الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الوطنية والمقاومة والإسلام السياسي

مهدي سعد

2010 / 2 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعتبر مفهوم الوطنية واحدًا من المفاهيم الملتبسة في الفكر السياسي العربي ومن الصعب الوصول إلى تعريف متفق عليه لهذه العبارة. ولست هنا في مجال الخوض في البحث عن ماهية الوطنية وخصائصها، لكني بصدد نقاش الادعاء القائل بأن مفهوم الوطنية يقتصر على العداء للسياسات الأمريكية والإسرائيلية تجاه المنطقة العربية دون الأخذ بالاعتبار الدافع الفكري والأيديولوجي الذي يقف وراء هذا العداء. وفقًا للتصور المذكور يصار إلى اعتبار كل من يمارس العمل المقاوم ضد أمريكا وإسرائيل "وطني" وكل من يقف ضد المقاومة غير وطني وحتى "خائن" و"عميل".

أعتقد أن اختزال الوطنية في هذا الحيز الضيق يشكل إساءة كبيرة لها، إذ لا يجوز بناء هوية وطنية على أسس ضدية مهما كانت مشروعة، فالهوية تنبع من المزايا التي تتمتع بها مجموعة معينة ولا تتبلور على مقدار العداء لمجموعة أخرى أيًا كانت. من ثم ليس كل من يقاوم أمريكا وإسرائيل ويحمل السلاح في وجهما هو بالضرورة وطني، فالعديد من حركات المقاومة هي حركات غير وطنية ومشروعها مناقض كليًا لمشروع التحرر الوطني الذي هو المعيار الأبرز لقياس وطنية أو عدم وطنية حركات المقاومة.

الوطنية في مفهومي هي الهوية الجامعة لكافة المواطنين الذين يقطنون في كنف كيان سياسي معين هو في عصرنا الدولة الوطنية. تبعًا لهذا المفهوم فإن الوطني هو من يعتبر جميع سكان دولته مواطنين متساوين من حيث الحقوق والواجبات ولا يميز بينهم على أساس طائفي وقبلي. فممارستك لفعل المقاومة لا تحولك أوتوماتيكيًا إلى إنسان وطني ما دمت تنتهج سلوكًا طائفيًا في تعاملك مع أبناء مجتمعك وشعبك. إن ما يجعل منك إنسانًا وطنيًا هو تعاليك عن غرائزك الطائفية والقبلية في وقت المحن وعدم انجرارك وراء الفتن والاحتراب الداخلي بين أبناء الوطن الواحد.

وما دمنا نتحدث عن المقاومة فلا بد من التطرق إلى الحركات الإسلامية الأصولية التي تتبجح بعدائها لأمريكا وإسرائيل وتعتبر نفسها نموذجًا في الوطنية والكرامة وتصنف مناوئيها في خانة "عملاء واشنطن وتل أبيب". في اعتقادي إن هذه الحركات هي آخر من يحق لها الحديث عن الوطنية لأنها تقوم على أسس دينية وطائفية متخلفة تشكل نقيضًا صارخًا للمثل والقيم التي ترتكز عليها الفكرة الوطنية الحقيقية. أضف إلى ذلك أن الهدف النهائي لتلك القوى هو إنشاء أنظمة حكم تطبق الشريعة الإسلامية وتفرض نمط حياة يتلاءم مع فكرها الأصولي، وهذا يعني القضاء على جميع رموز الدولة الوطنية المتعارف عليها.

ومن الأدلة الدامغة لعدم وطنية حركات الإسلام السياسي استخدامها السلاح ضد أبناء شعبها واستعمال العنف بحقهم باسم المقاومة ومن أجل فرض رأيها بالقوة، الأمر الذي يكشف نواياها المبيتة ويظهرها على حقيقتها ويفضح أفكارها الرجعية التي تخبئها خلف العباءة الوطنية الخادعة، وتجربة حزب الله وحماس خير مثال على ذلك. وفي السياق ذاته لا بد من التأكيد على أن التنظيمات الأصولية التي أشرنا إليها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنظام الإيراني الذي يعمل على تفخيخ المنطقة العربية وزرع الفتن فيها، وغالبًا ما تكون تلك الحركات هي الأداة التي تنفذ هذه المخططات التفتيتية.

بناءً على ما تقدم يجب علينا الشروع بإعادة تعريف المفاهيم من جديد لكي نعطيها معانيها الحقيقية التي وجدت من أجلها. لا يعقل أن نبقى نطلق الشعارات جزافًا بدون أن نعرف كنهها، ومن غير الجائز المراوحة في حالة اختلاط المفاهيم القائمة حاليًا. ليس صحيحًا أن نطلق على الإسلامي صفة "وطني" وأن ننعت العَلماني بعبارة "كافر". وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن جزءًا كبيرًا من أزمة الثقافة العربية هي أزمة مفاهيم، فكثيرًا ما نستعمل المصطلحات في غير مكانها ونسمي الأمور بغير مسمياتها. الخطوة الأولى للخروج من هذه المعضلة هي انكباب اللغويين على فتح ورشة عمل يصدر عنها قاموس سياسي وثقافي يحتوي على تعريف صحيح للمفاهيم المتداولة على ألسنتنا وفي كتاباتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو