الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عصر الالات
الصديق بودوارة
2010 / 1 / 15العولمة وتطورات العالم المعاصر
الصديق بودوارة
(1)
منذ فترة وجدت في بريدي على الهوت ميل رسالة تقول إن حسابي سيغلق مالم اعيد إرسال نفس الرسالة إلى عشرة أصدقاء يملكون بريداً على نفس الموقع ، وحددت الرسالة الموعد الأقصى لالتزامي بتنفيذ هذا الأمر بعشرة أيام ، وإلا فان بريدي على الهوت ميل سيغلق ، وكانت الرسالة بتوقيع ( المدير التنفيذي ) ، وكنت بالطبع مهدداً من هذا المدير التنفيذي بفقدان بريدي إذا لم أتقيد بما ورد سابقاً .
(2)
وكأن قصص الخيال العلمي تتأهب لتصبح واقعاً ، فها نحن على أعتاب عالم تقنى ، يؤمن بعقيدة الأرقام والحسابات الدقيقة ، ويبعث برسائل معدنية الوقع ، ممهورة بتوقيع ( كائن ) لا تعرفه ، يحمل صفة ذات وقع مشحون بالسيطرة ( المدير التنفيذي ) ، قد يكون في أي مكان في العالم ، ربما يكون جهازاً أو مسمار أو بشر ، لا احد يدرى ، لكنه يقتحم بريدك في أي وقت يريده ويبعث لك برسائله رغماً عنك ، ويغادراً دون أن يستأذنك ويهدد باتخاذ ( ما يلزم من إجراءات ضدك ) دون أن يناقشه أحد .
(3)
أعادتني هذه الرسالة إلى حوار ( المدنية والخلاء ) ، إلى ذلك الصراع الذي نعيشه نحن في العالم الثالث ونغرق فيه بلا توقف ، ( المدينة ) ، بمفرداتها المرتبطة بالعصر ، و ( الخلاء ) الشاسع ، الساحر ، النقي ، الخالي من التلوث ، والمفعم بحرية التنقل والحديث والتصرف ، لكنه بعيد عن معالم التطور ، فهو خلاء ينتمي للماضي ، ويعيش حتى ينتهي الكون في اليوم الذي انتهى كما سيعيش يومه الذي سيقبل ، انه خلاء يمارس فعل التواجد دون أن يعبأ بممارسة معنى أن يطور تواجده ، فأين هو الصواب بين هذه الثنائية المتناقضة ؟
(4)
الجواب ، انه لا شئ بلا ثمن ، فالتقنية والتماهي مع حركة التفكير المتغير كل يوم تخلق بالطبيعة نموذجها المتطور ، أن ( عقلية التمدن ) هي وليدة فكر يبتكر واقعه باستمرار ، بينما تظل ( عقلية الخلاء الساحر ) عقلية تستكين للسحر الكامن في الطبيعة ، فتركن إلى تمجيدها وتقديم فروض الطاعة لها ، رافضةً في الوقت ذاته أي انتهاك لحرمة هذا السكون .
(5)
وبين هذا وذاك نفترش نحن الحيرة وننتظر ، بينما يقرر الآخرون دربهم ويمضون ، ويقع اختيارهم على التغيير ، ويتبرعون بإهداء ( خلائهم الساحر ) إلى متحف التاريخ الطبيعي ويكتفون بزيارته من آن إلى آخر ، منصرفين كلياً إلى خلق مفردات حياتهم الجديدة ، منهمكين تماماً في نمطية حياة تطور آلياتها كل يوم ، وتنصاع بشكل كامل إلى أوامر التقنية ونواهيها ، وتخلق من الآلة حاكماً لا يُرد له أمر .
(6)
وهكذا أصبح في بريدي مدير تنفيذي يأمرني فأطيع ، وانتصبت أمام سائق السيارة علامة حمراء تسد أمامه الطريق ليعبر الآخرون ، وصار لزاماً على من يشكو المرض أن يسلم قياده لأطباء يصلون جسده بالأسلاك ، ويتجولون في أوردته بمجسات ترى ما لا تراه العين ، بينما تسمرت العيون على شاشة بأقل من حجم راحة اليد تنقل لنا أخبار العالم ورسائل الأصدقاء ونغمات الأغاني عبر الهاتف النقال .
(7)
ولكن .. يظل السؤال .. أين اختفى ذلك ( الخلاء الساحر ؟ ) ، وجوابها سهل ، انه لم يختف طرفة عين ، لا زال كل شئ على حاله بالنسبة لنا ، وهذا بالضبط هو جوهر المشكلة التي نعيشها الآن .
(8)
لا زلنا نرفض في داخلنا أن تحتوينا المدن ، ولا زالت الإشارة الحمراء حرماً منتهكاً لا نمل من تدنيسه بالعبور كما نشاء ، ولازالت انجازات الطب وأجهزته بالنسبة لنا معجزات بلا تفسير ، ولا زال المدير التنفيذي للهوت ميل بالنسبة لي عدواً لا أطيق رسائله ولا أنفذ ما جاء فيها ولو كلفني ذلك إغلاق بريدي إلى الأبد .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فرنسا.. عمل أقل، حياة أفضل؟ • فرانس 24 / FRANCE 24
.. جنوب لبنان جبهة -إسناد- لغزة : انقسام حاد حول حصرية قرار الح
.. شعلتا أولمبياد باريس والدورة البارالمبية ستنقلان بصندوقين من
.. رغم وجود ملايين الجياع ... مليار وجبة يوميا أُهدرت عام 2022
.. القضاء على حماس واستعادة المحتجزين.. هل تحقق إسرائيل هدفيها