الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصة العراقية .. هموم التجربة ومتغيرات الذائقة

ابراهيم سبتي

2010 / 2 / 6
الادب والفن


الآباء في القصة العراقية يشبهون رواد الاكتشافات .. لأنهم ربما اكتشفوا القصة وكتبوها في مرحلة كانت فيها الساحة العراقية لا تعرف غير الشعر ، فكانت مهمتهم عسيرة ..
ولان القصة كانت مولودا حديثا ، فإنها لم تحظ بما حظي به الشعر من انتشار وتأشير من قبل النقاد والمؤرخين والدارسين .. وهذا سوء حظ القصة في العراق . لأنها لم تعرف وتقبل عربيا الا بعد ان نشر بعض المغامرين قصصهم في مجلات عربية معروفة . وهذا لا يعمم على الجميع . فبعضهم توجه بقصصه خارج الحدود لأنها كانت تستحق المحاولة ..
فنشر محمد خضير في نهاية الستينيات قصته الأرجوحة في مجلة الآداب البيروتية ونشر احمد خلف قصته خوذة لرجل نصف ميت في نفس المجلة عام 1969 .. وقبلهما نشر شاكر خصباك قصصه في مصر ونشر فؤاد التكرلي قصصه في مجلة الأديب اللبانية التي كان يديرها البير أديب وكذا الحال لعشرات الكتاب العراقيين ..
واعتقد جازما بان ذلك النشر كان مهما في الانتشار العربي للقاص العراقي . والنشر في مجلات عربية وقتها ليس شيئا عابرا والحال نفسه مع أدباء عرب آخرين , لان الفضاء الثقافي العراقي كان يفتقر الى الانتشار ، لضعف الوسائل المقروءة آنذاك ومحدودية أو انعدام خروجها من العراق . ولذا كان احتياج القاص العراقي إلى وسائل نشر محترفة ومتواجدة على الساحة العربية ، له أهميته الفنية في الانتشار وتعريف النقاد والناشرين والقراء العرب بوجود قصة عراقية تكتب بشكل يشبه ما يكتبه أهل القصة عندهم وربما اختلفت التقنية وتطورت في العراق وخاصة بعد محاولات بعض الخمسينيين في الدعوة الى الكتابة الجديدة ونشروا دعواتهم تلك على شكل مقالات ودراسات عن القصة .
ولان الوضع السياسي الذي ساد العراق خلق تخبطا وعدم استقرار وفوضى في بعض الميادين وخاصة الثقافية ، فقد اثر على الكتابة عموما وجعل هواة المغامرة من الأوائل يلجأون الى أنماط كتابة لم تك معروفة .فكانت القصة تنوء تحت كاهل كثير من الكتاب الخائفين من التقنية الجديدة أو الضعفاء فنيا أو الذين خذلتهم ظروف البلد الجديدة ولم يكن بمقدورهم اختراق الحواجز النفسية التي وضعوها لأنفسهم . فيما لجا البعض القليل جدا إلى القيام بثورة قصصية على غرار الثورة الشعرية للسياب ونازك التي عمت الشعرية العربية بانطلاقة غير مسبوقة . فنشر عبد الملك نوري مجموعته نشيد الأرض عام 1945 وضمت نصوصا خارج المألوف القصصي السائد نافضا الغبار عن الفن الجديد وإزالة الرتابة والشحوب والأورام المستديمة التي عانت منها القصة العراقية وأذكى ضعفها بعض الكتاب الذين أخذتهم ثقافتهم الناقصة الى جعل القصة عبارة عن إنشاء وموعظة خالية من كل الشروط الفنية .وعرف عبد الملك نوري في اعماله كيف يوازن بين الاسلوب والموضوعة وجعل القصة اكثر قبولا بعد ان غاصت في الدموع والحكواتية في عصره . ونشر مهدي عيسى الصقر وشاكر خصباك وعبد الحق فاضل وغانم الدباغ وغائب طعمة فرمان ومحمود عبد الوهاب ومحمد رزنامجي وغيرهم ، منجزهم القصصي في أوقات متقاربة فاشتعل الجيل الخمسيني بجذوة المنافسة مع الأقران العرب. اما التكرلي فكان مشغولا بتوجيه جيله الى الكتابة الجديدة للقصة عن طريق مقالاته النقدية مع عبد الملك نوري الذي كان يجهر بنفس الدعوة والتحق بهما العديد ممن وجدوا في الدعوة جوانب مهمة للنهوض بواقع القصة المتعثر . لكن الحقبة الخمسينية تدين لثلاثة أسماء مهمة لتميز ذلك الجيل عن أجيال الرتابة الفنية السالفة وهم عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي ومهدي عيسى الصقر الذين كانوا آباء للقصة العراقية .. وعند ظهور أسماء لاحقة أخرى بعدهم ، يكون العقد الخمسيني قد انقضى وجاءت فترة الحراك السياسي والاجتماعي والدخول في تقلبات الموجة السياسية وخاصة بعد ثورة تموز1958، ونجحت الأسماء الجديدة في إعطاء القصة العراقية حقها وقيمتها الفنية العالية .. هم الستينيون إذن .. الستينيون الذين قلبوا حال القصة واظهروا للآخرين من الكتاب القلقين والخائفين ، بان الفن القصصي العراقي لا يختلف فنيا عن الفن القصصي المصري او اللبناني حين كانا جد معروفين عربيا .. فدخل محمد خضير بقوة شاب طموح مغامر الى الساحة القصصية واثقا مما ينتج ويكتب بشكل لم يكن معهودا ، وكذلك الحال لموسى كريدي واحمد خلف وعبد الستار ناصر وغازي العبادي ومحسن الخفاجي وجمعة اللامي ومحمود جنداري وجليل القيسي وجاسم عاصي ويوسف الحيدري وغيرهم . وكانت القصة العراقية قد تغيرت تماما عما كانت عليه ( استثناء لكتابات التكرلي وعبد الملك نوري ) فقد احتفظا بمكانتهما الفنية وسط احترام وتقدير الستينيين . وقت ذاك ، أخذت القصة العراقية طابعا تقنيا مختلفا وشائكا في نفس الوقت . فإضافة الى الصانعين الحقيقيين للقصة الستينية ، ظهر عشرات غيرهم أرادوا ان يكتبوا قصة مختلفة بفنية عالية لكنهم أحبطوا جراء تأثير تلك الاسماء الراكزة التي عرفت اهمية القصة الجديدة المواكبة للتطورات والمتغيرات السياسية انذاك . فكانت تلك الجموع الغفيرة من القصاصين قد عرفت حجم المسؤولية التي يجب حملها فآثر اغلبهم الانسحاب او التخندق مع آخرين او الاستمرار مجاراة للأسماء الطموحة الواثقة . وصار في العراق نخبة كتاب عرفوا عظم المهمة وأسرار صنعة الفن الحكائي الصعب ، فانطلق عربيا من انطلق فيما بقيت شهرة بعضهم لا تتعدى العراق واكتفوا بها والنماذج كثيرة . ان إشكالية الوضع السياسي الستيني العراقي ودخول بعض الكتاب الى الأحزاب المتناحرة انذاك ، شكل منعطفا تاريخيا على المستوى الفني للقصة فعكسوا انتماءاتهم تلك في قصصهم وكأنهم أرادوا التبشير لأحزابهم او تصدير افكارها الى الناس . ففي الوقت الذي كانت اغلب القصص والروايات عبارة عن تاريخ شخصي وسير مع تضمين للواقع السياسي تاركين هموم المرحلة للعدد القليل الذي اعتنق القصة بكل جدارة واخلص لها . وكان اغلب الاشتغال الستيني الذي اثر على القصة العراقية لاحقا ، واضحا في إتقان اللغة والاشتغال على دلالاتها ومعانيها واشتقاقاتها والانتباه الى المهمشين والمغمورين من الناس والذين يعيشون في قاع المجتمع والدخول في عوالمهم بدقة كما في قصص محمد خضير الذي اعطى للغته الباذخة وفرة من الاهتمام مما اثر على مجموعة من الكتاب كتبوا بصيغة محمد خضير وان لم يصلوا الى فنه وظلت محاولاتهم معلقة تفتقد الى الشخصية الفنية.. آخرون من الكتاب فضلوا الكتابة بشخصية مختلفة صانعين منجزا حسب لهم بجدارة وانضموا الى قائمة الآباء ما جعل لهم هيمنة دون منافس على فضاء القصة انذاك .. لكن هل الاسماء اللاحقة من القصاصين بعد الستينيين يشكلون مرحلة الأبناء ؟ الأبناء الذين تاثر بعضهم بالفن الستيني الجامح واشتغلوا على مسطح شاسع من الأفكار والرؤى أكملوا فيها المشروع الصاخب . واعتقد جازما بان بعض الكتاب الذين جاءوا بفترات مختلفة بعد جيل الستينيات ، قد أسسوا لفن قصصي بارز عراقيا واختطوا لهم طريقا مستقلا بدراية إلا أنهم لم ينصفوا نقديا كما حصل للستينيين والخمسينيين الذين كان النقد مجاريا لكل تجاربهم وظل قريبا منهم واشر بحرقة كل المنجز وان مال بعض الشيء الى أسماء محددة في بعض طروحاته. ان إشكالية التأشير النقدي انعكست تماما على كل الحقب اللاحقة في القصة في حين نجد ان مجايليهم العرب قد اخذوا قسطا مهما من النقد ساعدهم على الانتشار والتعريف بمنجزهم . ويبدو ان محنة النقد في العراق رغم المحاولات الجادة لعلي جواد الطاهر وعبد الإله احمد وفاضل ثامر وياسين النصير ، قد أثرت على المشهد القصصي العراقي تأثيرا كبيرا وبات على القاص ان ينتج نصه خارج دائرة النقد البعيدة عنه مما يعني انه سيتعامل مع الصدفة في اكتشاف نصه من قبل الآخرين وتناوله نقديا وإعلاميا .. في الوقت الذي لم تعد المجلات الادبية حاضنة الإبداع المتميز كما كانت ، بل لم يقرأها الكثير من المتابعين لأنها لم تعد الأولى أدبيا لكثرة مجالات النشر الورقي والتقني ، وهي إشكالية أخرى يتعرض لها الكاتب ، فكثرة أماكن النشر تسبب تشتتا في المتابعة من قبل المتلقي والناقد معا وهذا ليس لصالح الكاتب أبدا ، إلا ما يحصل نادرا حين يتولى احد الناشرين العرب المعروفين نشر نتاج قاص أو روائي حينها تنفتح له أبواب كانت موصدة ورب قصة واحدة يتم التعريف بها بهذه الطريقة أفضل من عشرات المجاميع والروايات المغمورة التي لا يحصل لها سوى زيادة كمية الغبار عليها وهي مكدسة على الرف.. وهكذا على أبناء القصة العراقية ان يحاربوا على عدة جبهات ويغامروا للتعريف بهم وهذا صعب وغير لائق بالمرة لان صانع النص ليس بمقدوره ان يفعل ذلك .. انه ليس سوى قاص يحترم شغله وإبداعه ليس الا . وفي غياب النقد الواضح يكون القاص العراقي اليوم مثقلا بهموم التجربة والمعاناة وقلة الحيلة ومؤكد أنهم لن يصبحوا آباء للقصة بعد عدة أجيال لان عصر الأبوة في الأدب انتهى بنهاية عصور البساطة في كل شيء وبداية غزو التقنية السريعة والمتغيرات الهائلة المؤثرة على الذائقة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا