المكبوت الذي لا ينفلت من عقاله إلا في لحظات الضعف و الخوف عندما تنكص المجموعة فتبحث عن هويتها و تحاول لم شتاتها بعدما شكت في نفسها و في قدراتها الذاتية.

مسالة الأقليات


وجود المسلمين في الغرب يعكس تقسيم العمل بين المركز و الأطراف
و إشكاليات تواجد الإسلام في الغرب هو نتيجة تحولات هيكلية طورت هجرة أيادي عاملة إلى هجرة عائلات تحمل عادات و أعراف ثقافية أنتجت مجتمعات مصغرة في بلد الإقامة و صنعت جيل ثاني و ثالث.
هذه التحولات الديمغرافية انتقلت بنا من الاقتصادي المطلق إلى الانثرولوجي المعقد و إلى السياسي المركب.

في هذا السياق يختبر المسلمون في أوروبا لأول مرة في تاريخهم الإحساس بمنزلة الأقلية في ضل دولة حديثة. فهم مطالبون بالتدرب على العيش على أراضي إقامتهم إسلاما متأقلما مع المعايير القانونية الجديدة والاستحقاقات السياسية والاجتماعية للبلد المضيف.

وعلينا أيضاً أن نتفهم جدية مخاوف بعض اللائكين مما يصفونه بـ«أسلمة أوروبا»، فهم لم يتخلصوا من بطش الكنيسة ليحل محلها طغيان بعض"الأقليات المسلمة" ، فهم يحاولون حماية مكتسباتهم التاريخية بالفصل الكامل بين الدين والدولة.
و في هذا السياق اعتقد أن الإسلام في المهجر فهو فرصة تاريخية للمصالحة مع الحداثة.
إن المثل الأعلى للحداثة الغربية كان دائما تحديد الدين كممارسة شخصية. فمن خلال إباحة حرية الاعتقاد، يتم تكريس استقلالية الفرد المالك لعقله و لجسده باعتباره مشروعا أساسيا لتكريس المواطنة والديمقراطية..

هذه الحداثة ليست مناهضة للدين، فالعلمانية في واقع الأمر تعني أن الدين شأن مدني مرتبط بالجمعيات والقانون الخاص، وهذا لا يحظر ظهور الدين، ولا حرية العبادة، ولا التمويل من طرف الدولة عن طريق الجمعيات الثقافية و الدينية (قانون 1905.
في فرنسا مثلا)
في ارويا الفضاء المدني مخصص للخصوصيات الجماعية في حين أن الأماكن العامة مخصصة للتعايش على أساس المساواة أمام القانون الذي يطبق على الجميع. إن مبدأ “العيش المشترك” في إطار دولة القانون هو مدرسة للمواطنة في حد ذاته وللدخول إلى الحداثة السياسية بما هي انتقال من شرط الرعية إلى شرط المواطن. المواطنة الكاملة تعطي لكل ذي حق حقه و تنعكس في المساواة أمام القانون والمساواة في الفرص حسب المبدأ الوحيد: الكفاءة: الإنسان المناسب في المكان المناسب.
و من الأخلاقي أن نساءل أنفسنا – في هذه المناسبة - عن وضعية الأقليات الدينية و العرقية في ديار الإسلام..
فهل يمكننا أن نتجاهل انه في السنة الماضية عندما وافقت دولة قطر على بناء أول كنيسة اشترطت أن تظهر الكنيسة بدون صلبان أو نواقيس احتراما للحساسيات المحلية.

أما في مصر بلد ملايين الأقباط المسيحيين فيمنع بناء الكنائس ويخضع كل ترميم للكنائس الموجودة إلى إجراءات معقدة كما تقع متابعة المتنصرين
وعندما سمح قانون مصري السنة الماضية لمسيحي مصر بترميم ما تهدم من الكنائس"في حدود مساحة الكنيسة القديمة" وليس بناء كنائس جديدة،
لقد نسخ عهد الذمة سنة 1856 فلم يعد الأقباط والمسيحيون تحت الخلافة العثمانية يدفعون الجزية. لكن التصورات السلبية لا تزال متغلغلة ً في المخيال الشعبي و في الذاكرة الجمعية الإسلامية و في التشريعات القانونية ( زواج المسلمة من غير المسلم و حرمان الزوجة الغير مسلمة من ارث قرينها منع الأقليات من الترشح إلى رئاسة الجمهورية ولا الطموح إلى أية وزارة من وزارات السيادة في ديار الإسلام حرمان المصري القبطي من دراسة طب النساء الخ) وتأتي الدساتير العربية بعض الأحيان لتبارك هذه الخروقات ولتضاعف من مظاهر التمييز العنصري والديني والطائفي المتوارثة عبر العصور.

بعض البلدان المسلمة تنتهك حقوق مواطنيها وتحاكمهم بتهمة ازدراء الأديان وتلقى بهم في السجون، بل إن دار الإفتاء المصرية التي تطالب الآن بحرية العقيدة في سويسرا، قد أصدرت فتوى رسمية بتكفير البهائيين مما يهدر دمهم.ويعرضهم للقتل في أية لحظة.. وهؤلاء البهائيون مواطنون مصريون يخوضون صراعا مريرا من أجل الاعتراف بدينهم في الأوراق الرسمية..



بناء علاقة سليمة مع الغرب

يتأرجح الموقف العام تجاه الدين في أوروبا بين الفصل الواضح بين الدولة والدين (على الطريقة الفرنسية)، والإدارة المحلية للمؤسسات الدينية (على الطريقة البريطانية)، ومشاركة الدولة كعنصر “محايد” في الشؤون الدينية.

أما بخصوص الإسلام، فهناك اتجاهان متناقضان في أوروبا::

- الاتجاه الأول ثقافي يركز على الاستقلال الثقافي للمسلمين، ويدعو إلى إمكانية التعبير عن مطالبها وإدارة شؤونها المحلية بنفسها وتطوير ثقافتها ، ولغتها وممارسة شعائرها الدينية بحرية أكثر. هذا الاتجاه يطالب باللامركزية كعماد التنوع الثقافي وتحرير المبادرات ة والجماعية من الأغلال البيروقراطية ، للحكومة المركزية.

- والاتجاه الثاني يدعو إلى الاندماج الثقافي التام للمسلمين في أوروبا
فقد صرح المسئولون في حزب الشعب بأنه يعدون لاستفتاءات جديدة ضد ارتداء الحجاب في أماكن العمل والدراسة وضد ختان الإناث وضد إقامة مقابر منفصلة للمسلمين-

خطر الاتجاه الأول هو السقوط في النسبوية.

خطر النسبوية هو تبريرها للكومونوتاريزم، أي انطواء كل مجموعة دينية أو ثقافية على نفسها وانتهاك المشترك الإنساني.
فلسفة النسبوية الثقافية، خاصة عندما تنصِّب نفسها حقيقة مطلقة، فلسفة عدمية تقوم على:
نفي وجود كل قيمة ثابتة، وخاصة القيم الأخلاقية والإنسانية المؤسسة للاجتماع البشري
على تساوي جميع القيم، وتساوي جميع الثقافات: ثقافات الشعوب البدائية الآكلة للحوم البشر، وثقافات الأمم المتحضرة المعاصرة ,ثقافة التعصب و ثقافة التسامح ,ثقافة العبودية و ثقافة حقوق الإنسان.


و خطر الاتجاه الثاني هو السقوط في التنميط الثقافي.
و يتجسد التنميط الثقافي اليوم في هيمنة الاقتصاد و السوق الكوني على السياسي و على الثقافي هيمنة تتجلى في العولمة الرأسمالية كادعاء للكونية.
فطغيان النموذج الاستهلاكي في كل الأصقاع و البقاع و تعميم نفس البضاعة على كل الأجناس و الملل يعطينا وهم التوحد و التضامن.
مظاهر العولمة كلها تشير إلى أنّ البشرية تتجه نحو ثقافة عالمية واحدة منمطة تعقم التنوع و تبيد التعدد.

الإسلام في المهجر بانخراطه في القيم الكونية السائدة في الغرب مع احتفاظه بمبادئه السمحاء و بروحانيته الراقية التي تسعى إلى انسنة العيش المشترك يفتح طريقا جديدا و يمكنه أن يؤثر في مجرى التاريخ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق بسيط على كتابة واقعية
ماجد أبو سمرا ( 2010 / 1 / 7 - 08:43 )
كلامك الواعي يا سيدتي جميل وحقيقي, ولكنه مع الأسف الشديد صرخة في وادي الطرشان. ألم تلاحظي خلال الخمسين سنة الأخيرة, سواء في الشرق أو في الغرب, حيث هاجر الملايين من المواطنين المسلمين من مختلف البلاد العربية وغيرها التي لم تؤمن لهم ابسط قواعد العيش اليومي وأبسط الحريات الإنسانية. ألم تلاحظي أنه لم يحدث أي تقدم حضاري أو اندماج مع الشعوب الغربية التي استقبلتهم وفتحت لهم جميع الأبواب والنوافذ الاجتماعية والإنسانية والعلمية, وأعطتهم جنسيات البلد. إذن لا تستغربي أنه بعد نصف قرن بدأت ردات الفعل السلبية من غالب الشعوب الغربية التي لم تلق من هذه الهجرات الإسلامية, سوى عادات غريبة ومظاهر لا تنطبق مع دساتيرها التي حاربت من أجل الحصول عليها مئات السنين. مآذن سويسرا هي النقطة التي طوفت الكأس.. وهذه بداية.


2 - تللسقف
يوسف حنا بطرس ( 2010 / 1 / 7 - 23:37 )
السيده اقبال كل مقالتك تنم عن معرفه واسعه عما يحيط في الشرق الاسلامي وعن الاضظهاد الذي تتعرض له كل المعتقدات التي لا توافق فكر الاسلام ومنهجه المغيب للاخر .العيب ليس في المسلم الضحيه بل في قرانه وسيره نبيه والاحاديث التي تحض المسلم على سفك الدماء واشهرها سوره التوبه التي نسخت كل الايات المكيه اما عن الماذن السويسريين لهم كل الحق فيما يقررونه في بلدهم والاسلام هو دخيل بل يقض مضاجعهم فمن حقهم ان يقرروا ما يريدون في وطنهم والذي لا يعجبه فليرحل الى بلده بلد الحريه والديمقراطيه الاسلاميه ..سلم قلمك الناطق بالحق..تعرفون الحق والحق يحرركم

اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران